. أهم المشكلات الاقتصادية لجمهورية مصر العربية الاقتصاد المصري
الاقتصاد المصري هو ثاني أكبر اقتصاد في المنطقة العربية بعد السعودية بناتج محلي إجمالي يبلغ 500.9 مليار دولار (2010)، والثاني إفريقيا بعد جنوب إفريقيا والحادي عشر في الشرق الأوسط من حيث دخل الفرد. يتميز الاقتصاد المصري بأنه واحد من أكثر اقتصاديات دول منطقة الشرق الأوسط تنوعاً، حيث تشارك قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات بنسب شبه متقاربة في الاقتصاد المصري. ويبلغ عدد القوى العاملة في مصر نحو 26.1 مليون (2010) يتوزعون على القطاع الخدماتي (51%) والقطاع الزراعي (32%) والقطاع الصناعي (17%) يَعتمدُ الاقتصاد المصري بشكل رئيسي على الزراعة، ودخل قناة السويس والسياحة والضرائب والإنتاج الثقافي والاعلامى والنفط وتحويلات العمالة الخارجية من أكثر مِنْ 3 مليون مصري يَعْملونَ في الخارج، بشكل رئيسي في المملكة العربية السعودية، ومنطقة الخليجَ العربي مثل الإمارات العربية المتحدة والكويت تشكل تحويلاتهم النقدية موردا من موارد الاقتصاد، كما تتواجد العمالة المصرية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وأستراليا. اهم المشكلات الاقتصادية
1. كانت التقارير التي أصدرت عن النمو الاقتصادي في مصر، سواء المحلية أو الدولية مضللة، حيث ركزت على الإشادة بمعدلات النمو من الناحية المطلقة، دون أن تتطرق إلى أمرين في غاية الأهمية؛ الأول هو مصادر هذا النمو، والتي كانت في معظمها هامشية أو ريعية، في الوقت الذي كانت تتراجع فيه الأهمية النسبية للقاعدة الإنتاجية، سواء الصناعية أو الزراعية للاقتصاد المصري على نحو واضح، بحيث أصبحت مصر تفتقد حاليا إلى قاعدة إنتاجية تتناسب مع الموارد التي تملكها، خصوصا المورد البشري. فقد وجه النظام السابق جل اهتمامه إلى القطاعات الخدمية والقطاعات غير المنتجة، فتم الاهتمام بالإسكان الفاخر، وتنمية الشواطئ وبناء المنتجعات في الوقت الذي كانت تستورد فيه مصر جانبا كبيرا من السلع الاستهلاكية والآلات والمعدات والغذاء، وهو ما انعكس في العجز الهائل في الميزان التجاري المصري.
2. الأمر الثاني وهو توزيع هذا النمو، أو بالأحرى من استفاد من هذا النمو؟ فقد كان هذا النمو على حساب العدالة المفترضة في توزيع الدخل بين الفئات الدخلية المختلفة، حيث تراجعت مكانة الطبقة الوسطى والتي كانت تشكل غالبية الشعب المصري عندما استلم النظام السابق الحكم، وأصبحت الهوة بين الفئات الدخلية المرتفعة والفئات الفقيرة واسعة جدا، وقد اعترفت المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي بأن تقاريرها عن النمو الاقتصادي في مصر لم تكن دقيقة، لأنها ركزت على معدلات النمو من الناحية المطلقة، دون أن تأخذ في الاعتبار معايير التوزيع أو اعتبارات العدالة الناجمة عن هذا النمو.
3. نظرا لضيق القاعدة الإنتاجية عاشت مصر، ومازالت، فترات طويلة انتشرت فيها الضغوط التضخمية على نحو واسع، والتي ساعد على تعمقها ضعف قاعدة الإيرادات العامة للدولة والتي تسببت في عجز مستمر في الميزانية العامة للدولة والذي كان يتم تمويل جانب منه من خلال الإصدار النقدي الجديد، والذي يغذي الضغوط التضخمية. ونظرا للظروف الاستثنائية التي تمر بها مصر حاليا من المتوقع ان تتعمق تلك الضغوط بصورة أكبر في المرحلة القادمة، ولسوء الحظ فإن محاربة التضخم في هذا التوقيت بالذات سوف تكون مهمة في غاية الصعوبة، وذلك نظرا للمناخين المحلي والدولي غير الموائمان حاليا، حيث ترتفع أسعار الغذاء عالميا ومحليا بصورة مثيرة للقلق. 4. من أخطر التحديات التي تواجه مصر حاليا وفي المستقبل هي ارتفاع معدلات البطالة، لأسباب عديدة أهمها عدم مناسبة إستراتيجية التعليم الحالية لمتطلبات سوق العمل، بصفة خاصة التعليم الجامعي، من ناحية أخرى فإن عمليات الاستثمار التي تتم حاليا في الاقتصاد المصري لا تخلق فرص عمل كافية للداخلين الجدد إلى سوق العمل، وقد كان من المفترض ان تركز استراتيجيات الاستثمار على الأنشطة كثيفة الاستخدام لعنصر العمل. عدد كبير من الداخلين الجدد لسوق العمل من كافة المصادر يقضون حاليا فترات طويلة في حالة بطالة بحثا عن العمل الذي لا يجدونه في كثير من الأحيان، وأمام هذه الضغوط يضطر الكثير من الشباب إما إلى الهجرة إلى الخارج أو قبول وظائف لا تتماشى مع مؤهلاتهم ومهاراتهم، أو العمل في القطاع غير الرسمي من الاقتصاد المصري، وهو ما يمثل هدرا للموارد الضخمة التي أنفقتها الدولة على عمليات تأهيلهم. المشكلة التي يواجهها صانع السياسة في مصر هي أن نسبة صغار السن تعد مرتفعة للغاية، وعاما بعد آخر ترتفع أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل، وكل عملية خلق لوظيفة إضافية تقتضي ضرورة القيام بإنفاق استثماري يعتمد على ما يطلق عليه في الاقتصاد بالمعامل الحدي لرأس المال/العمل، أي مستوى الإنفاق الرأسمالي اللازم لخلق وظيفة إضافية. وأخذا في الاعتبار المستويات الحالية للبطالة فإن التعامل مع مشكلة البطالة في المستقبل سوف يتطلب ضرورة القيام باستثمارات ضخمة تتجاوز إمكانيات الاقتصاد المصري حاليا، ولا شك أن استقرار مصر الاقتصادي في المستقبل سوف يتطلب ضرورة خلق عدد كاف من الوظائف المنتجة للملايين من العاطلين عن العمل حاليا، وللداخلين الجدد إلى سوق العمل، ولا شك أنه هذه مهمة لن تكون سهلة، وتتطلب رسم خطط متكاملة للتنمية في القطاعات الإنتاجية المختلفة في الاقتصاد المصري مصحوبة بسياسات فعالة لجذب الاستثمارات الأجنبية في الصناعات كثيفة الاستخدام لعنصر العمل.
4. على المستوى المالي تواجه مصر تحديا آخر مرتبط بارتفاع العجز في ميزانيتها العامة، والذي يصل في بعض الأحيان إلى نسبة 9% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة مرتفعة جدا، وتفرض على مصر، في ظل ضعف القاعدة الضريبية بها أن تلجأ إلى الاقتراض، سواء المحلي أو الخارجي، ولا شك ان استمرار هذا العجز على نحو متصاعد يعني أن النمو الحالي في الدين العام سواء المحلي أو الخارجي لن يكون مستداما، ويتوقع أن يميل هذا العجز نحو الارتفاع بصورة واضحة في فترة ما بعد الثورة، وذلك قبل أن تعمل مصر على رفع إيراداتها العامة وترشيد نفقاتها بهدف السيطرة على النمو في ميزانيتها العامة. فعلى الرغم من هيكل الضرائب المكثف جدا الذي تتبناه مصر حاليا، إلا ان الإيرادات الضريبة تعتبر منخفضة بشكل عام، ولا تتجاوز نسبة الـ 15% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي بهذا الشكل تقل عن المستويات المحققة في معظم دول العالم المتقدم منها والنامي، الأمر الذي يعكس حقيقة ان الضرائب المفروضة، على كثافتها، لا تحصل، وأن هناك تهربا ضريبيا يمارس على نطاق واسع في الدولة من قبل الممولين وبمساعدة الجهاز الحكومي الذي يفرض ويحصل الضريبة، وأن الجهاز الضريبي لا يتسم بالكفاءة والفعالية المناسبة.
5. من ناحية أخرى تواجه مصر من الناحية التقليدية عجزا مستمرا ومتفاقما في ميزان المدفوعات، بصفة خاصة في الميزان التجاري (الصادرات السلعية والواردات السلعية)، حيث تعجز الإيرادات من النقد الأجنبي من الصادرات عن تغطية احتياجات مصر من الواردات من الخارج. وعلى الرغم من أن ميزان المعاملات غير المنظورة (صادرات وواردات الخدمات) يحقق فائضا، إلا إن هذا الفائض للأسف لا يكفي لتغطية فجوة الواردات في الميزان التجاري، لذلك تلجأ مصر إلى الاستدانة بصورة مستمرة لتغطية العجز في ميزان المدفوعات.
6. تواجه بيئة الأعمال في مصر عقبة خطيرة تتمثل في انتشار الفساد على نحو واسع والذي أصبح يؤثر سلبا على عمليات تخصيص الموارد وكيفية توزيعها بين الأطراف المختلفة في الدولة، كما أصبح الفساد يهدد إقبال المستثمرين على الاستثمار في مصر، بصفة خاصة الاستثمار الأجنبي. وتشير التقارير التي تصدرها منظمة الشفافية العالمية إلى تراجع ترتيب مصر الدولي في مجال مكافحة الفساد، ولا شك أن من أهم التحديات التي تواجهها مصر في المستقبل هي كيف تكسب معركة محاربة الفساد المستشري بصورة عميقة في كافة أرجاء الجهاز الإداري للدولة، خصوصا مع تدني مستوى المرتبات التي يحصل عليها العاملين في الدولة وتجاهل النظام السابق لهذه الحقيقية بصفة مستمرة وعدم العمل بجدية على تحسين أوضاع هؤلاء العاملين، وبما ان العاملين في الدولة ينبغي عليهم تدبير قوت يومهم بصورة ما، فقد انتشرت الرشوة وغيرها من أشكال الفساد الإداري على نطاق واسع.
7. وأخيرا يعد ضعف البنية التحتية وتردي مستواها أحد اخطر التحديات التي تواجه مصر لكي ترتفع بمستويات إنتاجها وتنافسيتها، فقطاعات مثل الصحة والتعليم والمياه والكهرباء والطرق والمواصلات والاتصالات والمطارات والموانئ... الخ، في حاجة إلى تحسين ضخم لرفع كفاءتها المتدنية للغاية حاليا، والتي تضع مصر في مركز متدني كدولة مستقبلة للاستثمار الأجنبي أو مقدمة للخدمات بصفة خاصة الخدمات السياحية، ولاشك أن مصر تحتاج إلى أن تستثمر في بنيتها التحتية ذات المستوى الضعيف، وهي مهمة سوف تتطلب ميزانيات ضخمة قد لا تستطيع مصر الوفاء بها ذاتيا في الوقت الحالي، وسوف تحتاج مصر إلى مساعدة المؤسسات المالية الدولية والإقليمية لرفع قدرتها على الاستثمار في مجال البنى التحتية اللازمة لنمو، وألا فسيظل ضعف البنية التحتية في الاقتصاد المصري أهم القيود على تقدمه ونموه ورفع مستويات تنافسيته. هذه هي المشكلات الرئيسية التي تواجه مصر حاليا، ومما لا شك فيه ان هناك مشكلات أخرى ملحة مثل انتشار الفقر، وانتشار ثقافة التربح والكسب السريع وانتشار البيروقراطية ومركزية اتخاذ القرار وغيرها من المشكلات التي تكبل الاقتصاد المصري وتحول دون انطلاقه نحو الأمام لتصبح مصر في مصاف الدول الناشئة في العالم مثل ماليزيا وكوريا الشمالية، والتي لا تقل مصر عن هذه الدول من حيث الموارد والإمكانيات، ولكن المشكلة الأساسية التي تواجه الاقتصاد المصري هي في سوء عملية توجيه الموارد وإدارتها. حل مشكلة الاقتصاد الاقتصاد الإسلامي يستطيع أن يحلَّ كل المشكلات الاقتصاديَّة التي تعاني منها مصر الآن، بل إن هذه المشكلات ما حدثت إلا لغيبة الاقتصاد الإسلامي وعدم تطبيقه، فإذا كان الاقتصاد الإسلامي يطبَّق في مصر لما كان هناك فقر، ولما كانت هناك بطالة ولما عانت مصر من الاحتكار والظلم والفساد والإفساد، لأن مبادئ الاقتصاد الإسلامي تحارب كل هذه المشاكل، بل إن الاقتصاد الإسلامي جاء لكي لا تظهر هذه المشكلات فعلى سبيل المثال مشكلة الفقر لم تظهرْ في أمَّة تطبق الاقتصاد الإسلامي لأنه من مبادئه الإسلاميَّة الزكاة التي شرعها الله سبحانه وتعالى لإغناء الناس، فالزكاة ليست مهمتها أن تعطي للفقير أموالا يستهلكها في يوم أو شهر أو حتى سنة وإنما مهمة الزكاة أن تغني الإنسان العمر كله، فمن القضايا المثارة في الفكر الإسلامي ما الذي نعطيه للفقير، هل نعطيه كفاية السنة أو نعطيه كفاية العمر والرأي الصواب والأصح في هذا هو أن نعطي الفقير كفاية العمر بمعنى أن الفقير إذا أخذ الزكاة مرة فلن يعود إلى أخذها مرة أخرى إلا استثناء لأن الغني معرض أيضًا للفقر، ولذلك فالأصل هو أن الفقير الذي أخذ الزكاة مرة فلن يعود إلى أخذها بل سوف يداوم على دفعها. ويستطيع الإسلام من خلال الزكاة أن يقدم للفقراء رءوس أموال يستخدمونها؛ ففي كتاب الإمام النووي: إن الزكاة مهمتها إغناء الناس كفاية العمر حيث يقول: يعطيان ( يقصد الفقير والمسكين) ما يخرجهما من الفقر إلى الغنى، فبائع البقل (أي بائع الفجل والبقدونس) يعطي عشرة دراهم (الدرهم في أيامه كان يشتري شاة)، وبائع الجواهر يعطي مائة ألف درهم أو أكثر، ومن كان حدادًا أو نجارًا أو تاجرًا يعطي أدوات حرفته أو رأس مال تجارته. بهذا يصبح الفقير غنيًّا ليس من هذا المال ولكن من عمله ومجهوده، وهذا بالنسبة إلى الناس الذين يجيدون الحرف المختلفة، أما من كان أخرق ( أي ليس لديه قدرة على تعلم أي مهنة ولا يعرف حرفة) قال الإمام النووي: تشتري له ضيعة أو حصة في ضيعة تكفيه غلتها عمره كله وتوقف عليه ولا يسمح له ببيعها، هذا هو علاج الإسلام لمشكلة الفقر، وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك فقير في ظلّ تطبيق الاقتصاد الإسلامي، وقد قال عمر بن الخطاب للعاملين على الزكاة: إذا أعطيتم فأغنوا، ويقول أيضًا: كرروا عليهم الصدقة ولو راح على أحدهم مائة من الإبل، والغني هنا مختلف طبقًا لكل عصر من العصور، فأيام عمر بن الخطاب كان يتمّ إعطاء الفقير ناقة ليصبح غنيًّا ليس من هذه الناقة ولكن من عمله عليها، ولكن في ظروفنا الحالية يمكن للفقير أن يصبح غنيًّا من خلال إيجاد عمل له سواء في مصنع أو مزرعة حتى ولو لم يكن مالكًا لهما من خلال قيام الدولة ببناء المصانع وتوظيف الناس فيها وبذلك نكون قد أغنينا هؤلاء الناس، وبهذا نقضي على المشكلة الثانية التي تواجهنا وهي مشكلة البطالة لأن الإسلام لا توجد فيه بطالة. الزكاة وحل المشكلات والإنسان في الإسلام مكلَّف بالعمل ومعيار التفاضل بين الناس في الإسلام هو العمل، وليس مدى امتلاكهم للأموال، فالخليفة عمر بن الخطاب يقول: إنه ليعجبني الرجل طوله وعرضه فأسأل ألديه حرفة؟ فإذا قيل لا سقط من النظر، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: "ما أكل أحد طعامًا قطّ خيرًا من أنَّ يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده" وقد ذكر نبي الله داود أنه كان نبيًّا وملكًا أي كان غنيًّا، كما يوضح لنا الله سبحانه وتعالى في سورة الملك أن الإنسان خلق للعمل ولإعمار الأرض، كما أن كل الفرائض المكلَّف بها المسلمون عبارة عن عمل؛ فالصلاة والصوم والحج أعمال يقوم بها المسلم. في عصرنا الحاضر لم يطبقْ أحد فريضة الزكاة التطبيق الصحيح كما شرعها الإسلام، ولكن في العصور الإسلاميَّة الأولى لم يكن هناك فقراء لأن الزكاة كانت تكفي الناس وتفيض عن حاجتهم، وعامة في أيامنا المعاصرة لا توجد دولة تطبق نظام الزكاة إلا دولتان؛ السودان وماليزيا، أما السعوديَّة فلها نظام خاص بها في الزكاة حيث تطالب الأغنياء بها بتحديد قيمة الزكاة التي يدفعونها وتأخذ منهم نصفها وتترك لهم النصف الآخر من الزكاة لينفقوه بمعرفتهم على من يعرفون من الفقراء، بمعنى أن 50% من أموال الزكاة تدفع للدولة، و50% يدفعها الأغنياء لمن يريدون من الفقراء. في مصر يتم جمع مبالغ كبيرة من أموال الزكاة بالفعل ولكن هذه المبالغ غير منظَّمة ولا يتمُّ إنفاقها على المجتمع ككل. يجب أن تكون علاقة الزكاة بين الدولة والمواطنين بحيث تقوم الدولة بجمع الزكاة من الأغنياء للإنفاق على المشروعات التي تنقل الفقراء إلى مستوى الأغنياء، ومن الممكن أن يتحقق هذا الأمر من خلال إنشاء جهاز للزكاة في كل دولة إسلاميَّة وعربيَّة يقوم بتحصيل أموال الزكاة من كل من تجب عليه واستخدام حصيلتها في بناء المشروعات الزراعيَّة والصناعيَّة والتجاريَّة التي تخدم فقراء هذه الدول بشكل يجعلهم قادرين على كسب ما يسد احتياجاتهم، وهذا الأسلوب تطبقه دولة قطر من خلال صندوق الزكاة، وهو مثال جيد لتطبيق الزكاة بالأسلوب الصحيح والمفيد، ومعظم الدول التي تطبِّق نظام الزكاة لديها مؤسَّسات معنيَّة بصرف أموال الزكاة في مصارفها الشرعيَّة. وقد سبق أن خصَّص الرئيس الراحل أنور السادات نسبة 2.5% من أرباح شركات القطاع العام لبنك ناصر ليوزعها كزكاة على الجمعيات الخيريَّة بحيث أن كل جمعيَّة تجمع مائة ألف جنيه من أموال الزكاة تحصل من بنك ناصر على مائة ألف جنيه أخرى لتصرفها على المنطقة التي جمعت منها المائة ألف جنيه الأولى في صورة تقديم ماكينات خياطة وأبقار للأُسر الفقيرة، وقروض حسنة للزواج بجانب تمليك تاكسيات للسائقين، ولا يزال بنك ناصر يعمل بهذا النظام حتى الآن ولكن بدون الحصول على نسبة الـ 2.5% من أرباح شركات القطاع العام. الاستثمارات الإسلاميَّة في الأسواق حجم الاستثمارات الإسلاميَّة في الأسواق العالميَّة متقلب من يوم إلى يوم، ومع ذلك فهي أموال طائلة لا تقل عن 10 تريليونات دولار، ولا تقلّ الاستثمارات العربيَّة بالأسواق العالميَّة عن 6 تريليونات دولار، وهذا الرقم لا تدخل فيه الأموال التي تم تهريبها من مصر أو الجزائر أو ليبيا بمعرفة رؤساء هذه الدول وقياداتها كما يقال أن العرب فقدوا نحو خمسة تريليونات دولار في الأزمة الماليَّة العالميَّة في عام 2008 بصورة صكوك وأسهم وسندات في الشركات العالميَّة التي انهارت بسبب الأزمة. وقد تأثرت البنوك الإسلاميَّة بالأزمة الماليَّة العالميَّة ولكن في حدود أقل من غيرها بكثير، والسبب الأساسي لذلك أن البنوك الإسلاميَّة لا تعمل بنظام الربا ولا بالأصول الورقيَّة ولكنها تعمل بأصول حقيقيَّة، وبالفعل تعرضت البنوك الإسلاميَّة لبعض الكساد بسبب الأزمة مثل البنوك التجارية لأنها جزء من السوق العالمي، ولكن البنوك الإسلاميَّة لم تتأثر سلبًا كالبنوك الربويَّة لأن تعاملاتها الماليَّة تعاملات حقيقيَّة فالبنوك الإسلاميَّة تشتري أصولا حقيقية وتبيع أصولا حقيقيَّة وتستثمر في استثمارات ومشروعات حقيقيَّة وليست ورقيَّة بجانب دخولها في المشاركات الاستثماريَّة. ومع تزايد نجاحات البنوك الإسلاميَّة فالمستقبل سيكون لهذه البنوك وتوجد العديد من المؤشرات التي تؤكد ذلك منها اتجاه دولة الإمارات العربيَّة لتحويل مؤسساتها المصرفيَّة إلى بنوك إسلاميَّة وقرار الجمعيَّة التشريعيَّة الفرنسيَّة بإنشاء بنوك إسلاميَّة بجانب تجربة البنوك الإسلاميَّة في بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكيَّة. الأموال الإسلاميَّة تستثمر في كافة المجالات وكل دولة تختلف عن الأخرى في مجالات استثمار أموالها، فالقذافي مثلا استثمر الأموال الليبيَّة في محطات الغاز، والسعوديَّة مثلا تستثمر في عدة مجالات كالغذاء والأراضي الزراعيَّة كما في توشكي بمصر، والكويت تستثمر في بناء المطارات كما في مرسى علم بمصر أو في أوروبا بالقرى السياحيَّة وللأسف على الرغم من وفرة الأموال العربيَّة فإنها ليست لها سياسة محددة لخدمة القضايا العربيَّة مثلما فعل اليهود في استثماراتهم في الولايات المتحدة، فاليهود يستثمرون أموالهم في مجال الإعلام للسيطرة على الإعلام الأمريكي لتوجيه سياسته لخدمة الأهداف الإسرائيليَّة وهذا طبعًا وفقًا لسياسة معينة، أما العرب فلا يستثمرون أموالهم طبقًا لسياسة محددة ولكن للحصول على أرباح ماليَّة فقط. ولذلك فالبنوك المركزيَّة العربيَّة هي التي تستطيع أن تحدد مجالات استثمارات الأموال العربيَّة، مع ملاحظة صعوبة هذا التحديد؛ لأن كثيرًا من العرب يهربون أموالهم عبر الطرق غير الشرعيَّة. معظم استثمارات البنوك الإسلاميَّة يتمّ استثمارها في الدول الإسلاميَّة لأن أساليب استثمارها يستجيب لها غالبية المسلمين، وحتى الدول الغربيَّة عندما فتحت بنوكًا إسلاميَّة لا أعتقد أنها نجحت مثل نجاح البنوك الإسلاميَّة في الدول الإسلاميَّة لأن البيئة الإسلاميَّة مواكبة لأهداف ومبادئ البنوك الإسلاميَّة، ولذلك لدينا كثير من الناس يضعون أموالهم في البنوك الإسلاميَّة ولا يضعونها في البنوك الربويَّة حتى ولو لم يحصلوا على عائد من البنوك الإسلاميَّة خوفًا من شبهة الربا. الاقتصاد الإسلامي لديه القدرة والمكونات التي تجعله يحلّ كافة المشاكل الاقتصاديَّة فقط أعطوا الإسلام فرصة لكي يطبَّق وسوف يقوم بحل كافة المشاكل، وعقب ثورة 25 يناير طفت بالفعل العديد من المطالب الفئوية وإضرابات المدرسين والأطباء وسائقي النقل العام وكل هؤلاء لو كان لديهم فكر إسلامي كان يجب عليهم أن يصمتوا الآن ويصبروا حتى تتحسن ظروف البلاد الاقتصاديَّة خاصة إذا تَمَّ إعطاؤهم وعودًا وبرنامجًا زمنيًّا لزيادة المرتبات وتحقيق مطالبهم مع ملاحظة أن زيادة المرتبات لا تكون عن طريق القروض التي تقترضها الدولة من الدول والمؤسَّسات المختلفة ولكن عن طريق زيادة الإنتاج. ويمكن لمصر من خلال تطبيق مبادئ ومعاملات الاقتصاد الإسلامي أن تحل مشاكلها الاقتصاديَّة وإذا كنا قد طبقنا كل أشكال الاقتصاد من اشتراكيَّة إلى رأسماليَّة إلى اقتصاد مختلط وكلها فشلت في مواجهة مشاكلنا فلماذا لا نعطي فرصةً للاقتصاد الإسلامي لتطبيق قواعده لمواجهة المشاكل الاقتصاديَّة التي تعاني منها مصر حيث يملك الاقتصاد الإسلامي كل المقومات التي تحقق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعيَّة.