تبدأ غالبية مؤلفات التنمية الاقتصادية، بالتفرقة بين التنمية والنمو ويجتهد كل اقتصادي في إضافة المزيد من الفروق بين المفهومين، إلا أنهم متفقون على أن مفهوم النمو الاقتصادي يعني النمو الكلي لكل من الدخل القومي والناتج القومي كما يستخدم المفهوم عند الإشارة للبلدان المتقدمة.أما مفهوم التنمية الاقتصادية فهو يتضمن الإضافة إلى النمو الكمي إجراء مجموعة من التغيرات الهيكلية في بنيان المجتمعات كما يستخدم للإشارة للبلدان المختلفة. في حين أن التنمية الاقتصادية تفترض تطويرا فعالا وواعيا أي إجراء تغيرات في التنضيمات التابعة للدولة. أضف إلى ذلك فإن مفهوم التنمية ينطبق على البلدان المتخلفة والتي تمتلك إمكانيات التقدم ولكنها لم تقم بعد باستغلال مواردها. ويتضح ما سبق فإن المفهوم السائد للنمو هو التوسع الاقتصادي التلقائي غير المعتمد والذي لا يستدعي تغير في الهيكل الاقتصادي للمجتمع، ويقاس بحجم التغير الكمي في المؤشرات الاقتصادية( الإنتاج، القرض، الدخل الوطني) وينطبق ذلك المفهوم على البلدان المتقدمة. أما المفهوم السائد للتنمية فهو التوسع الاقتصادي المقصود والذي لا يمكن أن يحدث بدون تدخل الحكومة وبمقتضى بالضرورة تغير الهيكل الاقتصادي للمجتمع وعلى ذلك تصبح المقاييس الكمية غير كافية لقياس درجة التنمية وينطبق المفهوم على البلدان المختلفة. بعدما تعرفنا على آراء العلماء بين التفرقة بين مفهومين النمو والتنمية أما تعريف التنمية الاقتصادية فإنه ذلك التعريف الذي يقتضي إضافة أبعاد جديدة وذلك على النحو التالي: •أن يكون التغيير في حجم النشاط الاقتصادي بالزيادة. •أن تستند عملية التنمية بالدرجة الأولى غلى القوى الدائمة للمجتمع. •أن تضمن عملية التنمية تحقيق نموا متواصلا ومستمرا من خلال تجدد موارد المجتمع بدلا من استنزافها . •أن تحقق توازنا بين قطاعات المجتمع الاقتصادية. •أن تلبي حاجات الغالبية العظمى لأفراد المجتمع. •أن تحقق قدرا كبيرا من العدالة بين الأفراد والمجتمع. ويمكن اعتبار هذه الأبعاد الستة هي الأبعاد الأساسية التي تحدد شكل واتجاه سياسة التنمية الاقتصادية التي تتبعها كافة بلدان العالم، وعلى ذلك يمكن تعريف التنمية الاقتصادية بأنها مجموعة السياسات التي يتخذها مجتمع معين تؤدي إلى زيادة معدلات النمو الاقتصادي استنادا إلى قوة ذاتية مع ضمان تواصل هذا النمو وتوازنه لتلبية حاجات أفراد المجتمع وتحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة الاجتماعية. أهداف التنمية الاقتصادية للتنمية الاقتصادية أهداف عديدة تدور كلها حول رفع معيشة السكان توفير أسباب الحياة الكريمة لهم و بالتالي تعتبر التنمية في البلاد النامية كوسيلة لتحقيق الأهداف المنشودة و سنعرض فيما يلي بعض الأهداف الأساسية التي يجب أن تبلور حولها الخطة العامة للتنمية الاقتصادية في الدول النامية 1-زيادة الدخل القومي : تعتبر زيادة الدخل القومي أهم أهداف التنمية الاقتصادية في الدول النامية ذالك بان الغرض الأساسي الذي يدفع هذه البلاد إلى القيام بالتنمية الاقتصادية هو فقرها و انخفاض مستوى معيشة أهلها و تزايد نمو عدد سكانها و لا سبيل القضاء على كل هذه المشاكل سوى زيادة الدخل القومي . -و الدخل القومي نقصد زيادته هنا هو الدخل القومي الحقيقي لا النقدي ، أي ذالك الذي يتمثل في السلع و الخدمات التي تنتجها المواد الاقتصادية خلال فترة زمنية معينة و ليس هناك في شك في زيادة الدخل القومي الحقيقي في أي بلد من البلدان إنما تحكمها عوامل معينة ، كمعدل الزيادة في السكان و إمكانيات البلد المادية و الفنية مثلا فكلما كان معدل الزيادة في السكان كبيرا كلما اضطرت الدولة إلى العمل على تحقيق نسبة أعلى للزيادة في دخلها القومي ، فكلما توفرت أموال أكثر و كفاءات أحسن كلما أمكن تحقيق نسبة أعلى للزيادة في الدخل القومي الحقيقي و بالعكس كلما كانت هذه العوامل نادرة فان نسبة ما يمكن تحقيقه من زيادة في الدخل القومي الحقيقي عادة ما تكون صغيرة نسبيا و عموما يمكن القول بان زيادة الدخل القومي الحقيقي أيا كان حجم هذه الزيادة أو نوعها إنما تعتبر من أولى أهداف التنمية الاقتصادية و أهمها على الإطلاق في الدول المتخلفة اقتصاديا 2-رفع مستوى المعيشة : يعتبر تحقيق مستوى المعيشة من بين الأهداف العامة التي تسعى التنمية الاقتصادية إلى تحقيقها في الدول المتخلفة اقتصاديا ، ذالك انه من المتعذر تحقيق الضروريات المادية للحياة المادية للحياة و تحقيق مستوى ملائم للصحة و الثقافة ما لم يرتفع مستوى معيشة السكان ، و بالدرجة كافية للتحقيق مثل هذه الغايات فالتنمية الاقتصادية ليست مجرد وسيلة لزيادة مستوى المعيشة بكل ما يتضمنه هذا التعبير من معنى لأن التنمية الاقتصادية إذا وقفت عند حد خلق زيادة في الدخل القومي ، فان هذا قد يحدث فعلا غير أن هذه الزيادة قد لا تكون مصحوبة بأي تغيير في مستوى المعيشة و يحدث ذالك عندما يزيد السكان بالنسبة أكبر من نسبة زيادة الدخل القومي أو عندما يكون نظام توزيع هذا الدخل مختلا . فزيادة السكان بنسبة أكبر من زيادة الدخل القومي تجعل من المتعذر تحقيق زيادة في متوسط نصيب الفرد من هذا الدخل و بالتالي انخفاض مستوى معيشة ، و كذالك الحل لو كان نظام توزيع الدخل مختلا و في هذه الحلة تتحول معظم الزيادة التي تحققت في الدخل القومي إلى الطبقة المسيطرة على النشاط الاقتصادي و هي عادة تكون قلة من الناس ، و بالتالي يبقى مستوى المعيشة الجزء الأكبر من السكان على حاله هذا إن لم ينخفض و بما أننا نقيس مستوى المعيشة بمتوسط نصيب الفرد من الدخل القومي فكلما كان هذا المتوسط مرتفع كلما دل ذلك على ارتفاع مستوى المعيشة و العكس كلما كان منخفضا كلما دل ذالك على انخفاض مستوى المعيشة ، لذالك لا بد أن تعمل التنمية الاقتصادية على زيادة متوسط دخل الفرد حتى يتسنى رفع مستوى معيشة و تحقيق هذا لا يتوقف عند خلق زيادة في الدخل القومي فحسب بل يجب أن ترتبط هذه الزيادة بتغيرات في هيكل الزيادة السكانية من جهة و طريقة (1) توزيع الدخل القومي من جهة أخرى ، فمن ناحية يجب العمل على وقف النمو المتزايد في عدد السكان نسبيا و ذالك بالتحكم في معجل المواليد و الهبوط بيه إلى مستوى ملائم و من ناحية أخرى يجب تحقيق نظام عادل لتوزيع الدخل القومي بين السكان 3 –تقليل التفاوت في الدخول في الثروات : هذا الهدف للتنمية الاقتصادية في الواقع هو هدف اجتماعي إذ أنه في معظم الدول المتخلفة نجد أنه بالرغم من انخفاض الدخل القومي و هبوط متوسط نصيب الفرد في هذا الدخل فإننا نرى فزوقا كبيرة في توزيع المد خول و الثروات إذ تستحوذ طائفة صغيرة من المجتمع على جزء كبير من ثروته و نصيب عالي من دخله القومي بينما لا تمتلك غالبية أفراد المجتمع إلا نسبة بسيطة من ثروته و تحصل على نصيب متواضع من دخله القومي ، و هذا التفاوت من توزيع الثروات و الدخول يؤدي إلى انقسام المجتمع إلى حالتين : -حالة من الغنى المفرط و حالة من الفقر المدقع إضافة إلى انه غالبا ما يؤدي إلى اضطرابات شديدة فيما ينتجه المجتمع و ما يستهلكه و كلما زاد هذا الاضطراب زاد رأس المال المعطل في المجتمع ، ذالك أن الطبقة الغنية لا تنفق في العادة كل ما تحصل عليه من أموال بسبب ارتفاع ميلها الحدي للاستهلاك ، إضافة إلى ان الجزء الذي تكنزه الطبقة الغنية ولا تنفقه في العادة كل ما تحصل عليه من أموال بسبب ارتفاع ميلها الحدي للاستهلاك إضافة إلى أن الجزء الذي تكنزه الطبقة الغنية ولا تنفقه يؤدي في الأجل الطويل الى ضعف قدرة الجهاز الإنتاجي ، و زيادة تعطل العمال ، ذالك بأنه لو أعيد إنفاقه على شراء السلع و خدمات في السوق للعمل على زيادة نشاط الأعمال و بالتالي زيادة تشغيل العمال ، لذالك فليس من المستغرب اعتبار تقليل التفاوت في الدخول و الثروات من بين الأهداف العامة التي تسعى التنمية الاقتصادية إلى تحقيقها 4-تعديل التركيب النسبي : هناك أهداف أخرى أساسية لتنمية الاقتصادية تدور كلها حول تعديل التركيب النسبي الاقتصاد القومي ، و نعني ذلك عدم قدرة البلاد على قطاع واحد من النشاط كمصدر لدخل القومي ، سواء أن كانت تعتمد على الزراعة فقط ، و البحث في إنشاء و دعم قطاع الصناعة و ذلك أن الاعتماد على قطاع واحد يعرض البلاد إلى خطر التقلبات الاقتصادية الشديدة نتيجة التقلبات في الإنتاج و الأسعار في هذا القطاع الوحيد المستغل مما يشكل خطرا جسيما على هدوء و استقرار مجرى الحياة الاقتصادية ، لذالك يجب على القائمين بأمر التنمية في البلاد إحداث توازن في القطاعات و عدم الاعتماد على قطاع واحد كمصدر للدخل القومي كما هو الحال في الجزائر لاعتمادها بشكل كبير على عائدات البترول ، و البحث في إحياء قطاع الزراعة للوصول إلى الاكتفاء الذاتي ثم التصدير ، كما لا ننسى قطاع الصناعة و الذي يمثل إحدى معالم التطور الاقتصادي كل هذا من أجل الوصول إلى تنمية اقتصادية شاملة (1) 5-وتهدف التنمية الاقتصادية إلى رفع مستوى حياة العمال تدريجيا عن طريق تلبية حاجياتهم الأساسية و يتضمن هذا الهدف الاستنتاجات التالية: أ- ضرورة رفع إنتاجية العمل دون أن يتم ذلك على حساب الاستخدام خاصة و نحن في بلد يتميز بمعدل تزايد سكاني هام . ب- ضرورة التحكم الواضح في ميدان تنظيم النشاط الاقتصادي و خصوصا العلاقات المدنية بالريف كي تتحاشى الآثار السلبية للتصنيع و التحفيز (2) ج – ضرورة وجود أدلة وبراهين لصالح التقنيات الأكثر تقدما لكنه تضمن و بنفس الوقت وعيا حادا اتجاه التبعية التكنولوجية المعقدة جدا . د- توجيه الاستثمارات أفضل توجيه للاستثمار هو الذي يشجع مباشرة او بصورة غير مباشرة على إنتاج السلع المفيدة للفئات الشعبية مصادر تمويل التنمية الاقتصادية تمويل البلدان المتخلفة للتنمية الاقتصادية بمواردها المحلة ، و لكن من المعروف ان هذه البلدان تعجز عن توفير رؤوس أموال ضخمة من مواردها الذاتية فتلجاالى مصادر أخرى وهي المصادر الخارجية. ادن يوجد مصدران لتمويل التنمية الاقتصادية وهما , المصادر المحلية و المصادر الخارجية وسوف ندرس كل واحدة علي حدى 1 )التمويل الداخلي يعتبر التمويل المحلي هو الاساسي , يعتبر التمويل المحلي هو الاساس ، ذالك ان الاعتماد في تمويل التنمية يجب ان يرتكز في الاساس على الموارد المحلية نذكر منها : أ- الادخار : يعرف على انه المتناع عن الاستهلاك ، و بالتالي القدر الذي يتم به الامتناع عن الاستهلاك تزداد المدخرات و يزداد الاستثمار "التراكم الراس مالي " و تنقسم مصادر الادخار الى عدة اقسام هي : 1 –الادخار العائلي : و هو يتمثل في الفرق بين الدخل المتاح و الانفاق الاستهلاكي للافراد في القطاع العائلي ، و هنا تلعب سياسة ترشيد الاستهلاك عن طريق التقنين دورا هاما و اساسيا ، كذلك فان تعبئة الادخار في القطاع العائلي يقتضي التركيز على زيادة الوعي للادخار و تنمية عادات الادخار لدى الفرد ، و يجب في هذا الصدد زيادة و تطوير الاجهزة و المؤسسات القادرة على تعبئة المدخرات مثل البنوك و صناديق التوفير و الاحتياط . 2-ادخار قطاع الاعمال : تتمثل مدخرات هذا القطاع في الارباح المحتجزة في المؤسسات العمة في هذا القطاع و ينقسم هذا القطاع الى الاعمال الغير منظم و قطاع الاعمال المنظم فالاول يشمل المحلات التجارية الصغيرة ، و نظرا للمشاكل التي يتعرض لها فان اغلب مدخرات هذا القطاع يعاد استثمارها في تلك المؤسسات ذاتها ، و لذا فان اولى الواجبات نحو تعبئة مدخرات هذا القطاع هو بحث الوسائل التنظيمية و ادوات السياسة الاقتصادية التي تمكن الجهاز المركزي من وضع يده على مدخرات هذا القطاع التي توجهها اما القطاع الثاني فهو قطاع الاعمال النظم و بشمل المؤسسات و الشركات الصناعية و التجارية الكبيرة و هو ينقسم إلى القطاع العام و القطاع الخاص ، و يتوقف حجم المدخرات في هذا القطاع على حجم الفائض المتولد فيه (1) 3-الادخار الحكومي : ينمثل في الفرق بين ايرادات الحكومة الجارية من اضرائب و الانفاق الجاري الحكومي ، و يزداد الادخار بالزيادة الايرادات من ناحية و بالنخفاض النفقات من ناحية اخرى ، وتتوقف ايرادات الحكومة من الضرائب على هيكل الضرائب السلئدة و معدل الضرائب المفروضة و مدى الاستثمارات و تسديد اقساط الديون " في حالة مديونية الحكومة " اما اذا زادت النفقات التجارية عن الايرادات الجارية أي في حالة وجود عجز فانه يتم تمويله عن طريق السحب من مدخرات القطاعات الاخرى او عن طريق طبع نقود جديدة ، و تعمل الحكومات الى تنمية مواردها و الى ضغط نفقاتها بغية تحقيق فائض توجهه الى ضروب و مجالات الاستثمار و التنمية المستهدفة (2) 4-الادخار الاختباري : مصادر الادخار الاختياري هو القطاع العائلي و قطاع الاعمال ، فالادخار الاختياري هو السلع التي تقتطع اختياريا من دخل الفرد و لا ينفق على السلع الاستهلاكية و الخدمات و لا يكتنز في ذات الوقت ، أي هو عبارة عن ذالك المبلغ المودع في المؤسسات المالية المختصة نجد فكرة الادخار الاختياري اساسها النظري في قانون كينز النفسي الذي يرى ان الزيادة في الدخل لا تتجه كلها الى الاستهلاك بل ان جزءا منها يتجه الى الادخار و هو ما يعني ان الميل الحدي للادخار اكثر ارتفاعا في في البلاد المتقدمة عنه في البلاد المتخلفة . -الميل الحدي للاستهلاك = التغيير في الاستهلاك / التغيير في الادخار -الميل المتوسط للاستهلاك = الاستهلاك / الدخل -الميل الحدي للادخار = التغيير في الادخار / التغيير في الدخل -الميل المتوسط للادخار = الادخار / الدخل 5-الادخار الاجباري : أ – الضرائب : تعتبر الضرائب أدات مالية بموجبها تحويل جزء من المدخول و الثروات جبرا من الافراد و الهيئات الى الحكومة ، و تعتبر الضرائب اهم مصادر الايراد العام في العصر الحديث فاذا حاولنا ان نحدد المبادئ العامة التي يجب ان تحكم أي سياسة ضريبية في الدول النامية نجد انها تتلخص فيما يلي : 1-يجب ان تهدف السياسة الضريبية الى تعبئة الفائض الاقتصادي الذي ينشأ نتيجة لعملية النمو الاقتصادي ، و هذا يعني رفع الميل الحدي للادخار 2-يجب على السياسة الضريبية ان تهدف الى تعبئة الفائض الاقتصادي و توجيهه للاغراض التنمية ، و بالتالي فان خذخ السيلسة الضريبية لا بد ان يكون البحث عن مصادر الفائض الاقتصادي ايا كان و العمل على تهيئتها دون المساس او الاثر سلبيا في عملية توليد هذا الفائض 3-و يجب ان تهدف السياسة الضريبية الى الحد من الاستهلاك غير الضروري و في هذا تلعب الضرائب على الدخل دورا هاما كما تلعب الضرائب على بعض سلع الاستهلاك غير ضرورية دورا فعالا . 4-يجب ان لا تهدف السيلسة الضريبية فقط الى تعبئة المدخرات بل يجب ان تستهدف ايضا تغيير نمط الاستثمار فالضريبة أداة تمييزية لتشجيع انواع من الاستثمارات و الحد من الانواع الاخرى ب- التضخم : إن اللجوء إلى التضخم لفرض الادخار الإجباري يمثل احد الوسائل الأساسية التي تلجا إليها الحكومات لتحويل الموارد من استخداماتها الحالية إلى تلك الاستخدمات التي تفضلها او ترغب فيها ، أي زيادة معدل الاستثمار و ذالك بنقل الموارد من الاستهلاك الى الاستثمار و يجب الاشارة الى ان عملية التنمية الاقتصادية تكون دائما مصاحبة لضغوط تضخمية حتى ولو لم يعتمد تمويلها على مصادلر تضخمية . *فالصورة العامة للتضخم هي الارتفاع المستمر التراكمي في مستوى الأسعار بما لا يتلائم مع الدفعة التضخمية الاولى التي انشاته . *و يتم التمويل التضخمي في الدول النامية عم طريق استحداث عجز في الميزانية أي احدث فجوة بين الإيرادات و المصروفات ، و نتيجة لضعف سوق رأس المال في الدول النامية فان الحكومة تلجا عادة للاقتراض لسد هذه الفجوة من البنك المركزي ، و هكذا يتم سد هذه الفجوة عن طريق الإصدار الجديد أي زيادة عرض النقود حقيقة أن التضخم يفرض على الاقتصاد القومي ضغوط و اختناقات إلا+ أنها تضحيات لا بد من تقديمها في سبيل رفع معدل التراكم الرأس مالي و تحقيق التنمية الاقتصادية . التمويل الخارجي : اوضح تتحليلنا لمصادر التمويل المحلية عن عجز المدخرات الوطنية في توفير راس المال الكافي لتمويل التنمية في الدول النامية ، و هذا طبقا لوجود عدة اسباب مثل النمو المتسارع و ما ينجم عليه من مشاكل ، انخفاض متوسط الدخل و الادخار المحلي ...الخ الذي تلجا هذه الدول الى مصادر اخرى و هي المصادر الخارجية او الاجنبية المتمثلة في استيراد راس المال من الخارج و يعتبر الطريقة الوحيدة للخروج من المازق لتسهيل عملية التنمية الاقتصادية خاصة من اجل تمويل مراحلها الاولى و ياخذ راس المال المستورد مورتان : أ- صورة راس مال خاص او ما يسمى بالاستثمار الاجني الخاص ب-صورة معنوية اقتصادية خارجية أ-الاستثمار الجنبي الخاص : من المعروف على اوضاع البلاد المتخلفة فانها لن تجد الامر سهلا بجذب راس المال الاجنبي الخاص بكميات كبيرة تسد احتياجاتها في المراحل الاولى للتنمية خاصة البلدان التي تفتقر الى المواد الاولية كالمواد البترولية و المعدنية ....الخ بالاضافة الى ان الموقف العام لاغلبية هذه الدول ترى ان الاستثمار الاجنبي الخاص باب يفتح المستثمرة ما يسمى بالاستغلال النسبة الشبه استعماري او باسلوب اخر فان الدول المتخلفة ترى ان هذا النوع من الاستثمار ما هو الا شكل من اشكال الاستعمار الاقتصادي و لتفادي هذا الشكل وضعت هذه الدول بعض الاجراءات لحماية مصالحها الاقتصادية و السياسية لجلب هذا النوع من الاستثمارات الى ارضها و منها : 1-نظمت مسالة تحديد الإرباح . 2-مراقبة تحويل الأموال للشركات الاجنبية طبقا لمعدل انتاجها . 3-فرض ضريبة خاصة على الارباح . 4-توظيف نسبة معينة من الوطنيين في الشركات الأجنبية أن هذه العوائد لا تسمح الاستثمار الأجنبي الخاص من سد كل احتياجات البلاد المتخلفة رغم وجود قوانين تحكم هذا الاستثمار، إذن لم يبقى لهذه البلاد إلا أن تلجا إلى النوع الثاني لتمويل تنميتها و هي المعنوية الاقتصادية الخارجية ب- المعنوية الاقتصادية الخارجية : و نقصد بها هي تلك المنح الخالصة و القروض الطويلة الأجل التي تقدمها الحكومات الأجنبية الغنية و الهيئات الدولية للبلاد الفقيرة و بدون مقابل و تؤخذ هذه المنح و القروض شكل نقدي أو عيني ( سلع و خدمات ) لكن من المعروف أن القروض ترد بالفوائد و في مدة محددة فهل تستطيع الدول المقترضة أن ترد هذا القرض ؟ في هذه الحالة و رغم أن القروض الطويلة الأجل تعتبر من مصادر التمويل بالإضافة إلى أن البلدان المقترضة لا تتدخل في الشؤون الاقتصادية و السياسية للبلد المقترض إلا أن هذه القروض تخلق ما يسمى بالدين الخارجي هذا الدين عبئ تتحمله الدول المتخلفة للمقابلة . *المصادر المعنوية الاقتصادية الخارجية : لها مصدران 1-المصادر الثنائية : وتتم مابين الدولة و دولة أخرى من أهم المصدر الثنائية معنويات الكتل الغربية ، معنويات الكتل الشرقية ، و تعتبر المعنوية الاقتصادية الأمريكية من أكبر و أهم المصادر الثنائية التي تمنحها عن طريق "صندوق قروض التنمية " 2-المصادر الدولية: و هي عبارة عن عدد من التنظيمات الدولية أهمها -البنك الدولي للإنشاء و التعمير -مؤسسة التمويل الدولية international finance -هيئة التنمية الدولية corporation بالإضافة إلى بعض الوكالات المتخصصة التي انشاتها الأمم المتحدة لخدمة النشاط الاقتصادي لتحقيق تنمية اقتصادية شاملة للدول المتخلفة منها : -منظمة العمل الدولية -منظمة الصحة العالمية -منظمة الأغذية و الزراعة -منظمة الأمم المتحدة للتربية و العلوم الثقافية -الوكالة الدولية للطلقة الذرية -منظمة الطيران المدني المنظمة العالمية للأرصاد الجوية عناصر التنمية الاقتصادية ومتطلباتها أولا: عناصر التنمية الاقتصادية وفقا للتعاريف التي تطرقنا إليها فيما سبق فإن التنمية الاقتصادية تحتوي على عدد من العناصر أهمها: 1.الشمولية: تعتبر التنمية تغيير شامل ينطوي ليس فقط على الجانب الاقتصادي وإنما الثقافي، السياسي، الاجتماعي والأخلاقي أيضا من هذا المنطلق فإن التنمية تتضمن الحداثة والتي تشير إلى إضعاف دور العادات والتقاليد غير العلمية في اتخاذ القرارات وزيادة دور المعرفة العلمية. لكن من ناحية أخرى تتضمن التنمية أيضا بالالتزام بالجانب الأخلاقي، فهناك من المعرفة الحديثة ما هو مخرب ومدمر، حتى يكون للمعرفة الحديثة دور تنموي يتعين أن يكون الاستعانة بها في الإطار الأخلاقي المحدد فالعلم الحديث قدم الطاقة النووية،الهندسة، الوراثة ولكل منهما جوانب إيجابية وجوانب لا أخلاقية ،ولا شك أن التنمية تعني الاستفادة بهما في الإطار الأخلاقي المتعارف عليه داخل المجتمع. 2.حدوث زيادة مستمرة في متوسط الدخل الحقيقي: حيث تكون هذه الزيادة لفترة من الزمن ،وهذا ما يوحي أن التنمية عملية طويلة الأجل . 3.حدوث تحسن في توزيع الدخل: هذا لصالح الطبقة الفقيرة (التخفيف من ظاهرة الفقر) فلقد لوحظ في فترة الخمسينات والستينات من هذا القرن أنه بالرغم من أن كثيرا من الدول النامية قد حققت معدلات نمو اقتصادي مرتفعة إلا أن النصيب النسبي من الدخل للطبقة الفقيرة فيها كان في تناقص مستمر، لذا أصبح شرطا من شروط التنمية أن يصاحب النمو الاقتصادي تحسن في توزيع الدخل لصالح الطبقة الفقيرة( ). ثانيا: متطلبات التنمية الاقتصادية: تقتضي التنمية الاقتصادية لنجاحها متطلبات عديدة ،تتمثل هذه المتطلبات في التغيرات المتعددة للمجالات السياسية، الاجتماعية والثقافية في المجتمع. 1.المجال السياسي: أحد الشروط الأساسية هو تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي، فكما نعلم أن ظاهرة الاستعمار هدفها استغلال ثروات المجتمعات المتخلفة مع إهمال جانب التنمية الاقتصادية فيها. يحقق الاستقلال السياسي والاقتصادي شرطا هاما وأساسيا والمتمثل في السيطرة الوطنية على الموارد المتاحة للمجتمع وبالتالي تحقيق القدرة على توجيهها واستغلالها في الشكل الملائم. كذلك تتطلب التنمية الاقتصادية تغيرا في السلطة السياسية القائمة، يعني هذا نقل السلطة إلى تلك الفئات أو الطبقات الاجتماعية ذات المصلحة الأساسية في التنمية الاقتصادية، فحيث تسود السلطة لجني ثمارها دون إزاحة هذه الفئات والطبقات السياسية عن السلطة. يتطلب نجاح عملية التنمية الاقتصادية إنشاء تنظيم سياسي ممثل لمصالح القوى صاحبة المصلحة الحقيقية في التنمية حيث يلعب التنظيم السياسي دور تعبئة الجماهير لعملية التنمية الاقتصادية عن طريق خلق الوعي الإنمائي وترسيخه،فالتنمية الاقتصادية بمثابة وثيقة تأمين قومية، تقتضي التضحية بالحاضر في سبيل المستقبل. ويلعب التنظيم السياسي دور خلق إدارة التغيير لدى الجماهير وإرضائهم بتقديم التضحيات المطلوبة لعمليات التنمية الاقتصادية. خلاصة القول أن التنمية الاقتصادية تتطلب خلق حمية قوية وتلاحم قومي من أجل إنجاح عملية الإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والتنظيم السياسي هو الهيئة التي يوكل إليها خلق هذه الحمية وخلق هذا التلاحم( ). 2.المجال الثقافي: تتطلب التنمية الاقتصادية تغيرات جوهرية في نظام التعليم القائم ، تتمثل هذه التغيرات في ثورة ثقافية تغير هذا النظام من جذوره وتجعله قادرا على مواجهة احتياجات الثورة الصناعية والتكنولوجية، بمعنى أن الثورة الثقافية تؤدي إلى ملاءمة نظام التعليم مع احتياجات النمو الاقتصادي والاجتماعي السريع، تستهدف هذه الثورة الثقافية أن تخلق جو التحدي من طرف الإنسان للطبيعة بروح المغامرة والملاحظة والتجربة بدلا من روح التغيب والتجريد. وتهدف الثورة إلى خلق الطاقة الإبداعية لدى الأفراد، ذلك أن التنمية الاقتصادية لا تتطلب فقط نقل التكنولوجيا من مكان إلى مكان، بل لكي تنجح عملية النقل التكنولوجي لا بد من خلق العقل الذي يبدعها، يديرها ويسيرها مع الاعتناء بها. وتتطلب عملية التنمية الاقتصادية تغييرا جوهريا في مناهج التعليم السائدة إذ من شأنه خلق العقلية العلمية والنقدية المتسائلة والراغبة في فهم واقعها ومحيطها وتغييره. 3.المجال الاجتماعي: التنمية الاقتصادية تتطلب تغييرا في القيم والعادات السائدة، إضافة إلى سلوك الأفراد ونظرتهم( ) للنشاط الاقتصادي والعمل كقيمة اجتماعية،وهذا يقتضي تغييرا جذريا في الجو الفكري العام وادخار أفكار جديدة وقيم جديدة. فالعلاقات الاجتماعية والانتماءات القبلية والسياسية تؤثر في اختيار المديرين فغن ذلك سوف يؤثر على العملية التنموية، ويجب إزالة كافة النظم الاجتماعية مثل نظام الطوائف الذي يعوق عملية المرونة الرأسية أي قدرة الإنسان على الانتقال من مهنة إلى مهنة. 4.المجال التنظيمي (الإداري): تحتاج التنمية الاقتصادية إلى تغير جوهري في بعض التنظيمات والمؤسسات الاقتصادية السائدة أو خلق مؤسسات وتنظيمات جديدة. وتتطلب عملية التنمية الاقتصادية رفع معدل الاستثمار الذي يكون بإنشاء مؤسسات مالية ومصرفية قادرة على تعبئة المدخرات الكامنة في المجتمع والتي تمثل في نفس الوقت قنوات لتوجيه هذه الموارد الاستثمارية. إن التنمية الاقتصادية في بلدان العالم الثالث تتطلب قيام الحكومة بدور فعال وقيادي في عملية النمو الاقتصادي، يكون ذلك بتمتع الجهاز الحكومي على درجة عالية من الكفاءة، الأمر الذي يقتضي توسيعه وإعادة تنظيم الإدارات المالية-مصلحة الضرائب مثلا- مع تغيير التشريعات المالية السائدة بما يتلاءم وحاجات التنمية. إذن يجب إزالة كافة القيود التنظيمية التي تقف عائقا أمام الوصول إلى أقصى كفاءة ممكنة للقرارات الإدارية، وهذا لأن سوء الإدارة قد يعثر عملية الإنماء في الدول النامية وزيادة على سوء استخدام الموارد، فالإدارة ليست درجة علمية وجامعية فقط بل هي أسلوب معين في التفكير والسلوك. بتحدثنا عن هذه المجالات أي الثقافية، السياسية، الاجتماعية والإدارية ما هي إلا عبارة عن متطلبات للتنمية الاقتصادية، أي التغيرات التي يجب أن تحدث في المجتمعات والأمم للدخول في عملية النمو الاقتصادي السريع، أو بالأحرى استعدادات لأي مجتمع يود الرقي والدخول في التنمية الاقتصادية( ). إستراتيجية التنمية وأساليبها: أولا: إستراتيجية التنمية الاقتصادية: يعتبر تحديد الإستراتيجية العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية اختيارا بين إمكانيات بديلة تتنوع باختلاف البلدان المعنية بالأمر، فليس هناك برنامج إنمائي واحد يصلح لجميع البلدان النامية،وما قد يكون ملائما فعلا في بلد آخر أي يحتاج كل بلد إلى سياسات خاصة تتلاءم مع مميزاته، مشاكله وأهدافه. وتحديد الإستراتيجية العامة للدولة مسالة هامة لأنها تحدد مسار التنمية عبر الزمن،ويجب أن تتصف تلك الإستراتيجية بالشمولية بمعنى أنها يجب أن تغطي جميع قطاعات الاقتصاد القومي، فالإستراتيجية في أي بلد تبنى على تحليل كامل للقوانين الموضوعية التي تحكم نمو الاقتصاد القومي، ثم وضع تطور لما يجب أن تكون عليه التنمية المعتمدة في المستقبل. وفيما يلي الخطوات العريضة التي يجب أن تتضمنه إستراتيجية التنمية الشاملة أو بالأحرى ميادين العمل الحكومي لا بد أن تختصر في الآتي: -تحديد المشروع الاجتماعي. -المشروعات الإنتاجية الحكومية في المجالات التي هي خارجة عن النشاط الاقتصادي الخاص( المشروعات الاقتصادية الاجتماعية الضخمة..). -التوجه الحكومي والتخطيط لتشجيع التكامل والاندماج الاقتصادي بين القطاعين العام والخاص. -تشجيع ومعاونة المستثمرين في الميادين العامة كالتعليم، الصحة والإسكان. -جعل او خلق سياية زراعية في المدى القصير، المتوسط والطويل، تحدد الأصناف الانتاجية الضرورية لتقليص التبعية الغذائية، وهذا بمعاونة المستثمر الخاص. -خلق سياسة مالية، نقدية وتجارية عامة ملائمة لتشجيع الاستثمار العام والخاص (شروط الاقتراض، معدل الفائدة). -العدالة الاجتماعية، تكوين رأس المال والادخار والحد الأدنى من التضخم(التمويل بالعجز). ثانيا: أساليب التنمية الاقتصادية: هناك عدة أساليب للنهوض بالتنمية الاقتصادية أهمها: -توفير رأس المال الملائم واللازم للتنمية ماديا وبشريا( ). -أنظمة التعليم المعتمدة في إعداد قوة العمل. -تطويل آليات تخطيط قوة العمل. -تطوير آليات الاختيار والتعيين. -خلق نظام الحوافز والمكافآت التشجيعية. -توفير المناخ الاقتصادي والإداري المناسب. -إعداد وتأهيل اليد العاملة بمختلف التخصصات والمهارات إضافة إلى الكفاءات. -تزويد القوى العاملة بالمعارف، الخبرات والمهارات اللازمة بهدف تحقيق الأهداف التنموية في كافة المجالات. -تبسيط الإجراءات والحد من الروتين. -تخصيص أيام دراسية في البحث العلمي، وتوفير البيئة المناسبة وكذا المناخ المناسب الذي يساهم في حل مشاكل التنمية الاقتصادية. هذه الحلول أو الأساليب كلها روافد في زيادة الدخل القومي الفردي، وينعكس إيجابا على المستوى الصحي والتعليمي وتقود إلى زيادة الإنتاجية،وإلى تحقيق تنمية بكافة أبعادها( ). معوقات التنمية الاقتصادية: هناك مجموعة من المشاكل التي تواجه التنمية الاقتصادية منها ما هو اقتصادي ومنها ما هو غير اقتصادي: أولا: المعوقات الاقتصادية: من بين أهم المعوقات الاقتصادية ما يلي: 1.القوى العاملة: لا شك أن هناك علاقة أكيدة بين النمو وبين القوى العاملة من حيث حجمها ومعدل نموها خاصة معدل نمو العمالة في قطاعات الإنتاج السلعي من الزراعة والصناعة، وكذلك من حيث جودتها ومدى تناسبها ومعدل نمو إنتاجها،ويختلف حجم السكان في سن العمل وتوزيعهم على القطاعات المختلفة باختلاف مراحل التنمية المختلفة، وفي الدول النامية متوسطة ومنخفضة الدخل نجد أن القوى العاملة تتميز بسمات معينة، فمن حيث معدل نموها نجد أن منها العمل في الدول النامية أعلى من مثيله في الدول الصناعية المتقدمة، ويرجع انخفاض الأجور في الدول النامية إلى أسباب عديدة منها وفرة عرض العمل بالنسبة للطلب، وجود البطالة وانخفاض مستوى الإنتاجية في هذه الدول عن مثيله في الدول الصناعية المتقدمة( ). 2.رأس المال: يعتبر رأس المال من حيث مدى توفره ومعدل تراكمه من المحددات الأساسية للطاقات الإنتاجية في المجتمعات ولمعدلات تغييرها، ومن ثم في مستوى التقدم الذي يلفته ومعدل النمو الذي سيحدث فيها. فالدول التي يكون فيها التخصص وتقسيم العمل بسيطا، تكون الفرصة أمام رأس المال لإدخال طرق إنتاج أكثر تعقيدا أو زيادة الإنتاجية أكبر من الدول التي حققت قدرا من التخصص والتقدم، بالإضافة إلى أنه في الدول النامية تكنولوجيا يكون معدل نمو رأس المال لاستيعاب التكنولوجيا الجديدة أكبر مما هو في الدول المتقدمة، نظرا لوجود فجوة تكنولوجيا بين الجانبين. 3.التكنولوجيا والتنظيم: إن الافتقار إلى طبقة المنظمين هو التفسير الأساسي لغياب عمليات الإنماء السريعة في الدول النامية، ويجدر الذكر أن وظائف المنظم في الدول المتقدمة قد تقدمت بمعدل متزايد في المشروعات الكبيرة إلى أعداد كبيرة من الأفراد الذين تخصص كل منهم في ناحية صغيرة جدا من العملية الإنتاجية، غير أن الأمر ليس كذلك في الدول النامية إلى نقل تكنولوجيا بسيطة وليست معقدة أي بما يتناسب مع طبيعة وظروف الدول لأن نقل التكنولوجيا الحديثة المستخدمة في الدول المتقدمة دون القيام بأي دراسة كافية لاحتياجات الدول النامية عن نوع التكنولوجيا لن يحل مشكلة التنمية في هذه الدول بل يعتبر عقبة كبيرة أمام عملية التنمية. 4.الموارد الطبيعية: يؤكد خبراء الموارد أنه لا يوجد سبب جوهري يمنع التقدم التكنولوجي من الحفاظ على الموارد الطبيعية بحيث تكفي إلى مالا نهاية لتحقيق تنمية اقتصادية سريعة. بالرغم من أهمية الموارد الطبيعية في تحقيق التنمية الاقتصادية إلا أن هذا لا يعني أن مستوى الإنتاج ومستوى المعيشة لأي دولة يتوقف تماما على مال يتوفر لديها من موارد طبيعية، فلا يكفي أن تكون الدولة غنية بمواردها وإنما يجب أن يقوم أهلها باستغلال هذه الموارد. ومن أهم الأسباب التي يختلف من أجلها معدل النمو الاقتصادي من دولة لأخرى، هي سوء توزيع الموارد الطبيعية فيما بينها بمواد من الناحية الكمية أو من ناحية سهولة الوصول إليها( ). 5.التجارة الخارجية : هناك صعوبات عديدة تعترض سبيل الدول النامية في تحقيق الدول التنمية منها: -عدم توفر الأيدي العاملة الماهرة بالقدر الكافي. -ضيق حجم السوق المحلية إذ أنه يصعب الدخول في مجال تصدير السلع المصنعة إلى السوق الدولية قبل الاستفادة من مزايا الإنتاج الكبير في السوق المحلية، بالإضافة إلى صعوبة القدرة على منافسة السوق الدولية. -العقبات التي تصفها الدول الصناعية في وجه صادرات الدول النامية من السلع المصنعة. -التقلب الشديد في أسعار المواد الأولية كثيرا ما ينعكس في شكل انخفاض مفاجئ في حصيلة الدول النامية من العملات الأجنبية، لذا يجب على هذا الدول أن تعمل على تشجيع صادراتها باتخاذ مختلف الإجراءات والوسائل المؤثرة على كمية وقيمة الصادرات وبالشكل الذي يسمح بمواجهة المنافسة الأجنبية في السوق العالمية( ). ثانيا:المعوقات غير الاقتصادية: 1.اجتماعية وثقافية: التنمية أسلوب لعلاج مشاكل المجتمع لا شك أن هناك عادات وتقاليد اجتماعية تقف أمام عملية التنمية. فالعمل ليس له مواصفات ومسؤوليات محددة وكذلك التوظيف لم يتم على بناء القدرات والكفاءات الثقافية والخبرات. فالتغيير لا بد أن يأتي من أفراد المجتمع بدون استثناء وذلك عن طريق العمل الجاد، الصدق والأمانة في المعاملات والقضاء تدريجيا على العادات والتقاليد والطقوس المتبعة في الدول النامية من أجل توفير مناخ ملائم لعملية التنمية يتطلب نجاح التنمية أيضا وجود تساند اجتماعي واسع بين فئات الشعب والاتفاق على كيفية التوزيع للأعباء المترتبة عن التنمية الاقتصادية وكذلك ضرورة التخلي على بعض العادات والتقاليد المعيقة للتنمية، وأيضا ضرورة تنمية نظرة الأفراد إلى العمل كقيمة اجتماعية بالإضافة إلى العادات والتقاليد نجد أن هناك معوقات ثقافية أو بالأحرى فكرية مثال ذلك نجاح التنمية الاقتصادية يتطلب العمل على انتشار التعليم وتخفيض نسبة الأميين في الدول النامية، ذلك لأن الشخص الغير متعلم لا يدرك احتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية،كما أن للنمو السكاني تأثير على متوسط دخل الفرد ونمط المنتجات السلعية إذ أن زيادة عدد السكان تؤدي إلى الاهتمام بالسلع الإنتاجية الاستهلاكية على حساب السلع الإنتاجية. .سياسية:يعتبر العامل السياسي عاملا قويا في عملية التنمية لأن عدم توفر الاستقرار كما هو موجود في معظم الدول النامية يشكل عائقا أمام التنمية، إذ يتطلب اتخاذ القرارات الاقتصادية التنموية التي تؤدي إلى إحداث التغيرات العميقة في الاستقرار السياسي للدولة، لكي تستطيع أن تعمل بجد لتغيير المجتمع نحو الأفضل والخروج من المشاكل تدريجيا لذلك فغنه يتطلب توفير بيئة سياسية مهيأة قادرة على إدارة المجتمع وإدارة التنمية من أجل التقليل من ردود الأفعال الاجتماعية والسياسية وخلق إطار ديمقراطي ملائم قامت الصين بالتخطيط الشامل للتنمية الداخلية والانفتاح على العالم الخارجي متمسكة بالمفهوم العلمي للتنمية، ووضعت النقطة الأساسية للتنمية في الانطلاق من الواقع الداخلي، وفي الوقت نفسه، تمسكت بالانفتاح شامل الاتجاهات وعريض المجالات ومتعدد المستويات سعيا لتحقيق تنمية أكثر توازنا. ان مسائل التنمية التي تواجهها الصين تتجسد رئيسيا في التناقضات بين الاقتصاد غير المتطور وطلب الناس المتزايد على الثقافة المادية، وفي التناقضات بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والضغط الكبير الناجم عن السكان والموارد والبيئة. ولقد برهنت التجارب التاريخية على أن تسوية مسائل التنمية في الصين تتطلب الاعتماد على الصين ذاتها من حيث الأساس. وهذا عبارة عن تحمل المسؤولية تجاه شعب الصين وتجاه شعوب العالم أيضا، ومبدأ هام لضمان أن تسلك الصين طريق التنمية السلمية. ولن ترحل الصين هذه المسائل والتناقضات إلى بلد آخر، وأيضا لن تطور نفسها من خلال نهب بلد آخر. تعتمد الصين رئيسيا على قوتها الذاتية والإصلاح والإبداع في تحقيق التنمية، لأن هناك تفوقات وشروطا متعددة: وجود الأساس المادي والفني لدعم التنمية الاقتصادية الأكبر، ووجود الطلب السوقي الضخم المتزايد ونسبة المدخرات العالية نسبيا للمواطنين، ووجود موارد الأيدي العاملة الوفيرة التي ترتفع كفاءتها الكلية باستمرار، ووجود نظام اقتصاد السوق الاشتراكي المتكامل باستمرار وضمان السياسات، ووجود الظروف الاجتماعية والسياسية المستقرة. ومن أجل تحقيق التنمية بالاعتماد رئيسيا على القوة الذاتية والإصلاح والإبداع، ستكثف الصين جهودها لإتقان الأعمال التالية: ـ التمسك بالإبداع من حيث المفهوم والنظام. دلت الممارسات العملية منذ بدء تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي على أن الصين استطاعت تنشيط الحماسة والمبادرة والإبداعية لمئات الملايين من أبناء الشعب لتخلق باستمرار وضعا جديدا لبناء التحديثات، بواسطة تحرير العقول والبحث عن الحقيقة من الواقع والتقدم إلى الأمام بحزم وجرأة. سوف تدفع الصين بثبات الإصلاح في مختلف المجالات وتتمسك باتجاه الإصلاح لاقتصاد السوق الاشتراكي، وتعزز قوة الإصلاح، وتركز على دفع إبداع الأنظمة من أجل تحقيق تقدم اختراقى في بعض المجالات المصيرية والحلقات الهامة. ومن خلال الإصلاح، فإن الصين سترفع مدى توجه الاقتصاد الوطني نحو السوق إلى حد أكبر، وتكمل نظام التنسيق والتحكم الكلي الوطني، سعيا وراء تشكيل مجموعة من آليات النظام المفيدة لدفع التنمية المستدامة الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمتناسقة. ـ الانطلاق من تطوير السوق المحلي وزيادة الطلب الداخلي. إن توسيع الطلب الداخلي هو موطئ القدم الأساسي والمبدأ الاستراتيجي طويل الأجل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصين. وتمر الصين حاليا بمرحلة من التنمية تتسم بتسارع عمليات التصنيع والتمدين وارتفاع مستوى دخل الشعب والارتقاء بدرجة الهياكل الاستهلاكية. ومع مواصلة الصين تقديم مساهمات في التجارة الكونية والاقتصاد العالمي من خلال تغيير نمط نمو التجارة الخارجية وتوسيع الواردات وتعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية، فإن الطلب الداخلي الكبير والسوق المحلي الواسع سيشكلان قوة محركة متواصلة للتنمية الاقتصادية الصينية، الأمر الذي يقضى بأن التنمية الصينية يجب ويمكن ان تتحقق بالاعتماد رئيسيا على الطلب الداخلي. وقد حافظت الصين على نمو الاستثمارات في الأصول الثابتة بحجم ومعدل معقولين، وأظهرت دور الاستثمارات في دفع النمو الاقتصادي. ومن خلال تنفيذ السياسات الصحيحة حول توزيع الدخل والاستهلاك، اعتمدت الصين بصورة أكثر على الطلب الاستهلاكي المحلي لحفز النمو الاقتصادي. وفي السنوات الأخيرة، شهد كل من الاستثمار المحلي والطلب الاستهلاكي الداخلي اتجاها للنمو السريع نسبيا. ـ دفع التعديل الاستراتيجي للهياكل الاقتصادية وتغيير نمط النمو. اتخذت الصين تغيير نمط النمو مركز ثقل استراتيجيا للسعي وراء أن يقوم النمو الاقتصادي على أساس رفع كفاءة السكان والاستغلال عالي الفعالية للموارد وتقليل التلوث البيئي والاهتمام بالجودة والجدوى. وتواظب الصين على حفز التصنيع بالمعلوماتية، ودفع المعلوماتية بالتصنيع، وسلوك طريق التصنيع من الطراز الجديد، وتسريع عملية تحسين الهياكل الصناعية والارتقاء بمستواها، والعمل بقوة على تطوير صناعة التصنيع المتقدمة وصناعة التكنولوجيا العالية والجديدة وخاصة صناعة المعلومات والصناعة الحيوية، ورفع نسبة ومستوى صناعة الخدمات، وتعزيز بناء منشآت البنية التحتية للصناعات الأساسية، والإظهار التام لدور التعديل الهيكلي في تغيير نمط النمو. وتبذل الصين جهودا كبيرة لتطوير الاقتصاد الموفر للموارد والاقتصاد المدور والاقتصاد الصديق للبيئة، سعيا لتشكيل منظومة للاقتصاد الوطني تتصف بالتنمية التكثيفية والنظيفة. ـ تعجيل التقدم العلمي والتكنولوجي وتقوية القدرة على الإبداع الذاتي. تعمل الصين على بناء دولة من الطراز الإبداعي، باعتبار تقوية القدرة على الإبداع الذاتي استراتيجية وطنية، فوضعت خططا وطنية متوسطة وطويلة الأجل لتطوير العلوم والتكنولوجيا، وطرحت أهدافا ومهمات لتطوير العلوم والتكنولوجيا للـ15 سنة المقبلة. وترفع الصين بنشاط القدرة على الإبداع الأصلي والقدرة على الإبداع المتكامل والقدرة على جلب وامتصاص واستيعاب التكنولوجيا المستوردة وإعادة إبداعها. ومن خلال إصلاح نظام العلوم والتكنولوجيا، تضيف الاستثمارات في مجال العلوم والتكنولوجيا من قنوات عديدة، وتدفع بناء النظام الإبداعي الوطني، وتسرع في تحويل نتائج العلوم والتكنولوجيا إلى قوة إنتاجية واقعية. وتعمل الصين بكل ما في استطاعتها لزيادة نسبة نفقات البحوث والتنمية للعلوم والتكنولوجيا في إجمالي الناتج المحلي من 44ر1٪ عام 2004 إلى حوالي 5ر2٪ عام 2020. ـ تنمية الموارد البشرية بقوة. تبذل الصين ما في مقدورها لدفع تطبيق استراتيجية تقوية الوطن بالاعتماد على الأكفاء، وتسريع تعديل الهياكل التعليمية، وممارسة التعليم الهادف إلى النمو الشامل للطلاب، وتركز على تعزيز التعليم الإلزامي وخاصة التعليم الإلزامي الريفي، وتعمل بقوة على تطوير التعليم المهني، ورفع نوعية التعليم العالي، وجعل قضية التعليم تشهد تطورا كبيرا، والسعى وراء إعداد وتربية الكادحين ذوي الكفاءة العالية والأكفاء المتخصصين في مختلف المجالات. وفي فترة 2006 ـ 2010، فإن المدارس المهنية المتوسطة ستزود المجتمع بـ 25 مليون خريج، والمدارس المهنية العالية ستزود المجتمع بـ 11 مليون خريج. وبحلول عام 2020، ستصل نسبة الالتحاق بمرحلة التعليم العالي في الصين إلى حوالي 40٪. وعلاوة على ذلك، ستنشط الصين في جلب أصحاب المواهب بمختلف أنواعهم من الخارج وخاصة الأكفاء رفيعى المستوى، حتى تتشكل بصورة أفضل آلية جيدة ومناخ اجتماعي لكي يزداد أصحاب الجدارة يوما بعد يوم ويستفيد كل من كفاءته إلى أبعد الحدود، مما يقدم ضمانا قويا من الموارد البشرية ودعما من العقول إلى بناء التحديثات. ـ بناء مجتمع موفر للموارد وصديق للبيئة بنشاط. برهنت التجارب التاريخية، أن على المجتمع الدولي أن يعالج مسألة الطاقة على وجه جيد إذا أراد تحقيق تنمية اقتصادية متوازنة ومنتظمة في العالم. إن الصين تعمل لحماية أمن واستقرار الطاقة العالمية سويا مع سائر بلدان العالم بواسطة الحوار والتعاون معها في مجال الطاقة. وتتخذ الصين توفير موارد الطاقة سياسة وطنية أساسية، وتعتبر استغلال موارد الطاقة بصورة مقتصدة ورفع فعالية استخدامها مركزا للعمل بقوة على تطوير الاقتصاد المدور والحصول على أكبر قدر ممكن من الجدوى الاقتصادية والاجتماعية بأقل ما يمكن من استهلاك الطاقة. وتتمسك الصين بمبدأ الانطلاق على الواقع الداخلي لزيادة إمدادات الطاقة باستمرار في داخل البلاد. إن الصين مستهلك كبير وكذلك منتج كبير للطاقة، فظلت نسبة اكتفائها الذاتي من الطاقة أكثر من 90٪ منذ تسعينات القرن العشرين. ومازال في الصين إمكانيات كبيرة لإمدادات الطاقة، إذ يشكل الاحتياطي المؤكد من الفحم نسبة منخفضة جدا من إحتياطيه الجيولوجى، ومن المحتمل اكتشاف حقول جديدة للنفط والغاز الطبيعي، ويكون لتنمية الطاقة الجديدة والطاقة المتجددة مستقبل مشرق. وإلى جانب ذلك، تتمسك الصين بسياسة وطنية أساسية حول حماية البيئة، وتواصل تعزيز قوة حماية البيئة الإيكولوجية، وتحسن البيئة الإيكولوجية تدريجيا بهدف توفير ظروف للتنمية المستدامة الاقتصادية والاجتماعية. وتثابر الصين على الوقاية أولا والمعالجة الشاملة، لتقوية مكافحة التلوث ومسبباته من المنبع وحماية البيئة؛ وتواظب على مبادئ منح الأسبقية للحماية والاستغلال الرشيد من أجل تقوية حماية بيئة الموارد الطبيعية باعتبار التحكم في الأعمال غير المعقولة لاستغلال الموارد نقطة جوهرية في ذلك. تنتهج الصين بثبات لا يتزعزع سياسة وطنية أساسية للانفتاح على العالم الخارجي، وتطور بنشاط التبادل والتعاون مع الخارج في مجال الاقتصاد والتقنية، وترفع مستوى الانفتاح بصورة شاملة. وتلتزم الصين بجدية بوعودها عند انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، وتكمل باستمرار النظم والسياسات الإدارية المتعلقة بالأجانب، حتى تخلق جوا عادلا منظورا يسوده النظام القانونى؛ وتفتح السوق إلى حد أكبر، وتحسن مناخ الاستثمار والتجارة، وتجود الهياكل التجارية، وترفع مدى التحرير والتسهيل للتجارة والاستثمار، حتى توفر ظروف أفضل للاستثمار؛ وتشجع المؤسسات على الاستثمار في البلدان الأجنبية من أجل التنمية المشتركة مع مؤسسات هذه البلدان. لقد أدى الانفتاح على العالم الخارجي دورا هاما للغاية في دفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية الصينية. فمن خلال جلب الاستثمارات الأجنبية، عوضت الصين عن نقصان الأموال الموظفة للتنمية الذاتية؛ وبواسطة الاستفادة تماما من الأسواق الدولية، عززت تطوير الصناعات المحلية؛ وعبر استيراد التقنيات والأجهزة والخبرات الادارية المتقدمة، رفعت مستوى المؤسسات في فنون الإنتاج والإدارة؛ وبفضل تطوير التبادلات الخارجية بنشاط، شاركت العالم في نتائج الحضارة البشرية ورفعت كفاءة الموارد البشرية. ن إشكالية العلاقة ما بين التحول الديمقراطي والتنمية باتت أكثر إلحاحًا مع دخول "الربيع العربي" منعطفًا جديدًا. وتكاد تكون المجتمعات في حيرة: هل تعود إلى عصر الاستقرار المصحوب بالاستبداد وترضى بما كان يتحقق من نمو اقتصادي مشوَّه وموجه لخدمة فئات معينة؟ أم يجب إعادة صياغة معادلة النمو والتوزيع على أسس جديدة، وهو ما يحتاج إلى وقت ولكنه يقود إلى ما يُعرَف بالاستقرار الدائم والنمو القابل للاستمرار المصحوب بتوازنات اجتماعية؟ وهنا يدخل الوقت كعامل حاسم في تقرير البديل المطروح، ويرتبط ذلك بقدرة المجتمعات والدول على العبور من خلال المرحلة الانتقالية والتضحية على المدى القصير وربما المتوسط من أجل التأسيس للمرحلة الجديدة. ويأتي على نفس القدر من الأهمية موضوع إدارة توقعات المجتمعات التي تكون في العادة ذات سقوف مرتفعة وتتوقع تحسن الأوضاع خلال فترات قصيرة جدًّا، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان عند تأخر التنمية إلى تعميق الشعور بالإحباط وبالتالي نكوص التحول الديمقراطي. وهناك عدة مستويات للوصول إلى خلاصة في هذا الموضوع، يتعلق الأول بما تقول به النظريات الاقتصادية والنماذج المتبعة في دول العالم، بينما يتعلق الثاني بتجربة الدول العربية والنموذج الذي ساد -ولا زال- في العديد من تلك الدول، والثالث مرتبط بالمستويين الأول والثاني ويخص استجابة الفاعلين الاقتصاديين مع المتغيرات والمستجدات، سواء في القطاع العام أو الخاص أو المجتمع المدني، ودور المؤسسات في كل ما يجري. المستوى النظري والتجربة العالمية لا يوجد على المستوى النظري فيما يتعلق بالعلاقة بين الديمقراطية والتنمية ما يؤسس أو يدعم وجهة نظر مقابل الأخرى؛ فوجود وترسخ المسار الديمقراطي لا يعني أن تحقيق التنمية الاقتصادية مسألة محتومة، فهناك عدد من الدول ومنها على سبيل المثال، كوريا الجنوبية، سنغافورة، وحاليًا الصين حققت معجزتها الاقتصادية على أيدي قادة من الحزب الشيوعي. لكن الميل الأكبر لدى الباحثين الاقتصاديين ينحى باتجاه تفضيل نشر الديمقراطية بالنظر إليها كقيمة بحد ذاتها ويرتبط بها مفهوم الحرية، إلا أن المستوى النظري يحتمل أكثر من تفسير، ومنذ الخمسينيات، عندما أطلق بعض المتخصصين من أمثال البروفيسور في جامعة هارفارد في حينها كوزنيتس -الحائز على جائزة نوبل في السبعينيات من العام التنمية المستدامة اعتمد المجتمع الدولي في قمة الأرض بالبرازيل عام ١٩٩٢ مصطلح التنمية المستدامة بمعنى تلبية احتياجات الجيل الحالي دون إهدار حقوق الأجيال القادمة في الحياة في مستوى لا يقل عن المستوى الذي نعيش فيه هذا وقد حدد المجتمع الدولي مكونات التنمية المستدامة على أنها: - نمو إقتصادى. - تنمية اجتماعية. - حماية البيئة ومصادر الثروة الطبيعية بها. وهذا يعنى أن تكون هناك نظرة شاملة عند إعداد إستراتيجيات التنمية المستدامة تراعى فيها بدقة الأبعاد الثلاثة. مفهوم الإستدامة (Sustainability) ضمان حصول البشر على فرص التنمية دون التغاضي عن الأجيال المقبلة وهذا يعني ضرورة الأخذ بمبدأ التضامن بين الأجيال عند رسم السياسات التنموية، وهو ما يحتم بالتالي (مأسسة) التنمية في مفهومها الشامل من خلال المؤسسات الحكومية وغير الحكومية بما يجعلها تساهم في ديمومة التنمية. الإستدامة تهدف الى التطوير الذي يراعي الرفاهية وزيادة فسحة الامكانيات للأجيال القادمة ، والتي ستمكنهم من التنعم بموارد البيئة وقيم الطبيعة التي نستغلها الآن . الإستدامة تعني أنه يجب التعامل مع التطوير والتنمية ببصيرة واسعة من ناحية البعد الزمني ، الفراغ والسكان المتأثرين التنمية المستدامة وتعرف التنمية المستدامة بأنهـا: عمليـة Sustainable Development تطوير الأرض والمدن والمجتمعات وكذلك الأعمال التجاريـة بشـرط أن تلبـي احتياجات الحاضر بدون المساس بقدرة الأجيال على تلبية حاجـاتها ، ويواجـه العالم خطورة التدهور البيئي الذي يجب التغلب عليـه مع عدم التخلـي عـن حاجات التنمية الاقتصادية وكذلك المساواة والعدل الاجتمـاعي. العناصر الأساسية للاستدامة تعرف بأنها تشمل ثلاثة أبعاد مع اعتبار الوزن النسبي لكل بعد ومراعاة مبدأ العدالة بين الأجيال: -البعد الاجتماعي: البطالة، التنمية المحلية والإقليمية، الرعاية الصحية والثروات ، الترابط الاجتماعي، توزيع الخدمات...الخ. -البعد الاقتصادي: التنمية الاقتصادية، التنافس،النمو الاقتصادي، الإبداع والتنمية الصناعية...الخ. -البعد البيئي: الحفاظ على جمال الطبيعة،نوعية المياه والهواء والتربة وتغير المناخ،التنوع البيولوجي...الخ. العناصر الإجرائية للاستدامة - اتخاذ القرار: يجب تحليل الأبعاد الثلاثة وإدراجها في عملية اتخاذ القرار. -- التوازن: يجب توضيح كيفية الموازنة بين الأبعاد الثلاثة إلى المعنيين والمجتمع بشكل عام - الحلول البديلة: يجب أن تؤخذ في الاعتبار - المشاركة الشعبية والتشاور: يجب تشجيعها - أدوات تقييم الأثر: يجب تطبيقها في عملية صناعة القرار المبادئ الإرشادية لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة يحتاج تحقيق أهداف التنمية المستدامة إلى نظام متسق يضم السياسات التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية في خطة شاملة للتنمية. تضمن هذه الخطة توظيف الموارد الطبيعية ورأس المال البشري بطريقة اقتصادية لتحقيق نمو إقتصادى يهدف إلى الارتفاع بنوعية الحياة للمواطن المصري مع الحفاظ على نوعية البيئة ومصادرها الطبيعية للأجيال الحالية والقادمة. فيما يلى مجموعة من المبادئ الإرشادية التي يمكن للوزارات والهيئات الإفادة منها في تطوير سياسات فعالة تساعد في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. 1- مبدأ التخطيط الاستراتيجي . يتطلب تحقيق التنمية المستدامة إيجاد تغييرات سياسية ومؤسسية تصمم بعناية لتلبي الاحتياجات التي تم تحديدها. ويتحقق ذلك من خلال تطبيق مبدأ "التخطيط الاستراتيجي". ويستلزم ذلك تطبيق نظم التقييم البيئي الإستراتيجي ثم التقييم البيئي التراكمي عند تحديد الأهداف، ثم تقييم الأثر البيئي لكل مشروع يقر. تطبيق التخطيط الاستراتيجي يجب أن يعتمد على المشاركة الواسعة لجميع المنتفعين ذوي الصلة لتحقيق أفضل نتائج يستفيد منها الجميع. 2 -مبدأ بناء عملية إعداد الإستراتيجية على التحليل الفني الجيد . ستعتمد الإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة على التحليل الدقيق للوضع الراهن والاتجاهات المستقبلية والمخاطر المتوقعة، مع تحديد الروابط بين التحديات المحلية والوطنية والعالمية. على سبيل المثال ستدرج الضغوط الخارجية المفروضة على الدولة، الناتجة عن العولمة أو تأثيرات تغير المناخ، في هذا التحليل والذي سوف يعتمد على المعلومات الموثقة حول تغير الظروف البيئية والاجتماعية والاقتصادية والضغوط المفروضة وكيفية الاستجابة إليها ومدى ارتباطها بأهداف ومؤشرات الإستراتيجية و سوف تستخدم القدرات المحلية والمعلومات المتاحة بشكل كامل لإجراء التحليل كما سيعكس التحليل أيضا وجهة نظر كافة الشركاء. 3- مبدأ وضع أهداف واقعية ومرنة للسياسة . توضع الأهداف للمساعدة في تحديد كمية وجودة المخرجات المتوقعة أو الأوضاع المرغوب فيها. تعتبر الأهداف التي يصاحبها الحوافز من أدوات تنفيذ السياسة الأكثر فاعلية وستستخدم عندما تتاح القدرة على ذلك، ستمثل الأهداف تحديا ومع ذلك فإنها واقعية ويمكن تحقيقها. 4- مبدأ الترابط بين الميزانية وأولويات الإستراتيجية . لابد من إدراج الإستراتيجية في عملية تخطيط الميزانية لضمان توفير الموارد المالية لمكونات الإستراتيجية حتى تحقق أهدافها. 5- مبدأ السياسة المتكاملة بين القطاعات المختلفة . ستعمل اللجنة الوطنية للتنمية المستدامة على دعم سياسات التنمية المستدامة وسيتم تشكيل لجان مشتركة بين الوزارات المعنية حسبما تقتضى الحاجة لذلك وبالإضافة إلى ذلك يلزم أن تعمل السلطات المركزية والمحافظات ووحدات الإدارة المحلية على إدراج حماية البيئة والترابط الاجتماعي في جميع السياسات القطاعية. أما على المستوى المحلي فيلزم القيام بالتعديلات المؤسسية المطلوبة لتعكس احتياجات القطاعات المختلفة لتحقيق التنمية المستدامة. سيكون من مهام لجنة التنمية المستدامة التنسيق بين الإستراتيجيات والخطط والبرامج القطاعية مع أخذ البيئةوالتأثيرات الاجتماعية في الاعتبار والعمل على دمج الاعتبارات البيئية والاجتماعية في السياسات القطاعية مثل السياسة الزراعية والصناعية والاجتماعية وسياسة الطاقة والنقل...الخ. سوف يتم ذلك عن طريق تحليل الإطار الكلي لسياسة الدولة حتى يمكن تحديد السياسات والخطط والبرامج المختلفة ومن أمثلة ذلك: - خطط العمل والإستراتيجيات الوطنية البيئية - خطط عمل الإستراتيجية الوطنية للتنوع البيئي - الإستراتيجيات الوطنية للحفاظ على البيئة - الخطط الوطنية لمكافحة التصحر - إستراتيجيات الحد من الفقر - برامج الإصلاح الهيكلي - خطط استراتيجيات التنمية العمرانية يصعب تحقيق التكامل التام بين السياسات ولتحقيق أكبر قدر من التكامل يجب فى البدء بتحديد السياسات المتضاربة وتأثيراتها وبالتالي يمكن تحقيق التوازن بين السياسات باستخدام الأدوات المنهجية المناسبة. هذا علمًا بأن تكامل السياسة سوف يعتمد بشكل أساسي على التفاوض وبناء الرأي الجماعي بين المنتفعين. 6- مبدأ الحكم الرشيد . لتحقيق التنمية المستدامة يجب أن يقوم الحكم فى المستويات الوطنية والمحلية والمحافظات على الشفافية في صنع القرار ومشاركة المواطنين والمجتمع المدني في صنع القرار والمسئولية والمساءلة والمحاسبة فى التنفيذ. كما يجب أن تكون هناك أسس واضحة فيما يتعلق بتخصيص الموارد واستخدام الأموال العامة وخفض التكلفة وترشيد الإنفاق والانتباه إلى القضايا الاجتماعية. 7- مبدأ لا مركزية السلطة والتفويض . من الضروري أن تتحقق تدريجيًا لامركزية اتخاذ القرار إلى أقل مستوى ممكن. حيث تنتقل الاختصاصات والمسئوليات من المستوى المركزي إلى المستويات الإقليمية والمحلية. ومع ذلك يكون للحكومة اليد العليا في وضع السياسات ووضع الأطر القانونية التي تمكنها من تحقيق أهدافها المحددة. 8- مبدأ رفع الوعي . يؤكد هذا المبدأ على أهمية التعليم وبناء القدرات في رفع الوعي واستيعاب كل فئات الشعب لقضايا التنمية المستدامة وزيادة الاهتمام العام بهذه القضايا ولن تتحقق التنمية المستدامة دون التعاون الفعال بين كافة فئات المجتمع. 9- مبدأ العدالة بين الأجيال . يجب أن تترك الثروات الطبيعية للأجيال القادمة بنفس القدر الذي تسلمت به الأجيال الحالية تلك الثروات، حتى يتوفر للأجيال القادمة نفس الفرص أو فرص أفضل لتلبية احتياجاتها مثل الجيل الحالي. 10- مبدأ تحقيق العدالة بين الجيل الحالي . يدعو هذا المبدأ إلى التوزيع العادل للدخل مع تأمين الاحتياجات البشرية الأساسية لكل فئات المجتمع. علمًا بأن عدم الإنصاف الاجتماعي داخل هذا الجيل يمكن أن يؤدي إلى الإحباط الاجتماعي وسوء استخدام الموارد الطبيعية وتدميرها. 11- مبدأ الحفاظ على الموارد الطبيعية . يدعو هذا المبدأ إلى ترشيد استخدام الموارد الطبيعية لضمان إستدامة التنمية وبحيث تستخدم الموارد الطبيعية بطريقة تضمن الحفاظ على التنوع البيولوجي وحماية القيم والمناظر الطبيعية وبحيث تستخدم الموارد المتجددة بما لا يتجاوز قدرتها على التجدد. وتستخدم الموارد غير المتجددة بطريقة تضمن استمرار استخدامها على المدى الطويل بفاعلية وذلك عن طريق الاستعاضة عنها بالموارد الأخرى المتاحة أو المواد المصنعة مثل إستبدال الوقود الحجري ومصادر الطاقة غير المتجددة بمصادر الطاقة المتجددة وإستعادة الطاقة الناتجة من المخلفات. 12- مبدأ تغريم الجهة المتسببة في التلوث . يدعو هذا المبدأ إلى أن تقوم الجهة التى يتسبب نشاطها فى إحداث ضغوط على البيئة، أو إذا أنتجت أو استخدمت أو تاجرت في المواد الخام أو المنتجات شبه النهائية أو المنتجات التي تحتوي على المواد المضرة بالبيئة، تقوم هذه الجهات بدفع رسوم مقابل تسببها فى هذا التدهور. كما تتحمل التكلفة بالكامل لدرء تلك المخاطر البيئية وعلاج الإضرار التي وقعت. هذا ويساعد فرض تكاليف التلوث على توفير حافز قوي للصناعة للإقلال أو الحد من التلوث حيث سيتضح أن تكلفة الحد من التلوث استثمار له عائد مجزى. 13- مبدأ قيام المستخدم بالدفع . ينص هذا المبدأ على أن أى فرد يستخدم الموارد الطبيعية يجب أن يدفع سعر واقعي في مقابل هذا الاستخدام على أن تغطي هذه القيمة تكاليف معالجة مخلفات الاستخدام يطبق هذا المبدأ على الخدمات مثل الإمداد بمياه الشرب، وجمع مياه الصرف الصحي ومعالجتها، وجمع المخلفات البلدية والتخلص منها...الخ. 14- مبدأ المسئولية المشتركة . يحتاج تحقيق التنمية المستدامة إلى شعور المنتفعين بمسئوليتهم المشتركة تجاه الحد من ضغوط التنمية على البيئة والموارد الطبيعية والمجتمع. 15- مبدأ الوقائية . تعتبر الوقاية من التلوث أكثر فاعلية من معالجة التلوث بعد حدوثه (الحل عند نهاية الأنبوب). وعلى هذا الأساس يجب تجنب الأنشطة التي تمثل تهديد للبيئة وصحة الإنسان على أن يتم تنفيذ وتخطيط كل منها بصورة تؤدى إلى: - إحداث أقل تغيير ممكن للبيئة. - أقل خطورة للبيئة وصحة الإنسان. - الحد من الضغوط على البيئة والاستخدام الرشيد للمواد الخام والطاقة في البناء والإنتاج والتوزيع والاستخدام. - الإقلال من التأثيرات على البيئة عند مصدر التلوث . يطبق هذا المبدأ من خلال تنفيذ تقييم الأثر البيئي واستخدام أفضل الوسائل التكنولوجية المتاحة. 16- مبدأ التخطيط والتنمية العمرانية واستخدامات الأراضي . يعتبر التخطيط العمراني وتخطيط استخدام الأراضي أداه رئيسية لتحقيق التنمية الحضرية والريفية المستدامة، والاستخدام المستدام للأراضي وتخصيص الموارد مع الأخذ في الاعتبار تأمين الفاعلية الاقتصادية والاجتماعية وصحة ورفاهية المجتمعات الريفية والحضرية. ما تلعب دورا مهماً في زيادة المهارات الفنية للعاملين فيها، حيث تجد ان المستثمرين المبادرين متجذرون في البيئة الاقتصادية المحلية، فاستثماراتهم وفعالياتهم وارباحهم مقيمة بصورة ثابتة، وهم يخلقون فرص عمل لعشرات الآلاف ويخرجون حرفيين ومهنيين جدد على الدوام، بالإضافة الى انه، بمقتضى الروابط الاجتماعية التقليدية يعيلون أسراً ممتدة تشمل، عدا الزوجة والابناء، العديد من الأقارب، وكذلك فان المهنيين والحرفيين، بسبب انتمائهم الى الشرائح الاجتماعية الشعبية، ربما كانوا اكثر التصاقا بالقيم التقليدية. وفي ضوء ذلك تعد المشاريع الصغيرة والمشاغل الحرفية في اغلب البلدان، ولا سيما النامية، الماكنة الرئيسة لازدهار النمو الاقتصادي، في حين ان تدهورها يؤدي الى تنامي ظاهرة البطالة وشيوع الركود الاقتصادي، ليس فقط لعددها وتنوعها ولكنها ايضا لانتشارها في جوانب النشاط الاقتصادي المتعددة واسهامها في التنمية الاقتصادية الاقليمية، ولدورها في دعم المصانع الكبيرة وكمصدر للتحديث المطرد للصناعة والتجارة، وتسهم الصناعات الصغيرة بنسب مهمة من النشاط الصناعي في البلدان الصناعية والنامية، فعلى سبيل المثال يمثل الحرفيون في ايطاليا، الذين يعمل معظمهم ضمن الاعمال الاسرية، عاملا مهما في نجاح مشاغل الذهب والفضة والجواهر والجلود والتطريز والزجاج والخزف والاثاث والاحذية والملابس وغير ذلك. اما في اليابان فيعود نجاح صادراتها الى حد بعيد الى قوة المنافسة الداخلية التي تعززها الشركات المنتجة، من خلال تعاقدها من الباطن مع شركات صناعية صغيرة للقيام بجزء كبير من الاعمال باسعار قادرة على المنافسة دوليا. تكتسب الشركات الصناعية الصغيرة اهمية خاصة في الاقتصاد الياباني، حيث يمثل انتاجها قرابة 50% من الانتاج الصناعي الياباني،الايدي العاملة. وكما هي الحال في الدول المتقدم، فان الصناعات الصغيرة، تحتل جانباً مهما من النشاط الاقتصادي في البلدان النامية، ومن بينها الاقطار العربية، كما هو الحال في مصر مثلا، التي تلعب فيها هذه الصناعات دورا كبيرا ومؤثرا. لقد اثبتت التجارب التي مر بها العديد من الدول ان المشاريع الصغيرة قادرة على تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة إذا تهيأ لها المناخ الملائم والتمويل اللازم، واعطيت ما تستحقه من اهتمام في القوانين والتشريعات ومنحة الفرصة الكافية لاثبات ذاتها والوقوف على اقدامها، وتؤكد الشواهد التاريخية ان المشاريع الصغيرة تمثل اللبنة الاساسية في بناء الصروح الاقتصادية في بلدان العالم المتطورة التنمية المستدامة أن التنمية المستدامة هي التنمية التي تلبي حاجات الحاضر دون المساومة على قدرة الأجيال المقبلة على تلبية حاجاتهم أي أن المساوات والعدالة بين الأجيال وهي واحدة من العوامل المطلوبة للتنمية المستدامة . أن التنمية المستدامة هي الاستعمال المثالي الفعال لجميع المصادر البيئية ، الحياة الاجتماعية والاقتصاد للمستقبل البعيد مع التركيز على حياة أفضل ذات قيمة عالية لكل فرد من أفراد المجتمع في الحاضر والمستقبل. هناك محطات مهمة شهدها العالم في مجال التطور من الفكر البيئي المجرد الى فكر التنمية المستدامة الذي يتضمن الارتباط الحتمي للبيئة بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية واهمها:- 1- في عام 1989 طلبت الجمعية العامة للامم المتحدة عقد اجتماع عالمي لوضع ستراتجية لايقاف التأثيرات التي تلوث البيئة في سياق تعزيز الجهود العالمية لتطوير ونمو واستدامة البيئة بكل دول العالم. 2- وكرد فعل للطلب في (1) اعلاه عقدت قمة الارض في البرازيل/ريودوجانيرو في حزيران/1992 (مؤتمر الامم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية) والذي نتج عنه(الاجندة21) والتي تمثل منهاج عمل منذ انعقاد المؤتمر وللقرن الواحد والعشرين للحكومات، وكالات التنمية، منظمات الامم المتحدة والمنظمات الغير حكومية في كافة المجالات التي تلوث البيئة. ان الاجندة 21 تتكون من (40) فصل اكدت على التنمية المستدامة من خلال عدة طروحات تتعلق باستخدام الموارد والعناية بالارض والجو ووجهت الحكومات بوضع القوانين والتعليمات والنظم لتشجيع الاستخدام المستديم لموارد الارض واعطاء اهمية لزراعة الارض ووضع اسس وطرق جديدة لادارة البيئة. عقب قمة الارض عام 1992 وما نتج عنها من تحقيق الربط بين البيئة والتنمية شهدت المنطقة العربية اعادت هيكلة للادارة البيئية الرشيدة وقد انبثق عن ذلك الاطار المفاهيمي الجديد الذي ادى الى توسع مجال ادارة البيئة ليشمل التأثيرات البيئية على التنمية. لقد حدد جدول اعمال القرن (الاجندة 21) مجموعة من الانشطة الاساسية والانشطة الساندة التي يتوجب العمل بها محلياً ضمن اطار التنمية المستدامة وحسب خصوصية كل بلد وبالتسيق مع المنظمات العالمية (UNEPوUNDP) مثل تحسين عملية صنع القرار،تحسين انظمة التخطيط والادارة،قواعد البيانات والمعلومات،اختيار ستراتجية وطنية للتنمية المستدامة،اصدار التشريعات،ايجاد قنوات التنسيق المؤسسة بين الاجهزة التنموية والبيئة،توجيه انشطة القطاع الخاص واجراءات التحكم به ونشر التوعية البيئية بين شرائح المجتمع المختلفة. 3- مبادرة ويهاب (WEHAB) وهي مختصر لكلمات(المياه، الطاقة، الصحة،الزراعة والتنوع البايلوجي) وهي المبادرة التي تقدم بها الامين العام للامم المتحدة السيد كوفي عنان اسهاماً منه في الاعداد لمؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة الذي عقد في جوها نسبرغ (WSSD) وتسعى المبادرة الى دفع وتركيز الجهود في المجالات الرئيسية الخمسة التي تتكامل مع منهج دولي متماسك يسعى الى تحقيق التنمية المستدامة وتعتبر هذه المجالات من القضايا المهمة التي تضمنتها خطة تنفيذ نتائج القمة العالمية للتنمية المستدامة والمعروفة باسم خطة جوها نسبرغ وهي تشمل على عدد من الانشطة والفعاليات المستهدفة في كل المجالات القطاعية والتي ترابط مع بعضها من خلال اطر متنوعة متعددة الاطراف متفق عليها فيما بين الحكومات على اساس نهج متنامي يسعى الى تحقيق اهداف واسعة النطاق. 4- الدورة التاسعة للجنة الامم المتحدة للتنمية المستدامة (CD9) في 5/2001 اكدت على ان الطاقة هي الاهم لتحقيق التنمية المستدامة وحددت (5) قضايا رئيسية تتعلق بها:- - زيادة قدرة الوصول الى الخدمات المتطورة للطاقة. - تحسين كفاءة استخدام واستهلاك الطاقة. - تطوير استخدامات موارد الطاقة المتجددة. - تطوير تكنولوجيات اكثر نظافة للوقود الاحفوري. - الطاقة في مجال النقل. 5- اعلان الالفية للتنمية الصادر عن الامم المتحدة في ايلول/2000 والذي حدد اهداف الالفية للتنمية (تخفيض نسبة الفقر الى النصف بحلول عام 2015) 6- للتحضير لمؤتمر القمة العالمي قام مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن البيئة بالتعاون مع الهيئات الاقليميةUNEPوESCWO باصدار اعلان ابو ظبي في شباط/2001 والذي تضمن الاعلان العربي للتنمية المستدامة ومبادرة التنمية المستدامة في المنطقة العربية. 7- اجتماع مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة عام 2002 الذي تقدم بمبادرة التنمية المستدامة في المنطقة العربية باسم المجموعة العربية المشاركة في مؤتمر جوها نسبرغ لقمة التنمية المستدامة وهي مبادرة موحدة تتضمن رؤويا وتصورات وتوجهات البلدان العربية لتحقيق الامن والسلام والتنمية في ربوع المنطقة العربية وتهدف المبادرة الى التصدي للتحديات التي تواجه الدول الغربية من اجل تحقيق التنمية المستدامة وتؤكد التزام الدول العربية بتنفيذ جدول اعمال القرن واهداف التنمية التي تضمنها اعلان الالفية ومخرجات مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة وتسعى الى تفعيل وتعزيز مشاركة الدول العربية من اجل ابراز الجهود التي يقوم بها نحو تحقيق التنمية المستدامة ولاسيما في ظل العولمة وآثارها وايجاد آلية لتمويل برامج حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة. أن التحدي أمام المجتمع الدولي الآن هو كيفية تحقيق تنمية اقتصادية ورفاهية اجتماعية بأقل قدر من استهلاك الموارد الطبيعية وبالحد الأدنى من التلوث والأضرار بالبيئة وهذا هو جوهر التنمية المستدامة. أن الأرقام المعتادة تظهر تغييرا في اتجاه واحد فقط بدون أظهار النقاط المتصلة مابين اقتصاد المجتمع والحياة الاجتماعية والبيئة وكأن المجتمع يتكون من ثلاثة أجزاء منفصلة وهي 1- الاقتصادEconony)) 2- الحياة الاجتماعية( Society ( 3- البيئة( Environment ( وإذا ماتم النظر إلى هذه الأجزاء بطرق منفصلة وكما في الشكل رقم (1-4أ) سيتم النظر أيضا إلى مشاكل المجتمع كقضايا منعزلة عن بعضها البعض مما يؤدي إلى نتائج سيئة مثل: 1- حل مشكلة ممكن أن يؤدي إلى ظهور مشكلة أسوء. 2- الحلول التدريجية تعود إلى خلق مجموعات اقتصادية. 3- الحلول التدريجية تركز على الفوائد قصيرة المدى. وبدلا من أتباع حلول تدريجية نحن بحاجة إلى النظر في نقاط الوصل بين الاقتصاد ، البيئة ،الحياة الاجتماعية كما في الشكل رقم (1-4ب). "إن أفضل طريقة للتعامل مع الإرث المتواضع لليبرالية الجديدة هي أن نهرب إلي المستقبل".... بهذه الكلمات نمضي معا في غوص فكري راق ورائق في طريق البحث في واحدة من الإشكاليات الكبرى التي تهم العالم برمته عامة وعالمنا العربي والشرق أوسطي خاصة أي إشكالية التنمية ومفاهيمها وماهيتها وعلام تعتمد؟ من يقودنا في هذه الرحلة الفكرية؟ أنه البروفيسور "ججيجوش داليو كوودكو" السياسي والاقتصادي والمفكر البولندي الكبير، وأحد المهندسين الرئيسيين للإصلاحات البولندية، والخبير المرموق في شئون السياسة الاقتصادية والتنمية حول العالم. ومن أهمية الرجل قال عنه البروفيسور "فرانسيس فوكايايا" صاحب نظرية "نهاية التاريخ"، أن أفكاره كانت ولاتزال أسهاما للنقاش والمناظرة عن الاقتصاد السياسي للعولمة. يقابلنا "ججيحوش كوودكو" بحقيقة أننا لا نعرف ما ينبغي فعله، بقدر ما يعزي إلي غياب الإرادة السياسية التي تمكن من استغلال هذه المعرفة لإجراء التغييرات الصحيحة. وفوق هذا كله علينا أن نعرف كيفية إجراء تلك التغيرات... ماذا يعني ذلك؟ باختصار غير مخل يعني أننا يجب أن نبحث عن إجابة للسؤال التالي. ما معني النمو والتنمية؟ وعلام يعتمدان؟ من الواضح أنه لا يمكن أن يكون هناك نمو أو تنمية من دون رأس المال، ما يعني أنه "لا يمكن لمجتمع أو دولة أو أفراد الدخول في عملية تنمية حقيقية دون وجود رأس مال كما في تحقيق دوران عجلة رأس المال ومن ثم التنمية". المؤكد أن مفكرنا البولندي يري أن هذا قول مبتذل تماما مثل التأكيد على أن رأس المال وحده ليس كافيا لتحقيق التنمية. فالتاريخ حافل بأقاليم وبلدان وفترات تسبب فيها عامل آخر غير عدم كفاية رأس المال في ركود الإنتاج. وفي كثير من الأحيان، كان السبب غياب المنطق السليم. هناك أمور أخري ـ ظواهر وعمليات ـ لابد أن تحدث على نحو متزامن من أجل استخدام رأس المال بطرق تضمن تحقيق مستويات إنتاج أعلي ومستويات معيشة أفضل. التنمية تغيير إلي الأفضل. وبما أنه لا يمكن أبدأ أن تتغير أوضاع الجميع إلي الأفضل فيجب على الأقل أن تتغير أوضاع الأغلبية. يؤكد "ججيحوش" على أنه يجب أن تكون واضحين حول ماهية المشكلة. فالمسألة لا تتعلق بإعداد كبيرة من الناس يتناولون كوبا إضافيا من الحليب يوميا (رغم أن هذا أمر مهم أيضاً)، أو يمتلكون زيادة طفيفة في دخولهم تساعد في تغطية نفقاتهم. بل المهم كيفية تأثير كل من الخيارين على العمليات الاقتصادية في المستقبل، وكيف يمكن أن يحدثا تدفقات في الدخل. علينا أن نقرر هل المسألة تتعلق بتقسيم دخل متاح جري اكتسابه ، مع أخذ النمو في الدين العام في الحسبان أيضا، لأنه في هذه الحالة هناك عجز في الميزانية، ومن ثم ستتعقد الأمور أكثر، لأن المسألة لن تكون توزيع دخل بقدر ما ستكون توزيع دين، أو أنها تتعلق بفعل شيئ ما يزيد الدخل في المستقبل. هذه إذن معضلة ترتبط بالتوزيع النهائي للدخل القومي على كل من الاستهلاك والإدخار. فهناك تعارض حقيقي، فما يخصص للاستهلاك لا يمكن أن يخصص للإدخار (الاستثمار) في الوقت نفسه، والعكس صحيح. علاقة النمو بتحسن معيشة الناس هل يمكن أن يكون هناك نمو أو تنمية بدون انعكاس واضح على الناس؟ مفكرنا البولندي يذهب إلي أنه إن لم يكن النمو في الإنتاج مصحوبا بتحسن في الأحوال المعيشية للناس، فمن الصعب أن نقول أننا أمام تنمية اقتصادية. وقد ظهرت دلالات واضحة على هذا النموذج في أواخر القرن العشرين في الولايات المتحدة، خصوصا أثناء هيمنة وصفة الليبرالية الجديدة للنمو الاقتصادي. فقد أدي هذا في المقام الأول إلي ارتفاع الدخل غير الناتج عن الأجور، وكان معظم هذا الدخل في شكل أرباح وأنواع متعددة من الإيجارات والعوائد الناتجة عن الملكية أو امتلاك رأس المال، بينما لم يزد الدخل الناتج عن الأجور على الرغم من حدوث تحسن في الإنتاجية وهناك كتاب يرفضون أن يطلقوا على هذا النوع من توسع إعادة الإنتاج تنمية اقتصادية، لكن هذه مبالغة، فعلي أي حال لم ينم الاقتصاد الأمريكي فحسب، بل تطور بسرعة هائلة أيضا، وهو ما أنعكس في إحراز تقدم غير مسبوق على الصعيدين العلمي والتكنولوجي وفي حدوث تغييرات هيكلية. أن عدم مشاركة جزء كبير من المجتمع في الاستفادة من ثمار هذه التنمية يعني أنها كانت ناقصة لكن لا يعني أنها لم تحدث من الأساس. يعطينا "ججيحوش" مثالا عما تقدم بروسيا وما جري فيها... ماذا عن ذلك؟ يري البعض أن روسيا أيضا شهدت في السنوات الأخيرة نموا من دون تنمية، لأن مستوي استهلاك كثير من الفئات لم يرتفع. على الرغم من أن المستوي الأساسي قد يكون مختلفا (اقل)، وبنية الإنتاج مختلفة (تقليدية)، يمكن رصد ظواهر مماثلة في كثير من الاقتصادات الأقل نموا، حيث يكون من الصعب القول إننا أمام تنمية اجتماعية اقتصادية بالمعني الذي تحمله الكلمة، بالرغم من النمو النوعي الذي ينعكس في إحصاءات الناتج المحلي الإجمالي. فعلي الرغم من ظهور زيادات في حجم الإنتاج ومعدل الاستهلاك في الاحصاءات، فقد لا تتحقق زيادة على مدي عدة سنوات للأغلبية الساحقة من السكان. فالبعض ـ القلة ـ يتمكنون من الافلات من غياب التنمية ويتمتعون بمستوي معيشي يضعهم ضمن الطبقة المتوسطة في بلد غني، بينما يبقي الآخرون ـ الأغلبية ـ غارقين في الفقر. ما الذي يبدد فرص تحقيق التنمية ؟ في كتابه العمدة "حقائق وأخطاء وأكاذيب" يذهب "ججيجوش" إلي أن فرص تحقيق التنمية تتبدد عندما يأتي النمو الاقتصادي من زيادة إنتاج الأسلحة، أو يتسبب في تدمير البيئة الطبيعية على نطاق يتجاوز الزيادة الكمية في الإنتاج فمن الممكن إنتاج مزيد من المواد المطلوبة على نطاق واسع، لكنها تكون ضارة من الناحية الاجتماعية وتقلل جودة حياة الإنسان، كالسيارات التي تتسبب في الاختناق المروي في المدن. لا ينبغي لنا التهاون في مسألة ما إذا كانت الزيادة في إنتاج المخدرات والكحول والتبغ علامة حقا على التنمية، أم على العكس تماما. وقد تدل التغييرات في بنية الإنتاج في بعض الأحيان على حدوث تنمية، وهذا يتحدد وفقا لطبيعة التقدم التكنولوجي وما ينجم عنه من ابتكار قد يصاحب النمو الكمي، لكن ذلك قد لا يحدث بالضرورة، عندما يتوافر منتج جديد بنفس القيمة النفعية للمنتج القديم، لكنه أكثر كفاءة من حيث استهلاكه للطاقة، ويستهلك مواد خام أقل، أو يمكن إعادة تدويره بسهولة، يكون لدينا بالفعل ما يبرر الحديث عن وجود تنمية، فالكمية واحدة، لكن الجودة أعلي وهذا يرفع مستوي التنمية. وإذا أردنا توضيح هذه المسألة بأبسط الطرق، نقول أن النمو الاقتصادي يساوي زيادة في قيمة الإنتاج ـ أي إجمالي السلع التى تصنع والخدمات التي تقدم ـ بمرور الوقت. نحن نتحدث هنا عن النمو في مستوي الإنتاج الكلي، لأن إنتاج بعض المواد بعينها يرتفع باستمرار بينما ينخفض إنتاج سلع أخري، وتذهب أكثر التعميمات شيوعا إلي أن الإنتاج يزيد في حالتين: أما بزيادة عدد الموظفين، أو بزيادة إنتاجية الموظفين في الحالة الأولي نحن أمام نمو في الإنتاج على افتراض أن العمالة تتزايد على المدي الطويل بنفس معدل زيادة السكان، لكن ليس بنفس معدل زيادة قيمة إنتاجية الفرد الواحد. هذا نمو وليس تنمية. وهذا النوع الشامل من النمو لا يؤدي إلي تحسن في مستويات المعيشة ولكي يحدث هذا التحسن، نحن بحاجة إلي زيادة الإنتاجية التى تؤدي إلي حدوث نمو قوي. ولا يمكن أن يكون هناك تنمية أو تقدم حضاري من دون نمو الإنتاجية. وهذا هو السبب في أن نمو الإنتاجية هو مفتاح التغيير إلي الأفضل. علام يعتمد النمو من ركائز؟ عند محاولة الإجابة على مثل هذا السؤال فإنه يجب علينا أولا إيجاد طريقة للإبقاء على فرص عمل تعادل مستوي النمو السكاني على الأقل. إذا حدث ذلك (وهذا لا يحدث في بعض الأماكن وفي بعض البلدان)، فيسيؤدي إلي النمو في إنتاجية العمل. ويمكننا أيضا أن ننظر إلي هذه المسألة من منظور مختلف إلي حد ما. وهو استغلال رأس المال. فالنمو الاقتصادي يتطلب زيادة في رأس المال، وبالأخص زيادة في إنتاجية رأس المال المستخدم. من لا يستثمر، لا يحقق تنمية، ومن يستثمر استثمارا سيئا لا يحقق تنمية أيضا. مع ذلك، لابد أن تنعكس الزيادة في إنتاجية رأس المال في شكل زيادة في إنتاجية العمل. وهذا هو لب الموضوع. إذا كان معدل النمو في الإنتاج وتحسن مستوي المعيشة يعتمدان على زيادة إنتاجية العمل، فعلام يعتمد النمو طويل الأجل في إنتاجية العمل؟ التنمية ـ التي أحيانا نضيف إليها صفة "الاجتماعية الاقتصادية" لكي ننتبه إلي الطبيعة المركبة لهذه العملية ـ هي حركة تصاعدية للنظام الاجتماعي الاقتصادي برمته. وهي تحدث من خلال تغيرات كمية ونوعية، ليس فقط على صعيد الإنتاج والتوزيع والاستثمار والاستهلاك، لكن أيضا على صعيد العوامل التالية: ** تطبيق تقنيات الإنتاج ووسائله التكنولوجية. ** أساليب الإدارة ** السياسة الاقتصادية المطبقة ** طبيعة ونوعية القوانين، أو قواعد اللعبة التي تحكم العملية الاقتصادية ** التفضيلات الثقافية والقيم المتبناة. ** حالة البيئة الطبيعية ** العلاقات الاجتماعية المتشككة فيما يتعلق بمسار عمليات إعادة الإنتاج. التنمية أكثر تعقيدا من النمو... كيف؟ قد تتشابه الكلمات في اللغة العربية تعريفيا، لكن اقتصاديا حتما تختلف، فالتنمية بحكم طبيعتها أكثر تعقيدا بكثير من النمو، ونتيجة لذلك، فإننا نواجه مشكلات ليس فقط فيما يتعلق بقياسها، بل تزداد المشكلات فيما يتعلق بتحقيقها، وبوضع استراتيجية التنمية المثلي، وتنفيذ السياسات التي تعزز ذلك. في حالة النمو الاقتصادي، يعتبر أمرا مبررا ومقبولا عالميا أن تقتصر مقاييس التنمية على التغيرات في قيمة الناتج المحلي الإجمالي أو مشتقاته، مثل الناتج القومي الصافي، والناتج القومي الإجمالي، أو على معايير أكثر محدودية مثل قيمة مبيعات الصناعة أو كمية الصادرات، أما فيما يتعلق بقياس مستوي التنمية الاجتماعية الاقتصادية وديناميكية هذه العملية، فلا يوجد إجماع في الآراء، ولهذا الأمر تبعات نظرية وعملية بعيدة المدى. هنا لا تزال معضلات الاختيار هائلة، حتى لو افترضنا أن الفئة المراد الارتقاء بها إلي الحد الأقصى ليست الناتج المحلي الإجمالي (ولا ينبغي أن تكون كذلك)، وإنما رأس المال الاجتماعي الذي يقاس باستخدام مؤشر يدل على نمو رأس المال البشري، وهو مؤشر التنمية البشرية: للقرارات الاجتماعية والسياسية أهمية بالغة، ويمكنها أن تحدث فرقا شاسعاً. يعطينا "ججيجوش" مثالا ببلده "بولندا"، فهو بلد يتطلع إلي تحقيق أعلي درجات التنمية، ولديه فرصة لتحقيق هذه الطموحات في غضون جيل واحد. وهذا أمر ممكن، لكن ليس بالضرورة أن يحدث . فهذا يتوقف على أمور معينة. وإذا افترضنا أن التنمية لا تقتصر على مستويات الإنتاج والتعليم والصحة مثلما ينعكس في مؤشر التنمية البشرية، فهذه الفئات الثلاث تعكس بصورة غير مباشرة جوانب هامة أخري، ومن ثم يمكننا معالجة قصور مؤشر التنمية، ورفع قيمته إلي الحد الأقصى الممكن، باعتباره محور نشاط التنمية، وعند وضع استراتيجية طويلة الأجل لبلد مثل بولندا ـ لنقل اثنتي عشرة سنه أو أكثر ـ يواجه العامة وصناع القرار أسئلة مثل: ما الذي ينبغي زيادته؟ وبأي نسبة؟ ووفقا لأي ترتيب؟ فمن المستحيل تحقيق كل شئ دفعة واحدة. وبالطبع سيكون هناك سؤال يتعلق بكيفية تمويل ذلك. كيف يمكن تحقيق التنمية الاقتصادية ؟ الشاهد أن هذا السؤال سيبقي بلا إجابة محددة لفترة طويلة، والأهم من ذلك أنه سيظل هكذا دائما أن مستوي التنمية هو ما يجعل الاقتصاد "جميلا" لكن مقاييس الجمال مسألة محيرة. فإما أن نري الشئ جميلا أو غير جميل، لكننا نواجه مشكلات صعبة حين يطلب منا تحديد السبب. هل ينبغي أن نقيس الثروة من الناحية الكمية وأن نقارنها بمقياس الفقر؟ هل طول العمر هو الأهم، أم ينبغي لنا أن نحاول قياس مدي الرضاء الاجتماعي؟ كيف يمكننا قياس جودة الحياة، أو سعادة الإنسان؟ هذه الأسئلة تتعدي حدود علم الاقتصاد، لكنها جديرة بالاهتمام فأي علم يكون أكثر تشويقا حين يبلغ التواصل مع العلوم الأخري. ومن المثير أن أحد أهم الإلهامات المبتكرة في النقاش حول جوهر التنمية وأهدافها لم يأت من أحد الأكاديميين أو السياسيين من أبناء البلدان الأكثر تطورا، بل أتي من الملك الشاب المبدع "جيجمي سينجاي وانجتشوك" ـ الذي كان شابا في ذلك الحين ـ والذي يحكم "بوتان" ذلك البلد الجميل والفقير للغاية الذي يقع بين الصين والهند، والذي لا يكاد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي فيه يتعدي 1400 دولار. كان رد هذا الملك على انتقادات صحيفة "فاينانشيال" تايمز، لمعدل النمو الضعيف للغاية في بوتان، وبنيتها الاجتماعية التقليدية الخانقة، وعزلتها عن العالم الغربي، أن اقترح ما أطلق عليه مؤشر إجمالي السعادة القومية".يمثل مؤشر إجمالي السعادة القومية" خطوة نحو الأمام، وأن كان يبدو من بعض النواحي وكأنه أيضا خطوة على جانب الطريق فهو يشدد على أهمية المجتمع القانع والحياة المرضية، وهذا الرضا لا يكون عن مستوي الإنتاج فقط، بل أيضا عن مستوي التقاليد الثقافية (التقاليد البوذية ملحوظة هنا)، وعن حالة البيئة الطبيعة، وفي الوقت الذي تركز فيه النماذج الكلاسيكية للنمو على الجوانب الكمية للتوسع الاقتصادي، يركز مؤشر إجمالي السعادة القومية على التضافر وآليات التغذية الراجعة الإيجابية للجانبين المادي والروحي وللتنمية. وهكذا يعتمد مؤشر إجمالي السعادة القومية على أربع ركائز وهي: ** تنمية اجتماعية اقتصادية (بالمعني التقليدي) عادلة ومستدامة. ** الاهتمام بالقيم الثقافية وحمايتها. ** المحافظة على البيئة الطبيعية. ** إدارة وحوكمة رشيدة للاقتصاد والشئون العامة. والمثير هنا أن مؤشر الشعور الذاتي بالرفاهية لسكان بوتان الفقيرة وصل إلي "253" نقطة، وهي نفس النسبة التى حصلت عليها إيرلندا وكندا ولوكسمبورج، ومن المذهل أن بوتان تتساوي مع هذه الدول في احتلال المركز الثامن، ولا تتفوق على هذا المركز سوي أكثر البلدان ازدهارا في العالم. ولسوء الحظ، لم يحدث مؤشر إجمالي السعادة القومية تأثيرا كبيرا بعد، مع أنه آثار بعض الحراك الفكري والعلمي على نطاق عالمي، وانعكس هذا في شكل تيار من المقالات ومؤتمر واحد بهذا الشأن لكن مؤشر التنمية البشرية بالرغم من كل عيوبه يستخدم على نحو أكثر انتشارا في المقارنات الدولية. يكمن عيبه الرئيس في أنه يخلط بين المعلومات حول الإنتاج والصحة والتعليم، لكنها خطوة إلي الأمام على الطريق الصحيح. وهو أيضا لا يعكس عدالة توزيع الدخل ولا تأثير وقت الفراغ على مستوي الرفاهة الاجتماعية، ومن ثم يشوه على سبيل المثال العلاقة الحقيقية لمفهوم الرفاهة على جانبي الأطلنطي. إخفاق تحقيق الأهداف التنموية للألفية في مطلع الألفية الثالثة للميلاد أي العام 2000 احتفلت الأمم المتحدة بإعلان "الأهداف التنموية للألفية" استجابة لضغوط من الدول الفقيرة، ومن جماعات ضغط الاقتصاديين الذين يتعاملون مع قضايا التنمية، وينمو نفوذهم على نحو متزايد. أرست الأهداف التنموية للألفية" معايير لتلبية الاحتياجات الاجتماعية الأساسية التي ينبغي تحقيقها بحلول عام 2010، لا تعد هذه الأهداف تنموية في حد ذاتها فحسب، بل أنها تشكل أيضا ظروفا لازمة لمواصلة التنمية في المستقبل. وقد وضعت أساسا للتركيز على بلدان الجنوب الفقيرة، علاوة على أنها ـ للأسف ـ تنطبق على بعض دول ما بعد الاشتراكية التي أضرت بفعل ركود التحول الاقتصادي الشاق خلال التسعينات، مما أدي إلي تدهور ملحوظ لظروف معيشة جزء كبير من سكانها. تتسم الأهداف التنموية للألفية "ببنية شاملة مكونة من الغايات والأهداف والمؤشرات. كانت الفكرة تقوم على تجنب التعميمات والأهداف والمؤشرات. كانت الفكرة تقوم على تجنب التعميمات فيما يتعلق باتجاهات ضرورة تحسين الأحوال المعيشية، أو تجنب الرأي الذي يذهب إلي أن الأمور لا يمكن أن تستمر على هذا الحال. وتحدد الأهداف ثماني مناطق ينبغي حدوث تحسينات ملموسة فيها على مدي 10 عاما، وهذا يتأتي في المقام الأول من خلال سياسة تنموية طموحة بالتنسيق مع الجهود المشتركة للمجتمع الدولي بأسره وبدعم منها في ظل رعاية الأمم المتحدة والأهداف الرئيسية الثمانية هي: استئصال شافة الفقر المدقع والجوع. تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة من حقوقها. تحقيق تعليم أساس للجميع. تخفيض وفيات الأطفال. تحسين صحة الأم. مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية (الايدز" وتالملاريا، والأمراض الرئيسية الأخرى. تعزيز استدامة البيئة. تكوين شراكة عالمية من أجل التنمية. والشاهد أن ثلثا الفترة الزمنية المخصصة لتحقيق "الأهداف التنموية للألفية" والنتائج مختلطة، وتحدث كافة المؤشرات المطبقة على نحو سنوي، ويمكن الإطلاع عليها عبر الانترنت. لكن نظرة سريعة تكفي لتبين لنا أن كثيرا من الأهداف لن تتحقق وأن الوضع يمكن حتى أن يزداد سوءا في الحالات القصوى، ويعزي ذلك جزئيا إلي أن الأهداف ليست واقعية، وتعسفية إلي حد ما (على سبيل المثال: لماذا ينبغي بالضرورة أن يكون حجم انخفاض الجوع بنسبة النصف تحديدا؟)، الأهم من ذلك أن هذا يعزي إلي عدم وجود استراتيجية تنموية صحيحة. وأخيرا يجب التأكيد أيضا كان له تأثير إيجابي هائل على المعدلات العالمية مع الأخذ بعين الاعتبار أنه مع أن "الأهداف التنموية للألفية" كانت قد صيغت في عام 2000، فإنها تقاس بأثر رجعي على امتداد فترة بدأت منذ عام 1990. ومن ثم لا يمكن إجراء المقارنات القائمة على أي مستوي يوضح أي شئ إلا فيما يخص النصف الأول من الفترة الزمنية المحددة لتحقيق هذه الأهداف، وهي الفترة بين سنة 1990 حتى سنة 2002. ومما لا شك فيه أن الأمر سوف يستغرق مدي زمنيا يتجاوز عام 2015 لكي تتحقق هذه الأهداف، وغيرها من أهداف التنمية الطموحة، وسيظل الحال على ذلك حتى إذا انتهينا من تحقيق الأهداف التنموية للألفية"، لأن الغاية ليست الحد من هذه البلايا العالمية فقط، بل القضاء عليها تماما. لسوء الحظ تحقيق ذلك أمر مستحيل حتى على المدى البعيد، لكن من الممكن أن نحقق تحسنا كبيراً وعلى نطاق أوسع من تلك الأهداف التي حددت في عام 2000، فكلما ارتفع معدل النمو الاقتصادي، زادت فرص تحقيق النجاح. في مستقبل عملية النمو الاقتصادي علام إذن يعتمد النمو الاقتصادي قبل الانصراف؟ والأهم من ذلك علام سيعتمد في المستقبل الذي نتنبأ به ونتخيله؟ التنبؤ بشيء ما يختلف عن تخيله. لهذا وجب علينا أن نؤكد على تطور عوامل التنمية، فالأشياء التى كانت مهمة منذ مئتي سنه ليست نفس الأشياء التي كانت مهمة منذ نصف قرن، وبعض الأشياء ضرورية في الوقت الحاضر، لكن محركات النمو الاقتصادي ستكون مختلفة بعد مرور خمسين أو مائة عام. أننا في الواقع نستطيع أن نبحث عن إجابات من منظور الجيل المقبل، وينبغي علينا أن نفعل ذلك. علام سيعتمد نمو الإنتاج في المستقبل؟ هل سيعتمد على : الموارد الطبيعية والثروات.؟ وفرة الأيدي العاملة الرخيصة؟ التعديل الصحيح لثوابت الاقتصاد الكلي. سياسة الحكومة الاقتصادية. جودة إدارة الشركات المحددات الثقافية المساعدات الخارجية؟ الموقع الجغرافي؟ المناخ وحالة الطقس؟ تعني السياسة وضع الأهداف وتحقيقها فهي تصوغ أهداف التنمية وتحدد مسار تحقيقها، والوسائل المادية اللازمة لذلك. وبتحديدها يتعين التقريب بين المصالح المتضاربة، والبحث عن حل عملي وسط، وبناء توافق سياسي حول هذه الأهداف. وهذا قد يستلزم استعمال القوة أو ـ إذا كان الوضع العام ديمقراطيا ـ التوافق العام والدعم المجتمعي لتحقيق هذه الأهداف، وعند تحقيق ذلك تكون أدوات هذه الغاية وتخصيص الوسائل اللازمة لها أمرين ضروري. ويمكن القيام بذلك على نحو غير مباشر من خلال قوي السوق، أو على نحو مباشر من خلال إعادة توزيع الأموال في إطار الخطة المالية العامة. أهم المشكلات الاقتصادية لجمهورية مصر العربية الاقتصاد المصري هو ثاني أكبر اقتصاد في المنطقة العربية بعد السعودية بناتج محلي إجمالي يبلغ 500.9 مليار دولار (2010)، والثاني إفريقيا بعد جنوب إفريقيا والحادي عشر في الشرق الأوسط من حيث دخل الفرد. يتميز الاقتصاد المصري بأنه واحد من أكثر اقتصاديات دول منطقة الشرق الأوسط تنوعاً، حيث تشارك قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات بنسب شبه متقاربة في الاقتصاد المصري. ويبلغ عدد القوى العاملة في مصر نحو 26.1 مليون (2010) يتوزعون على القطاع الخدماتي (51%) والقطاع الزراعي (32%) والقطاع الصناعي (17%) يَعتمدُ الاقتصاد المصري بشكل رئيسي على الزراعة، ودخل قناة السويس والسياحة والضرائب والإنتاج الثقافي والاعلامى والنفط وتحويلات العمالة الخارجية من أكثر مِنْ 3 مليون مصري يَعْملونَ في الخارج، بشكل رئيسي في المملكة العربية السعودية، ومنطقة الخليجَ العربي مثل الإمارات العربية المتحدة والكويت تشكل تحويلاتهم النقدية موردا من موارد الاقتصاد، كما تتواجد العمالة المصرية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وأستراليا. اهم المشكلات الاقتصادية 1. كانت التقارير التي أصدرت عن النمو الاقتصادي في مصر، سواء المحلية أو الدولية مضللة، حيث ركزت على الإشادة بمعدلات النمو من الناحية المطلقة، دون أن تتطرق إلى أمرين في غاية الأهمية؛ الأول هو مصادر هذا النمو، والتي كانت في معظمها هامشية أو ريعية، في الوقت الذي كانت تتراجع فيه الأهمية النسبية للقاعدة الإنتاجية، سواء الصناعية أو الزراعية للاقتصاد المصري على نحو واضح، بحيث أصبحت مصر تفتقد حاليا إلى قاعدة إنتاجية تتناسب مع الموارد التي تملكها، خصوصا المورد البشري. فقد وجه النظام السابق جل اهتمامه إلى القطاعات الخدمية والقطاعات غير المنتجة، فتم الاهتمام بالإسكان الفاخر، وتنمية الشواطئ وبناء المنتجعات في الوقت الذي كانت تستورد فيه مصر جانبا كبيرا من السلع الاستهلاكية والآلات والمعدات والغذاء، وهو ما انعكس في العجز الهائل في الميزان التجاري المصري. 2. الأمر الثاني وهو توزيع هذا النمو، أو بالأحرى من استفاد من هذا النمو؟ فقد كان هذا النمو على حساب العدالة المفترضة في توزيع الدخل بين الفئات الدخلية المختلفة، حيث تراجعت مكانة الطبقة الوسطى والتي كانت تشكل غالبية الشعب المصري عندما استلم النظام السابق الحكم، وأصبحت الهوة بين الفئات الدخلية المرتفعة والفئات الفقيرة واسعة جدا، وقد اعترفت المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي بأن تقاريرها عن النمو الاقتصادي في مصر لم تكن دقيقة، لأنها ركزت على معدلات النمو من الناحية المطلقة، دون أن تأخذ في الاعتبار معايير التوزيع أو اعتبارات العدالة الناجمة عن هذا النمو. 3. نظرا لضيق القاعدة الإنتاجية عاشت مصر، ومازالت، فترات طويلة انتشرت فيها الضغوط التضخمية على نحو واسع، والتي ساعد على تعمقها ضعف قاعدة الإيرادات العامة للدولة والتي تسببت في عجز مستمر في الميزانية العامة للدولة والذي كان يتم تمويل جانب منه من خلال الإصدار النقدي الجديد، والذي يغذي الضغوط التضخمية. ونظرا للظروف الاستثنائية التي تمر بها مصر حاليا من المتوقع ان تتعمق تلك الضغوط بصورة أكبر في المرحلة القادمة، ولسوء الحظ فإن محاربة التضخم في هذا التوقيت بالذات سوف تكون مهمة في غاية الصعوبة، وذلك نظرا للمناخين المحلي والدولي غير الموائمان حاليا، حيث ترتفع أسعار الغذاء عالميا ومحليا بصورة مثيرة للقلق. 4. من أخطر التحديات التي تواجه مصر حاليا وفي المستقبل هي ارتفاع معدلات البطالة، لأسباب عديدة أهمها عدم مناسبة إستراتيجية التعليم الحالية لمتطلبات سوق العمل، بصفة خاصة التعليم الجامعي، من ناحية أخرى فإن عمليات الاستثمار التي تتم حاليا في الاقتصاد المصري لا تخلق فرص عمل كافية للداخلين الجدد إلى سوق العمل، وقد كان من المفترض ان تركز استراتيجيات الاستثمار على الأنشطة كثيفة الاستخدام لعنصر العمل. عدد كبير من الداخلين الجدد لسوق العمل من كافة المصادر يقضون حاليا فترات طويلة في حالة بطالة بحثا عن العمل الذي لا يجدونه في كثير من الأحيان، وأمام هذه الضغوط يضطر الكثير من الشباب إما إلى الهجرة إلى الخارج أو قبول وظائف لا تتماشى مع مؤهلاتهم ومهاراتهم، أو العمل في القطاع غير الرسمي من الاقتصاد المصري، وهو ما يمثل هدرا للموارد الضخمة التي أنفقتها الدولة على عمليات تأهيلهم. المشكلة التي يواجهها صانع السياسة في مصر هي أن نسبة صغار السن تعد مرتفعة للغاية، وعاما بعد آخر ترتفع أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل، وكل عملية خلق لوظيفة إضافية تقتضي ضرورة القيام بإنفاق استثماري يعتمد على ما يطلق عليه في الاقتصاد بالمعامل الحدي لرأس المال/العمل، أي مستوى الإنفاق الرأسمالي اللازم لخلق وظيفة إضافية. وأخذا في الاعتبار المستويات الحالية للبطالة فإن التعامل مع مشكلة البطالة في المستقبل سوف يتطلب ضرورة القيام باستثمارات ضخمة تتجاوز إمكانيات الاقتصاد المصري حاليا، ولا شك أن استقرار مصر الاقتصادي في المستقبل سوف يتطلب ضرورة خلق عدد كاف من الوظائف المنتجة للملايين من العاطلين عن العمل حاليا، وللداخلين الجدد إلى سوق العمل، ولا شك أنه هذه مهمة لن تكون سهلة، وتتطلب رسم خطط متكاملة للتنمية في القطاعات الإنتاجية المختلفة في الاقتصاد المصري مصحوبة بسياسات فعالة لجذب الاستثمارات الأجنبية في الصناعات كثيفة الاستخدام لعنصر العمل. 5. على المستوى المالي تواجه مصر تحديا آخر مرتبط بارتفاع العجز في ميزانيتها العامة، والذي يصل في بعض الأحيان إلى نسبة 9% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة مرتفعة جدا، وتفرض على مصر، في ظل ضعف القاعدة الضريبية بها أن تلجأ إلى الاقتراض، سواء المحلي أو الخارجي، ولا شك ان استمرار هذا العجز على نحو متصاعد يعني أن النمو الحالي في الدين العام سواء المحلي أو الخارجي لن يكون مستداما، ويتوقع أن يميل هذا العجز نحو الارتفاع بصورة واضحة في فترة ما بعد الثورة، وذلك قبل أن تعمل مصر على رفع إيراداتها العامة وترشيد نفقاتها بهدف السيطرة على النمو في ميزانيتها العامة. فعلى الرغم من هيكل الضرائب المكثف جدا الذي تتبناه مصر حاليا، إلا ان الإيرادات الضريبة تعتبر منخفضة بشكل عام، ولا تتجاوز نسبة الـ 15% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي بهذا الشكل تقل عن المستويات المحققة في معظم دول العالم المتقدم منها والنامي، الأمر الذي يعكس حقيقة ان الضرائب المفروضة، على كثافتها، لا تحصل، وأن هناك تهربا ضريبيا يمارس على نطاق واسع في الدولة من قبل الممولين وبمساعدة الجهاز الحكومي الذي يفرض ويحصل الضريبة، وأن الجهاز الضريبي لا يتسم بالكفاءة والفعالية المناسبة. 6. من ناحية أخرى تواجه مصر من الناحية التقليدية عجزا مستمرا ومتفاقما في ميزان المدفوعات، بصفة خاصة في الميزان التجاري (الصادرات السلعية والواردات السلعية)، حيث تعجز الإيرادات من النقد الأجنبي من الصادرات عن تغطية احتياجات مصر من الواردات من الخارج. وعلى الرغم من أن ميزان المعاملات غير المنظورة (صادرات وواردات الخدمات) يحقق فائضا، إلا إن هذا الفائض للأسف لا يكفي لتغطية فجوة الواردات في الميزان التجاري، لذلك تلجأ مصر إلى الاستدانة بصورة مستمرة لتغطية العجز في ميزان المدفوعات. 7. تواجه بيئة الأعمال في مصر عقبة خطيرة تتمثل في انتشار الفساد على نحو واسع والذي أصبح يؤثر سلبا على عمليات تخصيص الموارد وكيفية توزيعها بين الأطراف المختلفة في الدولة، كما أصبح الفساد يهدد إقبال المستثمرين على الاستثمار في مصر، بصفة خاصة الاستثمار الأجنبي. وتشير التقارير التي تصدرها منظمة الشفافية العالمية إلى تراجع ترتيب مصر الدولي في مجال مكافحة الفساد، ولا شك أن من أهم التحديات التي تواجهها مصر في المستقبل هي كيف تكسب معركة محاربة الفساد المستشري بصورة عميقة في كافة أرجاء الجهاز الإداري للدولة، خصوصا مع تدني مستوى المرتبات التي يحصل عليها العاملين في الدولة وتجاهل النظام السابق لهذه الحقيقية بصفة مستمرة وعدم العمل بجدية على تحسين أوضاع هؤلاء العاملين، وبما ان العاملين في الدولة ينبغي عليهم تدبير قوت يومهم بصورة ما، فقد انتشرت الرشوة وغيرها من أشكال الفساد الإداري على نطاق واسع. 8. وأخيرا يعد ضعف البنية التحتية وتردي مستواها أحد اخطر التحديات التي تواجه مصر لكي ترتفع بمستويات إنتاجها وتنافسيتها، فقطاعات مثل الصحة والتعليم والمياه والكهرباء والطرق والمواصلات والاتصالات والمطارات والموانئ... الخ، في حاجة إلى تحسين ضخم لرفع كفاءتها المتدنية للغاية حاليا، والتي تضع مصر في مركز متدني كدولة مستقبلة للاستثمار الأجنبي أو مقدمة للخدمات بصفة خاصة الخدمات السياحية، ولاشك أن مصر تحتاج إلى أن تستثمر في بنيتها التحتية ذات المستوى الضعيف، وهي مهمة سوف تتطلب ميزانيات ضخمة قد لا تستطيع مصر الوفاء بها ذاتيا في الوقت الحالي، وسوف تحتاج مصر إلى مساعدة المؤسسات المالية الدولية والإقليمية لرفع قدرتها على الاستثمار في مجال البنى التحتية اللازمة لنمو، وألا فسيظل ضعف البنية التحتية في الاقتصاد المصري أهم القيود على تقدمه ونموه ورفع مستويات تنافسيته. هذه هي المشكلات الرئيسية التي تواجه مصر حاليا، ومما لا شك فيه ان هناك مشكلات أخرى ملحة مثل انتشار الفقر، وانتشار ثقافة التربح والكسب السريع وانتشار البيروقراطية ومركزية اتخاذ القرار وغيرها من المشكلات التي تكبل الاقتصاد المصري وتحول دون انطلاقه نحو الأمام لتصبح مصر في مصاف الدول الناشئة في العالم مثل ماليزيا وكوريا الشمالية، والتي لا تقل مصر عن هذه الدول من حيث الموارد والإمكانيات، ولكن المشكلة الأساسية التي تواجه الاقتصاد المصري هي في سوء عملية توجيه الموارد وإدارتها. حل مشكلة الاقتصاد الاقتصاد الإسلامي يستطيع أن يحلَّ كل المشكلات الاقتصاديَّة التي تعاني منها مصر الآن، بل إن هذه المشكلات ما حدثت إلا لغيبة الاقتصاد الإسلامي وعدم تطبيقه، فإذا كان الاقتصاد الإسلامي يطبَّق في مصر لما كان هناك فقر، ولما كانت هناك بطالة ولما عانت مصر من الاحتكار والظلم والفساد والإفساد، لأن مبادئ الاقتصاد الإسلامي تحارب كل هذه المشاكل، بل إن الاقتصاد الإسلامي جاء لكي لا تظهر هذه المشكلات فعلى سبيل المثال مشكلة الفقر لم تظهرْ في أمَّة تطبق الاقتصاد الإسلامي لأنه من مبادئه الإسلاميَّة الزكاة التي شرعها الله سبحانه وتعالى لإغناء الناس، فالزكاة ليست مهمتها أن تعطي للفقير أموالا يستهلكها في يوم أو شهر أو حتى سنة وإنما مهمة الزكاة أن تغني الإنسان العمر كله، فمن القضايا المثارة في الفكر الإسلامي ما الذي نعطيه للفقير، هل نعطيه كفاية السنة أو نعطيه كفاية العمر والرأي الصواب والأصح في هذا هو أن نعطي الفقير كفاية العمر بمعنى أن الفقير إذا أخذ الزكاة مرة فلن يعود إلى أخذها مرة أخرى إلا استثناء لأن الغني معرض أيضًا للفقر، ولذلك فالأصل هو أن الفقير الذي أخذ الزكاة مرة فلن يعود إلى أخذها بل سوف يداوم على دفعها. ويستطيع الإسلام من خلال الزكاة أن يقدم للفقراء رءوس أموال يستخدمونها؛ ففي كتاب الإمام النووي: إن الزكاة مهمتها إغناء الناس كفاية العمر حيث يقول: يعطيان ( يقصد الفقير والمسكين) ما يخرجهما من الفقر إلى الغنى، فبائع البقل (أي بائع الفجل والبقدونس) يعطي عشرة دراهم (الدرهم في أيامه كان يشتري شاة)، وبائع الجواهر يعطي مائة ألف درهم أو أكثر، ومن كان حدادًا أو نجارًا أو تاجرًا يعطي أدوات حرفته أو رأس مال تجارته. بهذا يصبح الفقير غنيًّا ليس من هذا المال ولكن من عمله ومجهوده، وهذا بالنسبة إلى الناس الذين يجيدون الحرف المختلفة، أما من كان أخرق ( أي ليس لديه قدرة على تعلم أي مهنة ولا يعرف حرفة) قال الإمام النووي: تشتري له ضيعة أو حصة في ضيعة تكفيه غلتها عمره كله وتوقف عليه ولا يسمح له ببيعها، هذا هو علاج الإسلام لمشكلة الفقر، وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك فقير في ظلّ تطبيق الاقتصاد الإسلامي، وقد قال عمر بن الخطاب للعاملين على الزكاة: إذا أعطيتم فأغنوا، ويقول أيضًا: كرروا عليهم الصدقة ولو راح على أحدهم مائة من الإبل، والغني هنا مختلف طبقًا لكل عصر من العصور، فأيام عمر بن الخطاب كان يتمّ إعطاء الفقير ناقة ليصبح غنيًّا ليس من هذه الناقة ولكن من عمله عليها، ولكن في ظروفنا الحالية يمكن للفقير أن يصبح غنيًّا من خلال إيجاد عمل له سواء في مصنع أو مزرعة حتى ولو لم يكن مالكًا لهما من خلال قيام الدولة ببناء المصانع وتوظيف الناس فيها وبذلك نكون قد أغنينا هؤلاء الناس، وبهذا نقضي على المشكلة الثانية التي تواجهنا وهي مشكلة البطالة لأن الإسلام لا توجد فيه بطالة. الزكاة وحل المشكلات والإنسان في الإسلام مكلَّف بالعمل ومعيار التفاضل بين الناس في الإسلام هو العمل، وليس مدى امتلاكهم للأموال، فالخليفة عمر بن الخطاب يقول: إنه ليعجبني الرجل طوله وعرضه فأسأل ألديه حرفة؟ فإذا قيل لا سقط من النظر، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: "ما أكل أحد طعامًا قطّ خيرًا من أنَّ يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده" وقد ذكر نبي الله داود أنه كان نبيًّا وملكًا أي كان غنيًّا، كما يوضح لنا الله سبحانه وتعالى في سورة الملك أن الإنسان خلق للعمل ولإعمار الأرض، كما أن كل الفرائض المكلَّف بها المسلمون عبارة عن عمل؛ فالصلاة والصوم والحج أعمال يقوم بها المسلم. في عصرنا الحاضر لم يطبقْ أحد فريضة الزكاة التطبيق الصحيح كما شرعها الإسلام، ولكن في العصور الإسلاميَّة الأولى لم يكن هناك فقراء لأن الزكاة كانت تكفي الناس وتفيض عن حاجتهم، وعامة في أيامنا المعاصرة لا توجد دولة تطبق نظام الزكاة إلا دولتان؛ السودان وماليزيا، أما السعوديَّة فلها نظام خاص بها في الزكاة حيث تطالب الأغنياء بها بتحديد قيمة الزكاة التي يدفعونها وتأخذ منهم نصفها وتترك لهم النصف الآخر من الزكاة لينفقوه بمعرفتهم على من يعرفون من الفقراء، بمعنى أن 50% من أموال الزكاة تدفع للدولة، و50% يدفعها الأغنياء لمن يريدون من الفقراء. في مصر يتم جمع مبالغ كبيرة من أموال الزكاة بالفعل ولكن هذه المبالغ غير منظَّمة ولا يتمُّ إنفاقها على المجتمع ككل. يجب أن تكون علاقة الزكاة بين الدولة والمواطنين بحيث تقوم الدولة بجمع الزكاة من الأغنياء للإنفاق على المشروعات التي تنقل الفقراء إلى مستوى الأغنياء، ومن الممكن أن يتحقق هذا الأمر من خلال إنشاء جهاز للزكاة في كل دولة إسلاميَّة وعربيَّة يقوم بتحصيل أموال الزكاة من كل من تجب عليه واستخدام حصيلتها في بناء المشروعات الزراعيَّة والصناعيَّة والتجاريَّة التي تخدم فقراء هذه الدول بشكل يجعلهم قادرين على كسب ما يسد احتياجاتهم، وهذا الأسلوب تطبقه دولة قطر من خلال صندوق الزكاة، وهو مثال جيد لتطبيق الزكاة بالأسلوب الصحيح والمفيد، ومعظم الدول التي تطبِّق نظام الزكاة لديها مؤسَّسات معنيَّة بصرف أموال الزكاة في مصارفها الشرعيَّة. وقد سبق أن خصَّص الرئيس الراحل أنور السادات نسبة 2.5% من أرباح شركات القطاع العام لبنك ناصر ليوزعها كزكاة على الجمعيات الخيريَّة بحيث أن كل جمعيَّة تجمع مائة ألف جنيه من أموال الزكاة تحصل من بنك ناصر على مائة ألف جنيه أخرى لتصرفها على المنطقة التي جمعت منها المائة ألف جنيه الأولى في صورة تقديم ماكينات خياطة وأبقار للأُسر الفقيرة، وقروض حسنة للزواج بجانب تمليك تاكسيات للسائقين، ولا يزال بنك ناصر يعمل بهذا النظام حتى الآن ولكن بدون الحصول على نسبة الـ 2.5% من أرباح شركات القطاع العام. الاستثمارات الإسلاميَّة في الأسواق حجم الاستثمارات الإسلاميَّة في الأسواق العالميَّة متقلب من يوم إلى يوم، ومع ذلك فهي أموال طائلة لا تقل عن 10 تريليونات دولار، ولا تقلّ الاستثمارات العربيَّة بالأسواق العالميَّة عن 6 تريليونات دولار، وهذا الرقم لا تدخل فيه الأموال التي تم تهريبها من مصر أو الجزائر أو ليبيا بمعرفة رؤساء هذه الدول وقياداتها كما يقال أن العرب فقدوا نحو خمسة تريليونات دولار في الأزمة الماليَّة العالميَّة في عام 2008 بصورة صكوك وأسهم وسندات في الشركات العالميَّة التي انهارت بسبب الأزمة. وقد تأثرت البنوك الإسلاميَّة بالأزمة الماليَّة العالميَّة ولكن في حدود أقل من غيرها بكثير، والسبب الأساسي لذلك أن البنوك الإسلاميَّة لا تعمل بنظام الربا ولا بالأصول الورقيَّة ولكنها تعمل بأصول حقيقيَّة، وبالفعل تعرضت البنوك الإسلاميَّة لبعض الكساد بسبب الأزمة مثل البنوك التجارية لأنها جزء من السوق العالمي، ولكن البنوك الإسلاميَّة لم تتأثر سلبًا كالبنوك الربويَّة لأن تعاملاتها الماليَّة تعاملات حقيقيَّة فالبنوك الإسلاميَّة تشتري أصولا حقيقية وتبيع أصولا حقيقيَّة وتستثمر في استثمارات ومشروعات حقيقيَّة وليست ورقيَّة بجانب دخولها في المشاركات الاستثماريَّة. ومع تزايد نجاحات البنوك الإسلاميَّة فالمستقبل سيكون لهذه البنوك وتوجد العديد من المؤشرات التي تؤكد ذلك منها اتجاه دولة الإمارات العربيَّة لتحويل مؤسساتها المصرفيَّة إلى بنوك إسلاميَّة وقرار الجمعيَّة التشريعيَّة الفرنسيَّة بإنشاء بنوك إسلاميَّة بجانب تجربة البنوك الإسلاميَّة في بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكيَّة. الأموال الإسلاميَّة تستثمر في كافة المجالات وكل دولة تختلف عن الأخرى في مجالات استثمار أموالها، فالقذافي مثلا استثمر الأموال الليبيَّة في محطات الغاز، والسعوديَّة مثلا تستثمر في عدة مجالات كالغذاء والأراضي الزراعيَّة كما في توشكي بمصر، والكويت تستثمر في بناء المطارات كما في مرسى علم بمصر أو في أوروبا بالقرى السياحيَّة وللأسف على الرغم من وفرة الأموال العربيَّة فإنها ليست لها سياسة محددة لخدمة القضايا العربيَّة مثلما فعل اليهود في استثماراتهم في الولايات المتحدة، فاليهود يستثمرون أموالهم في مجال الإعلام للسيطرة على الإعلام الأمريكي لتوجيه سياسته لخدمة الأهداف الإسرائيليَّة وهذا طبعًا وفقًا لسياسة معينة، أما العرب فلا يستثمرون أموالهم طبقًا لسياسة محددة ولكن للحصول على أرباح ماليَّة فقط. ولذلك فالبنوك المركزيَّة العربيَّة هي التي تستطيع أن تحدد مجالات استثمارات الأموال العربيَّة، مع ملاحظة صعوبة هذا التحديد؛ لأن كثيرًا من العرب يهربون أموالهم عبر الطرق غير الشرعيَّة. معظم استثمارات البنوك الإسلاميَّة يتمّ استثمارها في الدول الإسلاميَّة لأن أساليب استثمارها يستجيب لها غالبية المسلمين، وحتى الدول الغربيَّة عندما فتحت بنوكًا إسلاميَّة لا أعتقد أنها نجحت مثل نجاح البنوك الإسلاميَّة في الدول الإسلاميَّة لأن البيئة الإسلاميَّة مواكبة لأهداف ومبادئ البنوك الإسلاميَّة، ولذلك لدينا كثير من الناس يضعون أموالهم في البنوك الإسلاميَّة ولا يضعونها في البنوك الربويَّة حتى ولو لم يحصلوا على عائد من البنوك الإسلاميَّة خوفًا من شبهة الربا. الاقتصاد الإسلامي لديه القدرة والمكونات التي تجعله يحلّ كافة المشاكل الاقتصاديَّة فقط أعطوا الإسلام فرصة لكي يطبَّق وسوف يقوم بحل كافة المشاكل، وعقب ثورة 25 يناير طفت بالفعل العديد من المطالب الفئوية وإضرابات المدرسين والأطباء وسائقي النقل العام وكل هؤلاء لو كان لديهم فكر إسلامي كان يجب عليهم أن يصمتوا الآن ويصبروا حتى تتحسن ظروف البلاد الاقتصاديَّة خاصة إذا تَمَّ إعطاؤهم وعودًا وبرنامجًا زمنيًّا لزيادة المرتبات وتحقيق مطالبهم مع ملاحظة أن زيادة المرتبات لا تكون عن طريق القروض التي تقترضها الدولة من الدول والمؤسَّسات المختلفة ولكن عن طريق زيادة الإنتاج. ويمكن لمصر من خلال تطبيق مبادئ ومعاملات الاقتصاد الإسلامي أن تحل مشاكلها الاقتصاديَّة وإذا كنا قد طبقنا كل أشكال الاقتصاد من اشتراكيَّة إلى رأسماليَّة إلى اقتصاد مختلط وكلها فشلت في مواجهة مشاكلنا فلماذا لا نعطي فرصةً للاقتصاد الإسلامي لتطبيق قواعده لمواجهة المشاكل الاقتصاديَّة التي تعاني منها مصر حيث يملك الاقتصاد الإسلامي كل المقومات التي تحقق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعيَّة.
الاكثر مشاهدة
ارشيف المدونة
-
▼
2017
(72)
-
▼
ديسمبر
(36)
- أهم أسس وقواعد تصاميم الطباعة Printed design
- الفرق بين Graphic design و Web design
- مشكلة أطفال الشوارع بحث كامل
- المديول التعليمى
- التنمية الاقتصادية بحث كامل
- المشكلات الاقتصادية لجمهورية مصر العربية الاقتصاد ...
- دور الأخصائي الاجتماعي في الحد من ظاهرة العنف من م...
- الاستراتيجيات المهنية للتعامل مع مشكلة العنف المدرسي
- المجالات الأساسية لعمل الأخصائي الاجتماعي في المجا...
- مفهوم وفلسفة الخدمة الإجتماعية المدرسية
- أهداف ممارسة الخدمة الاجتماعية
- مفهوم الممارسة العامة في الخدمة الاجتماعية
- مفهوم الخدمة الإجتماعية
- مواجهة ظاهرة العنف المدرسي "علاج وحلول"
- أنماط العنف المدرسي وأنواعه
- النظريات المفسرة للعنف المدرسي لدى الطلاب
- أسباب العنف لدى طلاب المدارس
- العنف المدرسي : مفهومه ,دوافعه , أشكاله , مظاهره
- تعريف العنف المدرسي
- ظاهرة العنف المدرسي
- مشكلة العنف المدرسي
- العنف المدرسي في مصر
- أثر استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في تغيير ثقافة...
- الإكتئاب : تعريفه , تشخيصه , أعراضه , أسبابه , علاجه
- الطلاق و علم الإجتماع الديني
- إذاعة مدرسية عن الأخلاق
- 5 نصائح سهله وسريعة للحصول على وزن مثالي
- حجابك أشيك - تعرفى على أحدث وأفضل لفات الحجاب 2018...
- محمد صلاح "تأكيدات" قريبا في صفوف الملكي ريال مدريد
- عمرو بن كلثوم
- معلومات عن كوبري السلام المصري
- توظيف التكنولوجيا في التعليم لخدمة ذوي الإحتياجات ...
- محو الأمية مسئولية تجاه المجتمعIlliteracy and society
- الأمية المعلوماتية و المجتمع Society and Information
- قصة النيل - قطرة ماء تساوي الحياة
- من نوادر جحا
-
▼
ديسمبر
(36)