الجمعة، 3 نوفمبر 2017

تأثير الطلاق على المجتمع الديني

تأثير الطلاق على المجتمع الديني
الطلاق في المجتمعات الإسلامية :
يجب الإشارة الى أن حالات الطلاق فى المجتمعات الإسلامية باتت امرا خطيرا للغايه، اذ ان تلك الحالات تعتبر فى الأساس بعدا عن سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام وترك لتعليماته فهو القائل الذي لا ينطق عن هوى: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعد ابدا، كتاب الله وسنتي).
و تمثل ظاهرة كثرة الطلاق في مجتمعنا المعاصر خللاً اجتماعاً جديراً بالدراسة والتحليل، للوقوف على أسبابها والعمل على معالجتها بشفافية وسرعة وجدية، وقبل أن نتناول حجم مشكلة الطلاق في المجتمعات الإسلامية، يمكن التعرف على حجمها عالمياً.
ففي المجتمع الأمريكي، نجد أن هناك عدة طرق لقياس معدلات الطلاق إحداهما وهي الأكثر شيوعاً تكون بقياس عدد حالات الطلاق في سنة ما بالنسبة لألف حالة زواج. وهكذا وعلى سبيل المثال، ففي عام 1948م كانت نسبة الطلاق في أمريكا (33) حالة طلاق لكل (100 حالة زواج) في تلك السنة. أما في سنة 1960م بلغ معدل الطلاق (35) حالة طلاق لكل (1000) حالة زواج. 
أما في عام 1970م فكانت النسبة (47) حالة طلاق لكل (1000) حالة زواج، وفي عام 1980م كانت نسبة الطلاق (114) حالة طلاق لكل ألف حالة زواج، وفي عام 1990م كانت نسبة الطلاق (221) حالة طلاق لك ألف حالة زواج، وفي عام 2000م أصبحت نسبة الطلاق (409) حالات طلاق لكل ألف حالة زواج.
وهذه الإحصاءات تعطي صورة تحذيرية للزيادة المرتفعة في حالات الطلاق بنهاية عام 2000 المجتمع ، ففي الواقع أن هذه الأرقام تبين لنا كيف أن حالات الطلاق قد ازدادت إلى الضعف، والواضح أن هذه الظاهرة ستستمر في الزيادة في المجتمع الأمريكي.
وفي المجتمع البريطاني نجد أنه قد ارتفعت معدلات الطلاق ارتفاعاً خطيراً في معظم المجتمعات الصناعية في الوقت الحاضر، فقد ارتفعت معدلات الطلاق في بريطانيا فقد كان معدل الطلاق (3) لكل ألف حالة زواج وهذا في عام 1960م، وقد وصلت هذه النسبة عام 1980م إلى (12) حالة طلاق لكل ألف حالة زواج ، وفي نهاية عام 2002م نجد أنه تتم في بريطانيا حالة طلاق من كل ثلاث حالات زواج.
ولقد أصبح الطلاق في بريطانيا كبقية المجتمعات الصناعية في العصر الحديث أكثر سهولة، حيث أصبح لا يشترط قسوة أو خيانة أحد الطرفين للحصول على الطلاق (كما كان في الماضي لا يسمح بالطلاق إلا في حالة الزنا) وأصبح الطلاق لا يستدعي أكثر من إبداء عدم الرغبة في استمرار الحياة مع الطرف الآخر، وقد تغيرت أيضاً القيم وأصبح الطلاق بمثابة عقوبة مناسبة للرد على سوء نظم الزواج والتغيرات في القيم وفي بعض المفهومات ومن ضمنها مفهوم الطلاق أيضاً، كل ذلك مما أدى إلى حالات الطلاق.
وأوضحت الدراسة أنه يتم طلاق 33 امرأة يومياً، وفي مدينة الرياض وحدها وصل عدد المطلقات إلى 3000 امرأة، في حين بلغت حالات الزواج 8500 زيجة، وقال (المأذون الشرعي بمدينة جدة الشيخ أحمد المعبى): إن نسبة الطلاق في مدينة جدة وحدها وصلت إلى40% من حالات الزواج عام 2003م، بينما انخفضت في القرى المجاورة إلى 5%.
أما في دولة الإمارات المتحدة فقد بينت دراسة ميدانية للباحث عبد الرازق فريد المالكي (ظاهرة الطلاق في دولة الإمارات العربية المتحدة.. أسبابه واتجاهاته.. مخاطره وحلوله) أن 76% من المطلقات لم تتجاوز أعمارهن 39 عاماً، وهذا يدل على أن غالبيتهن من متوسطات العمر.
وكشفت إحصائيات (محكمة أبو ظبي الشرعية الابتدائية) أنه منذ مطلع شهر يناير 2001م وحتى شهر سبتمبر 2001م فقط تم تسجيل 626 عقد زواج مواطن ومواطنة وقابلها ما يقارب 225 حالة طلاق إشهاد وإثبات لمواطنين من مواطنات، ولفتت الإحصائية إلا أنه تم إبرام 269 عقد زواج مواطن من وافدة و 96 عقداً آخر لمواطنة من وافد، في حين وصلت حالات زواج الوافدين من وافدات إلى 601 عقد، وأنه تم وقوع حوالي 104 حالات طلاق مواطنين من وافدات، بينما بلغت حالات طلاق المواطنات من وافدات 15 حالة، وحالات الطلاق بين الوافدين والوافدات 245 حالة طلاق.
أسباب الطلاق :
إذا كانت هذه أرقام وإحصاءات حالات الطلاق الفعلي، فكم يكون عدد الأسر المشتتة أو المهددة بالطلاق الواقفة على حافته، أو تلك الأسر التي تقاوم الوقوع فيه؟ وما الذي وصل بمجتمعنا إلى هذا الوضع المتردى من العلاقات الأسرية؟ لاشك أن ثمة أسباب قوية وراء هذا الخلل، ومن أهم هذه الأسباب:
1- البعد عن الدين
فكثير من شباب الجنسين لايلتزم عند اختيار شريك حياته بالضوابط التي حثنا عليها رسولنا- صلى الله عليه وسلم- حيث يقول: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك).
ويقول- صلى الله عليه وسلم-: (إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)
فقد اشترط الإسلام مصاحبة الدين في كلا الطرفين على أن يكون هذا الدين عند الرجل مرضياً، لا أي دين كان، ثم اشترط الأمانة، وهي مظهر الدين كله بجميع حسناته، وأيسرها أن يكون الرجل للمرأة أميناً على عرضها وعلى كرامتها وفي معاشرتها فلا يبخسها حقها، ولا يسيء إليها، ولا يعنتها، لأن ذلك كله في أمانته، بل إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يبخسها حقها. 
وهي أمينة على ماله وعياله وعلى نفسها وعفتها، فكما يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: (خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا أقسمت عليها أبرتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك).
ومن هنا كان التوجيه القرآني:
ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم{البقرة: 221}
فالاختيار الصحيح هو الذي يقوم على أساس الدين والأمانة والخلق، ولا بأس أن يأتي بعد ذلك الجمال أو المال أو الحسب فكما يقول الشاعر:
ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا
وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل
لكن المفروض ألا يأتي أى من عرض الدنيا مالا كان أو جمالاً أو حسباً على حساب الدين، لأن كل ذلك عرضة للزوال.
ألم تر أن الفقر يرجى له الغنى وأن الغنى يخشى عليه من الفقر.
فإذا تزوج الرجل المرأة لمحض الجمال ثم عرض لهذا الجمال ما يشوهه أو تغيرت نظرته إلى الجمال، وهو أمر نسبى فما تراه جميلا اليوم قد لا تراه جميلا غدا أو قد ترى ما هو أجمل منه، فكيف يكون الأمر حينذاك؟ ومن تزوج على أساس المال، وتقلبت الأيام ونفد المال، أو تزوج لطمع لم يدرك، فكيف يكون حال هذا الزواج ومآله؟
2- غياب الدور التوجيهي للآباء والأمهات:
يظن بعض الآباء والأمهات أن دوره التربوي أو التوجيهي ينتهي بزواج ابنه أو ابنته، ناهيك عن بعض التوجيهات الخاطئة التي تهدم أو تدمر، وتحرض أحد الطرفين على مشاكسة الآخر، خلافاً لما أمرنا به ديننا من توجيه النصح وفق منهج الإسلام وشرعته، وقد كان سلفنا الصالح والعقلاء من أمتنا إذا زفوا امرأة إلى زوجها أمروها برعايته وحسن القيام بحقه وتعهدوها بالنصح والرعاية، وأوصوها دائماً بالحفاظ على استقرار أسرتها، فهذا جعفر بن أبي طالب يوصى ابنته قائلا:
"إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق، وإياك وكثرة العتاب فإنه يورث البغضاء، وعليك بالكحل فإنه أزين الزينة وأطيب الماء".
وهذه امرأة جاهلية لكنها عاقلة إنها أمامة بنت الحارث توصى ابنتها فتقول: "أي بنية: إن الوصية لو تركت لفضل أدب لتركت ذلك لك، ولكنها تذكرة للغافل، ومعونة للعاقل.
ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها، وشدة حاجتهما إليها، كنت أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خُلقن، ولهن خلق الرجال.
أي بنية: إنك فارقت الجو الذي منه خرجت، وخلقت العش الذي فيه درجتِ إلى وكر لم تعرفينه، وقرين لم، تأليفه، فأصبح بملكة عليك رقيباً ومليكاً، فكوني له أمة يكن لك عبداً وشيكا.
واحفظى له خصالاً عشراً، يكن لك ذخرا:
أما الأولى والثانية: فالخشوع له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة.
وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لمواضع عينه وأنفه فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح.
واما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه فإن تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.
وأما السابعة والثامنة: فالاحتراس بماله والإرعاء على حشمه وعياله، وملاك الأمر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير.
وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمراً، ولا تفشين له سراً، فإنك إن خالفت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره، ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مغماً، والكآبة بين يديه إن كان فرحا"(
فليت الآباء والأمهات يدركون أن مسؤوليتهم تجاه (أبنائهم لا تقف عن حد معين، فيقومون بما ينبغي القيام به، من أجل المحافظة على استقرار حياة أبنائهم، والحيلولة دون تشرد أحفادهم، وبين زوجة أب أو زوج أم، أو ما هو أخطر من ذلك العقد النفسية المدمرة التي تصيب الأولاد في حالات الشقاق والخلافات، وتجعل حياة آبائهم وأمهاتهم نموذجاً سيئاً للحياة الزوجية أو الأسرية.
الزواج العرفى
أهمية هذا الموضوع هي بسبب انتشاره بين طلبة الجامعات مما جعلتنا نفتح النقاش فيه نتناول فيه بتفصيل اكثر وأعمق هذا النوع الذى اتضح انه واسع الانتشار لدى الشباب الذين يعتقدون انه صحيح شرعاً على خلفية ان ايام الاسلام الاولى لم يعرف التوثيق وكان يكتفى بحضور شاهدين لصحة الزواج 00وواضح تماماً حالة اللبس فى الفهم وعدم التزام القواعد الشرعية فى التعاملات والاخذ بظواهر الامور دون فهم أو وعى لذا رأينا أنه من المهم هنا ان نعرض معنى الزواج العرفى بداية من تعريفه اللغوى وعرض للنوعين من الزواج العرفى المعلن والسرى وحكم كل منهما شرعاً ازالة لاى التباس او التذرع بحجج واهية الاسلام منها برىء وليلتزم بعد ذلك كل طائر بما فى عنقه.
المجتمع الاسلامي ومواجهة الطلاق (الوقاية و الحلول )
غالبًا ما يكون الطلاق على إثر نشوب المشاكل بين الزوجين.للبيوت أسرارُها، وللعلاقات الزوجية سماتها، وفي حياة كلِّ زوجين أفراح وأتراح، فيومًا تطيبُ العشرة بين الزوجين فيصبحان وكأنهما أسعدُ زوجين ينعمان بعيشة هنيَّة وحياة زوجيَّة هانئة هادئة، ويومًا يحدثُ في البيت ما يعكرُ صفوَه ويكدرُ هناءَه؛ فتتباعد القلوب وتستوحش النفوس، ويضيق البيت على سعتِه بساكِنيه، وبين هذين اليومين أيامٌ وأيامٌ تكونُ شوبًا من المودَّة والبُغض، وخليطًا من الحب والكراهية، فيا ترى هل هناك بيتٌ يخلو من المشاكل والمنغِّصات بين الزوجين؟
كما أن الزواج في الإسلام رباط مقدس وخلية اجتماعية محترمة، لا ينبغي تعريضها للسوء والأذى، ولا مد اليد إليها بالتدمير والهدم والتفريق، بمجرد أول بادرة خلاف تقع بين الزوجين.
ومن هذا المنطلق وضعت الشريعة ضمانات عديدة واحتياطات كثيرة؛ لتقلل من وقوع الطلاق، محاولة إعادة الألفة والصفاء إلى قلبي الزوجين؛ لتبقي على كيان الأسرة وتعينها على أداء دورها ووظيفتها الأساسية في المجتمع الإسلامي.
وإن أول لبنة وضعها الإسلام بعد ارتباط الزوجين، أنه أوصى الزوج باعتباره الجانب الأقوى فطرياً واجتماعياً يحسن معاملة زوجته، وإكرام عشرتها، ورغبه في إسداء الخير إلى زوجته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ووضح له بطريقة تحليلية طبيعة المرأة وفطرتها، وأنها جبلت على العاطفة الجياشة، والرقة المتناهية، وهذا يجعلها أكثر عرضة للاهتمام بالمظهر على حساب المضمون، ولذا كان من اللازم على الزوج الصبر عليها وإغضاء الطرف عن هناتها، ليفتحه على الجوانب الأخرى الكاملة فيها: قال الله تعالى في الآية 19 من سورة النساء: {وعاشروهن بالمعروف}.
وروى الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم" وفي الحديث المتفق عليه: " "استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً".
إن الإسلام يوجه الزوج ألا يستسلم لأول بادرة خلاف مع زوجته، ولا يتأثر بالانفعالات النفسية التي قد تأتي على الصلة الزوجية فتفصمها، بل ينبغي عليه أن يعالج الأمور بالصبر والروية والإصلاح. وهو يفتح له نافذة مضيئة على المستقبل المجهول، فيرسم له من خلالها آماله من جراء هذا الصبر والتأني، وهي آمال يرتجى وقوعها لينقلب البغض بعدئذ إلى حب، والسخط إلى رضا. قال تعالى: {فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيراً كثيراً} الآية 19 من سورة النساء.
وروى الإمام أحمد ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يفرك- أي لا يبغض- مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر".
ومن غرائب ما نقل في الخلافات الزوجية أن رجلاً  أراد تطليق زوجته؛ لأن نفسه باتت تسأم منها وتملها، وما عاد يحبها، ولا يميل إليها. فقال له عمر رضي الله عنه: ويحك وهل كل البيوت بنيت على الحب، فأين الرعاية والذمم والعشرة في الإسلام؟ ولقد روى أبو داود والحاكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق".
على أنه لا بد من القول بأنه قد تطرأ على الحياة الزوجية خواطر هوجاء، وصراعات متكررة بين الزوجين، وهنا يتحتم على الزوج نصح زوجته ووعظها وتذكيرها بأن لا تستسلم لعاطفتها، وينبغي عليه أن يكرر ذلك، ويكون كيساً عاقلاً فطناً في تذكيره ونصيحته وحواره، لعلها تراجع نفسها، ويراجع هو نفسه في الأسباب التي تراها هي أخطاء، فلعل ذلك يقربهما من بعضهما، فيكتشفان موطن الخلاف ويتراجعان عنه، فإذا لم يفد هذا في تقليل فرص الطلاق بينهما، فليتدخل حكمان أحدهما من أهله والآخر من أهلها، ليحققا في الموضوع، ويبحثا عن العلة، ويفعلا ما هو أصلح لحالهما. قال الله تعالى في سورة النساء الآية 34: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع}. ثم قال بعد ذلك مباشرة: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً}.
وهكذا نرى أن الإسلام جعل الحياة الزوجية أرسخ من أن تتأثر بالعوارض التافهة، وأعز من أن تنهار بالرغبات العاجلة التي يمكن معالجتها وردها إلى أصول الحق والإنصاف.
أما حينما يتبين أن الزواج صار مصدراً دائماً للشقاء والتعاسة بين الزوجين، بحيث تحولت حياتهما إلى جحيم لا يطاق بدلاً من أن تكون منهلاً للصفاء والهناء والراحة والسعادة، وذلك حين يكتشف الزوج أو الزوجة أنه ضل في اختيار صاحبه، وأنه لا يمكن له الاستمرار معه، لما فيه من طباع وسلوك وتدبير أو أن تكون مقومات إنجاب الأولاد مفقودة بينهما، أو يكون غير ذلك من أسباب صحية تمنع من استمرار العيشة الهنية، إذا وصل الأمر بالحياة الزوجية إلى هذا الحد، فإن الإسلام كدين واقعي منطقي يتحرك ليخرج الزوجين من هذا المأزق ويبعدهما عن العيشة النكدة، وييسر عليهما بإنهاء هذا الميثاق، والتحلل من العقد الذي ما عادت فيه فائدة ترتجى للزوجين، نظراً لتغلب الضرر على النفع، واستحالة تحقق مقاصد الزواج في الاستقرار والطمأنينة.
إن تشريع الإسلام للطلاق في نحو هذه الحالات الأسرية المستعصية ليدل على سماحته ومواكبته لوقائع الحياة بين الناس، وهو حين شرع الطلاق لم يجعله ينتهي في مرة واحدة تقوض أركان الأسرة في سرعة وعجلة، بل وزعه على ثلاث مراحل متراخية متدرجة، ليكون للزوج فسحة من الوقت يختبر فيها مدى ميله ووده نحو زوجته، فلعله يسكن غضبه ويراجع نفسه أو تعدل هي من مواقفها ومعاملتها فيعاودان معاً رحلة جديدة من الحياة والوفاق.
ولقد وقف الإسلام موقفاً شديداً من إيقاع الطلاق ثلاث مرات جملة واحدة، وعد هذا تصرفاً سيئاً ولعباً في شريعة الله، وسداً لأبواب قد تنقذ منها الحياة الزوجية المتأزمة. روى النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن رجل طلاق امرأته ثلاث تطليقات في وقت واحد، فقام غضبان وقال: أيلعب في كتاب الله، وأنا بين أظهركم حتى قام رجل فقال: "يا رسول الله ألا أقتله؟".
ومحاولة من الإسلام في تقليل فرص الطلاق فقد حرم إيقاعه وقت العادة الشهرية التي تنتاب الزوجة؛ لأنها فترة يبتعد فيها الزوج وتقل رغبته، فلعل ذلك يحمله على الجفاء وتعجل الطلاق متأثراً بنزاع سابق أو خلاف قديم مع زوجته. روى مسلم أن ابن عمر رضي الله عنهما طلق امرأته وهي حائض، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يراجعها، وقد ذكر العلماء أن من حكمة هذا التراجع الرحمة بالمرأة؛ لئلا تطول عليها مدة العدة فضلاً عن ملاحظة قلة رغبة الزوج في زوجته كما أسلفنا آنفاً.
وهكذا تكررت محاولات الإسلام في رأب الصدع بين الزوجين وإنقاذ كيان الأسرة من التصدع، أثناء كافة مراحل الاختلافات، بل إن الإسلام يلاحق الزوجين ليدعوهما إلى استمرار الحياة الزوجية، وذلك حين شرع الله تعالى الرجعة مادامت الزوجة في عدة الطلاق، من غير احتياج لعقد ولا مهر ولا استئذان، فكان هذا من منة الله وتيسيره لفتح طريق جديد أمام الأسرة لمعاودة الحياة الزوجية، ولو بعد الطلقة الأولى أو الثانية.
بل إن من المقرر شرعاً أنه إذا انتهت العدة من الطلقة الأولى أو الثانية فيمكن للزوجين استئناف الحياة الزوجية إذا رأيا ذلك ولكن بعقد جديد ومهر جديد واستئذان واتفاق، على أمل ترميم ما انهدم وإنقاذ ما بقي.
أما حين يصل الأمر إلى الطلقة الثالثة، فهذا يدل على أن الخلاف مستحكم والنزاع عميق، وأنه لا فائدة من استمرار الحياة الزوجية آنذاك، فليذهب كل من الزوجين حيث يشاء، وليكن له ما يريد. قال الله تعالى في سورة البقرة الآية 229 : {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}.
ثم قال سبحانه بعدئذ: {فإن طلقها –أي الثالثة- فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره فإن طلقها –أي الزوج الآخر- فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون.
وهكذا يتبين مدى حرص الإسلام على رباط الأسرة المقدس، حيث عمل ابتداء على وقايتها من الشقاق وأحاط رباط الزوجية بالعناية والحفظ، وأكثر من العوائق التي وضعها في طريق الطلاق، وأرشد إلى الأسباب المبقية على الوفاق، لكنه حين أباح الطلاق أباحه على بغض وكراهية له، مع تقديره أنه قد يكون ضرورة لابد منها لذوي الأعذار الذين يبغون رفع الحرج عنهم، وتمكينهم من أسباب الراحة في حياتهم وبهذا أثبت الإسلام أنه دين عملي يساير سنن الحياة الصحيحة، ويخرج بالزوجين المتناكدين من حياتهما الضيقة البائسة إلى مجال رحب واسع. قال تعالى في الآية 130 من سورة النساء: {وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته}.
وذلك بأن يرزقها الله خيراً من زوجها الأول، ويرزقه هو خيراً من زوجته الأولى.
فقهنا الله في أمور ديننا وجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
فعلى المسلِم أن يتّقيَ الله في طلاقه ورجعتِه، وأن يكونَ صادقَ المقال، لا يكون متناقضًا.