الرعاية الإجتماعية في الأديان السماوية
مقدمة :
جاءت الأديان السماوية جميعها تدعو إلى الإخاء والتعاون والمساواة والرحمة
بين البشر فهى تنادي باحترام الإنسان لأخيه الإنسان ولكرامته , وجاءت تنظيم علاقات
الأفراد فيما بينهم , ليسود الاستقرار النفسي والاجتماعي , كما جاءت بمباءئ التكافل
والتضامن الاجتماعي واعتبرت الأديان السماوية المعاملة بالمعروف والابتعاد عن المنكرات
تجاه البشر تقرباً إلى الله , كمابينت الأديان السماوية مظاهر الرعاية التى تدعو إلى
الروابط الإنسانية .
ويمكننا أن نتناول مظاهر الرعاية الاجتماعية فى كل الاديان الثلاثة الديانة
الإسلامية الديانة المسيحية و اليهودية تليها خاتمة الأديان السماوية .
الرعاية الإجتماعية في الدين الاسلامي :
تعتبر الرعاية الاجتماعية بمثابة تلك النشاطات التي تقوم بها الدولة أو
منظمات غير حكومية لتأدية خدمات لمواطنين يحتاجون إليها, وتتميز الرعاية الاجتماعية
الحكومية بالذات بأنها تؤدى في ظل سياسة قومية وخطة عامة بغرض توفير خدمات أساسية للمواطنين
كافة كالتزام من جانب الدول إزاء مواطنيها.
ويمكن القول : أن الرعاية الاجتماعية إحدى النظم الاجتماعية التي نشأت
مع المجتمع الإنساني وتطورت بتطوره , وهي تؤدي وظائف لاغنى عنها لحياة الناس في المجتمع
شأنها في ذلك شأن النظم الاجتماعية الأخرى ,
وهي في نفس الوقت ترتبط مع سائر النظم بشبكة من العلاقات التي تشكل معالم البناء
الاجتماعي .
ومنذ ظهور الحضارات على وجه الأرض ظهرت أشكال من الرعاية الاجتماعية ارتبطت
بنوعية هذه الحضارة وأسلوب الحياة فيها , كما ازداد تطور الرعاية الاجتماعية بظهور
الأديان السماوية ويعزي جلبرت وسبكت نشوء الرعاية الاجتماعية تاريخيا إلى أن الأنظمة
الاجتماعية وبصفة أساسية الأسرة الدين كانت تقوم بإمداد العون كوظيفة ثانوية لها.
ولما كان الدين الإسلامي خاتم الأديان في خط التطور الذي جاءت به الديانات
السماوية لتنظيم العلاقات الاجتماعية بين الناس لذلك قام على تأكيد قواعد العدالة والتعاون
ولإخاء والمساواة بين الناس ومصدرا لتهذيب السلوك وتقويم الأخلاق وتحقيق خيريه المعادلة
, وإقامة قواعد الحق والعدل في محيط الجماعة ومقاومه الفساد والفوضى والربط بين قلوب
أفراد المجتمع الواحد برباط المحبة والتراحم والبر والتعاون والاحترام المتبادل , وإلى
هذا المعنى يشير الرسول علية الصلاة والسلام حيث يقول : " المؤمن ألف مألف ولاخير
فيمن لايؤلف,وخير الناس انفعهم للناس " .
لذلك كان التعامل الإنساني في الإسلام يقوم على الأخوة والحب الأكيد والاحترام
المتبادل دون النظر الى فوارق اللون أو الجنس أو اللغة أو الحدود الجغرافية .
ولقد أقام الإسلام المجتمع الإسلامي على مجموعة من المقومات جعلت الرعاية
الاجتماعية تطبيقا فعليا لكل معطيات الدين الإسلامي , ويمكن أن نشير باختصار إلى هذه
المقومات حتى يتبين لنا الارتباط بين الرعاية الاجتماعية والدين الإسلامي وأثر ذلك
على المجتمع الإسلامي :
الأخلاق والقيم العليا :
وهي في الإسلام تنبثق من العقيدة فلا تميلها المصلحة ولا تسيرها المنفعة
, فالإسلام دعا إلى الصدق والبر والعدل وأداء الواجب والحلم والحياء ورعاية الحوار
وصدق اللسان وكظم الغيظ وعمل المعروف وضيافة الفقراء وإغاثة الملهوف وعيادة المريض
والتصدق على المحتاجين....إلخ .
ومن النصوص الجامعة للقواعد الأخلاقية قول الله تعالى : " ليس البر
أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من ءامن بالله واليوم الآخر والملائكة
والكتاب والنبيين وءاتي المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين
وفي الرقاب وأقام الصلاة وءاتي الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساة
والضراء وحين البأس أولئك الذين صدثوا وأولئك هم المتّقون " } البقرة : 117 {
. وقول الله تعالى : " لاخير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو
إصلاح بين الناس ومن يفعل ذالك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيما " }
النساء :114.
الأنظمة التي تنظم علاقات الأفراد :
وتشمل الأنظمة التجارية والاقتصادية والمعاملات وأنظمة الأسرة والقضاء
والوصايا والميراث والنفقات وأنظمة للحكم والسياسة وغيرها .
تنفيذ هذه الأنظمة ومباشرة تنظيم
العلاقات بين أفراد المجتمع الإسلامي :
قال تعالى : " فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا
في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليماً " } النساء : 65 )
.
العبادات والأعراف السلبية التي لاتتناقض مع العقيدة والتعايم الإسلامية
.
أبعاد الرعاية الاجتماعية في الإسلام
أولا : تنبع هذه الرعاية من تعاليم الدين الإسلامي والتي تقوم على القراَن
والسنة وبالتالي فهي تقوم على مجموعة من التشريعات نذكر منها :
تشريع المساعدة : وهو يشمل المدين والغارم واليتامى والقاتل الخطأ والمنقطع
في بلد غير بلدة يسمى ابن السبيل .
تشريع الجوار : قال تعالى : " واعبدوا الله ولاتشركوا به شيئاً وبالوالدين
إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب
وابن السبيل وما ملكت أيمانكم " } النساء : 36.
تشريع الماعون : "فويل للمصلين ﬞ الذين هم عن صلاتهم ساهون ﬞ الذين هم
يراَءون ﬞ ويمنعون الماعون
" } الماعون : 4 – 7 .
تشريع المشاركة : وذلك عندما تحين المواسم الزراعية , قال تعالى :
" كلوا من ثمرة إذا أثمر واتوا حقه يوم حصاده ولاتسرفوا إنه لايحب المسرفين
" } الأنعام : 141 .
تشريع الضيافة : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه"
قالو : ما جائزتة يارسول الله ؟ قال "يومه وليلته والضيافة ثلاثة أيام فيما كان
وراء ذلك فهو صدقة" . وفي رواية لمسلم : " لايحل لمسلم أن يقيم عند أخيه
حتى يؤثمه" قالو : يارسول الله كيف يؤثمه؟ قال "يقيم عنده ولاشئ له يقريه
به " رواه بخاري ومسلم.
تشريع الإعفاف : " وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم
إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم " } النور : 23
.
تشريعات الإسعاف في حالات الجوع والعطش والمنهكة : " أي رجل مات ضياعا
بين أغنياء فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله" .
تشريعات الطوارئ : " انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم
في سبيل الله " } التوبة : 41 { , كما قال الرسول الكريم علية الصلاة والسلام
: "من فرّج عن مؤمن كربه من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربه من كرب يوم القيامة
" رواه مسلم .
تشريعات الإعانات العائلية : كمساعدات الزواج وعلاوات الأولاد . فقد كان
الرسول عليه الصلاة والسلام إذا أتاه في قسمة يومه فأعطى الأهل حظين وأعطى الأعزب حظاً
واحدا , وكان عمر رضي الله عنه يفرض لكل مولود عطاءً يزاد إلى عطاء أبيه ( مائه درهم
) يزاد كلما نما الولد .
ثانياً : التشريعات المالية اللازمة لتنفيذ الرعاية الاجتماعية :
تشريع الزكاة : وهي تؤخذ بنسبة محدودة من النقدين ( الذهب والفضة ) وعروض
التجارة والزروع والثمار وكل مايستنبت من الأرض , وتصرف لفئات معينة على أنها فريضة
من الله تؤخذ منهم ويحاربون عليها إذا امتنعوا عن أدائها , قال تعالى : " خذ من
اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " } التوبة :103 .
والأصل أن الدولة هي التي تجبي الزكاة وتوصلها إلى المستحقين ولايجوز صرفها
لغير أهل الاستحقاق وللدولة أن تنظم جباتها وتوزيعها بما يكفل إيصالها إلى الفقراء
وسائر المستحقين , الزكاة ضمان اجتماعي عام للفقراء .
فعلى مستوى الدولة يمثل الضمان الاجتماعي الزكاة , التي هي الركن الثالث
في الإسلام وتقرن دائما بالصلاة , وهي تصرف لكل فرد يعيش في المجتمع الإسلامي أيا كانت
ديانته وأيا كانت جنسيته حد الكفاية , لاحد العفاف , بحيث إذا لم تسعفه ظروفه الخاصة
كمرض أو شيخوخة أو تعطل عن العمل من تحقيق هذا المستوى اللائق للمعيشة والذي يختلف
باختلاف ظروف الزمان والمكان تكفلت بذلك الدولة عن طريق مؤسسة الزكاة .
إن هذه الزكاة لم تكن مجرد مؤونة وقتية لسد حاجة عاجلة للفقير وتخفيف شئ
من بؤسة , ثم تركه بعد ذلك لأنياب الفقر والفاقة , بل كان هدفها القضاء على الفقر وإعفاء
الفقراء إعفاء دائماً يستأصل شأفة العوز من حياتهم , ويقدرهم على أن ينهضوا وحدهم بعبء
المعيشة , وذلك لأنها فريضة دورية دائمة الموارد ومهمتها أن تيسر للفقير قواما من العيش
لا لقيمات أو دريهمات .
ولم يقف دور مؤسسة الزكاة على مجرد سد حاجة الفقير العاجز بل إعطاء فرصة
العلم للقادر عليه , فكثيرا ماأعطي الفقير مايمكن أن تسميه برأس مال ليبدأ تجارة فينميها
أو يشتر آلات لصناعة يعرفها .
وهنا يجب الإشارة أن الزكاة فرضت كأساس ضروري لمعالجة خطر التمزق كأقل
مايجب أن يوجد في صندوق الدولة للرعاية الاجتماعية الأولية وبذلك لم يغط بالزكاة كل صنوف الرعاية وكل ضروب
الحاجة في سبيل تقوية الأمة معنوياً ومادياً , ووكل إلى الإحسان بعدها أن يتكفل بما
زاد عن هذا القدر الضروري في سبيل المحافظة على كيان المجتمع وبقائه عزيز الجانب .
لذلك تعتبر الزكاة من الموارد المستمرة والدائمة لدعم الرعاية الاجتماعية
طالما في المجتمع أفراد يعملون وينتجون ويتبقى في حوضتهم حد النصاب.
تشريع الوقف : يقوم هذا التشريع تنفيذا لقول الرسول الكريم , ففي حديث
عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا مات ابن ادم انقطع عن عملة
إلا ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم .
لذلك أصبحت في المجتمعات الإسلامية العديد من المؤسسات وقدمت الكثير من
أشكال الرعاية الاجتماعية التي أوقفت عليها الأوقاف التي كانت تدر عليها الموارد المالية
بصفة مستمرة , لذلك ازدهرت الأوقاف الإسلامية في كل مجتمع إسلامي حيث أوقفت هذه المؤسسات
للقيان بالخدمات الصحية والتعليمية وسد حاجة العاجزين عن الكسب ومن يقصر دخلهم عن العمل
عن حاجاتهم الواقعية , وتعريض الذين ضحوا في سبيل المصلحة العامة والدفاع عن الأمة
.
تشريع النفقة : حيث يقول الله تعالى : " لينفق ذو سعه " } الطلاق
: 7 { والنفقة فرض على المسلم القادر لصالح
المحتاجين من ذوي قرباه لتوفير الاحتياجات الضرورية لهم.
تشريع الوصية : حيث يقول الله تعالى : " كتب عليكم إ1ا حضر ـحدكم
الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين "
} البقرة : 180 .
تشريع الغنائم : حيث يقول الله تعالى : " واعلموا أنما غنمتم من شئ
فأن لله خُمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل " } الأنفال
: 41 .
تشريع الرّكاز : والركاز هم كل ماعُثر عليه في باطن الأرض جامداً كان أم
مائعاً كالبترول...إلخ . وفي الركاز الخُمس .
تشريع النذور : حيث يقول الله تعالى : "وليوفوا نذورهم " } الحج
: 29 .
تشريع الكفارات عن الذنوب والأيمان والظهار ومخالفات الحج والصوم : قال
تعالى : "إنا أعطيناك الكوثر ﬞ فصل لربك
وانحر " } الكوثر : 1 , 2 .
تشريع الأضاحي :حيث يقول الرسول عليه الصلاة والسلام : "ياأيها الناس
على أهل كل بيت في كل عام أضحية " .
تشريع صدقة الفطر : حيث فرض الرسول عليه الصلاه والسلام زكاة الفطر في
رمضان على كل مسلم .
تشريعات الخزانة العامة : بالنسبة لمواردها العامة المتعددة في الزكاة
وخُمس غنائم وركائز خراج الأرض وتركة من الإدارات له .
تشريع الكفاية : إن الله فرض على أغنياء المسلمين من أموالهم بقدر الذي
يسع فقراءهم , ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا بما يضع أغنياءهم , ألا وأن الله
يحاسبهم حساباً شديداً ويعذبهم عذاباً أليماً .
ثالثاً : مؤسسات الرعاية الاجتماعية في الإسلام :
من الخصائص التي تتميز بها الرعاية الاجتماعية في الإسلام أنها تقوم في
كثير من أوجه نشاطتها على الجهود التطوعية للأفراد , وكذلك على تفنيد الكثير من هذه
الأنشطة من خلال الجمعيات والمؤسسات الأهلية والحكومية التي تجعل غايتها وهدفها مساعدة
الناس وتخفيف الويلات والمصائب عنهم . وإغاثتهم وإزالة سرجهم , أو تعليمهم وتثقيفهم
, أو إنشاء المستشفيات أو المستوصفات الطبية لهم , أو توفير أسباب الراحة واللهو البرئ
والرياضة , أو تحقيق غايات الخير و البر والرحمة بالضعفاء أو الشيوخ أو الأرامل والمطلقات
أو رعاية السجناء , وهذه الجمعيات والمؤسسات تعتبر من أهم مايعمل على تعاون المجتمع
وتضامنه وتكامله , حيث يقول الله تعالى : "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا
الإثم والعدوان " } المائدة: 2 .
لذلك زخرت المدن الإسلامية بالعديد من المؤسسات ذات الصفة الاجتماعية البحتة
– كالحمامات والأسبلة والبيمارستانات – ومنها ماكان ذا صفة تجارية أو دينية ولكنه احتوى
نشاطاً اجتماعياً ملحوظاً وأدى رسالة ذات صيغة تجارية واضحة , كالفنادق والوكالات والجوامع
والمدارس ومكاتب الأيتام وغيرها ويبرز الطابع الاجتماعي لهذا النوع الأخير في أنه استهدف
التقرب إلى الله تعالى بفعل الخير سواء بالعناية باليتيم والضعيف أو بالمسافر والتاجر
أو بطالب العلم والمرض...إلخ , ولعل الظاهرة الواضحة في التاريخ الإسلامي هي أن هذه
المؤسسات الاجتماعية استطاعت البقاء والاستمرار طويلاً دون أن تتوقف عن أداء رسالتها
عقب وفاة مؤسسيها ذلك أنه من الملاحظ في كثير من حلقات التاريخ وعديد من بلاد العالم
توقف المؤسسات الخيرية عن أداء رسالتها بعد فترة من الزمن بسبب وفاة مؤسسيها ونصب مواردها
وعدم توفر الإمكانات المادية التي تمكنها من الاستمرار في أداء الرسالة , أما في ظل
الحضارة الإسلامية فإنه قبل أن تصادفنا هذه الظاهرة وذلك بفضل نظام الأوقاف الذي ازدهر
مع ازدهار هذه الحضارة .
ذلك أن مؤسسي المنشأة - حاكماً كان أو ثرياً من الخيرين – كان يوقف على
منشأته - غالباً – وقفاً يدر عليها مورداً ثابتاً يضمن لها البقاء ويكفل لها أداء رسالتها
دون حاجة إلى طلب المعونة بين حين و آخر بما يحققه من خلال دخل ثابت منتظم تستعين به
المؤسسة على قيامها بدورها بطريقة منظمة ومستمرة .
مما يدل على أن الرعاية الاجتماعية في الإسلام تمتعت برعاية مؤسسة خلال
التاريخ الإسلامي وكانت هذه المؤسسات تؤدي دورها بطريقة مستمرة ومنتظمة .
رابعاً : نوعية المستفيدين من الرعاية الاجتماعية في الإسلام :
تتصف الرعاية الاجتماعية في الإسلام ب،ها رعاية شاكلة فهي لاتقتصر على
رعاية الإنسان بل تمتد إلى رعاية الحيوان بل تمتد إلى النبات .
حيث نرى أن الإنسان في كافة حالاته تقدر له الرعاية في حالة قوته و حالة
ضعفه , في حالة طفولته وشيخوخته , وفي حالة فتوته وشبابه سواء كان ذكراً أو أنثى ,
طفلاً أو رجلاً مهما كان جنسه أو نوعه أو دينه أو لونه مع مراعاة وقوف الرعاية الاجتماعية
بشكل واضح مع الفئات الأكثر احتياجاً مثل الفقراء والمساكين والمرضى والمكفوفين والمقعدين
والشيوخ والمشردين واللقطاء واليتامى والأسرى .
كذلك يدخل فئة المستفيدين من الرعاية الاجتماعية في الإسلام المدين والقاتل
خطأ وابن السبيل , والجار القريب , والضيف , علاوة على الأفراد الذين يتعرضون للكوارث
والنكبات , وهناك العديد من الحالات التي سوف نذكرها بالتفصيل عند الحديث عن مجالات
الرعاية الاجتماعية في الإسلام .
علاوة على ذلك شملت الرعاية الاجتماعية في الإسلام رعاية الحيوان وطلب
الرفق به والتوصية بحسن معاملته, حيث دعت الأحاديث الشريفة إلى ذلك وتم تطبيق هذه الرعاية,
فهذا عمر بن الخطاب يداوي إبل الصدقة ولما قال له رجل من القوم " يغفر الله لك
ياأمير المؤمنين , فهلا تأمر عبداً من عبيد الصدقة فيكفيك ؟" قال عمر : وأي عبد
هو أعبد مني" , إنه من ولي أمر المسلمين يجب عليه لهم مايجب على العبد لسيده في
التضمية وأداء الأمانة .
وقد أوقفت لرعاية الحيوان الأوقاف مثل توفير المياه لينتفع الدواب من المارين
والمترددين على الأسبلة من الاستفادة منه وغيرها من الأوقاف التي أوقفت على الحيوانات.
ومن ذلك نرى أن الرعاية الاجتماعية في الإسلام هي رعاية شاملة لكل الأحياء خاصة الإنسان
في كل حالاته والحيوانات والنبات .
خامساً : دور الجهود الأهلية والحكومية في تقديم الرعاية الاجتماعية :
تقوم الرعاية الاجتماعية في الإسلام من خلال الجهود الأهلية وكذلك الجهود
الحكومية حيث نرى أن في القراَن الكريم والسنة المطهرة يدعو الله الناس إلى المسارعة
في الخيرات , والأصل في ذلك قول الله تعالى : "ليس البر أن تولوا وجوهكم قِبل
المشرق والمغرب ولكن البر من اَمن بالله واليوم الأَخر والملائكة والكتاب والنبيين
واَتى المال على حُبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب
" > البقرة : 177 { . كما تقوم الدولة بتقديم الرعاية الاجتماعية من خلال جمع
الأموال المفروضة على المسلمين "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم " } التوبة
: 103 { . والدولة هي التي تتولى جمع الزكاة وإنفاقها على مستحقيها علاوة على إقامة
المؤسسات الاجتماعية لرعاية بعض أفرادها الذين لايستطيعون العمل أو أعوزتهم الظروف
القاسية إلى رعاية المجتمع لهم مثل رعاية الصغار واليتامى واللقطاء والمطلقات والمشردين
والعجزة وغيرهم ممن سوف يتضح في مجالات الرعاية الاجتماعية .
سادساً : التطوع والرعاية الاجتماعية في الإسلام :
يعتبر التطوع للمشاركة في أوجه مجالات الرعاية الاجتماعية في الإسلام بين
الخصائص المميزة لهذه الرعاية حيث يحض الإسلام على التطوع حيث يقول الله تعالى :
" فمن تطوّع فهو خيرٌ له " } البقرة : 184 {.كما يقول الله تعالى :
" ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم " } البقرة : 158 { . كما يقول الله تعالى أيضاً :
" ولتكن منكم أُمه يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك
هم المفلحون " } ال عمران : 104{. فالتطوعية
بمعنى فعل الخيرات والدخول في أنشطة إيجابية من جهة , ثم الإحجام عن فعل الشرور والأعمال
السلبية من جهة أخرى أمر كامل الوضوح في صميم الإسلام . وفي ذلك يقول الله تعالى :
"كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر " } ال عمران
: 110 { . ولقد ربط الإسلام التطوع بالإيمان
وبقدر مساهمة الإنسان وعطائه وبذله ودرجة إيمانه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول
الله صلى الله علية وسلم : " الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول
لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان " متفق
عليه .
ولا يستصغر الإسلام العمل التطوعي مهما كان ويدعو إلى بذل الجهد الطواعي
مهما كان تقدير الإنسان له ففي ذلك يقول رسول الله صلى الله علية وسلم : "لاتحقرنّ
من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق " رواه مسلم .
واعتبر الإسلام أن كل عمل تطوعي يقصد به وجه الله سبحانه وتعالى صدقة يأخذ
عنها المسلم أجراً في الآخرة وفي ذلك يقول الرسول علية الصلاة والسلام : " كل
معروف صدقة " رواه بخاري , وعن أبي ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه قال : قلت
: يارسول الله , أي الأعمال أفضل ؟ قال :
"الإيمان بالله والجهاد في سبيله" قُلت : أي الرقاب أفضل ؟ قال ك "أنفسُها
عند أهلها أكثرها ثمناً" , قال ك قلت : فإن لم أفعل ؟ قال : "تُعين صانعاً
أو تصنع لأخرق " قال : قلت : يارسول الله ,أرأيت إن ضَعُفت عن بعض العمل ؟ قال
: "تكف شرّك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك " متفق علية .
ومن الواجبات اليومية التي لايجوز للمسلم أن ينساها أو يهملها واجبه نحو
خدمة المجتمع ومساعدة أفراده على قضاء حوائجهم وتسهيل أمورهم ليكون بذلك صدقه . روى
الشيخان عن أبي موسى عن النبي صلى الله علية وسلم قال : " على كل مسلم صدقة
" قالوا : فإن لم يجد ؟ قال : " فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق " قالوا
: فإن لم يفعل ؟ قال : " فيأمر بالخير – أو قال – بالمعروف " قالوا :فإن
لم يفعل قال : "فيُمسِك عن الشر , فإنه له صدقة " متفق علية .
هذا التطوع للعمل الاجتماعي يعتبر صدقة أو ضريبة اجتماعية مفروضة على كل
مسلم في كل يوم ,بل صح الحديث أنها واجبة على كل مفصل من مفاصلة أو منسم من مناسمه
مع إشراقه كل شمس وبهذا يصبح المسلم ينبوعاً يفيض الخير والسلام لمن حوله و ماحوله.
فالإنسان المسلم لابد وأن يتطوع وأن يساهم في رعاية مجتمعه وأن يؤدي لمجتمعه الضريبة
الاجتماعية المفروضة عليه , وهي لاتسقط عن أي فرد في المجتمع الإسلامي سواء كان فقيراً
أو غنياً , فالغني يبذل من ماله في سبيل الخير , والفقير يبذل من وقته ليحث الأغنياء
على فعل الخير ويأمر بالمعروف ماوسعه الجهد ويعمل إن استطاع في كل لحظة للإصلاح بين
الناس . وفي ذلك يقول الله تعالى : "لاخير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة
أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه اجراً عظيما
" } النساء : 114 { . لذلك تقوم الرعاية الاجتماعية في الإسلام بدورها معتمدة
على الجهود التطوعية في جزء كبير منها سواء كانت هذه الجهود فردية أم جماعية , مالية
أم من خلال المشاركة بالجهد والعمل , ولايقتصر التطوع على مجال بعينه بل قد يكون فردياً
صغير العائد أو جماعياً من خلال المشاركة في مجال من التنمية والرعاية والتي قد تشمل
الإنسان والحيوان من خلال فعل الخيرات لكل المخلوقات .
سابعاً : الحسبة والرعاية الاجتماعية في الإسلام :
الحسبة واحدة من النظم الإسلامية الأساسية التي وضعها الشريعة الإسلامية
وانفردت بتطبيقها الأمة الإسلامية . ولقد لعبت الحسبة دوراً كبيراً في حياة المجتمع
الإسلامي عبر العصور , فقد وفّر هذا النظام الحياة السليمة القومية للمجتمع الإسلامي
فإلى جانب نظم الرعاية الاجتماعية التي عاش في ظلها المسلم فقد وجد الفرد نظاماً آخر
يرفع عنه الظلم ويحميه من الغش والتدليس من الناحية الاقتصادية , كذلك نظاماً يرفع
ذوي النفوس المتردية وتوجيهها توجيها سليما لها نحو جادة الصواب بدلا من التخبط في
دروب الكسب المحرم . ولقد عُرّفت الحسبة بتعريفات متعددة فلقد عرفها الماوردي بأنها
: "أمر بالمعروف إذا ظهر تركه, ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله , وإصلاح بين الناس
" .
كما عرفها الإمام ابن تيميه : هي " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
مما ليس من اختصاص الولاة والقضاة والديوان ونحوهم " , كما عرفها ابن خلدون بقوله
ك "أما الحسبة فهي وظيفة دينيه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو
فرض على القائم بأمور المسلمين " .
من المؤكد أن الحسبة تعدت أصولها المثالية وهي الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر إلى واجبات عرضية تنفق والمصالح العامة للمسلمين. وتحت هذه الظروف نما المجتمع
الإسلامي , وتطورت نظمه الاقتصادية وأوضاعه الاجتماعية واتسعت رقعته حتى أصبحت من أهم
دعائم النظام الاقتصادي والاجتماعي في الدول الإسلامية , كما شهد بذلك المؤرخون .
نشأه الحسبة :
تضاربت أقوال المؤرخين في نشأة الحسبة فالبعض يقول : إن الرسول عليه الصلاة
والسلام كان أول محتسب إذا نهى عن الغش حين قال : " من غشّنا فليس منّا
" , وورد في صحيح مسلم : أن الرسول علية الصلاة والسلام مرّ على صبره طعام فأوصل
يده بها فسالت أصابعه بللاً, فقال :
" ماهذا ياصاحب الطعام " , فقال : أصابته السماء يارسول , قال : "افلا
جعلته فوق الطعام كي يراه الناس . من غشنّا فليس منّا ". وتلي ذلك قيام عمر بن
الخطاب في وضع نظام الحسبة بنفسه حيث كان يطوف الشوارع والأسواق ودرته معه فإن رأى
غشاشاً خفقه بها مهما كان شأنه .
ويرى المؤرخون المحدثون والمستشرقون أن لفظ المحتسب لم يظهر في الخلافة
الإسلامية إلا في العصر العباسي وفي عهد الخلفية المهدي بالذات. ومن استعراضنا لمفهوم الحسبة وتاريخها نرى أنها
قامت منذ ظهور الإسلام بدور مراقبة ومتابعة تنفيذ أوامر الله وهدي رسوله فينا يختص
برعاية شؤون الناس سواء كان ذلك من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ولقد اتضح
ذلك من خلال وظائف المحتسب التي ركزت على متابعة قيام النظم المختلفة في المجتمع لدورها
بحيث تناولت النظم الاجتماعية والاقتصادية والصحية والدينية . فأعمال المحتسب كثيرة
تشمل نواحي أدبية ودينيه وعمرانية وأخلاقية ولانجد في الوقت الحاضر موظفا حكومياً أو
دائرة رسمية بها سلطة شبيهة المحتسب في بعض المجتمعات الإسلامية المعاصرة التي تركت
هذا النظام الاجتماعي , فإنه يشبه رئيس البلدية أو مدير الإعاشة أو مدير الشرطة القضائية
أو مدير الشؤون الاجتماعية وغير ذلك من الوظائف مع الفارق .
وظائف المحتسب :
وظيفة المحتسب فيما يتعلق بالمجال الديني : يمكن ذكر بعضها باختصار في
الاهتمام بالمساجد وعمارتها ونظافتها , والمحافظة على الصلاة في جماعة والتعاون مع
الإمام والمؤذن والواعظ , وكل الأمور التي تدعم القيم الدينية .
وظيفة المحتسب فيما يتعلق بالمجال الاقتصادي : نشأت وظيفة المحتسب في بداية
أمرها متصلة بالجانب الديني , ثم بالمجال الاقتصادي خاصة الإشراف على المكاييل والموازيين
, ثم ازدادت اختصاصاته لزيادة المشاكل الناجمة عن الصناعات والسوق , وكثرة أهل السوق
وأثرهم في الحياة العامة في توجيه الأخلاق العامة , ولذلك فإن وظيفة المحتسب أخذت تدريجيا
تتعدى مسؤولياتها إلى ضبط الأخلاق العامة والإشراف عليها . كما أن للمحتسب أن يراعي
الوفرة والتقصير والأمانة والخيانة والجودة والرداءة , أما الوفرة فتنطبق على الأطباء
والمعلمين فمن واجبه أن يتأكد من وجود هؤلاء خدمة للمجتمع .
وظيفة المحتسب فيما يتعلق بالمجال الاجتماعي : يمكن تحديد هذه الوظيفة
في النص الذي أورده العلاّمة ابن خلدون بقولة : "يبحث عن المنكرات ويعزّر ويؤدب
على قدرها ويحمل الناس على المصالح العامة في المدينة , مثل المنع من مضايقة في الطرقات
, ومنع الحمالين وأهل السفن من الإكثار في الحمل , والحكم على أهل المباني المتداعية
للسقوط بهدمها وإزالة ما يتوقع من ضررها على السابلة , والضرب على أيدي المعلمين في
المكاتب وغيرها في الإبلاغ في ضربهم لصبيان المتعلمين " .
وظيفة المحتسب في المجال الصحي : اهتمت الحسبة بمراقبة ومتابعة القواعد
الصحية التي تهدف إلى المحافظة على سلامة السكان ونظافة المدن وخططها وشوارعها والقيم
الحالية فيها , فكان المحتسب يأمر بإزالة الطين من الأسواق والطرقات وشوارع المدينة
إذا أكثر وإذا تراكمت الأزبال والأتربة ونحوها , وكان المحتسب يعين من يقوم بتنظيف
الشوارع ويرشها كل يوم , وكذلك ينطبق على المرضى الذين يبيعون الأطعمة في السوق فهو
يرى أن المحافظة على الصحة العامة تقضي منعهم من ذلك.ومن هذا العرض المختصر نرى المحتسب
يعتبر بمثابة رقيب أو ممثل للسلطة التنفيذية في الرقابة على مدى الالتزام على قيام
الأفراد والمنظمات المختلفة في المجال الديني والاجتماعي والاقتصادي والصحي .
حق الفرد في الرعاية الاجتماعية في الإسلام :
يراد بهذا الحق أن الفرد يجد ضماناً عاماّ من الدولة الإسلامية وهي تنظر
إليه وتعرف مكانة وتحس بعجزه وحاجته وعجزه , وأساس هذا الحق أن المجتمع الإسلامي يقوم
على أساس التعاون استجابة لأمر الله تعالى : " وتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا
على الإثم والعدوان " } المائدة : 2
.
ولكن قبل أن تقدم الدولة الدعم والرعاية فهي تنظر إلى أن هذا الحق يسبقه
جملة تعليمات وحقوق جاءت بها الشريعة وهذه التنظيمات هي:
أولاً : الاكتفاء الذاتي للأفراد :-
الأصل أن الإنسان يكفي نفسه بأن يعمل ويكتسب ولا يسأل الناس حيث يقول الله
تعالى : " فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله " }
الجمعة : 10 , وعن أبي عبد الله بن الزبير
بن العوام رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لأن يأخذ
أحدكم أَحبُلة ثم يأتي الجبل ,فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها ,فكيف الله بها
وجهه , خير له من أن يسأل الناس , أعطوه أو منعوه " رواه البخاري.
وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم :
"ما أكل أحد طعاما قط خيراً من أن يأكل من عمل يده , وإن نبي الله داوود عليه
السلام كلن يأكل من عمل يده " رواه البخاري . فالإسلام يدعو الناس إلى العمل والاجتهاد
والتعفف وذم السؤال من غير ضرورة , حيث يقول الله تعالى : " وما من دابة في الأرض
إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين " } هود : 6 { ,
كما يقول الله تعالى : " للفقراء الذين أُحصروا في سبيل الله لايستطيعون ضرباً
في الأرض ويحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لايسئلون الناس إلحافا
" } البقرة : 273 { . وعن حكيم ابن حزام
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "اليد العليا خير من اليد السُفلى
, وإبدأ بمن تعُول وخير الصدقة عن ظهر غِنى , ومن يستعفف يعفه الله , ومن يستغن يغنه
الله " متفق عليه. والإسلام لايحبذ بل ينفر الناس من الكسل وطلب الإحسان والشفقة
من الآخرين بل يدعو إلى العمل والاجتهاد , فعن أبي عبد الرحمن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنهم قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لاتُلحفوا في المسألة , فوالله لايسألني
أحد منكم شيئاً فتخرج له مسألته مني شيئاً وأنا له كاره , فيبارك له فيما أعطيته
" رواه مسلم .
وعن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"من يكفل لي أن لايسأل الناس شيئاً , وأتكفل له بالجنة , فقلت : أنا فكان لايسأل
أحداً شيئاً " رواه أبو داوود بإسناد صحيح . لذلك فإن سؤال الناس من يمثلهم وهي
الدولة , غير مرغوب فيه مادام الإنسان قادراً على العمل والاكتساب .
ثانياً : في حالة تقدم الفرد بطلب المساعدة :-
عندما يتقدم الفرد بطلب للمساعدة لإحساسه باحتياجه إلى المعونة فإن الدولة
لاتقدم المساعدة والرعاية دون دراسة لموقف الفرد وحالته لتقرير احتياجه للمساعدة ويمكن
أن تتخذ من موقف الرسول – علية الصلاة والسلام – من أبي بشر قبيصة بن المخارق عندما
تقدم بطلب المساعدة صوره لدراسة الحالة والأسس التي يجب أن تقوم عليها والأسس التي
عليها تقرر المساعدة .
فعن أبي بشر قبيصة بي المخارق رضي الله عنه قال تحمّلت حمالة فأتيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال : " أٌقم حتّى تأتينا الصدقة فنأمر لك
بها " قال : ثم قال : " ياقبيصة إن المسألة لاتحل إلا لأحد ثلاثة : رجل تحمّل
حمالة ,فحلت له المسألة حتى يصيبها قم يسمك , ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلّت
له المسألة حتى يصيب قواماً من عَيش – أو قال سداداً من عيش - , ورجل أصابتة فاقة حتى
يقول ثلاثة ذوي الحجى من قوامه لقد أصابت فلانا فاقة فحلّت له المسألة حتى يصيب قواماً
من العيش , أو قال سداداً من عيش , فما سواهن من المسألة ياقبيصة سُحتٌ يأكلها صاحبها
سُحتاً " راوه مسلم . وتتطلب المساعدة لتقديم الخدمات الاجتماعية التأكد من المعلومات
عن العميل حتى لايبني الحكم على اساس غير سليم ويتطلب الأمر دراسة جميع الجوانب المرتبطة
بالموقف , فعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" إنما انا بشر وإنكم تختصمون إلي , ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجتة من بعض , فأقضي
له بنحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار
" متفق عليه. كذلك يتطلب دور الدولة السعي والبحث لدراسة الحالات التي تحتاج إلى
المساعدة , الأمر الذي يتطلب من ممثلي الدولة الإسلامية الإيجابية في الدراسة والمساعدة
والتقصي بالنسبة للحالات الاجتماعية لأفراد المجتمع , فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال
: قال رسول صلى الله عليه وسلم : " ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة
واللقمتان والتمرة والتمرتان , ولكن المسكين الذي لايجد غنى يغنيه و لايفطن له , فيتصدق
عليه ولا يقوم فيسأل الناس " متفق عليه.
ثالثاً : مساعدة الفرد على الاستفادة من قدراته للتغلب على مشكلته :-
روى أبو داوود عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن رجلا من الأنصار أتى النبي
صلى الله عليه وسلم يسأله , فقال : "أما في بيتك شئ ؟ " قال : "بلى
حِلس نلبس بعضه ونبسط بعضه , وقعب نشرب فيه من الماء , قال : " ائتني بهما
"قال : فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال : " من
يشتري هذين ؟ " قال رجل أنا آخذهما بدرهم . قال : "من يزيد على درهم مرتين
أو ثلاثاً؟ " قال رجل : أنا أخذهما بدرهمين
, فأعطاهما إياه , وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري , وقال : " اشتر بأحدهما طعاماً
فانبذه إلى أهلك , واشتر بالآخر قدوماً فأتني به " فاتا هبه فشد فيه رسول الله
صلى الله عليه وسلم عوداً بيده ثم قال له : " اذهب فاحتطب وبع ,ولا أرينك خمسة
عشر يوما " فذهب الرجل يحتطب ويبيع , فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها
ثوبا وببعضها طعاما , فقال رسول الله صلى الله عليه السلام : "هذا خير لك من أن
تجئ المسألة نكْتة في وجهك يوم القيامة , إن المسألة لاتصلح إلا لثلاثة , لذي فقر مدقع
, أو لذي عزم مفظع , أ, لذي دم موجع " .متفق عليه. ومن هذه الحالة يمكن أن نخرج
ببعض النقاط التي يقوم المنهج الإسلامي عليها في تقديم المساعدة الذاتية :
تقدم الفرد المتعطل الذي لديه فضل طاقه ولكن بلا عمل إلى الدولة أو إلى
ولي الأمر بشكوى لتدبر له أمره .
وعندما تصل الشكوى إلى المسؤول , ينظر في مشكلته وتوضع الحلول المناسبة
لها وهو في ضوء ذلك يضع الخطة السليمة بما يصون للفرد كرامته من خلال إنشاء مشروع استثماري
يسلكه في صف العاملين الذين يأكلون مما عملته أيديهم .
الاستفادة من إمكانيات الفرد دون الاعتماد على الإحسان أو التبرع من الحاضرين
لتغطية نفقات المشروع ,ولكن الاعتماد على أن يكون المشروع من رأس مال الفرد نفسه حتى
لو كان خرقته التي يتغطى بها وإناءه الذي يشرب به .
مساهمة الدولة ممثلة في الرسول – عليه الصلاة والسلام – كذلك أفراد المجتمع
المحلي طرفاً في المساعدة حين عرض على الناس السلعة ولم يتركها يعرضها هو فأعفاها من
الإحراج , مع ملاحظة أن الرسول لم يفرض السلعة ولم يحدد الثمن ليكون البيع والشراء
حراً الأمر الذي جعل مساهمة الناس غير مقيدة بالحياء بل مشروعا خالصاً من كل شبهه.
عندما توفر للرجل قدراً من المال ثمن مناعة لم تتركه الدولة بلا إرشاد
ضمانا لنجاح المشروع أرشده الرسول – عليه الصلاة والسلام – أن يشتري بالنصف طعاما لعياله
تأمينا لظهره حتى إذا انطلق في الأرض ساعياً كان زمناً , وكذلك طلب الرسول – عليه الصلاة
والسلام – أن يشتري بالنصف الثاني فأساً هي أداته للعمل المثمر الشريف .
حيث أثبت الرجل صلاحيته للمعونة ساعدته الدولة بخشبة الفأس وضعها الرسول
عليه الصلاة والسلام بيده الشريفة تقديراً له.
تحديد العمل المناسب والمكان الذي يمكن أن يمارس فيه هذا العمل وهو الاحتطاب
حيث إن الرجل حديث عهد بالعمل في بيئة صحراوية.
وضع خطة لمتابعة العمل وإعطاء مهلة من الوقت لحداثة الرجل بالعمل وإعطاء
مهلة خمسة عشر يوما حتى يتمرس بالتجربة في هذه الفترة .
في ضوء نتائج التجربة وضعت ميزانية للعامل تكفل سد حاجياته.
تحريم السؤال تحريماً قاطعاً دون استثناء إلا في حالات محددة ونادرة
رابعاً : تهيئة الدولة سبل كسب العيش للأفراد :
إذا كان العمل مشروعا في نظر الشرع والسؤال محظوراً والأصل هو السعي للكسب
والاجتهاد في سبيل الرزق , كان من المسلم به أن تقوم الدولة الإسلامية بتسهيل سبل العمل
والكسب للأفراد , وإيجاد العمل للمتعطلين وإيجاد المشاريع النافعة لتشغيل الأفراد وفي
ذلك تقوم الدولة بإقراض الأفراد من بيت المال , وقد صرح بهذا الفقيه المعروف أبو يوسف
صاحب أبي حنيفة فقال : " إن صاحب الأرض الخراجية إذا عجز عن زراعة أرضة لفقره
, دفع إليه كفايتة من بيت المال قرضاً ليعمل ويستغل أرضه ".
خامساً : حق النفقة :-
ينبغي على الدولة أن تهيئ لكل فرد من أفرادها مستوى معين من الحياة تضمن
له الضروريات الأساسية للحياة بأي وسيلة مشروعة , ولكن إذا لم يوجد عمل أو وجد وكان
الفرد عاجزاً عنه وجب على الدولة أن تفرض النفقة على الأقارب الأغنياء , حيث يقول الله
تعالى : " وفي أموالهم حق السائل والمحروم " } الذاريات :19 .
وهذا الحق غير الزكاة الواردة في الآية الأخرى : " والذين في أموالهم
حق معلوم ﬞ للسائل والمحروم
" } المعارج : 24 و25 { . قال عبد الله بن عمرو الشعبي والحسن ومجاهد :
" هو حق سوى الزكاة واجب في المال " , وقال أبو بكر الجصاص : "وفي المال
حق سوى باتفاق المسلمين منه مايلزم من النفقة على والدية إذا كانا فقيرين وعلى ذوي
أرحامه ومايلزم من إطعام المضطر وحمل المنقطع به , وماجرى ذلك من الحقوق اللازمة عندما
يعرض من هذه الأحوال " . وهذا التضامن بين أفراد العائلة وسائر الأقارب لايقوم
على فحص الرغبة في الإحسان بل يقدم على الوجوب والإلزام.
سادساً : الزكاة :-
عندما لايستطيع الفرد العمل والاكتساب أو لايوجد مايكسب به ومنه , أو كان
يعمل ولايفي دخله لضروريات الحياة وإذا لم يوجد من أقاربه من ينفق عليه , أمكن سد حاجته
من أموال الزكاة التي هي حق للفقير في أموال الأغنياء والأصل أن الدولة هي التي تجبي
الزكاة وتوصلها إلى المستحقين , ولايجوز صرفها لغير أهل الاستحقاق وللدولة أن تنظم
جبايتها وتوزيعها بما يكفل إيصالها إلى الفقراء وسائر المستحقين , فالزكاة ضمان اجتماعي
يضمن لكل فرد يعيش في المجتمع الإسلامي أيّا كانت ديانته وأيّا كانت جنسيته حد الكفاية
لا حد الكفاف , بحيث إذا لم تسعفه ظروفه الخاصة كمرض أو شيخوخة أو تعطل عن العمل من
تحقيق هذا المستوى اللائق للمعيشة والذي يختلف باختلاف ظروف الزمان والمكان , تكفلّت
بذلك الدولة عن طريق صندوق الزكاة .
الرعاية الاجتماعية فى الديانة المسيحية :
جاءت الديانة المسيحية مكملة للديانة اليهودية واستمرار لها فى اتجاهاتها
نحو الإحسان , ورعاية المحتاجين وتنظيم علاقات الناس بعضهم ببعض , واهتمت المسيحية
بالأيتام والأرامل واعترفت بنظم اجتماعية كالتبنى لليتامى والمساكين وإنشاء بيوت المحبة
"الملاجئ " ورعاية الغرباء .
وقد اهتمت الديانة المسيحية بالتعليم كوسيلة لنشر الدين , ورعاية المرضى
والمعوقين بنظام القضاء بالصدقات , وكانت الاديرة المسيحية هى المؤسسات التى يقدم عن
طريقها تلك الألوان المختلفة من ألوان الرعاية الاجتماعية , بالإضافة إلى نشاط الجماعات
الدينية المختلفة التى تقوم بمساعدة الفقراء والمحتاجين بصورة مساعدات مالية , أو تقديم
الطعام والملبس والمأوى للمحتاجين .
الرعاية الاجتماعية فى الديانة اليهودية
تعتبر الشريعة الموسوية من أقدم
الشرائع السماوية التى عرفت اليهود مبادئ العدل والمساواة بفضل وصايا موسى العشر ,
وبفضل التعاليم الدينية التى تحدد واجباتهم نحو الله والناس , عرف اليهود الإحسان الحقيقي
فكانوا يتصدقون يومياً بالطعام وفى كل يوم
جمعة كان رب العائلة يتنازل عن عٌشر محصوله للرهبان والأغراب واليتامى والأرامل
وللفقراء , واهتمت الشريعة الموسوية بتنظيم العدالة الاجتماعية واعتبرت ذلك جزءاً من
من العمل المقدس , وتضمنت الشريعة الموسوية العديد من ألوان الرعاية الاجتماعية التى
قامت على ثلاث دعائم قوية , وهى الحق والعدل والمساواة .
وتتمثل أوجه الرعاية الاجتماعية فى الديانة اليهودية فى رعاية الفقراء
والمحتاجين , وتعتبر ذلك واجب الأغنياء نحو الفقراء والمحتاجين ,ورعاية اليتامى والأرامل
, حيث يقدمون عٌشورهم للإنفاق على الفقراء والمساكين , وكانوا يمارسون نظام الشورى
باعتبار أن سيدنا موسى عليه السلام لم ينفرد بحكم بنى إسرائيل وحده وتوجيه سياستهم
, بل عمل بنظام الشورى , واهتم اليهود بالتعاليم حيث أسس المدارس ووضعت أسس وقواعد
للتعليم وكان المعلم يتمتع بمركز ممتاز بالإضافة إلى الرعاية العمالية والذى فيه ينظم
العلاقة بين العامل وصاحب العمل .