الخميس، 19 يوليو 2018

مراحل نمو المدن و تقدمها وحياة الحضر


مراحل نمو المدن و تقدمها
مقدمة
لم يتّفق اللغويّون أو علماء اللغة والمتخصّصون على تعريفٍ واحدٍ لمفهوم المدينة، ويمكن القول - من مُنطلقٍ عام - إنّ المدن هي تَجمّعاتٍ مستقرّةٍ ومُنظّمة بدرجةٍ عاليةٍ للبشر، يُقيمون فيها بصورةٍ دائمة، وعادةً ما تكونُ أكبر حجماً وأكثر سُكّاناً وأهميّةً من البلدات والقرى. تُوجد العَديد من التّعاريف القانونيَّة للمدن؛ فالمدينة هي أحد التقسيمات الإدارية الأساسيّة في الدول، ولذا فإنَّ القَوانين والتّشريعات تحتاجُ لوضع أُسسٍ واضحةٍ للتمييز بين المدينة والقرية أو المُحافظة، ولكن هذه التشريعات خاصَّة بكلّ دولة، ولا يُوجد اتّفاق عالمي عليها. تُعتبر المُدن مراكز للسَّكن دائمة نسبيّاً، فهي تظلُّ قائمةً لفتراتٍ طويلة من الزمن ولا يهجرُها السكان بسُهولة، وعادةً ما تكونُ ذات عاداتٍ اجتماعية وثقافية مُميّزة، ولها دورٌ ثقافيّ مهم بالنّسبة لأهالي الدولة التي تقعُ فيها
تختلفُ المُدن كثيراً عن غيرها من المناطق في طريقة إدارتها؛ ففي الدّول الحديثة تَخضعُ معظم المدن لأنظمةٍ تشريعيّةٍ خاصَّة، تمنُحها حُكماً إداريّاً خاصاً ومُحافظين يتولُّون إدارتها هي والتقسميات الفرعيّة لها. بيّنت بعض الدول أنّ المُستوطنة البشرية لتكون مَدينة عليها أن تَضمّ عدداً مُحدّداً من السكّان في الميل المُربّع الواحد من مساحتها، وحسب بعض القوانين فهي المكان الذي يصدر فيه اسم المدينة عن طريق إعلانٍ أو وثيقة رسميّة، وحسب المساحة التي تبلغها، وحسب ما تحتويه من تَجمّعاتٍ وثقافاتٍ متعدّدة التقت مع بعضها، وحسب عدد الأعمال والوظائف التي تحتويها، وحسب أهميتها الثقافيّة والحضاريّة في وسطها والمركز الذي تحتلّه كواجهةٍ لبلدها أو منطقتها.
رُغم كلّ ما سبق، يبقى التفريقُ بين المدينة والمُستوطنات الأصغر (من بلداتٍ أو حتى قرى كبيرة) أمراً صَعباً وغير واضح؛ إذ لا يُوجد اختلافٌ جوهريّ بين المَدينة وغيرِها سوى الاصطلاح والعادة بين الناس. في الوقت الرّاهن تُعتبر المُدن مَركزاً لثقافة وطبيعة حياة خاصَّة يُطلَق عليها اصطلاح "التمدُّن"، وتُوجد أعدادٌ كبيرة من البشر الذين يختارُون حياة المَدينة عِوضاً عن الحياة القديمة البسيطة في القرى الصغيرة أو المَزارع الريفيّة.

الحياة الحضرية في المدن
تختلف حياة الناس من مكان إلى آخر في العالم فتوجد العديد من الفوارق بين الناس كالغني والفقير والمتعلم والأمي، وإحدى هذه الفروق في طبيعة المعيشة والحياة هي التي بين القرية وأهلها والمدينة وسكانها، وهي التي ظهرت بشكل كبير فيما بعد الثورة الصناعية وظهور المدن وتطورها بشكل كبير جداً ممّا أدى إلى شعور أهل القرية بامتياز أهل المدينة عنهم من ناحية الخدمات والتقدم التكنولوجي ومستوى الرفاهية في العيش.
وهو الأمر الذي سبب هجرة أهل القُرى إلى المدينة من أجل تحسين مستوى معيشتهم، وليس من الضروري أن تكون المدينة مميزة عن القرية إذ إنّ ما يحدد تميز المدينة عن القرية من عدمها هو الشخص نفسه وطريقته في العيش وطريقة تفكيره، بالإضافة إلى نوعية الحياة التي يفضلها. ولكن هذا لا ينفي وجود العديد من الفروقات بين طبيعة الحياة في المدينة مقارنةً بطبيعة الحياة في القرية والتي يصفها الناس في العادة بأنّها ميزاتٌ تمتاز بها المدينة عن القرية وإنّ أولى هذه الفروقات هي المستوى التنظيمي المتدني في القرية مقارنة في المدينة ونقص الخدمات والبنية التحتية في القرية أيضاً مقارنة في المدينة وربما يرجع سبب هذا إلى كون المدن هي المراكز التجارية والاقتصادية للدول بالإضافة إلى وجود العدد الأكبر من التجمعات في السكانية مقارنة بالنسب القليلة للسكان في القرى. كما أنّ المدينة تختلف عن القرية في طبيعة حياة الناس وطبيعة أعمالهم إذ إنّه في حين يعمل سكان القرية بالفلاحة والرعي وصيد الحيوانات في الغالب، بالإضافة إلى اشتغالهم ببعض الحرف اليدوية، فعادة ما يعمل سكان المدينة في القطاع التجاري أو الصناعي أو الخدمي أو التعليمي، وتنعكس طبيعة هذه الأعمال على طبيعة حياة الناس في كلٍّ من المنطقتين إذ إن الروابط الاجتماعية تبرز بشكل كبير جداً في القرية بالنسبة إلى التفكك الاجتماعي الذي يعيشه أهل المدينة، بالإضافة إلى ارتباط الناس في القرية ارتباطاً وثيقاً بالأرض بالإضافة إلى سيادة العادات والتقاليد في الوقت الذي ينشغل فيه أهل مدينة بالبحث عن مصادر جديدة للأموال والتطور المستمر والسبيل إلى حياة تحتوي على الرفاهية بشكل أكبر.
 أمّا في المدينة فتوجد سلبية الجو الذي يسوده التلوث بالإضافة إلى التعقيد في الحياة بشكل كبير جداً بينما تسود البساطة في المجتمع القروي، وتوجد العديد من الجوانب الإيجابية والسلبية لكلٍّ من المدينة والقرية والذي يحدد هذا الأمر هو كل شخص بنفسه وطبيعة الحياة التي يحب أن يعيشها.

خصائص المدينة
تمتاز المدينة بمجموعة من الخصائص التي تساهم في التفريق بينها، وبين الأماكن السكانيّة الأخرى، وخصوصاً القرى، والأحياء، ومن أهم هذه الخصائص: الكثافة السكانية؛ إذ يعد عدد السكان هو المقياس الرئيسي في العديد من دول العالم لتحديد المدن بشكل صحيح، فإذا سكن في الميل المربع الواحد أكثر من عشرة آلاف نسمة، توصف هذه المساحة الجغرافية بأنها مدينة. المهن العامة: تختلف المهن التي يعمل بها سكان المدينة عن سكان المناطق الأخرى؛ فيعمل أغلب السكان في المهن الصناعية، والإنتاجية، والتجارية، ويعمل القسم الآخر منهم في الوظائف العامة، والخاصّة في الشركات والمؤسسات.
 الحياة الثقافية: تتميّز المدينة بانتشار العديد من الأماكن التي تدلّ على المظاهر الثقافية فيها، مثل: المسارح، والمكتبات، والمتاحف الأثرية، والتي تعدّ مصدراً من المصادر الرئيسية لتطور الفكر الثقافي عند المهتمين بالقراءة، ومتابعة إصدارات الكتب الجديدة. انتشار المواصلات الحديثة، والتي تعد جزءاً من أجزاء المدن، فتساهم في الربط بين أطرافها، ومن الأمثلة عليها: الحافلات، وسيارات الأجرة، والقطارات.

 تهتم بتطبيق الأحكام القانونية؛ إذ إنّها توجد في أغلب المدن مراكز للشرطة، ومحاكم تشريعية، وقانونية من أجل فرض القانون، وتطبيق نصوصه بشكل صحيح. أنواع المدن تتوزع المدن على مجموعة من الأنواع التالية: المدينة الصغيرة هي المدينة التي تظهر حديثاً، بمعنى يتمّ تصنيفها على أنها مدينة بعد أن كانت قرية، أو لواء يتبع لمدينة أخرى، وتتميّز هذه المدن بظهور العديد من البنايات، والمصانع المتطورة، مع ازدياد ملحوظٍ في عدد السكان فيها، كما أنها تهتمّ بزيادة عدد المدارس بكافة أنواعها، من أجل استقطاب الطلاب والطالبات للحصول على التعليم المناسب لهم.

 المدينة الصناعية
هي المدينة التي تتكون من مجموعة من المصانع، والمؤسسات الإنتاجية وكافة سكانها تقريباً من الأفراد الذين يعملون، أو عملوا في هذه المصانع، فتوفر المدن الصناعية مساكن مجهزة للعاملين في مصانعها، حتى يتمكنوا من السكن فيها مع عائلاتهم، مما يسهل عليهم الوصول إلى عملهم في الوقت المناسب. المدينة الكبيرة هي المدينة التي تعتمد على تاريخ حضاري قديم، أي إنّها وجدت منذ العصور البشرية القديمة، وما زالت قائمةً حتى هذا الوقت، واستمرّت في التطور مع ازدياد النهوض البشري العمرانية فيها، وتعاقب الحضارات الإنسانية عليها، ومن الأمثلة على المدن الحضارية الكبيرة: مدينة دمشق، ومدينة بغداد.

خصائص الحياة الحضرية
تشمل خصائص الحياة الحضرية في المدن عدة وظائف وخصائص أساسية
أ - الوظيفة التجارية:
تمثل التجارة الوظيفة الأساسية لعدّة مدن فتعرف بالمدن التجارية وتنقسم إلى ثلاثة أنواع:
- مدن الأسواق المحلية:
وهي مدن صغيرة يرتكز نشاطها على الأسواق المحلية الأسبوعية ويقتصر تأثيرها على سكان المدينة نفسها وسكان المنطقة التي تقع فيها.

- مدن التجارة الإقليمية:
هي مدن متوسطة الحجم، ذات نشاط تجاري أوسع، يهم سكانها وسكان الأقاليم التي تقع فيها، بما فيهم سكان مدن الأسواق المحلية الصغيرة، ومثال ذلك صفاقس وسوسة وبنزرت في البلاد التونسية.
- مدن التجارة العالمية:
والتي تتميز بنشاط تجاري موسع يهمّ عدّة بلدان وجهات من العالم، مثل نيويورك وطوكيو ولندن وباريس.
ب - الوظيفة الصناعية:
تعتبر الوظيفة الصناعية من أقدم وظائف المدن، غير أنها بقيت وظيفة متواضعة حتى القرن التاسع عشر، وكثيرا ما يرتبط تأسيس المدن الصناعية بالثروات الطبيعية المحلية وخاصة المنجمية منها، مما يؤدي إلى خلق تجمعات سكنية ضخمة مثل مدن الرور  في ألمانيا ومدن اللورين بفرنسا.
ومن مميزات المدن الصناعية ميلها إلى التخصص في نوع واحد من الإنتاج الصناعي مثل اختصاص مدينة ديترويت Détroit الأمريكية في صناعة السيارات، وتخصص مدينة ليون Lyon الفرنسية في صناعة الأقمشة الحريرية.
أما العوامل التي تؤدي إلى بروز الصناعة في مدينة دون غيرها فهي متعددة، ونذكر منها المواد الأولية، ومصادر الطاقة، واليد العاملة، ورؤوس الأموال.


ج - الوظيفة السياسية:
نشأت هذه الوظيفة مع ظهور الدول واختيار العواصم السياسية بالاعتماد على عدّة اعتبارات أهمها:
- التوسط الجغرافي:
الذي ييسر المواصلات مع مختلف جهات البلاد ويضمن حماية العواصم من الأخطار الخارجية، ومثال ذلك مدينة أنقرة التي تتوسط تركيا، ومدريد التي تتوسط إسبانيا، والقيروان التي اختارها المسلمون عاصمة إفريقية لموقعها الجغرافي المتوسط.
- الوحدة السياسية:
تفرض الوحدة السياسية على المتحدين اختيار عاصمتهم من بين مدن الإقليم أو القطر الذي حقق هذه الوحدة، ومثال ذلك، اختيار الألمان لـ برلين (عاصمة بروسيا) عاصمة للدولة الألمانية الموحدة سنة 1870.
- العامل التاريخي:
يلعب العامل التاريخي دورا أساسيا في اختيار العواصم، فقد عرفت البلاد التونسية مثلا عواصم عديدة، نتيجة ظروف سياسية مختلفة، وهي على التوالي:
o قرطاج في العهد البونيقي والروماني.
o القيروان في العهد الأغلبي.
o المهدية في العهد الفاطمي.
o تونس منذ العهد الحفصي.
2) الوظائف الثانوية:
هي الوظائف التي تتميز بها بعض المدن الكبيرة، بالإضافة إلى وظائفها الأساسية، أو تختص بها المدن الصغيرة.
أ - الوظيفة الترفيهية:
وهي وظيفة سياحية تختص بها المدن التي تمتاز بظروف طبيعية جذابة، كجمال الطبيعة، واعتدال المناخ، أو وفرة المياه المعدنية. ومثال ذلك المدن الساحلية التونسية والاسبانية والايطالية ومدن المياه المعدنية ومدن الواحات...
ب - الوظيفة الدينية:
يوجد في العالم عدّة مدن دينية أهمها مدن الحج مثل مدينة مكة المكرمة، والمدن الدينية التذكارية، مثل القدس وبيت لحم.
ج - الوظيفة الثقافية:
تلعب بعض المدن دورا كبيرا في ميدان الثقافة والتعليم وأشهرها المدن الجامعية مثل أكسفورد Oxford وكمبريدج Cambridge في المملكة المتحدة وهايدلبرغ Heidelberg في ألمانيا.
د - الوظيفة العسكرية:
وهي الوظيفة التي تقوم بعض المدن لأغراض عسكرية دفاعية أو هجومية. وتمتاز هذه المدن بموقعها الاستراتيجي الهام وارتفاع نسبة الذكور فيها لكنها في تقلص متواصل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، نتيجة لتقهقر الاستعمار وتعصير التقنيات الحربية، وإنشاء القواعد النووية.