واقع الاستماع في مدارسنا , وأهم مهارات الاستماع الضرورية لتحسين هذا
الواقع (ميدانيا)
لعل من أشد ما
استثارني إلى إخراج هذه النشرة ما لمسته من واقع تدريس اللغة العربية في مدارسنا وما
تعانيه من مشكلات متعددة تقف بها دون الغايات الفكرية والروحية والسلوكية التي يرجى
تحققها .ومن بين هذه المشكلات عدم تكامل فنون اللغة العربية الأربعة ( الاستماع ،التحدث
، القراءة ،والكتابة ) في عملية التدريس ، فيلاحظ على معلم اللغة العربية أثناء تدريسه
لأي فرع من فروع اللغة أنه يركز اهتمامه في المقام الأول على تلقين أذهان طلابه أكبر
قدر من المعلومات وتكريس جهده على أساس التحصيل اللغوي الضيق الذي يقتصر على مستويي
التذكر والفهم لهذا الفرع دون ربطه ببقية الفروع غافلاً في الوقت نفسه عن النظر والتفاعل
مع فنون اللغة الأربعة التي ينبغي أن تتكامل في عملية التدريس لأن هناك تأثير وتأثر
بينها ، بمعنى أن للغة جانبين :
جانب تعبيري يشمل
الحديث والكتابة ،
وجانب إدراكي أو
جانب استقبال يشمل الاستماع والقراءة ، فالملاحظ في تدريس اللغة العربية في مدارسنا
أننا نركز على تدريس مهارة القراءة والكتابة وشيء من التركيز في تعليم الكلام (تدريس
التعبير الشفوي ) ، والأمر الذي يدعو إلى الدهشة أن مهارة الاستماع مهملة في مدارسنا
وقد تكون معدومة رغم أهميتها في تنمية قدرة الانتباه والتركيز ،وهذا الإهمال يؤدي إلى
ضرر بالغ فالمهارة في الاستماع تتصل اتصالاً وثيقاً بالكفاءة في عدد من الميادين الأكاديمية
فالاستماع شأنه شان القراءة يمثل للطلاب وسيلة مهمة للتحصيل
فمن هذا المنطلق
كان من الضروري أن يركز المعلمون اهتمامهم على تعليم الاستماع كتركيزهم على تعليم الطفل
القراءة والكتابة ، وأن يبذلوا جهدهم الصادق لتنمية مهارات عملية الاستماع الهادف والمتجاوب
.
ولإدراكي لأهمية
الإصغاء الفعّال أو الاستماع باعتباره طريقاً من الطرق الهامة للتعليم داخل المدرسة
وخارجها على السواء أحببت أن أبصِّر المعلم بمهارة الاستماع وكيفية تدريسها ، فقمت
بإعداد هذه النشرة والتي أرجو من الله سبحانه وتعالى أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم
وأن ينفع بها . إنه سميع مجيب .
تـتـناول هذه النشرة
بعض الجوانب المهمة والضرورية في تدريس الاستماع . فتـبدأ بعرض أهمية الاستماع في حياتنا
وأهميته في العملية التعليمية وأسباب إهماله في مدارسنا ، ثم تعرض الفرق بين السماع
والاستماع ولإنصات ،وصفات المستمع الجيد والعوامل التي تعيق الاستماع الجيد ، ثم تـنـتـقل
إلى أهداف تدريس الاستماع وخطوات تدريسه وكيفية تدريسه ، وتُختم النشرة بعرض لمجموعة
من الأساليب والمواقف والأنشطة للتدريب على الاستماع .
فعندما نتحدث عن
مصطلح " القراءة " في مدارسنا ، ومؤسساتنا التعليمية ، فإننا نتحدث عن قصة
هجر وإهمال لهذه الكلمة ، بينما تعد القراءة عند الناطقين بالضاد واجبا مفروضا ، وإحدى
وسائل مضاعفة الأجر والثواب ، فكل حرف نقرؤه من كتاب الله الكريم نجزى عليه بعشر حسنات
كما أخبرنا الصادق الأمين نبي البشرية عليه الصلاة والسلام .
والقراءة في خطتنا الدراسية تحتاج إلى وقفة متأنية
، لمعالجة أوضاعها ، من حيث أقسامها ، ومزايا كل قسم ، ومهاراتها ، وكيفية إكسابها
الناشئة . وهى مهارة أساس من ضمن أربع مهارات يقوم عليها البناء اللغوي عند الإنسان
؛ وهى : القراءة ، والكتابة ، والاستماع ، والتحدث . وسوف نفرد بمشيئة الله لكل مهارة
محاضرة مستقلة ، وسيكون حديثنا في هذه المحاضرة منصبا على مهارة الاستماع ؛ وذلك حسب
التسلسل الذي يسير عليه تعلم اللغة وهو : الاستماع ، ثم التحدث ، ثم القراءة ، ثم الكتابة
.
السماع :
مجرد التقاط الأذن لذبذبات صوتية من مصدرها
دون إعارتها أي انتباه ، وهو عملية سهلة غير معقدة ، تعتمد على فسيولوجية الأذن ، وسلامتها
العضوية ، وقدرتها على التقاط الذبذبات .
الإنصات :
تركيز الانتباه على ما يسمعه الإنسان من أجل
تحقيق غرض معين .
الاستماع :
مهارة معقدة يعطي فيها الشخص المستمع المتحدث
كل اهتماماته ، ويركز انتباهه إلى حديثه ، ويحاول تفسير أصواته ، وإماءاته ، وكل حركاته
، وسكناته .
من المفاهيم السابقة نستنتج أن السماع عملية
فسيولوجية تولد مع الإنسان وتعتمد على سلامة العضو المخصص لها وهو الأذن . في حين يكون
الإنصات والاستماع مهارتين مكتسبتين . والفرق بين الإنصات والاستماع : اعتماد الأول
على الأصوات المنطوقة ليس غير ، بينما يتضمن الاستماع ربط هذه الأصوات بالإماءات الحسية
والحركية للمتحدث .
شروط الاستماع
الجيد : ـ
لصعوبة مهارة الاستماع ، واعتمادها على عدد
من أجهزة الاستقبال ، لا يمكن تحققها إلا بتوفر عدة شروط ، أهمها : ـ
1 ـ الجلوس في
مكان بعيد عن الضوضاء .
2 ـ النظر باهتمام
إلى المتحدث ، وإبداء الرغبة في مشاركته .
3 ـ التكيف ذهنيا
مع سرعة المتحدث .
4 ـ الدقة السمعية
التي بدونا تتعطل جميع مهارات الاستماع .
5 ـ القدرة على
التفسير ، والتمثيل اللذين عن طريقهما يفهم المستمع ما يقال .
6 ـ القدرة على
التمييز بين الأصوات المتعددة ، والإيماءات المختلفة .
7 ـ القدرة على
التمييز بين الأفكار الرئيسة ، والأفكار الثانوية في الحديث
8 ـ القدرة على
الاحتفاظ بالأفكار الرئيسة حية في الذهن .
أهداف تدريس الاستماع
1 ـ تنمية قدرة
التلاميذ على متابعة الحديث .
2 ـ تمييز التلاميذ
بين الأصوات المختلفة .
3 ـ تمييز التلاميذ
بين الأفكار الرئيسة ، والثانوية .
4 ـ تنمية قدرة
التلاميذ على التحصيل المعرفي .
5 ـ الربط بين
الحديث ، وطريقة عرضه .
6 ـ تنمية قدرة
التلاميذ على تخيل المواقف التي تمر بهم .
7 ـ استخلاص التلاميذ
النتائج مما يستمعون إليه .
8 ـ استخدام التلاميذ
سياق الحديث لفهم معاني المفردات الجديدة عليهم .
9 ـ تنمية بعض
الاتجاهات السلوكية السليمة ، كاحترام المتحدث ، وإبداء الاهتمام بحديثه ، والتفاعل
معه .
مهارات الاستماع
قسم التربويون مهارات الاستماع إلى أربعة أقسام
رئيسة هي :
أولا : مهارات
الفهم ودقته ، وتتكون من العناصر الآتية :
1 ـ الاستعداد
للاستماع بفهم .
2 ـ القدرة على
حصر الذهن ، وتركيزه فيما يستمع إليه .
3 ـ إدراك الفكرة
العامة التي يدور حولها الحديث .
4 ـ إدراك الأفكار
الأساس للحديث .
5 ـ استخدام إشارات
السياق الصوتية للفهم .
6 ـ إدراك الأفكار
الجزئية المكونة لكل فكرة رئيسة .
7 ـ القدرة على
متابعة تعليمات شفوية ، وفهم المقصود منها .
مهارات الاستيعاب
، وتتكون من العناصر التالية : ـ
1 ـ القدرة على
تلخيص المسموع .
2 ـ التمييز بين
الحقيقة ،والخيال مما يقال .
3 ـ القدرة على
إدراك العلاقات بين الأفكار المعروضة .
4 ـ القدرة على
تصنيف الأفكار التي تعرض لها المتحدث .
مهارات التذكر
، وعناصرها كالتالي : ـ
1 ـ القدرة على
تعرف الجديد في المسموع .
2 ـ ربط الجديد
المكتسب بالخبرات السابقة .
3 ـ إدراك العلاقة
بين المسموع من الأفكار ، والخبرات السابقة .
4 ـ القدرة على
اختيار الأفكار الصحيحة ؛ للاحتفاظ بها في الذاكرة .
مهارة التذوق والنقد
، وتتصل بها العناصر الآتية : ـ
1 ـ حسن الاستماع
والتفاعل مع المتحدث .
2 ـ القدرة على
مشاركة المتحدث عاطفيا .
3 ـ القدرة على
تمييز مواطن القوة ، والضعف في الحديث .
4 ـ الحكم على
الحديث في ضوء الخبرات السابقة ، وقبوله أو رفضه .
5 ـ إدراك مدى
أهمية الأفكار التي تضمنها الحديث ، ومدى صلاحيتها للتطبيق .
6 ـ القدرة على
التنبؤ بما سينتهي إليه الحديث .
تنمية مهارات الاستماع
هذه مجموعة من المقترحات التي نأمل أن تسهم في
تنمية هذه المهارات الهامة ، مع ضرورة التنبه إلى أن هذه المقترحات تخضع في تنفيذها
لعدد من الاعتبارات أهمها : ـ
ا ـ نوعية الأهداف
السلوكية المطلوب تحقيقها ، وصياغتها صوغا إجرائيا ب ـ حسن إعداد البيئة التعليمية .
ج ـ مناسبة تلك
البيئة لمستوى التلاميذ المهاري والمعرفي .
وأهم هذه المقترحات
هو :
أولا : كيفية تنمية
مهارة التمييز بين الأفكار الرئيسة ، والأفكار الثانوية : ـ
1 ـ يقوم المعلم
بعرض تسجيل لحوار معين ، أو قراءة جزء من موضوع ما ، ويطلب من التلاميذ :
ـ ذكر أسماء أشخاص
الحوار .
ـ ذكر أكبر قدر
من الحقائق التي استمعوا إليها .
ـ ترتيب الحقائق
حسب ورودها في الحوار .
ـ ذكر المشاعر
التي أثارها الحوار لديهم ، ومدى معايشتهم لها .
ـ ذكر المفردات
التي لفتت انتباههم .
ـ ذكر التراكيب
التي أعجبتهم .
ـ بيان أسلوب الحديث
والوسائل التي استعان بها الكاتب في عرض أفكاره ؛ من طول أو قصر الجملة ، استخدام صور
التوكيد ، التشبيهات أو الاستعارات ، الصور البديعة المختلفة .
ـ بيان العلاقة
بين انفعال المتحدث وطريقة تعبيره .
2 ـ كيفية تنمية
قدرة التلاميذ على فهم معاني المفردات الصعبة ، واستخدامها في تراكيب مفيدة : ـ
ـ كتابة معاني
الكلمات الصعبة على السبورة .
ـ استعانة التلاميذ
بالسياق في فهم معاني بعض الكلمات الجديدة .
3 ـ كيفية تنمية
القدرة على متابعة الحديث ، وربط عناصره بعضها ببعض : ـ
ـ قراءة نص مكون
من عدة فقرات مترابطة .
ـ مناقشة التلاميذ
في الأفكار الواردة في الموضوع .
ـ تكليف التلاميذ
وضع عناوين لفقرات الموضوع .
ـ مناقشة التلاميذ
في العلاقة بين مقدمة الموضوع وخاتمته .
أسس تدريس الاستماع
أولا : الانتباه
: ـ
من المطالب الرئيسة
لسمع الرسالة وتفسيرها ، وتحديد السلوك المترتب عليها .
ثانيا : التخلص
من المشتتات الشعورية واللاشعورية ، كالبعد عن مصادر الضوضاء ، والاستماع للمتحدث بدلا
من الرسالة ، والمستمع الكفء هو من يقدر أهمية الاستماع الفعال ، ويعلم أنها تنقص كلما
كان المستمع يعانى من متاعب جسدية أو نفسية .
ثالثا : التدريس
الفعال الذي يزيد من وعى التلاميذ بأساليب توجيه الانتباه ، وتجنب عوامل التشتت الذهني
.
رابعا : استرجاع
الخبرات السابقة له أكبر الأثر في فهم الموضوع وتفسيره .
خامسا : تكوين
مهارة الاستماع النقدي بالتدريب على اكتشاف المتناقضات ، وأساليب الدعاية ، وأهداف
المتحدث .
سادسا : التدريب
الجيد على فهم معاني الكلمات من السياق ، حيث يتعذر على المرء استعمال القاموس أثناء
الاستماع .
سابعا : مما يعوق
الاستماع أن تفكير المستمع يسبق المتحدث ، مما يتطلب من المستمع توظيفه في إبعاد المشتتات
، وخدمة الاستماع الفعال .
خطوات درس الاستماع
التمهيد :
تهيئة أذهان التلاميذ لدرس الاستماع ، وذلك
بإيضاح أهمية الدرس ، وطبيعة المادة العلمية التي ستقدم إليهم ، ثم تعيين المهارة التي
يراد التدريب عليها ، كاستخراج الأفكار الأساسية ، والتمييز بينها وبين الأفكار الثانوية
.
العرض :
ـ تقديم المادة وما يتناسب والهدف المراد تحقيقه
، كالإبطاء أو الإسراع في القراءة ، أو التوقف
قليلا عند نهاية الفقرة ، وما إلى ذلك .
ـ توفير كل ما يمكن أن يساعد على تحقيق أهداف
الدرس ، كتوضيح معاني الكلمات الجديدة ، أو المصطلحات غير المألوفة ، والابتعاد عن
مواطن التشتت الذهني .
ـ مناقشة التلاميذ فيما استمعوا إليه ، بوساطة
طرح الأسئلة التي توصل إلى تحقيق الأهداف .
ـ تقويم التحصيل بطرح أسئلة أكثر عمقا ، لها
ارتباط في صياغتها بالأهداف السلوكية ، التي سبق تحديدها عند إعداد الدرس . ويشترط
في هذه الأسئلة أن تكون شاملة لجميع الأهداف ، وقادرة على قياس ما وضعت له فقط .
توجيهات عامة في تدريس الاستماع : ـ
1 ـ ينبغي للمعلم
أن يكون دائما قدوة لتلاميذه ، وفى درس الاستماع ينبغي على التلاميذ أن يقتدوا بمعلمهم
في حسن الانتباه ، والإنصات ، وعدم مقاطعة المتحدث ، أو القارئ قبل أن ينتهي إلا لتنبيهه
إلى خطأ لا يجوز السكوت عنه .
2 ـ التخطيط الجيد
للدرس ، ووضوح الأهداف المطلوب تحقيقها بدقة متناهية .
3 ـ انتقاء النصوص
الشيقة الملائمة لمستوى التلاميذ ، واختيار المواقف اللغوية المعينة على تحقيق الأهداف
المنشودة .
4 ـ تهيئة الإمكانات
المساعدة على تحقيق الأهداف ، كالبعد عن الضوضاء ، والإلقاء الجيد ، واستخدام الوسائل
التعليمية الملائمة .
إحصائيات تتعلق
بالاستماع : ـ
أولا : تبث من
خلال الأبحاث العلمية أن الفرد العادي يستغرق في الاستماع ثلاثة أمثال الوقت الذي يمضيه
في القراءة .
ثانيا : أجرى أحد
الباحثين دراسة في العلاقة بين المهارات اللغوية ، ومدى ممارسة كل منها ، فتوصل إلى
النتائج التالية : ـ
1 ـ يستمع المرء
يوميا بمقدار يعادل كتابا متوسط الحجم .
2 ـ يتحدث بما
يعادل كتابا كل أسبوع .
3 ـ يقرأ ما يساوى
كتابا كل شهر .
4 ـ يكتب ما يعادل
كتابا كل عام .
ثالثا : استطلع
أحد الباحثين نخبة من المعلمين حول ما يتعلمه الأطفال عن طريق الاستماع ، فكانت النتيجة
ما يلي : ـ
1 ـ أن الأطفال
يتعلمون عن طرق القراءة بنسبة 35 % من مجموع الزمن المخصص للتعلم .
2 ـ يتعلمون عن
طريق الكلام والمحادثة بنسبة 22 % من مجموع الزمن المخصص للتعلم .
3 ـ يتعلمون عن
طريق الاستماع بنسبة 25 % من مجموع الزمن المخصص للتعلم .
4 ـ ويتعلمون عن
طريق الكتابة بنسبة 17 % من مجموع الزمن المخصص للتعلم .
وأخيرا وبعد أن
علمنا ما لمهارة الاستماع من أهمية بالغة في رفع مستوى التحصيل الدراسي لدى التلاميذ
، نأمل من إخواننا المعلمين أن يستثمروا هذه المهارة ويوظفوها فيما يعود على أبنائنا
التلاميذ بالنفع والفائدة ، والله الموفق .