البطالة وعلاجها من منظور إسلامي
أيًا ما كانت الأسبابُ المؤدية إلى البطالة -كأن تكون أثرًا لما يوجد فى المجتمع من تناقضات فى بناء فرص العمل، أو نتيجة للتخصص المتزايد والتنافس الشديد في الإنتاج الرأسمالى- فلا سبيل إلى مكافحتها إلا بإتاحة فرص العمل التى تصونها الضوابطُ العادلة من شرع الله، والتى تهتم بالحاجات العامة للإنسان، فالدين والعمل هما طوق النجاة من شرور البطالة والأزمات الاقتصادية.
ولقد أخذ العملُ في الإسلام مكانة لا تدانيها مكانة فلم يحدث أن دينًا من الأديان السابقة أكد قيمة العمل وقيمة الفرد العامل كما فعل الإسلامُ الذي جعل العملَ واجباً إسلامياً مفروضاً على كل إنسان مهما علا شأنه أو صغر، وقرر منذ بدء دعوته أن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، وأنه قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح، ومن هنا كان الارتباط والاقتران بين الإيمان والعمل في آيات كثيرة من كتاب الله الكريم؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف: 30]، {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} [الكهف: 107]، {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} [يونس: 9]، فلا إيمان إلا بالعمل الصالح الذي يؤكد هذا الإيمان تأكيداً عملياً من خلال الكد والاجتهاد والبحث عن الرزق وإعمار الأرض.
تعريف البطالة في الشريعة الإسلامية
يرى الفقهاء أن البطالة هي : العجز عن الكسب في أي صورة من صور العجز، ذاتياً: كالصغر، والأنوثة، والعته، والشيخوخة، والمرض. أو غير ذاتي: كالاشتغال بتحصيل علم.
ومن التطبيقات والتفريعات التي تندرج تحت هذا التعريف :
1. إن القادر على الكسب مكلف بالعمل ليكفي نفسه بنفسه : ولا يشترط أن يتناسب العمل والأجر مع قدراته وخبراته ومواهبه .
2. إن العاجز عن الكسب لضعف ذاتي : كالصغر، والأنوثة، والعته، والشيخوخة والمرض ولم يكن عنده مال موروث يسد حاجته، تجب كفالته على أقاربه الموسرين. فإذا لم يوجد له شخص يكفله بما يحتاجه فقد حل له الأخذ من الزكاة.
3. .أجمع الفقهاء على أن نفقة الابن المتعطل عن العمل مع قدرته على الكسب : لا تجب على أبيه ؛ لأن من شروط وجوبها أن يكون عاجزاً عن الكسب . حيث عرفوا العاجز عن الكسب بقولهم : هو من لا يمكنه اكتساب معيشته بالوسائل المشروعة المعتادة، والقادر غني بقدرته، ويستطيع أن يتكسب بها، وينفق على نفسه، ولا يكون في حالة ضرورة يتعرض فيها للهلاك، حتى تجب له النفقة على أبويه .
4. يجب على الدولة القيام بشئون فقراء المسلمين من : العجزة، واللقطاء، والمساجين الفقراء ، الذين ليس لهم ما ينفق عليهم منه، ولا أقارب تلزمهم نفقتهم . فيتحمل بيت المال نفقتهم وكسوتهم ، وما يصلحهم من مسكن ومطعم ودواء، وأجرة علاج، وتجهيز ميت، ونحوها ..
5. تفرغ المسلم للعبادة مع قدرته على العمل وحاجته إليه لكسب قوته وقوت من يعول : لا يدخل ضمن البطالة . بل اعتبر الفقهاء أن مثل هذا التفرغ حرام ، أو مكروه .
مقارنة بين مفهوم البطالة في الإسلام ومفهومها في القوانين الغربية :
1. الأنظمة الوضعية : تفتح الباب للتسول بحجة أن العامل لا يجد عملاً أو أجرة مناسبين .
أما النظام الإسلامي فيقضي على الفقر والتسول : إذ يحمل كل قادر على العمل أن يعمل ، ولا يعنيه ما العمل ، طالما أنه لا يتعارض مع أصوله (الكتاب والسنة) و يغنيه عن السؤال ، وإراقة ماء الوجه.
2. الأنظمة المعاصرة تخرج الغير قادرين على الكسب بسبب العجز أو الشيخوخة أو الإعاقة من دائرة البطالة : وبالتالي فلا يستحقون التأمين الاجتماعي بل يحصلون فقط على المعاشات البسيطة التي تجعلهم في دائرة الفقر والحاجة .
أما الإسلام فيعتبر العجز عن الكسب في أي صورة من صوره بطالة : وبالتالي فإن العجز عن الكسب بسبب الشيخوخة والإعاقة ونحوها فالإسلام يعتبرها بطالة ويلزم الدولة الإسلامية أن توفر لهم حياة كريمة تخرجهم من دائرة الحاجة والفقر إلى دائرة الكفاية والغنى .
أنواع البطالة
قسم العلماء البطالة إلى ثلاثة أنواع :
النوع الأول : البطالة الظاهرة :وتعني أن الأفراد لا يجدون فرص العمل التي تتناسب مع قدراتهم وتخصصاتهم ومؤهلاتهم .
النوع الثاني : البطالة المقنعة : وتظهر من خلال تعيين بعض الأشخاص في وظائف لا تعود بفوائد إنتاجية من ورائها ، أو من خلال خلق فرص عمل روتينية هامشية لا يجد فيها الإنسان قدراته وخبراته .
النوع الثالث : البطالة الاختيارية : وهي ترك العمل اختيارا أي رفض فرصة العمل وبالتالي تكون هذه البطالة اختيارية دون تدخل للمشكلات الاقتصادية .
أسباب البطالة
ترجع الدول الحديثة أسباب البطالة إلى :
1. الزيادة السكانية : فالزيادة السكانية تسبب ضغطا على موارد الدولة فتصبح الدولة عاجزة عن خلق فرص عمل لهذه الأعداد المتزايدة .
2. ندرة الموارد الاقتصادية : تؤدي إلى عدم وجود فرص عمل للعاطلين . مما يشكل عبئا كبيرا على الدولة .
3. عجز سوق العمل عن استيعاب الخريجين .
4. التغيرات الفصلية: حيث تخضع بعض الأعمال لتغيرات فصلية فتحدث أثرها فيها، وتتركها ضعيفة كاسدة في أوقات معينة، ونشيطة رائجة في أوقات أخرى، وهذا بالتالي ينجم عنه كثرة العمال في وقت لا يجدون فيه عملاً، فيؤدي ذلك إلى البطالة.
5. ضعف الكفاية الخبراتية والأخلاقية والشخصية: لا ريب أن وجود هذه النواقص في شخص كافية لجعله غير أهل للقيام بأي عمل. إن الأشخاص الذين لا يملكون الأمانة والقوة والثقة والابتكار والإنتاج ، يصبحون في عداد المتعطلين ، وربما في عداد المتسولين أيضاً.
6. الربا: وذلك أن هدف المرابين الثراء، ولو على حساب الآخرين، ومن هنا نجدهم يتحكمون في أجور العمال، بحيث تكون رخيصة، ويترتب على ذلك أخذ أجود العمال بثمن بخس، وعدم قبول أو تسريح الآخرين، فيؤدي ذلك إلى البطالة. أضف إلى ذلك أن الربا يكون سبباً في جعل المرابين باطلين عن العمل لا يشتركون في بناء اقتصاد الأمة.
:آثار البطالة
تظهر آثار البطالة في عدة جوانب :
1. الجانب الأمني : ( أي كثرة الجريمة ) فمن آثار البطالة: كثرة الجريمة، وضعضعة الأمن، وسفك الدماء، وانتهاك الأعراض، واغتصاب الناس، فيصبح العالم لا يأمن على دينه وعرضه وماله، بالإضافة إلى وجود الحرابة وقطاع الطرق.
2. الجانب الاقتصادي : فالبطالة تضعف من قيمة الفرد كمورد اقتصادي ويتحول كم من العاطلين إلى طاقات مهدورة وبالتالي يخسر الاقتصاد هذه الطاقات . كما أنهم يصيرون عبئا إضافيا على الاقتصاد القومي يسبب خسارة تتمثل في توفير الأجور لأولئك العاطلين مع عدم وجود عمل فعلي يستحقون عليه الأجر .
3. الجانب السياسي : فوجود جيش من العاطلين عن العمل يؤثر على استقرار الحياة السياسية تأثيرا سلبيا ويؤشر إلى احتمال وجود أزمات سياسية .
4. جانب الصحة النفسية : فالبطالة تؤدي إلى ظهور الاضطرابات النفسية حيث يشعر كثير من العاطلين بعدم الرضا والشعور بالعجز وعدم الكفاءة مما يؤدي إلى اعتلال الصحة العامة للشخص . وقد يحاول أولئك العاطلون عن البحث عن وسائل بديلة للخروج من المأزق مما يضطر الكثير منهم في النهاية إلى تعاطي المخدرات أو الانتحار .
5. الجانب الأسري (الاضطرابات الأسرية ): فالحالة النفسية السيئة للعاطلين توثر أيضا على نفسية أسرهم وأولادهم، فتزداد بذلك قوائم المنحرفين، كما أن الزوجات لا يسلمن من أذى أزواجهن العاطلين، فيقع الخصام والتشاجر بينهم الذي هو بداية الطلاق والفراق.
6. وقوع المجتمع تحت سيطرة العدو: عند وجود الكساد الاقتصادي والركود والبطالة في بلد ما يضطر إلى الرجوع إلى عدوه، ليسد كفايته وحاجته، والعدو يتحكم فيه، فلا يعطيه إلا بشروط، فيفقد هذا البلد شخصيته وقراره ومرجعيته، فيصبح قراره نابعاً من غيره، وقد قيل: (ما لم يكن الطعام من الفأس، فلا قرار من الرأس).
7. تحديد النسل : فقد تؤدي البطالة إلى البحث عن المخرج ومن هذه المخارج تحديد النسل بحجة أنه لم تعد لديهم موارد.
8. اعتياد الخمول والكسل : ذلك أن الإنسان يتجدد نشاطه بالعمل، فإذا ما قعد يصاب بالفتور والكسل، وبمرور الزمن يصبح الفتور والخمول والكسل عادة له، كأنما هي جزء من حياته، بحيث لو أعيد للعمل مرة أخرى وجد صعوبة ومشقة.
9. سد الفراغ بالشرور والمعاصي : إن القاعد عن العمل تحدثه نفسه وتملى عليه شياطين الإنس والجن أن يعمل، وليته يعمل في النافع، وإنما في الشر والجريمة والعياذ بالله ، وقد قال: إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمه، فأما لمة الشيطان: فإبعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك: فإيعاد بالخير وتصديق بالحق .
10. استمرار الربا : وقد يكون من أهم هذه الآثار استمرار العيش في ظلام الحياة الربوية، إذ إن المرابين حين يخططون لتوظيف فئة من العمال بثمن بخس وتسريح الآخرين يلجأ الآخرون لسد حاجاتهم بطرق، ومن بينها الاستدانة بالربا، فتستمر الحياة الربوية إلى مالا نهاية، وربما يكون لديه بعض المال، فتسول له نفسه أن يستثمره من غير جهد ولا عمل، فيضعه في بيوت التمويل الربوية، وبذلك يساعد على استمرار الربا.
11. الديون : وأخيراً ، قد يكون الأثر الأكثر سوءاً هو الدين، إذ أنه هم بالليل ومذلة بالنهار.
طرق معالجة البطالة في القوانين الوضعية المعاصرة
لقد عالجت القوانين الوضعية المعاصرة البطالة إما بالتأمين الاجتماعي ، أو بالمساعدات الاجتماعية العامة .
1) أما التأمين الاجتماعي : فيستحقه العاطل إذا دفع قبل التعطل اشتراكات معينة تقتطع بنسبة مؤية من دخله أثناء عمله . وقد وضع القانون الوضعي شروطاً كثيرة للتأمين الاجتماعي نذكر أهمها :
1. أن لا يجد العاطل عملاً مناسباً .
2. أن يكون مسجلاً لدى الجهة المختصة بالرقابة على شئون التوظيف.
3. أن يكون قد تم تسديد الاشتراكات عن مدة الخدمة السابقة .
4. أن يكون قد باشر العمل خلال مدة معينة ، كحد زمني أدنى من أجل استحقاق التعويض، وهذا يختلف فيه الأمر من دولة إلى أخرى .
2) أما المساعدات الاجتماعية العامة : فتعتمد الدولة في تحصيلها على الضرائب المفروضة على الشعب بحسب الأعمال، أو رؤوس الأموال.وتدفع المساعدات الاجتماعية المسنين وأصحاب العاهات والأرامل لكن يبقى صاحبها في دائرة الحاجة والفقر.
ومما بجدر التنبيه إليه : هو أن استحقاق التعويض في الأنظمة الوضعية للبطالة ، لا ينظر فيه إلى الوضع الاقتصادي للمتعطل حيث يثبت الحق للمتعطل في أخذ التعويض متى توافرت شروط البطالة التي وضعها القانون ولو كان المتعطل من أكبر الأغنياء .
علاج البطالة في السنة النبوية
المطلب الأول : علاج البطالة بالتوجيهات والمبادئ العامة .
المطلب الثاني : العلاج بتوجيهات خاصة بالترغيب في العمل .
المطلب الثالث : العلاج بالترهيب من البطالة .
المطلب الرابع : نماذج عملية من معالجة النبي للبطالة .
التفصيل :
علاج البطالة بالتوجيهات والمبادئ العامة :
وهذا يتحقق من خلال :
1) مسؤولية الإنسان في عمارة الأرض :
أ ـ حيث أن الله خلق الإنسان واستخلفه في الأرض : " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ) .
ب ـ وأمر الله بعمارة الأرض فقال : " هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور " .
ج ـ وأمره بالسعي في العمل والعمارة فقال : " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ".
2) تعزيز المسئولية الفردية لدى الإنسان : فالإسلام يعزز روح المسؤولية الفردية لدى جميع أفراد المجتمع رجالا ونساء شبابا وشيوخا قال :" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " . وهذه المسؤولية تقتضي الالتزام بأداء الواجب وانجاز العمل المكلف به .
3) تعزيز مسؤولية الحاكم والدولة في حل مشكلة البطالة : فالحاكم والدولة بكافة أجهزتها مسئولين عن القيام بالمهمات والواجبات نحو المجتمع وقد شدد النبي على الحكام من أجل القيام بواجبهم نجو الرعية فقال :" ما من وال يلي رعية فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة " .
4) الأمر بالتكافل الاجتماعي : حث الإسلام على التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع فأرشد سبحانه إلى سبل التكافل فقال :" وآتوهم من مال الله الذي آتاكم " . وقال :" كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم " .
الزكاة من أهم طرق التكافل في الإسلام :
قال تعالى :" خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم " .وصرح النبي ببيان الحكمة من تشريع الزكاة في بعثه معاذا إلى اليمن فقال (فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم ) .
ومن فوائد الزكاة :
1. أنها تحقق الانسجام والتآخي بين أفراد المجتمع .
2. وتقلل من الفروق الطبقية التي تؤدي إلى الصراع الطبقي .
3. وتسهم في توزيع الثروة وإنعاش الطبقات الفقيرة وزيادة الفاعلية والإنتاجية بين أفرادها .
4. وبإمكان الدولة الإسلامية تنظيم الزكاة بحيث تحول الفقراء إلى طبقة أغنياء : منتجين من خلال الشراء بأموال الزكاة أدوات إنتاجية سواء الآلات والمصانع والمزارع والحيوانات . لصالح الفقراء أفرادا أو جماعات . وتدريبهم مهنيا بما يسهم بطريقة فاعلة في الحد من ظاهرة البطالة .
والنظام الإسلامي ضمن حد الكفاية ـ وليس حد الكفاف ـ لأفراد المجتمع المسلم :
والفرق بين حد الكفاف والكفاية أن :
أن في حد الكفاية: يضمن الإسلام للشخص كفايته وتلبية احتياجاته ، فإن كان حدادا نؤمن له أدواته وإن كان نجارا فكذلك فهو ينقل الفرد من دائرة الحاجة إلى دائرة الغنى .
أما حد الكفاف : فيبقي الفرد في دائرة الحاجة ولا يجعله في موقع الأمان والضمان فهو في وضع لا يستطيع أن يكف يده عن الناس ، وهذا معناه البقاء في دائرة الفقر .
العلاج بتوجيهات خاصة بالترغيب في العمل .
وأهم التوجيهات النبوية في ذلك :
أولا : تقرير أن الأساس هو العمل والعمل هو أساس الكسب :
وهذا يظهر من خلال :
1. أمر الله بالعمل في قوله : " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " .
2. كما أمر الله بإحسان العمل فقال :" هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا " .
3. وحث النبي على إتقان العمل فقال :" إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه " .
4. وبين الله أن العمل هو أساس الكسب وعليه يكون الأجر في الآخرة ، والأجرة في الدنيا فقال :" ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره " .
5. وجعل الله سنته الجارية في التغيير والتقدير قائمة على العمل باتخاذ الأسباب فقال : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " .
6. ورتب الله تغيير ما بالقوم من الفقر إلى الغنى ومن النصر إلى الهزيمة على أفعال العباد " حتى يغيروا ما بأنفسهم " .
7. وأكد النبي على قيمة العمل واعتباره الأساس في تكوين الشخصية الإسلامية فقال :" ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده " .
ثانيا : الكسب من العمل أفضل أنواع الرزق :
حث النبي على العمل ورغب فيه باعتباره أفضل أنواع الرزق . ومن النصوص النبوية الواردة في ذلك :
1. روى الترمذي عن عائشة عن رسول الله قال :" إن أطيب ما أكلتم من كسبكم " .
2. وعن أبي هريرة عن رسول الله قال :" خير الكسب كسب العامل إذا نصح ".
3. وعن جمبع بين عمير عن خاله قال : " سئل النبي عن أفضل الكسب فقال :" بيع مبرور وعمل الرجل بيده " .
4. وعن رافع بن خديج قال : " قيل يا رسول الله أي الكسب أطيب ؟ فقال : عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور " .
5. عن أبى ذر الغفاري قال: سألت رسول الله : أي العمل أفضل؟ فقال: (إيمان بالله، وجهاد في سبيله)، قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: (أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها)، قلت: فإن لم أفعل؟ قال: (تعين ضائعاً أو تصنع لأخرق) .
هكذا في البخاري : ضائعاً، وفي مسلم : صانعاً.
ومعنى إعانة الصانع : يعني أن توجد له عملاً. والصناعة للأخرق : أي تعلمه مهنة أو حرفة .
والمراد بالضائع : ذو الضياع من فقر أو عيال، والأخرق: هو الذي ليس بصانع ولا يحسن العمل
نأخذ من هذا الحديث أن مال الأمة يجب أن يكون موجهاً في عدة جهات، منها:
أ ـ إنشاء المصانع والمؤسسات التي تستوعب أصحاب الحرف الذين لا عمل لهم.
ب ـ إنشاء معاهد للتدريب والتعليم، التي تزيد حجم أصحاب الحرف، والمهن.
وطلب التكسب المأمور به المسلم نوعان :
أ- كسب مفروض : وهو الكسب بقدر الكفاية لنفسه وعياله، وقضاء دينه.
ب- كسب مستحب : وهو كسب الزيادة على أدنى الكفاية؛ ليواسي به فقيراً أو يصل به رحماً، وهذا أفضل من التحلي بنوافل العبادة .
ثالثا : الترغيب في العمل باعتباره من صفات الأنبياء :
ومن الأعمال التي عمل بها الأنبياء :
1. اشتغال الأنبياء برعي الغنم :
كان من سنة الله في أنبيائه أنهم كانوا يشتغلون في الرعي وقد طبق النبي هذه التعليمات على نفسه، وضرب لهم مثلاً به وبالأنبياء قبله، فقال: ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة . فكان يأخذ على كل شاة قيراطا . والقيراط هو جزء من الدرهم أو الدينار .
2. كانت حرفة داود عليه السلام صناعة الدروع وكان داوود لا يأكل إلا من عمل يده :
وفي هذا يقول: ما أكل أحد طعاماً قط، خير من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود، كان يأكل من عمل يده (
قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث: فضل العمل باليد، وتقديم ما يباشره الشخص بنفسه على ما يباشره بغيره، والحكمة في تخصيص داود بالذكر أن اقتصاره في أكله على ما يعمله بيده، لم يكن من الحاجة؛ لأنه كان خليفة في الأرض كما قال الله تعالى، وإنما ابتغى الأكل من طريق الأفضل، ولهذا أورد النبي قصته في مقام الاحتجاج بها على ما قدمه من أن خير الكسب عمل اليد.
وقد صرح القرآن بأن حرفة داوود عليه السلام كانت صناعة الدروع : فقال سبحانه : " وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون " .
قال ابن كثير : يعني صناعة الدروع . حيث كانت الدروع قبله صفائح وهو أو من سردها حلقا . فقال تعالى :" وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد " .
وكانت حرفة زكريا عليه السلام النجارة : روى ابن ماجه عن أبي هريرة أن رسول الله قال : " كان زكريا نجارا "
رابعا : العمل من شأن الصحابة :
كان الصحابة يعملون بالأعمال المختلفة حسب الظروف المحيطة والفرص المتاحة فالمهاجرون اشتغل الكثير منهم بالتجارة
واشتغل بعضهم بالزراعة .
عن أبي هريرة قال :" قالت الأنصار للنبي : اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل ؟ قال لا . فقالوا تكفونا المئونة ونشرككم
في الثمرة قالوا سمعنا وأطعنا " .
وقد بين أبو هريرة اشتغال المهاجرين في التجارة والأنصار في الزراعة فقال :" وان إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وان إخواني من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم وكنت امرأ مسكينا ألزم رسول الله على ملئ بطني" .
وعن عائشة قالت : " كان الناس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم والعوالي فيأتون في الغبار يصيبهم الغبار والعرق فيخرج منهم العرق فأتى رسول الله إنسان منهم وهو عندي فقال النبي : لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا " .
وفي رواية : " كان الناس مهنة أنفسهم وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم فقيل لهم لو اغتسلتم " .
خامسا : الحث على العمل بالتجارة :
حث الإسلام على العمل بالتجارة المتمثلة في البيع والشراء والسلم والمضاربة، ونحو ذلك:
يقول: التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء
وقد عمل نبينا محمد بالمضاربة في مال خديجة، حتى يكفي نفسه، ويحقق لصاحب المال ربحاً كما هو معروف.
وعمل المهاجرون بالتجارة كما بينه أبو هريرة في حديثه السابق ومن هؤلاء عبد الرحمن بن عوف حيث عرض عليه أخوه الأنصاري سعد بن الربيع أن يقسم له نصف ماله ... فرفض عبد الرحمن وقال بارك الله لك في مالك وأهلك أين سوقكم
• استراتيجية إسلامية شاملة:
يجب على المجتمع الإسلامي بدُوَله وشعوبه أن يأخذ بهذه التوجيهات الإسلامية في مواجهة البطالة، التي باتت كالقنابل الموقوتة تهدد الاستقرارَ في الدول العربية والإسلامية، ويضع استراتيجية إسلامية شاملة في هذا الشأن، يتم من خلالها الإسراعُ بإنشاء السوق الإسلامية المشتركة التي طال انتظارُها، إذ أن إنشاء هذه السوق سوف يساعد في تشجيع تبادل الأيدي العاملة، وانتقال رؤوس الأموال بين الدول العربية والإسلامية، بما يؤدي إلى التقليل من حدة الظاهرة، هذا إلى جانب تحسين الأداء الاقتصادي العربي والإسلامي، وتحسين مناخ الاستثمار في الدول الإسلامية، وإزالة القيود التنظيمية والقانونية التي تحول دون اجتذاب الأموال العربية في الخارج، والتي يقدرها بعضُ الخبراء بنحو 800 مليار دولار، ولا شك أن عودة هذه الأموال للاستثمار في الدول العربية والإسلامية سوف يساعد في كبح جماح مشكلة البطالة، ويساعد على توفير فرص عمل لا حصر لها للشباب المسلم.
المراجع
- محاضرات في الحديث الموضوعي بالجامعة الإسلامية / الشيخ / ِجواد درويش
- مشكلة البطالة وعلاجها دراسة مقارنة بين الفقه والقانون - تأليف: جمال السراحنة - راجعه وقدم له: أحمد خليل جمعة - ضبطه وخرج أحاديثه وعلق عليه: يوسف علي بديوي
- كتاب مشكلة البطالة و علاجها في الإسلام - للدكتور : سامر مظهر قنطقجي.
- د. زيدان عبد الباقي - العمل والعمال والمهن في الإسلام - مكتبة وهبه القاهرة 1978م.
- - أحمد أبو زيد - مكانة العمل في الإسلام - مجلة الجندي المسلم - العدد 102 - ذو الحجة 1421هـ - مارس 2001م.
- - تقارير منظمة العمل العربية التابعة لجامعة الدول العربية لعام 2000م.
- - د.محمود أبو زيد – البطالة: موسوعة المفاهيم الإسلامية، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - وزارة الأوقاف - مصر.
- - تقرير حول "العولمة والبطالة" - القمة العاشرة لمجموعة الـ15 - القاهرة - يونيه 2000م.
- - تقارير الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر العمل العربي - عمان - إبريل 2001م.