عبد
الملك بن مروان
مقدمة
الخليفة عبد الملك بن مروان |
أبو الوليد عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية
القرشي (26 هـ - 86 هـ / 646 - 705م) الخليفة الخامس من خلفاء بني أمية والمؤسس
الثاني للدولة الأموية. ولد في المدينة
وتفقه فيها علوم الدين، وكان قبل توليه الخلافة ممن اشتهر بالعلم والفقه والعبادة،
وكان أحد فقهاء المدينة الأربعة، قال الأعمش عن أبي الزناد: «كان فقهاء المدينة
أربعة: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وقبيصة بن ذؤيب، وعبد الملك بن مروان».
استلم الحكم بعد أبيه مروان بن الحكم سنة 65 هـ الموافق 684م، وحكم دولة الخلافة
الإسلامية واحدًا وعشرين عامًا.
تسلم عبد الملك بن مروان حكم الدولة الأموية في وقت كانت
الفتن والاضطرابات والانقسامات تعصف بها. في الكوفة كان أنصار الحسين يشعرون
بالتقصير والذنب بعد كارثة كربلاء، وعندما عم الاضطراب أنحاء بلاد العالم الإسلامي
بعد موت يزيد بن معاوية خرجت من الكوفة ثورة التوابين في 5 ربيع الثاني 65 هـ وفي
منطقة عين الوردة استطاع عبد الملك بن مروان القضاء على ثورتهم. ما إن أُخمدت ثورة
التوابين حتى خرج المختار الثقفي بشعار يا لثارات الحسين، واصطدم مع الأمويين في
أكثر من وقعة انتصر فيها، لكن مصعب بن الزبير كفى عبد الملك مواصلة قتاله واستطاع
قتله وإخضاع الكوفة تحت سلطة ابن الزبير. كان الحجاز وبقية بلاد المسلمين إلا دمشق
وجزءًا من الأردن تدين لعبد الله بن الزبير، وأدى زوال خطر المختار الثقفي إلى
انحصار المنافسة على زعامة العالم الإسلامي بين عبد الملك بن مروان وعبد الله بن
الزبير، فخرج عبد الملك إلى العراق، وانتصر على مصعب في معركة دير الجاثليق عام 72
هـ، ثم سارع بإرسال جيش إلى الحجاز بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي لمواجهة عبد الله
بن الزبير، فحاصر الحجاج مكة، وانتهى الحصار بمقتل عبد الله بن الزبير ودخول مكة
تحت سيادة بني أمية على الحجاز عام 73 هـ، وبهذا انتهت خلافة ابن الزبير وتوحد
العالم الإسلامي تحت ولاية عبد الملك بن مروان وأصبح الخليفة الشرعي الوحيد
للمسلمين.
بعد أن استشرى خطر الخوارج عيَّن عبد الملك المهلب بن
أبي صفرة قائدًا لمحاربتهم، وبعد سلسلة طويلة من المعارك دامت ثلاث سنوات تمكن من
التغلب على الخوارج الأزارقة عام 78 هـ. ثم أمر عبد الملك الحجاج بن يوسف ببدأ
عمليات التصدي للخوارج الصفرية، وتمكن بعد عدة معارك من التغلب عليهم. ما إن استتب
الأمر لابن مروان حتى قامت ثورة عبد الرحمن بن الأشعث عام 81 هـ واستمرت حتى عام
83 هـ، وانتهت بوقعة دير الجماجم التي تصدى لها الحجاج وانتهت الثورة بانتحار ابن
الأشعث بعد هروبه من المعركة في سيجستان. لم يكن لعبد الملك نشاط كبير في الفتوحات
الإسلامية: ففي جبهة المشرق الإسلامي ظلت فتوحات المسلمين على ما كانت قبل توليه
الخلافة، أما الجبهة البيزنطية فقد عانى المسلمون من هجمات النصارى المردة،
وبسببهم عقد عبد الملك مع الإمبراطور البيزنطي جستنيان الثاني معاهدة عام 79 هـ
الموافق 689م لمدة عشر أعوام. في حين كانت الجبهة الأفريقية المحور الجدِّي
لفتوحات عبد الملك بن مروان، إذ خاض المسلمون عدة معارك لتصفية القواعد البيزنطية
على الساحل الشمالي لأفريقية، وإخضاع البربر لسلطة الدولة، واستطاع القائد حسان بن
النعمان الغساني الاستيلاء على قرطاجنة البيزنطيين، والقضاء على جيش البربر بقيادة
الكاهنة ديهيا.
خلافته
كانت خلافة عبد الملك بن مروان مليئة بالصراعات والثورات
والحروب التي أخذت جُلَّ وقته وجهده، وعلى الرغم من ذلك تذكر كتب التاريخ عددًا من
إنجازاته أهمها: سك أول دينار ذهبي إسلامي خالص عام 77 هـ والاستغناء عن كافة الصور
والرموز الملكية والمأثورات الدينية المسيحية التي يحتملها الدينار البيزنطي.
وتعريب الدواوين من الفارسية إلى العربية، إذ يُعد أول من بدأ تعريب الدواوين في
التاريخ الإسلامي. بالإضافة لقيامه بجهود كبيرة في العمارة والبناء: فقام ببناء
الكعبة على بناء قريش، وبناء مسجد قبة الصخرة، بالإضافة لبناء مدينتي واسط في
العراق وتونس في الشمال الإفريقي.
نسبه
ونشأته
هو عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن
عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك
بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان
الأموي القرشي. أبوه مروان بن الحكم رابع خلفاء الدولة الأموية في دمشق، ومؤسس
الدولة الأموية الثانية، بويع بالخلافة بعد موت معاوية بن يزيد، في وقت كان نفوذ
الأمويين قد ضعف، وبايعت أغلب الأقاليم عبد الله بن الزبير خليفةً للمسلمين.
استطاع مروان السيطرة على الشام، وخرج بجيشه إلى مصر التي كانت قد بايعت عبد الله
بن الزبير ودخلها وولى ابنه عبد العزيز عليها، لكنه فشل في السيطرة على الحجاز
والعراق. توفي سنة 65 هـ. أمه عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية الأموية
القرشية، أمها فاطمة بنت عامر الجمحي. قُتِل أبوها يوم أحد، وأدركت عائشة حياة
النبي محمد نحو سبع سنين، ولم يبق بمكة في حجة الوداع أحد من قريش إلا أسلم
وشهدها.
ولد عبد الملك في المدينة في خلافة عثمان بن عفان سنة 26
هـ وهي ذات السنة التي ولد فيها ثاني خلفاء بني أمية يزيد بن معاوية. أول من سمي
باسم عبد الملك في الإسلام هو عبد الملك بن مروان، وقيل أول من سمي عبد الملك وعبد
العزيز هما أبناء مروان بن الحكم.
كان عبد الملك
ربعة من الرجال أقرب إلى القصر، وكانت أسنانه مشبكة بالذهب، وكان أفوه مفتوح الفم،
وربما غفل فينفتح فمه فيدخل فيه الذباب، ولذلك كان يقال له: أبو الذبَّان، وكان
أبيض اللون ليس بالنحيف ولا البدين، مقرون الحاجبين، كبير العينين، دقيق الأنف،
أبيض الرأس واللحية. كان عبد الملك قبل توليه الخلافة من العباد الزهاد الفقهاء
الملازمين للمسجد التالين للقرآن، قال نافع: «لقد رأيت المدينة ما فيها شاب أشد
تشميرًا ولا أفقه ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان»، وقال الأعمش عن أبي
الزناد: «كان فقهاء المدينة أربعة: سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وقبيصة بن ذؤيب
وعبد الملك قبل أن يدخل الخلافة»، وقال الشعبي: «ما جالست أحدًا إلا وجدت لي الفضل
عليه إلا عبد الملك بن مروان، فإنني ما ذاكرته حديثًا إلا زادني فيه، ولا شعرًا
إلا زادني فيه». روى عبد الملك الحديث عن أبيه ومعاوية بن أبي سفيان وعن أم
المؤمنين أم سلمة وعن بريرة مولاة عائشة بنت أبي بكر، وعن جماعة من التابعين. وممن
روى عن عبد الملك البخاري في كتابه الأدب المفرد، والإمام الزهري وعروة بن الزبير
وخالد بن معدان وهو من فقهاء التابعين وعبَّادِهم، ورجاء بن حيوة أحد الأعلام. قال
ابن كثير: «وسمع من عثمان بن عفان، وهو ممن سار بالناس في بلاد الروم سنة اثنين
وأربعين، وكان يجالس الفقهاء والعلماء والصلحاء والعبَّاد، وروى الحديث عن أبيه
وجابر وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وابن عمر ومعاوية وأم سلمة وبربرة مولاة عائشة،
وروى عنه جماعة منهم: خالد بم معدان وعروة والزهري وعمرو بن الحارث ورجاء بن حيوة
وجرير بن عثمان». كان عبد الملك حبوبًا ومرغوبًا من عمومته ومن كبار بني أمية،
وذُكر أن معاوية بن أبي سفيان كان جالسًا يومًا ومعه عمرو بن العاص ومر بهما عبد
الملك فقال معاوية: ماآدب هذا الفتى وأحسن مروءته، فقال عمرو: يا أمير المؤمنين إن
هذا الفتى أخذ بخصال أربع وترك خصالًا ثلاثًا، أخذ بحسن الحديث إذا حدث، وحسن
الاستماع إذا حدث، وحسن البشر إذا لقي، وخفة المئونة إذا خولف، وترك من القول ما
يعتذر منه، وترك مخالطة اللئام من الناس، وترك ممازحة من لا يوثق بعقله ولا مروته.
سيرته
قبل الخلافة
كان أول حادث سياسي شهده عبد الملك هو حادث مقتل عثمان
بن عفان، وكان عمره ذلك الحين عشر سنوات. وكان أول منصب إداري تولاه في الدولة في
عهد معاوية بن أبي سفيان، فقد عينه عاملًا على هجر، ثم تولى ديوان المدينة بعد
وفاة زيد بن ثابت، وشارك في الجهاد على رأس حملة إلى أرض الروم سنة 42 هـ، وكان
ضمن الجيش الذي غزا إفريقيا مع معاوية بن خديج، وكلفه بفتح جلولا في الشمال
الأفريقي. في عهد يزيد بن معاوية كانت علاقته بالزبيريين تسير بشكل جيد، فكان يقول
عن ابن الزبير: ما على الأرض اليوم خيرًا منه، وكانت علاقته بمصعب بن الزبير حسنة.
بعد وفاة يزيد استلم سدة الحكم ابنه معاوية بن يزيد، الذي لم تدم فترة حكمه قبل
موته عدة أشهر على قول، وأربعين يومًا على قولٍ آخر، في هذه الفترة بدأت الحركات
المناوئه للأمويين تظهر على السطح، وبدأ الانقسام في العالم الإسلامي يستشري، ففي
العراق نشأة ثورة التوابين المطالبة بدم الحسين بن علي، وفي الحجاز أعلن عبد الله
بن الزبير استقلاله بالخلافة عن تبعية بني أمية. كانت هذه الأحداث وتسارعها محركًا
لاجتماع بني أمية في دمشق، بعد أن أحسوا أنهم أسرى القوى القبلية المتنافسة
والمتصارعة سياسيًا وعسكريًا، فالحزب اليمني بقبيلته كلب النافذة في البلاط الأموي
بزعامة حسان بن مالك الكلبي كانت متشددة بالحفاظ على امتيازاتها في ظل الدولة
الأموية، وخشيت من انتقال الخلافة إلى الحجازيين. أما الحزب القيسي فقد كان مستاءً
من محاربة يزيد لأهل المدينة، وقد وصل زعيمها الضحاك بن قيس الفهري إلى مكانة
منحته الأحداث السياسية بعد وفاة معاوية الثاني مركزًا متقدمًا من خلال منصبه
كأمير بلاد الشام حيث أتيحت له الفرصة أن يملأ الفراغ بصورة غير رسمية، كما وجد
القيسيين في دعوة ابن الزبير فرصة تمكنهم من التغلب على الكلبيين وانتزاع القوة من
أيديهم، وتفرقت كلمة الأمويين وتنافسوا على منصب الخلافة، فتوزعت آرائهم بين ثلاثة
مرشحين: فقد أيد حسان بن مالك خالد بن يزيد بن معاوية، ومال بعض القادة إلى مروان
بن الحكم، وساند فريق ثالث عمرو بن سعيد.
اتفق بني أمية على عقد مؤتمر في الجابية ليتداولوا فيمن
يولونه الخلافة ترأسه حسان بن مالك، وكان مروان بن الحكم الأوفر حظًا لشيخوخته
وكبره وعظم تجربته. انتهى المؤتمر لمصلحة ابن الحكم حيث اختير بإجماع الحاضرين، وخرج
الكلبيون ممن أيدوا خالد بن يزيد بترضية حيث اختير مرشحهم وليًا للعهد، على أن
تكون الخلافة من بعده لعمرو بن سعيد. بذلك انتقل الملك والخلافة في البيت الأموي
من الفرع السفياني إلى الفرع المرواني. استاء الضحاك بن قيس من خروج الأمر من يد
ابن الزبير، فعادر دمشق إلى مرج راهط، وعسكر هناك وانضم إليه النعمان بن بشير والي
حمص وزفر بن الحارث الكلابي أمير قنسرين. خرج مروان بن الحكم ومعه بني أميه
وأنصاره لقتال القيسيين، وجرت بين الطرفين مفاوضات لتسوية الموقف، وعقد صلح بين
الطرفين استمر عشرين يومًا، لكنه انهار لما وصلت أنباء استيلاء المروانيين على
دمشق وإخراج عامل الضحاك منها وإعلان خلافة مروان بن الحكم فيها. في شهر ذي القعدة
عام 64 هـ الموافق 684م التقى الجمعان في مرج راهط، وانتهت المعركة بهزيمة
القيسيين وقتل زعيمهم الضحاك، وهروب زفر بن الحارث الكلابي بعد المعركة إلى
قرقيساء وتحصن بها، فلما جاءت خيول بني أمية فر منها إلى العراق، واستتب الأمر
لمروان في الشام وفلسطين.
أما عن دور عبد الملك السياسي في عهد والده مروان بن
الحكم، فقد تولى إمارة فلسطين، ولكنه كان يبعث نائبًا عنه وهو روح بن زنباع وذلك
حتى يبقى في دمشق قريبًا من إدارة الدولة ولمساعدة والده هناك، حيث كانت الدولة في
الفترة التي تولى فيها والده الحكم محاطة بالأعداء والخصوم من الداخل والخارج، ثم
تولى إمارة دمشق عند ذهاب والده لفتح مصر. في شهر رمضان من عام 65 هـ توفي مروان
بن الحكم ولم يحقق هدفه بإعادة الحجاز والعراق إلى الحكم الأموي، وكان ابن مروان
قد عهد بالخلافة لابنيه عبد الملك وعبد العزيز بعد أن أقتع الكلبيين ممن ساندوا
خالد بن يزيد بعدم قدرته على التصدي لابن الزبير، واعتبر ما تم في مؤتمر الجابية
من العهد لخالد بن يزيد ومن بعد لعمرو بن سعيد ضرورة، وقد زالت الضرورة الآن.
الخلافة
بويع لعبد الملك بن مروان بالخلافة في اليوم الذي توفي
فيه والده في دمشق عام 65 هـ. بايع بني أمية ابن مروان بالخلافة، لكن الوضع كان
مختلفًا مع العلماء، فقد بايع بعض العلماء ابن مروان في الشام، وكانوا قلة لا
يعدون شيئًا أما العلماء الذين بايعوا عبد الله بن الزبير، أو الذين اعتزلوا حتى
تجتمع الأمة على خليفة. اختلف العلماء اختلافًا كبيرًا من عبد الملك، فهناك من خرج
عليه مثل عبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن جبير، وهناك من ابتعد عنه والتزم
بالبيعة كالحسن البصري، وهناك من كان قريبًا منه ناصحًا له كقبيصة بن ذؤيب.
في بداية ولاية
عبد الملك كان العالم الإسلامي منقسم بين أبع جماعات: فئة الأمويين الذين يسيطرون
على الشام ومصر، وعبد الله بن الزبير الذي كان يسيطر على الحجاز والعراق، والحركة
العلوية في العراق بقيادة المختار بن أبي عبيد الثقفي، وجماعة الخوارج. وأكبر ما
يوضح هذا الانقسام في العالم الإسلامي أنه في موسم حج عام 68 هـ ارتفعت أربعة
ألوية: لواء عبد الملك بن مروان، ولواء محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن
الحنفية، ولواء نجدة بن عامر زعيم خوارج اليمامة، ولواء ابن الزبير.
توطيد
الاستقرار الداخلي
القضاء على المعارضة العلوية
كان مروان بن الحكم قد جهز قبل وفاته جيشًا بقيادة عبيد الله
بن زياد لاخضاع زفر بن الحارث في منطقة الجزيرة، وعينه أميرًا على كل ما يفتحه، فلما
كان في الجزيرة أتاه نعي مروان، وكتاب عبد الملك يستعمله على ما استعمله والده ويحثه
على المسير إلى العراق. كان العراق إقليم مليء بالأحداث السياسية، فالكوفة كانت مركزًا
لمعارضة السياسية، وكان أنصار العلويين يشعرون بالتقصير والذنب بعد كارثة كربلاء، لكنهم
اضطروا للتهدئة طيلة حكم عبيد الله بن زياد، لكن عندما عم الاضطراب أنحاء بلاد العالم
الإسلامي بعد موت يزيد بن معاوية وفرار ابن زياد، أخذ أنصار الحسين بن علي يتصلون ببعضهم
البعض لوضع خطة للثأر لدم الحسين، وبدأوا يعقدون الاجتماعات برئاسة سليمان بن صرد الخزاعي
لدراسة الموقف، وانتهت الاجتماعات بقولهم: «أنه لا يغسل عنهم ذلك الجرم إلا قتل من
قتله أو القتل فيه»، وغلب عليهم اسم التوابين وكان شعارهم الثأر للحسين.
كتب سليمان بن صرد إلى سعد بن حذيفة بن اليمان أمير المدائن
يدعوه للانضمام لدعوتهم فاستجاب له، وقَبِل الدخول معه في ثورته ودعوته، فزاد ذلك الأمر
التوابين قوة وعزمًا ونشاطًا، ثم أنهم أرادوا استعجال الخروج ولكن سليمان ثبطهم حتى
لا يكشف أمرهم. في هذا الوقت أَخرج أهل الكوفة عامل ابن زياد عليهم واستقبلوا عامل
ابن الزبير حيث أن ابن الزبير قد استفحل أمره ودانت له كل البلاد عدا الشام. أثناء
الإعداد للثورة ظهرت على مسرح الأحداث شخصية أثرت بشدة على مجرى الأحداث وهو المختار
بن أبي عبيد الثقفي، وكان عند ابن الزبير، ولكنه ما لبث أن اختلف معه ثم خرج من مكة
متوجهًا للكوفة وبدأ يدعو لخلافة محمد بن الحنفية ولقبه بالمهدي وأدى ذلك لتفرق صف
أنصار الحسين وصاروا فرقتين: جمهورهم مع سليمان بن صرد للأخذ بثأر الحسين، والباقي
مع المختار، وهذا الاختلاف وصلت أخباره لوالي الكوفة من قبل ابن الزبير فحذرهم من محاولة
الخروج على الأمويين، لكن هذا التحذير أدى لاستعجال خروج سليمان ومن معه لقتال أهل
الشام.
كان تاريخ خروج ثورة التوابين في 5 ربيع الثاني 65 هـ من
معسكرهم في النخيلة، قام والي الكوفة من قبل ابن الزبير عبد الله بن يزيد ومن معه من
أشراف أهل الكوفة بلقاء سليمان وجيشه قبل خروجهم لمحاولة إقناعهم بتأجيل فكرة الخروج
حتى يجتمع عندهم الناس ويكثر عددهم وتقوى جيوشهم وتؤمن لهم مؤونة مافية للحرب، لأن
أهل الشام خرجوا في جيش ضخم لحربهم، ولكن سليمان رفض الفكرة وأصر على الخروج. خرج جيش
التوابين إلى الجزيرة للقاء أهل الشام، ومروا بطريقهم على قبر الحسين وظلوا يترحمون
عليه ويستغفرون له، ثم واصلوا سيرهم، ومر جيش التوابين ببلدة هيت على الفرات، ثم صعد
مع النهر إلى أن وصل إلى قرقيساء، وكانت هذه المدينة أبعد المناطق في اتجاه الشام التي
اعترفت ببيعة ابن الزبير. فخرج لهم في الطريق زفر بن الحارث وكان واليًا على مدينة
قرقيسياء وعرض عليه أن يقاتلوا أهل الشام على حد باب مدينته تحسبًا لحدوث هزيمة فيدخلوا
في أمانه، وأن يتونوا حتى تتوحد صفوفهم مع صفوف ابن الزبير، لكن سليمان بن صرد رفض
هذه العرض وأصر على مواصلة السير للقتال، واكتفوا بالتزود بما يحتاجون إليه من المدينة.
سار جيش التوابين حتى نزل عند منطقة عين الوردة من أرض الجزيرة إلى الشمال الغربي من
صفين، وخطب سليمان في جيشه ووعظهم وذكرهم بالآخرة والنية الصالحة، وأقبل جيش الشام
وكان تعداده في أربعين ألفًا، وجيش التوابين أربعة آلاف، ودارت رحى حرب طاحنة لمدة
ثلاثة أيام، ولكثرة جند الشام فقد أحاطوا بجيش التوابين من كل مكان ثم رشقوهم بالنبال
والرماح حتى قتل قائدهم سليمان بن صرد وعددًا من قادته، وفي جنح الليل من اليوم الثالث
للمعركة انسحب جيش التوابين بقيادة رفاعة بن شداد إلى الكوفة. أدت هذه الثورة لظهور
حركة المختار الثقفي، حيث قام بأمر شيعة العراق بعد وفاة سليمان بن صرد.
وقد علق الذهبي على
سليمان بن صرد زعيم جيش التوابين بقوله: «كان ديِّناً عابداً، خرج في جيش تابوا إلى
الله من خذلانهم الحسين الشهيد، وساروا للطلب بدمه، وسُمُّوا جيش التوابين»، وقال ابن
كثير في وصف جيش التوابين: «لو كان هذا العزم والاجتماع قبل وصول الحسين إلى تلك المنزلة
لكان أنفع له وأنصر من اجتماعهم لنصرته بعد أربع سنين، وكان عمر سليمان بن صرد رضي
الله عنه يوم قتل ثلاثاً وتسعين سنة».
تبعت حركة التوابين حركة أخرى نسبت إلى المختار بن أبي عبيد
الثقفي، وعرفت بالمختارية، تميزت هذه الحركة بمناهضتها للحكم الأموي ورفع شهار التشيع
العلوي، وساهمت إلى حد كبير في تطور الشيعة كفرقة دينية وسياسية. ظهر المختار في ميدان
السياسة عام 64 هـ، حيث توجه إلى مكة قادمًا من الكوفة بعد مقتل الحسين، واتصل بابن
الزبير، ونسق معه العمل ضد الأمويين على أساس شروطٍ ثلاث: أن لا يقضي أمرًا دونه، وأن
يكون أول من يأذن له، وإذا استعان به على أفضل أعماله. لكن الأمور لم تكن حسنة بين
الطرفين ما أدى لعودة المختار إلى الكوفة في الخامس والعشرين من شهر رمضان عام 64 هـ.
في الوقت الذي خرج فيه جيش التوابين إلى عين الوردة، كان المختار وراء قضبان السجن
بفعل نشاطه المعادي ضد ابن الزبير، لكنه لم يلبث أن غادر السجن، وقاد حركةً سياسية
دينية بالمطالبة بدم الحسين وبمناداته بالمهدية بشخص محمد بن الحنفية وأطلق عليه لقب
المهدي.
استطاع المختار ضم بقايا جيش التوابين، بالإضافة لبعض القبائل
اليمنية ولا سيما قبيلة نخع وزعيمها إبراهيم بن الأشتر النخعي. استطاع المختار الاستيلاء
على الكوفة بعد أن هزم جيش واليها عبد الله بن مطيع، ثم راح يرسل الولاة إلى إمارات
أرمينيا وأذربيجان والموصل ليحكموا باسمه. حاول المختار حصر ابن الزبير في الحجاز بالاستيلاء
على البصرة، حتى يتفرغ لابن مروان وجيشه في الشام، لكنه فشل لما اضطرت فرقته العسكرية
التي أرسلها للتصدي لابن زياد في الموصل من الانسحاب رغم انتصارها في المعركة، ترتب
على هذا الانسحاب قيام انتفاضة ضد حكمه في الكوفة من قبل الأشراف، إلا أنه قمعها بسرعة،
ثم بدأ مهمته بالثأر من قتلة الحسين. في العاشر من شهر محرم عام 68 هـ أرسل المختار
جيشًا بقيادة إبراهيم بن الأشتر لوقف زحف الجيش الأموي المرسل من قبل ابن مروان نحو
العراق، واستطاع الأشتر الانتصار على الأمويين في معركة جرت عند نهر الخازر، نتج عن
المعركة مقتل عبيد الله بن زياد ومعه الحصين بن نمير السكوني، ومع تعاظم نفوذ المختار
بعد هذا الانتصار سيطر على شمالي العراق والجزيرة، ثم أعد جيشًا لقتال مصعب بن الزبير
لانتزاع البصرة منه، لكن انضمام قائده ابن الأشتر إلى الأشراف في البصرة أثر على قواه
وعدته وأصيب بخسارة فادحة في معركة المذار مع جيش مصعب، ولم يتمكن من الصمود داخل الكوفة
بعد أن شدد مصعب الحصار عليه، فخاض معركة غير متكافئة انتهت بمقتله واستيلاء مصعب على
الكوفة.
القضاء على خلافة ابن الزبير
كانت الأجواء السياسية في المدينة غير مستقرة ويشوبها الكثير
من المعارضة والسخط على بني أمية، كان مُبتدأ الخلاف بين أهل المدينة وبني أمية عندما
قام معاوية بن أبي سفيان بأخذ البيعة لابنه يزيد، فقد عارض الكثير من أبناء الصحابة
هذه البيعة لإحساسهم بانتهاء العهد الراشدي المبني على الشورى، وزاد الأمر سوءً مقتل
الحسين بن علي في كربلاء، قام بعد ذلك وفد من أهل المدينة بزيارة ليزيد بن معاوية،
وعلى الرغم من أنهم فقدموا عليه ولم يسألوه حاجة إلا قضاها، إلا أنهم رجعوا المدينة
ذامين له، مجمعين على خلعه. عندما وصل خبر مقتل الحسين إلى الحجاز أعلن عبد الله بن
الزبير خلع يزيد، وبدأ بأخذ البيعة لنفسه من الناس في مكة، وبعد أن كَثُر الحديث في
المدينة عن يزيد، أرسل يزيد النعمان بن بشير إلى المدينة يحذرهم الفتنة والخروج عن
الطاعة، ويذكرهم الطاعة، فأبوا عليه، ثم أعلنوا خلع يزيد، وبايعوا عبد الله بن حنظلة
الغسيل، ووثبوا على عثمان بن محمد بن أبي سفيان والي يزيد، ثم حاصروا بني أمية في دار
مروان بن الحكم، وكان عددهم حوالي الألف شخص. فلما علم يزيد بن معاوية بذلك أرسل إليهم
جيشًا عليه مسلم بن عقبة المري، وأوصى إن حدث له حدث فالأمير من بعده الحصين بن نمير
السكوني، وأقبل مسلم بن عقبة بالجيش حتى وصل إلى المدينة فأمهل أهلها ثلاثة أيام فأبوا
إلا القتال، وكان عليهم: عبد الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري، وعبد الله بن مطيع، ومعقل
بن سنان الأشجعي، وعبد الرحمن بن زهير بن عوف الزهري ابن أخي عبد الرحمن بن عوف، وكان
مجيء مسلم عن طريق الحرة الشرقية، ووقعت معركة بين الجيشين سميت وقعة الحرة وكانت في
أواخر ذي الحجة من سنة 63 هـ، قتل في هذه الوقعة أكثر سادة أهل المدينة من الصحابة
وأبناء الصحابة، واستحلت المدينة من قبل الجيش الأموي ثلاثة أيام. عندما انتهى مسلم
بن عقبة المري من المدينة اتجه بجنده نحو مكة يريد عبد الله بن الزبير، وخلف على المدينة
روح بن زنباع الجذامي، لم يقطع مسلم مسافة بعيدة عن المدينة حتى مات، فتولى أمر الجند
بعده الحصين بن النمير السكوني حسب وصية يزيد بن معاوية فسار إلى مكة، فقاومه ابن الزبير،
واستمر القتال شهري محرم وصفر من سنة 64 هـ وفي أوائل ربيع الأول رميت الكعبة بالمنجنيق،
ثم جاءهم نعي يزيد في 14 من ربيع الأول سنة 64 هـ، انصرف على أثره جيش الشام إلى بلدهم
تاركين الحجاز لولاية ابن الزبير.
بعد وفاة يزيد دان
الحجاز لعبد الله بن الزبير، ثم دعا لنفسه بالخلافة، ثم أخذ يتوسع حتى ضم إليه بلاد
المسلمين كلها إلا دمشق وجزءًا من الأردن، وبايعه في أول الأمر رؤوس الخوارج، وكذلك
بايعه المختار الثقفي، وأُخرج بنو أمية من المدينة إلى الشام، فاجتمعو إلى مروان بن
الحكم بعد موت معاوية بن يزيد، ودُعي لابن الحكم بالخلافة فبايعه أهل دمشق، ثم توسع
من دمشق فضم أرجاء بلاد الشام ومصر.
أدى زوال خطر المختار الثقفي من الميدان السياسي إلى انحصار
المنافسة على زعامة العالم الإسلامي بين عبد الملك بن مروان وعبد الله بن الزبير. أدرك
عبد الملك أن قوة ابن الزبير تكمن في العراق وأن القضاء عليه في هذا الإقليم سيؤدي
حكمًا إلى إسقاط النظام الزبيري كاملًا، لذلك خرج عبد الملك على رأس جيش كبير إلى العراق،
وكان ذلك بعد أربع سنين من القضاء على المختار. وكان عبد الملك قد أشار عليه بعض أمرائه
أن يقيم بالشام، وأن يبعث إلى مصعب جيشا فأبى، وقال: «لعلي أبعث رجلا شجاعا لا رأي
له، أو من له رأي ولا شجاعة له، وإني أجد من نفسي بصرًا بالحرب وشجاعة، وإن مصعبا في
بيت شجاعة، أبوه أشجع قريش، وأخوه لا تجهل شجاعته، وهو شجاع، لا علم له بالحرب، وهو
يحب الدعة والخفض، ومعه من يخالفه، ومعي من ينصح لي». فسار بنفسه حتى نزل بلدة مسكن،
وجعل على مقدمة جيشه أخاه محمد بن مروان بن الحكم، وعلى ميمنته عبد الله بن يزيد بن
معاوية، وعلى ميسرته خالد بن يزيد بن معاوية، وزحف مصعب نحو باجميرا وعلى مقدمة جيشه
إبراهيم بن الأشتر النخعي، ثم بدأ عبد الملك يكاتب زعماء أهل العراق من جيش مصعب يعدهم
ويمنيهم، وقد قبلوا التخلي عن مصعب والانضمام إلى عبد الملك. كان عبد الملك يسعى لإيجاد
مخرج من قتال مصعب، فأرسل إليه رجلاً من كلب وقال له: «أقرئ ابن أختك السلام - وكانت
أم مصعب كلبية - وقل له: يدع دعاءه إلى أخيه، وأدَعُ دعائي إلى نفسي، ويجْعَل الأمر
شورى». لكن مصعب رد عليه بقول: «السيف بيننا». ثم حاول عبد الملك محاولة أخرى: فأرسل
إليه أخاه محمد بن مروان ليقول له: «إن ابن عمك يعطيك الأمان». فقال مصعب: «إن مثلي
لا ينصرف عن مثل هذا الموقف إلا غالبًا أو مغلوبًا». ثم وقعة المعركة وأمد مصعب قائده
إبراهيم بن الأشتر بعتاب بن ورقاء الرباحي، وهو من الذين كاتبوا عبد الملك، فاستاء
إبراهيم من ذلك وقال: قد قلت له لا تمدني بعتاب وضربائه، إنا لله وإنا إليه راجعون،
فانهزم عتاب بالناس، فلما انهزم ثبت ابن الأشتر فقتل، ثم تخلى أهل العراق عن مصعب حتى
لم يبق معه سوى سبعة رجال، وجعل يتأمل من معه فلا يجدهم يقاومون أعداءه، فاستقتل وطمن
نفسه وقال: «لي بالحسين بن علي أسوة حين امتنع من إلقائه يده، ومن الذلة لعبيد الله
بن زياد». وظل يقاتل حتى قتله عبيد الله بن زياد بن ظبيان، وكان مقتله في المكان الذي
دارت فيه المعركة على قصر دجيل عند دير الجاثليق في شهر جمادى الآخرة سنة 72 هـ، فلما
بلغ عبد الملك مقتله قال: «واروه فقد والله كانت الحرمة بيننا قديمة، ولكن هذا المُلْك
عقيم». وبمقتل مصعب عادت العراق إلى حظيرة الدولة الأموية، وعين عبد الملك أخاه بشر
بن واليًا عليها، وقبل أن يغادرها أَعَدَّ جيشًا للقضاء على عبد الله بن الزبير في
مكة.
لم يتريث عبد الملك كثيرًا وأسرع بإرسال جيش إلى الحجاز بقيادة
الحجاج بن يوسف الثقفي لمواجهة عبد الله بن الزبير، وكان سبب تعيين الحجاج دون غيره
أن عبد الملك لما أراد الرجوع إلى الشام قام إليه الحجاج بن يوسف فقال: «يا أمير المؤمنين
إني رأيت في منامي أني أخذت عبد الله بن الزبير فسلخته فابعثني إليه وولني قتاله».
فحاصر الحجاج مكة في عشرين ألفًا من جند الشام، فنصب المنجنيق على مكة ليحصر أهلها
حتى يخرجوا إلى الأمان والطاعة لعبد الملك، وكان مع الحجاج قوم قدموا عليه من أرض الحبشة،
فجعلوا يرمون بالمنجنيق، فقتلوا كثير من أهل مكة، وكان معه خمس مجانيق، فألح عليها
بالرمي من كل مكان، وحبس عنهم الميرة فجاعوا، وكانوا يشربون من ماء زمزم، وأخذت الحجارة
تقع في الكعبة، وكانت الحرب سجال يكر جيش الشام على ابن الزبير، فيشد عليهم، وكان ابن
الزبير يقول في القتال: «خذها وأنا ابن الحواري»، وقيل لابن الزبير: ألا تكلمهم في
الصلح، فقال: «والله لو وجدوكم في جوف الكعبة لذبحوكم جميعا، والله لا أسألهم صلحا
أبدا». لما اشتد الحصار أخذ أهل مكة يخرجون إلى الحجاج بالأمان ويتركون ابن الزبير،
حتى خرج إليه قريب من عشرة آلاف، فأمنهم، وقل أصحاب ابن الزبير، حتى خرج إلى الحجاج
حمزة وخبيب ابنا عبد الله ابن الزبير فأخذا لأنفسهما أمانًا من الحجاج فأمنهما، ودخل
عبد الله بن الزبير على أمه أسماء بنت أبي بكر فشكا إليها خذلان الناس له، وخروجهم
إلى الحجاج حتى أولاده وأهله، وأنه لم يبق معه إلا اليسير، ولم يبق لهم صبر ساعة، فما
رأيك، فقالت: «يا بني، أنت أعلم بنفسك إن كنت تعلم أنك على حق وتدعو إلى حق فاصبر عليه،
فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك، يلعب بها غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت
الدنيا فلبئس العبد أنت، أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك، وإن كنت على حق فما وهن الدين،
وإلى كم خلودكم في الدنيا، القتل أحسن». فدنا منها وقبل رأسها، وقال: هذا والله رأيي،
ثم قال: «فانظري يا أماه، فإني مقتول من يومي هذا، فلا يشتد حزنك، وسلمي لأمر الله،
فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر، ولا عمل بفاحشة قط، ولم يجر في حكم الله، ولم يغدر في
أمان، ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد، ولم يبلغني ظلم عن عامل فرضيته بل أنكرته، ولم
يكن عندي آثر من رضا ربي عز وجل، اللهم إني لا أقول هذا تزكية لنفسي، اللهم أنت أعلم
بي مني ومن غيري، ولكني أقول ذلك تعزية لأمي لتسلو عني». فقالت أمه: اخرج يا بني حتى
أنظر ما يصير إليه أمرك. انتهى الحصار الذي استمر ستة أشهر وسبعة عشر يومًا، بمقتل
عبد الله بن الزبير ودخول الحجاج مكة وفرض سيادة بني أمية على الحجاز في السابع عشر
من جمادى الأولى عام 73 هـ الموافق 692م. وبهذا انتهت خلافة ابن الزبير التي استمرت
تسع سنوات، وتوحد العالم الإسلامي تحت طاعة عبد الملك بن مروان الذي أضحى الخليفة الشرعي
الوحيد للمسلمين.
الخوارج هم فرقة خرجت على رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي
طالب، وكان خروجهم هو علة تسميتهم بهذا الاسم، حيث قال أبو الحسن الأشعري: «والسبب
الذي سموا له خوارج خروجهم على علي لما حكم». ظل الخوارج يتتابعون في الخروج بعد الإمام
علي وخلال الحكم الأموي، وظل حالهم على نحو ما كانوا عليه خلال خلافة علي، ولما استتب
الأمر لمعاوية واجتمعت عليه الكلمة كان الخوارج قد اشتعلت جذوتهم وثبت في أذهانهم فكرة
الخروج على بني أمية وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان، فأخذوا في التجمع والتربص للخروج
في أي فرصة كانت، إذ كان معاوية في نظرهم مغتصبًا للحكم لا شك في قتاله. في فترة ولاية عبد الملك بن مروان أصبح الخوارج هم
القوة التي بقيت خارج نطاق الصراع بينه وبين ابن الزبير، وظلوا يعارضون بني أمية لأنهم
اعتبروهم مغتصبين للخلافة، كما كان لحالة الاضطراب السياسي التي شهدها العالم الإسلامي
وسياسة الحجاج القاسية في العراق دور كبير في تشجيعهم على التمرد على خلافة بني أمية.
كان أول موقف سياسي منظم اتخذه الخوارج هو التحالف مع عبد الله بن الزبير في مكة، لكن
لم يلبث هذا التحالف أن انفرط بعد أن تبين لهم أن ابن الزبير يخالفهم الرأي، فغادروا
مكة، وانقسموا إلى عدة فرق نتيجة وقوع صراعات داخلية بين صفوفهم تعود إلى اختلافات
سياسية وعقائدية وقبلية، وأشهر فرق الخوارج التي نشأت في تلك الفترة الأزارقة والصفرية
والنجدات.
استغل نافع بن الأزرق الأوضاع السياسية المتردية التي كانت
تمر بها الخلافة الأموية، فبدأ نشاطه العسكري المنظم، واستطاع الاستلاء على البصرة،
فجبى خراجها ونشر فيها عماله، لكنه لما علم باتفاق البصريين على التصدي له، اكتفى بإخراج
أنصاره من السجون وغادر البصرة متوجهًا إلى الأهواز، حيث أصبحت منطلق وقاعدة هجماته.
قُتل نافع بن الأزرق في إحدى حملاته على البصرة عام 65 هـ فخلفه عبيد الله بن الماحوز،
في هذا الوقت عهد ابن الزبير إلى المهلب بن أبي صفرة بقتال الخوارج، فتمكن من طردهم
من الأهواز وقتل ابن الماجوز. لما دخل العراق تحت سيادة عبد الملك بن مروان استعاد
الأزارقة قوتهم واستعادوا السيطرة على الأهواز، وأصبحوا يشكلون خطرًا مباشرًا على البصرة
والمناطق المجاورة لها. قام عبد الملك بن مروان بتعيين المهلب بن أبي صفرة لمحاربة
الخوارج، بعدما استثناه من العقاب الذي أنزله بأعوان ابن الزبير، فأظهر المهلب إخلاصًا
في حربه للخوارج الأزارقة، وتمكن بعد سلسلة طويلة من المعارك معهم والتي دامت ثلاث
سنوات من القضاء عليهم وذلك عام 78 هـ.
في الوقت الذي كان فيه الخوارج الأزارقة يهددون البصرة، كان
الخوارج الصفرية يهددون الكوفة، وكانت هذه الفرقة تنسب إلى زياد بن الأصفر، وكانت نقطة
انطلاقهم وقاعدة عملياتهم الموصل، وتمكنوا عام 76 هـ من اجتياح العراق من الموصل حتى
الكوفة مرورًا بالمدائن وخانقين، بعد أن تغلبوا على جيوش الأمويين التي كانت تتصدى
لهم. أحس عبد الملك بن مروان بأن القوى العراقية أصبحت غير قادرة على التصدي للصفرية،
فسخر قوى من أهل الشام للتصدي لقوى الخوارج، وعين الحجاج بن يوسف قائدًا لعمليات التصدي
والمطاردة، وتمكن بعد سلسلة من المعارك من التغلب عليهم، وكان آخر المعارك التي دارت
بين الطرفين معركة نهر الدجيل عام 77 هـ، حيث لم يصمد فيها الخوارج بقيادة شبيب بن
يزيد بن نعيم، وانسحب بمن معه عبر جسر من القوارب أقاموه على النهر، وكان شبيب أول
المنسحبين فغرق وهو يعبر النهر. شكل موت شبيب نقطة تحول هامة في حركة الخوارج الصفرية،
لأن خليفته مسلم البطين لم يكن له الحماس نفسه بالرغم من استمراريته لتحدي الدولة،
لكن سرعان ما ألقي القبض عليه وقتل بأمر الحجاج، فطلب الصفرية الأمان فمنحوا إياه.
هاجم خوارج اليمامة بقيادة نجدة بن عامر الحنفي البحرين ومناطق
أخرى على الشريط الساحلي الشرقي لشبه الجزيرة العربية، فاشتدت شوكتهم. عندما دخل العراق
في سيادة ابن مروان تصدى لخطر خوارج اليمامة، وكانوا بقيادة أبي فديك عبد الله بن ثور،
فأمر بحملة عسكرية ضدهم في المشقر من بلاد البحرين، دارت الدائرهم عليهم وقتل أبو فديك
واضطر أتباعه للتسليم لبني أمية، وعلى هذا الشكل سقط خوارج اليمامة ولم تقم لهم بعد
ذلك قائمة.
الفتوحات
الجبهة الشرقية
لم تسمح الاضطرابات المتلاحقة التي اجتاحت شرقي الدولة الإسلامية
للمسلمين بالتوسع في فتوحاتهم، وكانت السياسة الخارجية التوسعية على هذه الجبهة هي
آخر اهتمامات عبد الملك بن مروان لانصرافه لمعالجة القضايا الداخلية، وكان الجمود هو
الطابع العام لسياسة الفتوحات في ذلك الوقت. لكن قوة الدولة سمحت لها بتحقيق بعض الفتوحات
وإن لم تكن كبيرة في هذه المرحلة، ولم تنشط فتوحات ما وراء النهر إلا منذ أن تولى الحجاج
ولاية خرسان مع العراق عام 78 هـ، فولَّى خرسان المهلب بن أبي صفرة الذي غزا مع أبنائه
بلاد ما وراء النهر خاصة مدينة كش والختل وريخش، وتابع أبناؤه بعد وفاته سياسة الجهاد
والفتوحات، حيث أرسل المهلب جيوش المسلمين من جديد نحو الشرق إلى بلاد التركمان ابتداء
من عام 80 هـ، فعبر المهلب بجيشه نهر سيحون ونزل مدينة كش، ثم جعل يغزو البلاد غزوا
متواصلًا، وركز معاركه على مدن سمرقند وبخارى وبطخارستان وببست. كانت الجيوش مقسمه
على عدة قادة فأحد الجيوش كان في مقدمته أبو الأدهم الزماني في ثلاثة آلاف، والمهلب
على آخر في خمسة آلاف مقاتل، وابنه يزيد بن المهلب على رأس جيش مهمته فتح بلاد الختل،
الذي استطاع من تحقيق أهداف حملته واضطر ملك الختل إلى مصالحة يزيد ودفع الجزية له.
بعد وفاة المهلب ولَّى الحجاج ابن المهلب يزيد على خرسان، فقام يزيد عام 84 هـ بفتح
قلعة باذغيس بعد أن أحكم حصارها، واستولى على مافيها من أموال وذخائر، ثم عزل الحجاج
يزيد بن المهلب وعين أخاه المفضل بن المهلب على ولاية خرسان عام 85 هـ، فولي المفضل
البلاد تسعة أشهر قام خلالها بغزو باذغيس وفتحها، ثم غزا مدينة أخرون وشومان. إلا أن
فتوحات المسلمين لم تأخذ مظهرها الجدي والنوعي إلا عندما ولَّى الحجاج قتيبة بن مسلم
الباهلي ولاية خرسان عام 86 هـ، وهي نفس السنة التي توفي فيها عبد الملك بن مروان.
الجبهة البيزنطية
فقد المسلمون روح المبادرة والقوة أمام الروم البيزنطيين
في عهد الاضطرابات الداخلية التي عصفت بالدولة الإسلامية، فانتهز الإمبراطور البيزنطي
جستنيان الثاني هذه الفرصة ونقض المعاهدة التي سبق وأن أبرمها البيزنطيون مع المسلمين،
وساق جيوشه لقتالهم فاجتاح بعض بلاد الشام عام 70 هـ الموافق 689م. في هذه الفترة وقع
على الطرف الشرقي للإمبراطورية البيزنطية حادث أثر على سير العلاقات بين المسلمين والروم،
كانت هناك جماعات من المردة النصارى في جبال الأمانوس قد ألفوا جيشًا واتخذت منهم السلطات
البيزنطية سياجًا حدوديًا بينها وبين المسلمين في هذه المنطقة، كان المردة بحكم موقعهم
الجغرافي ووضعهم السياسي يحمون الدولة البيزنطية من هجمات المسلمين ويدافعون عن معاقلهم
الجبلية المنيعة ضد أي اعتداء خارجي، وكثيرًا ما توغلوا جنوبًا حتى وصلوا إلى جبال
لبنان، وقد ضايقوا المسلمين بما كانوا يشنونه من غارات مستمرة على المناطق المجاورة
خاصة المناطق الساحلية، اضطر عبد الملك بن مروان وفقًا للظروف الحالية إلى المهادنة
تفاديًا لحروب جديدة في المنطقة، وللتفرغ للمشاكل الداخلية التي استجدت في العالم الإسلامي،
فعقد مع الإمبراطور البيزنطي جستنيان الثاني معاهدة عام 79 هـ الموافق 689م تعهد الخليفة
بمقتضاها بالتالي: أن يدفع مالًا مقدرًا للإمبراطور البيزنطي يبلغ ثلاثمئة وخمسين وستين
ألف قطعة ذهبية، وثلاثمئة وخمسة وستون عبدًا، وثلاثمئة وخمسة وستين جوادًا أصيلًا في
مقابل وقف الغارات البيزنطية على الأراضي الإسلامية، وأن تقتسم الدولتان الإسلامية
والبيزنطية خراج أرمينيا وقبرص وإيبيريا، وأن تسحب الإمبراطورية البيزنطية المردة من
منطقتي جبال لبنان وشمالي الشام إلى ما وراء جبال طوروس في آسيا الصغرى، وأن تستمر
هذه المعاهدة مدة عشر أعوام.
كان من نتيجة انسحاب المردة من جبال لبنان وشمالي الشام أن
قُضي على السور القوي الذي كان يحمي آسيا الصغرى من غارات المسلمين، وسَمح للمسلمين
تجديد غاراتهم على المنطقة وتوطيد مركزهم في الأقاليم التي فتحوها حديثًا. فعادة غارات
المسلمين للمشهد العسكري، ونجم عنها فتح قيسارية عام 71 هـ، وبعدها بسنتين كشف عبد
الملك بن مرواح عن نواياه تجاه الإمبراطورية البيزنطية بعد أن فرغ من مشاكله الداخليه،
عندما قام بضرب الدنانير الذهبية الإسلامية وأرسلها كجزية بدلًا من العملة البيزنطية،
وقد حمل هذا التصرف تحدي للإمبراطور ومقدمة إلى قرب استئناف المسلمين نشاطهم العسكري
على الجبهة البيزنطية. في أواخر عام 73 هـ شعر عبد الملك بن مروان أن الدولة استعادت
قوتها، فعين أخاه محمد بن مروان واليًا على الجزيرة وأرمينيا ليكون القائد في هذه الجبهة،
ومنع عبد الملك إرسال النقود التي كان يدفعها وقت الضرورة. في عام 73 هـ هاجم المسلمون
آسيا الصغرى في أرمينيا، حيث التقى الجيشان بقيادة الإمبراطور البيزنطي من جهة، ومن
جهة أخرى محمد بن مروان، ودارت معركة كبيرة بين الطرفين وهزم فيها الروم. في حين رد
البيزنطيون على هزيمتهم في أرمينيا بغزو مرعش عام 76 هـ، وكان هذا العام هو العام الذي
عُزل فيه الإمبراطور جستنيان الثاني، وخلفه من بعده الإمبراطور ليونتيوس، حيث استمرت
الغارات الإسلامية في عهده. ثم مالبث أن تراجع الاندفاع الإسلامي باتجاه الثغور البيزنطية
ابتداء من عام 81 هـ بفعل عاملين: الأول اجتياح مرض الطاعون بلاد الشام عام 78 هـ،
والثاني: قيام ثورة عبد الرحمن بن الأشعث عام 81 هـ والتي استمرت أربعة أعوام. استغل
الإمبراطور البيزنطي طيباريوس الثالث هذه الأوضاع وكثف نشاطه العسكري وهزم المسلمين
عند سميساط وفي منطقة قيليقية عام 84 هـ، إلا أن عبد الملك بن مروان بعد فراغه من ثورة
ابن الأشعث هاجم إقليم قيليقية واصطدم بالقوات البيزنطية عند مدينة سيواس، وكانت المعركة
بقيادة الإمبراطور نفسه، وانتصر عليه، وبذلك عادت سيطرت المسلمين مجددًا على منطقة
أرمينيا، كما فتح المسلمون المصيصة، وبنى حصنها، ووضع بها حامية من ثلاثمئة مقاتل من
ذوي البأس، ولم يكن المسلمون قد سكنوها من قبل، فبنى مساجدها وعمر دورها.
جبهة إفريقية
كانت الجبهة الأفريقية المحور الجدِّي لسياسة الفتوحات في
عهد عبد الملك بن مروان، إذ خاض المسلمون عدة معارك لتصفية القواعد البيزنطية على الساحل
الشمالي لإفريقية، وإخضاع البربر لسلطة الدولة. بعد أن هدأت أوضاع الاضطرابات التي
عصفت بالدولة الأوموية، وجد عبد الملك بن مروان أمامه متسعًا من الوقت ليقوم بعمل كبير
في إفريقية، خاصة أنه خشي من انعكاس نتائج التحالف البيزنطي البربري وما يمكن أن يسببه
من تهديد للحدود الغربيه للدولة، فعهد إلى زهير بن قيس البلوي بقيادة العمليات العسكرية،
وأمره بالقضاء على قائد البربر كسيلة، واستعادة الأراضي التي أخلاها المسلمون عقب مقتل
عقبة بن نافع، وبتعيين زهير قائدًا للجبهة الإفريقية بدأت المرحلة الخامس من مراحل
فتوح شمالي إفريقية في الحقبة الإسلامية.
كان زهير بن قيس قد انسحب بالمسلمين من القيروان بعد مقتل
عقبة، وظل منتظرا في برقة إلى أن تأتيه الإمدادات لكي ينهض إلى إفريقية من جديد، ونظرًا
لأنه صاحب عقبة، فقد وقع الاختيار عليه ليقود الحملة العسكرية الجديدة، وأمده الخليفة
عبد الملك بالخيل والرجال والعتاد والمال. سار زهير بن قيس بجيشه إلى القيران سنة
69 هـ الموافق 688، وكان كسيلة قد تركها هو ومن معها من البربر والروم، واحتمى بجبل
على مقربة منها، فلما وصل زهير لم يدخل المدينة وإنما أقام بظاهرها ثلاثة أيام، إلى
أن استراح الجيش استعدادا للمعركة الكبرى، وفي اليوم الرابع التقى الجمعان بالقرب من
القيروان على مسيرة يوم منها في معركة كبيرة، حقق المسلمون فيها نصرًا كبيرًا، فانهزم
البربر والروم، وقُتل كسيلة وكثير من كبار أصحابه، وطارد المسلمون فلول المنهزمين إلى
مسافات بعيدة. رجع زهير إلى القيروان ليرتب أمورها ويصلح من أحوال المسلمين بها، وبعد
أن تم له من ذلك ما أراد واطمأن إلى أنه لم يعد هناك خطورة لخلو البلاد من عدو أو ذي
شوكة، أعلن أنه عائد إلى المشرق ومن أراد من أصحابه. كان الروم بالقسطنطينية فد بلغهم
مسير زهير ومعه الجيش كله من برقة إلى القيروان لقتال كسيلة، فاغتنموا الفرصة وخرجوا
من جزيرة صقلية في مراكب كثيرة وقوة عظيمة، فأغاروا على برقة، وأصابوا فيها سبيًا كثيرًا
وقتلوا ونهبوا، وأقاموا بها مدة أربعين يومًا، وافق ذلك رجوع زهير إلى المشرق فأُخبر
الوفاة
لما حضرت عبد الملك بن مروان الوفاة جمع ولده وفيهم مسلمة
بن عبد الملك وكان سيدهم، فقال: «أوصيكم بتقوى الله تعالى فإنها عصمة باقية وجنة واقية،
وهي أحصن كهف وأزين حلية، وليعطف الكبير منكم على الصغير، وليعرف الصغير منكم حق الكبير،
مع سلامة الصدور، والأخذ بجميل الأمور، وإياكم والفرقة والخلاف فبهما هلك الأولون،
وذل ذوو العزة المعظمون، انظروا مسلمة فاصدروا عن رأيه فإنه نابكم الذي عنه تفترون
ومجنكم الذي به تستجنون، وأكرموا الحجاج فإنه وطأ لكم المنابر وأثبت لكم الملك، وكونوا
بني أم بررة وإلا دبت بينكم العقارب، كونوا في الحرب أحرارا وللمعروف منارا، واحلولوا
في مرارة، ولينوا في شدة، وضعوا الذخائر عند ذوي الأحساب والألباب، فإنه أصون لأحسابهم
وأشكر لما يسدى إليهم، ثم أقبل على ابنه الوليد فقال: لا ألفينك إذا مت تجلس تعصر عينيك
وتحن حنين الأمة، ولكن شمر وائتزر والبس جلدة نمر ودلني في حفرتي وخلني وشأني وعليك
وشأنك، ثم ادع الناس إلى البيعة فمن قال هكذا فقل بالسيف هكذا، ثم أرسل إلى عبد الله
بن يزيد بن معاوية وخالد بن أسيد. فقال: هل تدريان لم بعثت إليكما، قالا: نعم لترينا
أثر عافية الله تعالى إياك. قال: لا، ولكن قد حضر من الأمر ما تريان، فهل في أنفسكما
من بيعة الوليد شيء، فقالا: لا، والله ما نرى أحدا أحق بها منه بعدك يا أمير المؤمنين،
قال: أولى لكما، أما والله ولو غير ذلك قلتما لضربت الذي فيه أعينكما».[58] توفي عبد
الملك يوم الخميس في منتصف شهر شوال 86 هـ الموافق 9 أكتوبر 705م بدمشق[59]، عن عمر
بلغ الستين عامًا، وكانت مدة خلافته إحدى وعشرين سنة وشهرًا ونصف من مستهل رمضان سنة
65 إلى منتصف شوال سنة 86. وكانت خلافته منذ قتل ابن الزبير واجتماع الكلمة حوله
13 سنة و5 أشهر
مراجع
ابن الجزري، تحقيق محمد يوسف الدقاق (1407 هـ - 1987م). الكامل
في التاريخ المجلد الرابع (الطبعة الأولى). بيروت - لبنان. دار الكتب العلمية
^ محمود شاكر (1411 هـ - 1991م). التاريخ الإسلامي العهد
الأموي (الطبعة السادسة). بيروت - لبنان. المكتب الإسلامي
^ عبد الحليم عويس (2002م). بني أمية بين السقوط والانتحار
(الطبعة الأولى). القاهرة - مصر. سوبرلر للنشر
^ ابن قيم الجوزية، تحقيق أحمد عبد السلام الزعبي (1418 هـ
- 1997م). إعلام الموقعين عن رب العالمين الجزء الأول (الطبعة الأولى). بيروت - لبنان.
شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم
^ يوسف العش (1406 هـ - 1985م). الدولة الأموية والأحداث
التي سبقتها ومهدت لها ابتداءً من فتنة عثمان (الطبعة الثانية). دمشق - سوريا. دار
الفكر
^ نجدت خماش (1987م). الشام في صدر الإسلام (الطبعة الأولى).
دمشق - سوريا. دار طلاس
^ بثينة بن حسين (1997م). الدولة الأموية ومقوماتها الأيدولوجية
والاجتماعية (الطبعة الأولى). سوسه - تونس. المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية
^ مصعب بن عبد الله الزبيري، تحقيق إ. ليفي بروفنسال
(1982م). نسب قريش (الطبعة الثالثة). القاهرة - مصر. دار المعارف
^ عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية صحابة
رسول الله. وصل لهذا المسار في 8 أغسطس 2016
^ النظم الإدارية والاجتماعية والعسكرية للدولة الأموية في
عصر الخليفة عبد الملك بن مروان، ورقة مؤتمر علمي، د. صالح حسن الشمري (1434 هـ -
2013م) كلية التربية بجامعة تكريت. تكريت - العراق.
^ أبو الفرج بن الجوزي، تحقيق عبد العزيز راجي الصاعدي
(1413 هـ 1993م). كشف النقاب عن الأسماء والألقاب المجلد الأول (الطبعة الأولى). الرياض
- السعودية. دار السلام.
^ فؤاد صالح السيد (1990م). معجم الالقاب والاسماء المستعارة
فى التاريخ العربى والاسلامى (الطبعة الأولى). بيروت - لبنان. دار العلم للملايين.
^ أبو بكر بن العربي، تحقيق محمود مهدي الإستنبولي ومحب الدين
الخطيب (1412 هـ). العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي (الطبعة
السادسة). القاهرة - مصر. مكتبة السنة .
^ خليل إبراهيم جفال (1411 هـ - 1991م). الخليفة عبد الملك
بن مروان الناقد الأديب (الطبعة الأولى). بيروت - لبنان. منشورات دار نضال.