المقدمة
إن ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وفرت “فتحاً تاريخياً” نقل الإعلام إلى آفاق غير مسبوقة وأعطى مستخدميه فرصاً كبرى للتأثير والانتقال عبر الحدود بلا رقابة إلا بشكل نسبي محدود. وابرز حراك الشباب العربي الذي تمثل بالثورات التي شهدتها بعض الدول العربية قدرة هذا النوع من الإعلام على التأثير في تغيير ملامح المجتمعات، وإعطاء قيمة مضافة في الحياة السياسية، وانذار لمنافسة الإعلام التقليدي.
استخدم الشباب في بداية الأمر مواقع التواصل الإجتماعي للدردشة ولتفريغ الشحن العاطفية، ولكن يبدو أن موجة من النضج سرت، وأصبح الشباب يتبادلون وجهات النظر، من أجل المطالبة بتحسين إيقاع الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية ومن هنا تشكلت حركات الرفض الشبابية التي إنتظمت في تونس مروراً بمصر واليمن وليبيا والبحرين والأردن. وتخطت تلك الأفكار الرافضة للسياسات بسهولة عبر شبكات التواصل الإجتماعي الوطن العربي.
واستخدم كبار الشخصيات هذه الوسائل الجديدة واقتطعوا وقتاً معيناً من الأنشطة الأخرى لصالحها، لإيمانهم بأنها البوابة الحقيقة والجادة للتواصل وسماع الناس والمواطنين، وبهذا سيتغير المشهد الإعلامي قريباً بشكل واضح للعيان في عالمنا العربي.
وقد قدمت النظريات والدراسات الإعلامية كثيراً من الاجتهادات حول مفهوم الإعلام الاجتماعي ودائرة التأثير، ومنها نظرية التسويق الاجتماعي التي تتناول كيفية ترويج الأفكار التي تعتنقها النخبة في المجتمع، لتصبح ذات قيمة اجتماعية معترَف بها. ووفّر ظهور شبكات التواصل الاجتماعي فتحاً ثورياً، نقل الإعلام إلى آفاق غير مسبوقة، وأعطى مستخدميه فرصاً كبرى للتأثير والانتقال عبر الحدود بلا قيود ولا رقابة إلا بشكل نسبي محدود. إذ أوجد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي قنوات للبث المباشر من جمهورها في تطور يغير من جوهر النظريات الاتصالية المعروفة، ويوقف احتكار صناعة الرسالة الإعلامية لينقلها إلى مدى أوسع وأكثر شمولية، وبقدرة تأثيرية وتفاعلية لم يتصوّرها خبراء الاتصال.
وإن الخبرة والتسهيلات الجديدة التي وفرها الإنترنت في مجال التنظيم والاتصال والإعلام غيرت المعادلة القديمة التي كانت تضطر قوى التغيير إلى الاعتماد على دعم دول أخرى في نضالها السياسي، كما كان الحال في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين. لذا فإن حركات الإصلاح والتغيير في عالمنا العربي والإسلامي مدعوة اليوم إلى الاستفادة من ثورة الإنترنت إلى أقصى الحدود، في مجالات التنظيم والإدارة والاتصال والإعلام والنضال السياسي وغير ذلك من جوانب معترك الحياة، فهل نستوعب المدلول التاريخي لثورة الإنترنت؟.
مفهوم مواقع التواصل الاجتماعي
مفهوم “مواقع التواصل الاجتماعي” مثير للجدل، نظرا لتداخل الآراء والاتجاهات في دراسته. عكَس هذا المفهوم، التطور التقني الذي طرأ على استخدام التكنولوجيا، وأُطلق على كل ما يمكن استخدامه من قبل الأفراد والجماعات على الشبكة العنكبوتية العملاقة.
الإعلام الاجتماعي: “وهو المحتوى الإعلامي الذي يتميز بالطابع الشخصي، والمتناقَل بين طرفين أحدهما مرسِل والآخر مستقبِل، عبر وسيلة/ شبكة اجتماعية، مع حرية الرسالة للمرسِل، وحرية التجاوب معها للمستقبِل”. وتشير ايضاً إلى: “الطرق الجديدة في الاتصال في البيئة الرقمية بما يسمح للمجموعات الأصغر من الناس بإمكانية الإلتقاء والتجمع على الإنترنت وتبادل المنافع والمعلومات، وهي بيئة تسمح للإفراد والمجموعات بإسماع صوتهم وصوت مجتمعاتهم إلى العالم اجمع”
ويعرف زاهر راضي مواقع التواصل الاجتماعي: “منظومة من الشبكات الإلكترونيّة التي تسمح للمشترك فيها بإنشاء موقع خاص به، و من ثم ربطه عن طريق نظام اجتماعي إلكتروني مع أعضاء آخرين لديهم الإهتمامات والهوايات نفسها
وتضع كلية شريديان التكنولوجية Sheridan تعريفاً اجرائياً للإعلام الجديد بأنه: “انواع الاعلام الرقمي الذي يقدم في شكل رقمي وتفاعلي، ويعتمد على اندماج النص والصورة والفيديو والصوت, فضلا عن استخدام الكومبيوتر كآلية رئيسة له في عملية الانتاج والعرض, اما التفاعلية فهي تمثل الفارق الرئيس الذي يميزه وهي اهم سماته” ويمكن تقسيم مواقع التواصل الاجتماعي بالاعتماد على التعريفات السابقة الى الاقسام الآتية:
1- شبكة الانترنت Online وتطبيقاتها : مثل الفيس بوك، وتويتر، اليوتيوب، والمدونات، ومواقع الدردشة، والبريد
الالكتروني... فهي بالنسبة للإعلام، تمثل المنظومة الرابعة تضاف للمنظومات الكلاسيكية الثلاث.
2- تطبيقات قائمة على الادوات المحمولة المختلفة : ومنها اجهزة الهاتف الذكية والمساعدات الرقمية الشخصية وغيرها. وتُعدّ الاجهزة المحمولة منظومة خامسة في طور التشكل.
3- أنواع قائمة على منصة الوسائل التقليدية : مثل الراديو والتلفزيون “مواقع التواصل الاجتماعي للقنوات والاذاعات والبرامج” التي اضيفت اليها ميزات مثل التفاعلية والرقمية والاستجابة للطلب. ويمكن ان نخلص إلى شبه اتفاق، أن مواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى حالة من التنوع في الاشكال والتكنولوجيا والخصائص التي حملتها الوسائل المستحدثة عن التقليدية، لاسيما فيما يتعلق باعلاء حالات الفردية Individuality والتخصيص Customization ، وتأتيان نتيجة لميزة رئيسة هي التفاعلية. فإذا ما كان الاعلام الجماهيري والاعلام واسع النطاق وهو بهذه الصفة وسم اعلام القرن العشرين, فإن الاعلام الشخصي والفردي هو اعلام القرن الجديد. وما ينتج عن ذلك من تغيير انقلابي للنموذج الاتصالي الموروث بما يسمح للفرد العادي ايصال رسالته إلى من يريد في الوقت الذي يريد، وبطريقة واسعة الاتجاهات وليس من أعلى الى اسفل وفق النموذج الاتصالي التقليدي. فضلا عن تبني هذه المواقع. تطبيقات الواقع الافتراضي وتحقيقه لميزات الفردية والتخصيص وتجاوزه لمفهوم الدولة الوطنية والحدود الدولية(1).
مقاربة مواقع التواصل الاجتماعي بالإعلام البديل يُعدّ التحوّل عبر التطوّر التكنولوجي هوّ جوهر الإعلام، ومايبدو اليوم جديداً يصبح قديماً بظهور تقنية جديدة، ألم يكن الإعلام جديدا مع ظهور الطباعة، والصحافة، والإذاعة، والتلفزيون كلّ ذلك لأن طبيعة التحوّل التي تقود إليها التقنية، في بعدها العلمي
والإيديولوجي، تقتضي النّظر في أمر ما يسمّيه ماكلوهان بالحتميّة التكنولوجيّة. اذن مفهوم الاعلام الجديد هو في واقع الامر يمثل مرحلة انتقالية من ناحية الوسائل. ويبدو للباحثة مفهوم الاعلام البديل, من الافضل اعتماده Alternative
Media اذ يستقي دلالته من جمهوريته، فالجمهور اتخذوا مواقع التواصل الاجتماعي بديلاً عن الوسائل الإعلامية التقليدية: ويقصد بها “الموقع الذي يمارس فيه النقد. وتولد أفكاراً وطرقاً جديدة للتنظيم والتعاون والتدريب بين إفراد المجتمع. وربما الأكثر أهمية، يشير الى أن البديل يتناول الموضوعات الحساسة في الآليات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتوترات بين السيطرة والحرية، وبين العمل والبطالة، وبين المعارضة والحكومة”، “ومن ثم يتضاءل البديل إلى إن يصبح نمطاً، للاتصال الجماهيري”. وينحدر الإعلام البديل من مرجعية عفوية وغير منظمة تأخذ من مبدأ حرية التعبير والإستقلال عن كل الإلتزامات الأيديولوجية أو الإقتصادية القائمة دون أية قيود وهو ما يشير إلى أن الإعلام البديل هو حصيلة مواقف فكرية، تعمل بالإعتماد على قاعدة التشكل الذاتي. وبعيدا عن النظرة القيمية، يجب أن نتعامل مع هذه الظاهرة الإتصالية والإعتراف بها بحثيا
وتأطيرها ضمن تحولات المثل الجماعية التى تشقها العديد من الإفرازات ومنتجة لسلطات رمزية خصوصية.
أهمية البحث
1. تمثل فئة الشباب العمود الفقرى للمجتمع بصفة خاصة الشباب الجامعى
2. انتشار استخدامات الإنترنت بين أفراد المجتمع بصفة عامة و بين الشباب الجامعى بصفة خاصة.
3. للإنترنت علاقة تأثيرية فى جوانب حياة الشباب الجامعى المختلفة .
4. رغم فوائد الاتصال عبر الانترنت فإن له آثار إجتماعية و مجتمعية ضارة على الشباب.
أهداف البحث
1- التعرف على الآثار الاجتماعية السلبية و الإيجابية للإنترنت على الشباب الجامعى.
2- محاولة التعرف على الفروق بين الذكور و الإناث فى كل ما سبق.
3- التعرف على الآثار المجتمعية السلبية و الإيجابية للإنترنت على الشباب الجامعى،
4- التوصل إلى تصور مقترح لمواجهة الآثار السلبية للإنترنت على الشباب الجامعى .
ثقافة التغيير والثورات العربية
إن نشوء هذا الفضاء الجديد من الحرية اسهم في التحول النوعي الذي طرأ على استخدام الشبكات الاجتماعية على الإنترنت، من كونها أداة للترفيه، والتواصل، إلى أداة للتنظير والتنظيم والقيادة، ثم إلى وسيلة فعّالة لنقل الحدث، ومتابعة الميدان، ومصدراً أولياً لوسائل الإعلام العالمية.
صحيح أن الإعلام وحده لا يصنع التغيير، وأن التغيير هو نتاج إرادة عامة، يحركها دافع الناس الطبيعي نحو هذا التغيير، والإعلام إنما هو أداة من مجموعة أدوات. ويقول ميشيل فوكو إن الثورة الإيرانية انتشرت بشريط الكاسيت، ولم يقل إن شريط الكاسيت “الذي كان في حينه إعلاما بديلاً” هو الذي صنع الثورة! لذلك إن هذه الإرادة بدون وسائل الإعلام الجديد قد لا تساوي شيئاً، والعكس صحيح! فما جرى هو نتاج عوامل تفاعلت مع بعضها لتنتج لنا تغييرا بأسلوب لم يعهده عالمنا العربي من قبل، وغيّر أنماط حياتهم، مضفياً عليها مزيداً من التفاعل، والتواصل. فهل من سبيل إلى جهد منظم، لتوظيفه من أجل قضيتنا العادلة كما يفعل أعداؤنا من أجل قضاياهم غير العادلة؟!. وأصبحنا بفضل هذه الثورة أمام إعلام جديد لا يحتاج إلى أي رأسمال، كل رأسمالك هو هاتفك النقال وكاميرا وحاسوبك الشخصي. ولا يمكن لإعلام الجديد الاستغناء عن الإعلام التقليدي وأنه لن يتحقق له الرواج إلا إذا استخدمه الإعلام التقليدي
وأشار إليه ونقل عنه، فالكثير من الأحداث كان السبق فيها للمدونين أو لبعض المواقع الإلكترونية. ويعتقد الكثيرون أن الإعلام الجديد هو الإعلام القادم، فالكثير من التلفزيونات اليوم يمكن توقف بثها المباشر وتعرض خدماتها على الإنترنت، وأصبح الكثير من القنوات التلفزيونية لديها حسابات مثلا على الـ YouTube و الـ Facebook و الـ Twitter. عند ظهور مواقع التواصل، فإن العرب إجمالا قاموا باستخدامه اولا، وقبل كل شيء، كأداة للطرح السياسي، وذلك لعدم وجود
اعلام محايد او مؤسسات للمجتمع المدني او نشاط سياسي في الشارع العربي. ولكن هناك مبالغة في الدور الفعلي لمواقع التواصل في تغيير واقع السياسة. وإن دور اعضاء مجموعات فايسبوك او المشاركين هو في غالب الاحيان رمزي، ولا يتعدى حدود الشكليات. لذلك، فإن النشاط السياسي في الانترنت لا يترجم بالضرورة الى تغيير او نشاط سياسي فعلي في الشارع العربي, وبالرغم من النشاط الكبير على الانترنت في مصر، الا ان التغيير السياسي الحقيقي لم يولد في الانترنت، بل تولد في الشارع، وجاء الاعلام الجديد مكملا له، وهذا بسبب الامية التي تعاني منها الشعوب العربية , وقام الإعلام الجديد بدور ملموس في حشد وتوجيه المتظاهرين، لكنه لم يكن مفصليا في تسيير الاحداث. في مصر، استمرت
المظاهرات بشكل كبير بعد قطع خدمات الانترنت. وكذلك، في اليمن، يقتصر عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي على عدد صغير، لا يواكب حجم الاحداث في الشارع اليمني. لذلك، فإن حشد المتظاهرين وتوجيههم لم يتم بشكل اساس عن طريق الاعلام الجديد.
ولكن نقطة الاتفاق الرئيس هي عن دور الإعلام الجديد في إيصال صوت الشارع العربي الى أنحاء العالم، من دون شك، كان لأفلام يوتيوب “والنشاط التويتري” دور كبير في حشد الاهتمام الدولي لقضايا الاستبداد في بعض دول العالم العربي.
ولا يزال دور الحكومات العربية في الاعلام الجديد غامضا، وقد يؤدي وجودها في مواقع التواصل الاجتماعي الى تغيير شكل المداولات السياسية. ففي المستقبل القريب، اذا كان هناك توظيف مثالي من قبل الحكومات العربية فسيكون هناك وجه آخر مختلف تماماً للاعلام عما نعيشه اليوم. وفي حال انخراط الناشطين في مؤسسات المجتمع المدني، فإن الطرح السياسي على تويتر وغيره سيصل الى مرحلة اكبر من النضج الفكري. سيؤسس المجتمع المدني الى خطاب سياسي جديد وسيكون له أثر في المداولات القائمة اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي.
والاعلام الجديد هو باختصار مرحلة انتقالية من الركود الى الوعي السياسي، وبالتأكيد مرحلة انتقالية في تغيير شكل الحكومات العربية والمجتمع المدني. لذلك، فإننا قد نرى في المستقبل القريب ركودا سياسيا في مواقع التواصل الاجتماعي، يعوض عنه بنشاط حقيقي في منظمات المجتمع المدني والعملية السياسية.
علينا أن نفهم أن للتغيير ثقافته، ولا يمكن أن نفرض على أي تغيير شعبي كبير ومتعدد الأطراف أية ثقافة مسبقة، شخصيا تابعت مواقف الأحزاب التقدمية من الأوضاع في تونس ومصر والعراق والسودان واليمن، فوجدت أن هذه الأحزاب تريثت في المواقف، ولكنها أيدت التغيير، هي لا تريد أن تكون بديلا عن حركات الشباب، وفي الوقت نفسه لا تريد أن تتسلم قيادة الشباب، فشعارات اليوم من المرونة والوضوح لم تجد لها بعد أرضية مفاهيمية، وقد شهدنا في ميدان التحرير في مصر كيف أن النكتة تحولت إلى شعارات، وكانت مؤثرة في استقطاب الإعلام، هذا الموقف الجدلي سيكون هو الأكثر صوابا من المواقف التي تقف
ضد التغيير، أو تلك التي لا يعنيها التغيير. وبالتأكيد لدينا في العراق هذه المواقف كلها، وعلى الشباب أن يعوا جيدا أن نجاح أية مواقف لا يعني نهاية الصراع، ومشروع الشباب الثوري دون غيره لا يقف عند إنجاز أو شكل حكم، بل يستمر دون توقف، لاسيما في منطقة لم تحصل من التقدم والحداثة إلا القليل..
سوسيولوجيا المجتمع الرقمي
لم يرفع الفكر العربي المعاصر معرفيا من شأن فكرة الاتصال، ليظهر علينا الاتصال الرقمي مع بداية الألفية دون سلاح معرفي نحتمي به. ولاتكمن قيمة الاتصال في ما في الفكرة من قيمة علمية أو سياسية أي ما في الإنتاج الفكري من صحة أو خطأ بل في التسويق لها، حسب المفهوم الحديث للمعرفة لتداول مضامينها ليترك الحكم للمجتمع وحده وهل به المناعة الثقافية الكافية “
لغربلة” المضامين قبل الحكم على الوعاء. أن الحكم القيمي على الأفكار هو حكم قيمي على التقنية أيضا التي لا يجب أن نحد من انتشارها وإلا ستنمو سوقا سوداء لأفكار متطرفة، وإرهابية. وتاريخيا لا يمكن أن نتجاهل أن الحكم القيمي ذو الخلفية الدينية أو السياسية أو الثقافية هو الذي كان وراء إقصاء أكثر من فكرة داخل المجتمعات العربية باسم الدين أو الهوية أو معاداة الاستعمار أو الإمبريالية.
إن التلاقح الحضاري الذي ولّده انتقال المعلومة عبر الانترنت قد رسخ قيم وثقافة البلد المصدِّر للمعلومة والتكنولوجية في آن واحد، وينشأ عن هذه الحتمية التكنولوجية حالة ما يسمى بالصدمة الالكترونية التي سرعان ما تتحول بالبلدان المستوردة من الانبهار بالواقع الافتراضي إلى الاصطدام بالواقع الحقيقي للبلد المصدِّر. ولعل من بين الأسباب القوية للتفاوت الرقمي بين دول الشمال والجنوب يحتل عامل الأمية المسؤولية واسهم في اتساع الهوة الرقمية. وايضاً عربيا يعود سبب تعطل آلة التسويق لتبادل الأفكار إلى عنصرين متلازمين يمكن تلخيصهما في إشكالية وعي الحرية وإدراك التقنية وهي معضلة فكرية إجرائية في كيف يمكن أن نفهم أن لا قيمة للفكرة مهما كانت طبيعتها إلا إذا شاعت بين الناس. وحتى يمكن بلوغ ذلك فلا بد أن تكون حركة الوسائط الحاملة للأفكار“التقنية” شائعة الملكية وتحررية من حيث المضمون. إن تخلف الديمقراطية وممارستها في الوطن العربي لا يعود فقط إلى حصرها في بوتقة الشعار السياسي بل إن التخلف الديمقراطي يعود أيضا إلى تخلف في فهم أوعية الديمقراطية ووسائطها في الفكر العربي. ويؤدي هذا الرفض إلى نبذ انتشار الفكر وشيوعه وتداوله لأن التداول على السلطة وهو العمود الفقري للديمقراطية بالمفهوم الحديث ما هو إلا تداول على أفكار
وتصورات ومناهج في كيف ندير الشأن العام بعد أن يقول الشعب كلمته في من ينوبه عبر الاقتراع. ولا قيمة للاقتراع الذي يضفي إلى تداول السلطات والرؤساء والبرلمانات والحكومات إذا لم تتوفر معركة فكرية عادلة على
واجهة وسائل الإعلام التي هي الفيصل في تقريب صورة كل طرف سياسي إلى المواطن مهما كانت خلفيته الثقافية عن
كشفت دراسة بحثية صادرة عن كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله- للقيم الاخلاقية بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة،
الآثار السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي على السُّلَّم القيمي للشباب.
ورأت الدراسة أن الاهتزاز القيمي بدأ بالظهور بعد طفرة الجيل الثاني من الويب، وولادة شبكات التواصل الاجتماعي كـ
Face Book – Twitter وغيرها، والتي تتسم بعناصر مثيرة وجاذبة، كالفورية Immediacy،
والتفاعلية Interactivity، وتعدد الوسائط Multimedia، والتحديثUpdating، ما أدى لزيادة ساعات الاستخدام والتعرض، والاعتماد عليها كمصدر وحيد للأخبار والمعلومات، ونظراً للتنوع الواسع لفئات
المستخدمين، وتعدد مستوياتهم الثقافية والأخلاقية وتبعاً لقانون التأثير والتأثر برزت ظواهر سلبية في سلوك الشباب السعودي، غريبة عن قيمنا وتقاليدنا، كما ظهرت جماعات تدافع عن تلك القيم وتدعو لتبنيها، وهذا معناه نجاح عملية الفيروس الأخلاقي في اختراقنا. وتأتي أهمية الدراسة من خطورة الآثار الناجمة عن المشكلة، والمتعلقة بعنصرين هامين في البناء الاجتماعي هما عنصرا الشباب والنسق القيمي للمجتمع، وتعتمد الدراسة منهجاً علمياً يقوم على رصد وقياس العلاقة بين متغيرات ثلاثة هي: شبكات التواصل الاجتماعي، كمتغير مستقل، والنسق القيمي الأخلاقي كمتغير تابع، ودوافع التعرض ونوعه والفروق الديموغرافية ومعدل الثقة كمتغيرات وسيطة.
الهدف والوسائل
تحدد الدراسة الهدف الرئيس للبحث وهو: التعرف على تأثير وسائل الإعلام الجديد وعلى وجه الخصوص( شبكات التواصل الاجتماعي) على النسق القيمي والأخلاقي لدى الشباب، بهدف الوصول لوضع آلية لتعزيز القيم الأخلاقية، ولتحقيق هذا الهدف
تقوم الدراسة برصد وتوصيف وتقنين علاقة الشباب بوسائل الإعلام الحديثة، من خلال تحديد (كثافة الاستخدام لوسائط الإعلام الجديد، ونوع المشاركة، ودوافع الاستخدام، ونوع المضامين التي تحظى باهتمامهم، ودرجة التبني للمضمون المقدم)، وأسباب انتشار بعض السلوكيات اللاأخلاقية، لدى نسبة من الشباب السعودي خاصة، وفي الدول العربية والإسلامية عامة.
حجم المشكلة
لتحديد حجم المشكلة من المناسب قراءة نتائج دراسة قامت بها شركة "جلوبال ويب إنديكس": حول استخدام الإنترنت في السعودية، بعمق وتأن. إذ تقول الدراسة إن السعوديين سجلوا أعلى نسبة نمو عالمياً من حيث عدد مستخدمي موقع تويتر، فقد تجاوز عددهم ثلاثة ملايين مستخدم، أي نحو 12 % من السكان، وأن نسبة 51 % منهم يترددون بانتظام على الموقع. وأن مستخدمي شبكة الإنترنت السعوديين - خاصة الشباب - يعتمدون على شبكات التواصل الاجتماعي كأداة للاتصال والتعبير
عن الرأي والحصول على المعلومة، أما مستخدمو "فيسبوك" من السعوديين فقد تجاوزوا الـ 6 ملايين، وينشرون أكثر من مليون وخمسمائة ألف رسالة يوميا.
كما أن شبكة "Lenkd In" تضم مليون مستخدم سعودي، بالإضافة لتسجيل السعوديين أكبر نسبة مشاهدة لموقع يوتيوب في العالم.
أهمية القيم
ترى الدراسة أن القيم تلعب دوراً هاماً في "تشكيل شخصية الفرد وتحديد أهدافه، في إطار معياري صحيح، فهي تمكننا من التنبؤ بسلوك حاملها في المواقف المختلفة، وتمنح حاملها القدرة على التكيف والتوافق الإيجابي، وأداء ما هو مطلوب منه، ليحقق الرضا عن نفسه، من خلال تجاوبه مع الجماعة في عقائدها ومبادئها الصحيحة، وتساعد الإنسان في التحرر من الأنا والذاتية، وتجعله يسلك سلوكا أكثر إيجابية، وتمنحه الإحساس بالأمان، كما تعطيه فرصة التعبير عن نفسه، وتساعده على فهم العالم المحيط به. وتعمل على إصلاحه نفسياً وخلقياً، وتوجهه نحو الخير والإحسان والواجب، فهي "أداة لتغيير السلوك"، وهي أداة
لتحقيق التنمية الاجتماعية التي تعتبر الفرد هو الوسيلة والغاية، ولا شك بأن المهزومين أخلاقياً عاجزون عن المشاركة في بناء التنمية، وأكثر قابلية للانهيار الثقافي والأخلاقي والوجودي.
نوع الدراسة ومنهجها
تستخدم الدراسة التي عمل كرسي الامير نايف بن عبدالعزيز للقيم الاخلاقية التابع لجامعة الملك عبدالعزيز على إخراجها بالشكل المطلوب، منهج المسح الميداني بطريقة جمع المعلومات عن سلوكيات الأفراد وعلاقتهم بوسائل الإعلام، ويتمثل مجتمع الدراسة في فئة الشباب السعودي، وذلك في المرحلة العمرية من ( 18- 35 ) سنة، وهي عينة عشوائية متعددة المراحل قوامها 600 مفردة، من مدينة جدة، نصفهم من الذكور والنصف الثاني من الإناث.
نتائج وآليات التعزيز
لاحظت الدراسة تناميا سريعا لأعداد مدمني الإنترنت بين أوساط الشباب السعودي، واعتمادهم على شبكات التواصل الاجتماعي كمصدر أساسي للمعلومات، وخلصت إلى نتيجة مفادها أن الاهتزاز القيمي الذي أصاب شبابنا السعودي ناجم عن تعرضهم المكثف للإعلام الإلكتروني، والاستخدام الخاطئ، وعدم وجود الوصاية الوالدية وضعف المناعة الأخلاقية، ماترك آثاراً سلبية
على نفسياتهم وسلوكهم الاجتماعي والأخلاقي.
وبناء عليه فهي تقترح التوصيات التالية:
1- ضرورة الانتباه لخطورة وتأثير وسائل الإعلام الإلكترونية، وإجراء المزيد من الأبحاث، خاصة وأن التوقعات المستقبلية تؤكد ازدياد الاعتماد عليها.
2- تصارع القيم وعدم الوعي بها قد يؤدي إلى الاضطرابات النفسية، حيث تؤدي للقلق والإحباط والعنف، والمفهوم السلبي
للذات، ولذا توصي الدراسة بتكثيف الدراسات النظرية والعملية والميدانية لرصد ظاهرة إدمان الإنترنت، ومعرفة مدى انتشارها في المجتمع، وآثارها على الشباب بشكل خاص، في أدائهم العلمي وحياتهم الأسرية.
3- دعم التوعية الأسرية والإعلامية بالمخاطر الاجتماعية والأخلاقية الناجمة عن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، ومشاركة الأسرة للأبناء في بيان أهمية استخدام الإنترنت وتحديد إيجابياته وسلبياته.
4- وضع برامج إعلامية توعوية للشباب لترشيد استخدام تلك الشبكات، وإصدار نشرة إعلامية إرشادية جامعية، توزع داخل الجامعة، لنشر الوعي لدى الشباب بضرورة الاستفادة من الإنترنت بشكل إيجابي.
5- تنمية الإحساس بالدين والوطن والانتماء، وتوعية الأسرة بأهمية التربية الدينية، وتربية الأبناء على الحياء من الله
ومراقبته، وغرس الوازع الديني لحماية الشباب من أي انحراف، أو زيغ عقائدي.
6- توجيه الشباب إلى ضرورة الالتزام والتقيد بقوانين الاتصالات في المملكة، فيما يختص باستخدام الإنترنت للدخول للمواقع المحظورة، والتوعية بالعواقب التي قد تعرضهم للمساءلة القانونية.
7- تصميم مقرر دراسي عن التربية الإعلامية، يساعد على تعليم وترشيد الشباب لكيفية التعامل مع ما تبثه وسائل الإعلام الإلكتروني الجديدة.
8- عمل دورات تدريبية وورش عمل مكثفة للتعريف بشبكة الإنترنت، وتدريب الطلبة الجامعيين على الاستخدام المفيد لها، وكيفية انتقاء المعلومات واختيار المناسب منها في البحوث والدراسات العلمية، وربطها بخطط البحوث ومواد التدريب الميداني. ويشير فى ذلك ( د. يعقوب الكندرى ومحمود القشعان، 2001 ) إلى أنه قد أصبح لدى الكثير من مستخدمى (شبكة الإنترنت) أشخاص بدلاء لتكوين العلاقات الشخصية معهم، وهم فى الواقع موجودون عبر الشبكة ولا توجد حاجة للتفاعل وجهاً لوجه معهم والذى على أثره يضعف الاتصال والعلاقات الاجتماعية المباشرة مع الأصدقاء والأقارب.
1- عموماً يمكن القول إن استخدام الإنترنت وعلاقته بالاغتراب الاجتماعي يرتبط إلى حد كبير بالمرحلة السنية للمبحوثين، حيث نجد أن الاغتراب يزداد لدى المبحوث بنقص المرحلة العمرية في حين يزداد بنقص مرحلته السنية. فنجد أن الدراسات التي تناولت مرحلة المراهقة والشباب قد اتفقت على أن استخدام الإنترنت يتعلق بزيادة مشاكل الاغتراب والانفصال لديهم مثل دراسة Sanders et al. 2002 والتي تدرس مرحلة المراهقة
ودراسة Doering 1996ودراسة يعقوب الكندرى وحمود القشعان 2001. وأشارت دراسة دينا محمد محمود عساف،2005 الى وجود علاقة إيجابية بين كثافة استخدام المراهقين للإنترنت وبين الشعور بالاغتراب الاجتماعي لديهم.
كشفت الدراسة الحالية عن مدى تأثير الاستخدام المكثف لشبكة الإنترنت على فرض العزلة داخل محيط الأسرة الواحدة، وخاصة الشباب، وباقى أفراد الأسرة. كذلك بين الأهل، والأقارب، وبينهم، وبين جيرانهم، وأصدقائهم مما يعكس ذلك التأثير السلبى على العلاقات الاجتماعية الأولية داخل محيط الأسرة، وبينها وبين الأقارب والجيران، والأصدقاء وهذا يرد على التساؤل الخاص بتأثير الإنترنت على العزلة لدى الشباب. كذلك كشفت الدراسة عن وجود علاقة توافقية ضعيفة بين استخدام الإنترنت وتأثيرها على العلاقات الاجتماعية الأولية ، فكلما زاد عدد الساعات التى يقضيها الفرد على الإنترنت قل الوقت الذى يتم قضاؤه مع الأسرة، والأقارب، والجيران، والأصدقاء.
وكشفت الدراسة الحاجة إلى الرقابة على الإنترنت عن طريق مراقبة الإنترنت على مدار الساعة من قبل مزود الخدمة، وكذلك وجود تشريعات تنظم استخدام الإنترنت، ويرى كثيرون عدم كفاية طرق الرقابة القائمة ، وهذا يرد على التساؤل الخاص بتقبل الشباب للرقابة أثناء استخدامه للإنترنت .
وإيجابيات الإنترنت تتعلق بالحصول علي المعلومات اللازمة في حياة الفرد وكذلك تقل العلاقات الانسانية والتواصل الاجتماعي بعضهم مع بعض، فالفرد يعيش منعزلاً عن عالمه الخاص الذي انفصل به عن المحيطين، تلك العزلة التي تعد من أكثر أنماط الاغتراب شيوعاً حيث يشعر الفرد بكونه يفتقر إلي المشاركة مع الآخرين والإحساس بالرفض في العلاقات الاجتماعية باعتبار
أن الفرد يمارسها في المنزل وبمفرده في أغلب الأحيان، والذي يؤثر علي علاقاته الأسرية وتولد مشاعر الانفصال والتفكك لديه عمن يحيطون به (سامية صابرالدندراوى،2005: 245).
كشفت الدراسة عن أهمية وسائل الاتصال الحديثة بصفة عامة و"" الإنترنت"" بصفة خاصة، وأن كل وسيلة من هذه الوسائل لها من الإيجابيات مثل ما لها من السلبيات، وترى الدراسة الراهنة أنه من الضرورى التعامل مع هذه الوسائل ، والتواصل معها، ومع كل الإنجازات الحديثة، ولكن يكون ذلك التواصل من خلال التأكيد على القيم الدينية، والأخلاقية والعمل على بث روح الانتماء لدى الشباب، وحل مشكلاتهم عبر هذه الوسائل، وليس فرض البرامج ، والإعلانات عليهم ، تلك التى ينتج عنها إصابة هؤلاء الشباب بالإحباط، وعدم الانتماء، وهذا يقع على عاتق الحكومة، أما الأسرة فيقع عليها عبء الإرشاد، والتوجيه، والمراقبة على استخدام الشباب الإنترنت فى المنازل وعلى الجميع العمل على استخدام وسائل الاتصال الإلكترونى بصفة عامة، وشبكة الإنترنت على وجه الخصوص الاستخدام الأمثل والاستفادة منها بالتمسك بإيجابياتها، والتخلى عن سلبياتها التى يمكن أن تطمس معالم الحضارة، والثقافة المصرية العريقة."
الإدمان والعزله الاجتماعية:
لا شك أن شبكه الانترنت مغريه وتجذب الشباب بشكل خطير جدا وينتهى بهم الامر الى الادمان الذى يؤدى الى عزله عن المجتمع ، فالهدر في الطاقات على أشده ويبدو الوقت بلا قيمة ولا معنى وخصوصاً لدى الشباب الذي ترك يواجه الفراغ والبطالة والعجز والإحباط وفقدان الأمل في مستقبل افضل، فيبحث عن تسلية وقته في حجرات الدردشة التي تتحول مع الوقت إلى ادمان اشبه بادمان المخدرات لا يمكنه الخلاص منه فيظل بعضهم مرابطاً أمام هذا الجهاز بالساعات المتواصلة التي تزيد احياناً على عشرساعات في اليوم الواحد وتتمز هذه الغرف بأنه من الصعب احصاؤها ؛ لأن الشباب يؤسسون غرفاً جديدة خاصة بهم كل فترة وبالتالي تزداد كمية هذه الغرف يوماً بعد يوم، وبحسبة بسيطة فإن الساعات المهدرة يومياً بين الشباب العربي في هذه الغرف فيما لا طائل من ورائه سوى الفراغ والبطالة .
كما تتميز الدردشة في هذه الغرف بغياب الهدف في ظل إهدار عشرات الآلاف من الساعات يومياً وهي كمية كبيرة من الوقت لو حسبناها بعدد الاشهر لوجدنا ملايين الساعات على مدار العام ولو وظفت هذه الطاقات في مجال الكمبيوتر بطريقة سليمة وصحيحة فتم توجيه هؤلاء الشباب لدراسة وعمل برمجيات لتحول
هذا الوقت المهدر بلا قيمة لملايين الدولارات تدر دخلاً على هؤلاء الشباب وتجتذب طاقاتهم وتشغل أوقاتهم في أشياء مفيدة وتفتح امامهم ابواب الأمل في المستقبل، لأن البرمجيات عمل مفيد ومربح جداً ومطلوب في وقتنا الراهن وخصوصاً في الدول المتقدمة التي تجتذب هؤلاء الشباب وبأجر كبير ومرتفع.
ويتراوح متوسط الأعمار للشباب المترددين على هذه الغرف ما بين
15 الى 45 سنة، وتشكل المرحلة العمرية من 18 الى 35 نسبة تزيد على 75% من المستخدمين لتلك الغرف وباقي النسبة اما تحت هذا العمر أو فوقه ، إلا أنه غالبا ما تكون الاعمار الكبيرة التي فوق سن 35 سواء من الرجال أو النساء يترددون على هذه الغرف كنوع من الهروب من مشاكل وخلافات غالبا ما تكون زوجية عند المتزوجين مثل عدم الانسجام والتفاهم بين الزوجين او هروبا وقتلا للوقت عند المطلقين وغير المتزوجين في تلك الفئة العمرية.
الانفتاح الاعلامي:
حيث كان انتشار الاخبار والمعلومات قد أدى الى أثارة بعض الفتن والثورات من ردود أفعال الشباب ، مما يأثر سلبا على استقرار المجتمع ، سياسيا وامنيا وقد يسبب وضع الحكومات فى وضع محرج امام شعوبها ، تحوّل بعض القنوات الفضائية العربية، خصوصاً قنوات الدجل والشعوذة التي انتشرت بكثافة في السنوات الأخيرة، إلى معاول تهدم الثقافة والتقاليد التي طالما حافظت على البيت العربي مثل الترويح لأفكار السحر والشعوذة ، وعلى هذا الأساس يقول الدكتور إسماعيل يوسف «مجتمعاتنا العربية تتحوّل إلى نظام رأسمالي يعتمد على تحقيق الربح بأي وسيلة، حتى لو وصلت إلى الإجرام في حق الناس، لذا ظهرت بعض الأمور التي هي في الحقيقة مجرد تفاهات لا أساس لها من الصحة، ولا تحمل قيمة بل تلعب على مشاعر الناس وتضللهم وتهدم العلاقات الإنسانية بينهم.
كما يضيف أيضاً «تغيّب هذه القنوات العقل العربي وتعلي من شأن الخرافة وتجاهل العلم، لذا لا بد من أن تُحسّن وسائل الإعلام أوضاع الناس الثقافية وتهتم بأحلامهم وطموحاتهم، وهذا لن يتحقق أبداً في ظل ترويج الإعلام للخزعبلات. خطورة هذه القنوات أنها ترسّخ الجهل والتخلّف، ولا تساعد في بناء مجتمع متطوّر، وأن الناس يتّجهون إلى هذه الفضائيات لتغييب عقولهم وتخدير رؤوسهم تماماً مثلما يفعل مدمن المخدرات. بمعنى آخر أن هذا السلوك الخاطئ ينطوي على محاولة واضحة للهروب من مشاكل الواقع المختلفة نتيجة التفكك الأسري وغياب الوازع الديني وتراجع الدور الثقافي والتنويري.
ظهور لغة جديدة بين الشباب:
تتميز هذه اللغة بأنها اشبه بمصطلحات خاصة لا يعرفها إلا من يعاشرهم بصفة مستمرة ويعرف هذه المصطلحات، وكما يقول علماء اللغة ان لكل طائفة وفئة مصطلحاتها الخاصة لا يعرفها الا أهل الطائفة أو من يعاشرهم بصفة مستمرة للتجار لغتهم وللصنايعية لغتهم وكذلك للصوص والمجرمين لغتهم الخاصة ، وقد حذرت دراسة مصرية من ظهور "لغة موازية" يستخدمها الشباب العربي في محادثاتهم عبر الإنترنت، تهدد مصير اللغة العربية في الحياة اليومية لهؤلاء الشباب وتلقي بظلال سلبية على ثقافة وسلوك الشباب العربي بشكل عام واعتبرت الدراسة التي أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة أن اختيار الشباب ثقافة ولغة خاصة بهم هو تمرد على النظام الاجتماعي، لذلك ابتدعوا لونا جديدا من الثقافة لا يستطيع أحد فك رموزها غيرهم لكن خبراء تربويين قالوا إن استعمال الشباب لغة خاصة بهم ليس تمردا وإنما نوع من الهروب من المجتمع، وأن على الكبار احترام لغتهم الجديدة وعدم الاستهزاء بها طالما أنها لا تتعارض مع الآداب العامة في المجتمع..
وأشارت الدراسة التي أعدت تحت عنوان "ثقافة الشباب العربي"، إلى أن "ثقافة الفهلوة" التي ظهرت بين الأوساط الشبابية في الثمانينيات عادت وبقوة في الآونة الأخيرة محمولة على أكتاف مجموعة من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية أيضا؛ حسب موقع فضائية الجزيرة .
وركزت الدراسة على شريحة عشوائية من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و35 عاما، ورصدت وجود تأثير للإنترنت على مفردات اللغة المتداولة بين الشباب على مواقع الإنترنت والمدونات وغرف المحادثات وأوضحت أن طبيعة الإنترنت باعتبارها وسيلة اتصال سريعة الإيقاع قد واكبتها محاولات لفرض عدد من المفردات السريعة والمختصرة للتعامل بين الشباب ..
وأوضح الدكتور علي صلاح محمود الذي أعد الدراسة أن حروف لغة القرآن تحولت إلى رموز وأرقام وباتت الحاء "7" والهمزة "2" والعين "3" وكلمة حوار تكتب "7war" وكلمة سعاد تكتب "so3ad" وكلمة you تكتب "u".. إلخ.
وقال إن واقع شبابنا اليوم وعزوفه عن المشاركة في قضايا المجتمع أصبح لا يبشر بخير على الإطلاق خاصة في مجتمعنا العربي الذي يبتعد فيه شبابنا عن الأنشطة السياسية والاجتماعية نتيجة التأثر بالإعلام الخارجي ، وفسر الباحث لجوء الشباب إلى لغة حديث موازية بوجود شعور بالاغتراب لديهم يدفعهم للتمرد على النظام الاجتماعي وتكوين عالمهم الخاص بعيدا عن قيود الأباء، وأضاف "أنهم يؤلفون هذه اللغة كقناع في مواجهة الآخرين.
وقال الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة للجزيرة نت :إن ظهور لغة جديدة بين الشباب أمر طبيعي يتكرر بين مدة وأخرى، ويعكس التمرد الاجتماعي وعدم تفاعلهم مع الكبار، ويظهر عادة في نمط مميز من اللغة أو الملابس أو السلوكيات اليومية ، كما أوضح أن الإنترنت ليست وحدها المسؤول عن تغير لغة الشباب، فالعديد من المصطلحات الأجنبية المنتشرة بين الشباب سببها استخدام الإنجليزية كلغة تعامل في بعض أماكن العمل، إضافة إلى تردي التعليم الجامعي الذي لا يهتم أصلا باللغة العربية، وصولا إلى الدراما العربية وما تقدمه في المسلسلات والأفلام من ألفاظ شاذة..
كما أقر أستاذ الإعلام بوجود تأثير ملحوظ للإنترنت على عادة القراءة لدى المصريين والعرب سواء قراءة الكتب أو الصحف والمجلات، مشيرا إلى أن درجة الاستفادة من الإنترنت أو الكتب تتوقف على وعي الجمهور واستعدادهم للتحصيل والثقافة وأشار إلى أن الإنترنت وما حملته من ثورة في عالم الاتصال والمعرفة أصبح إشكالية كبيرة فيما يتعلق بحجم الحرية التي يقدمها، فهو بنظر البعض ميزة كبيرة تتيح الإبداع وحرية التعبير، لكن آخرين يرون أنه أزال سقف الرقابة الاجتماعية والأخلاقية وأصبح يهدد قيم المجتمعات مثل إهدار مليارات الدولارات سنوياً على السحر عبرفضائيّات الدجل والشعوذة.
وعن المفهوم السيسيولوجي للإنترنت قال منيرعتيبة "إذا وصفنا مستعملي شبكة الإنترنت بأنهم يمتلكون ثقافة متميزة، إذن فهم يحتاجون أولا أن يكونوا مجتمعا واحدا، وكيف يكونون مجتمعا واحدا مع الحجم الكبير لامتداد شبكة الإنترنت عبر الفضاء العالمي الواسع؟." غير أن المعضلة يمكن أن تحل بالنظر إلى الإنترنت كبنية فوقية مجتمعية، أو بنية فوق مجتمعية، وبالتالي فالإنترنت وعاء لبنية فوقية مجتمعية ،وإنه لا يجب النظر إلى الشبكة كمجتمع مستقل، بل كبنية فوقية مجتمعية متحررة من قيود الطبيعة البشرية، وتستطيع أن ترضي وتزود أعضاءها بإشباعهم بمواد جاذبة لهم، وبالرغم من أن ثقافة الإنترنت توصف بالتميز الواضح المختلف، إلا أنها تشترك في العديد من العناصر مع الثقافات السائدة الأخرى. فثقافة الإنترنت تعد امتدادا طبيعيا للعناصر السائدة في الثقافات الأخرى، فمعظم ثقافة الإنترنت مأخوذة من هذه الثقافات السائدة، لكن هناك الكثير أيضا من تلك العناصر حدث لها تكيف ثقافي مع البيئة الجديدة وهي الإنترنت.
وأوضح عتيبة، في عرضه، أن العديد من علماء الاجتماع كتبوا عن تطوير الكيانات الاجتماعية على الإنترنت، وتلك الكيانات الاجتماعية الرقمية الجديدة تكونت في هيئة جماعات رقمية يتم تحاور البشر وتواصلهم عبرها، ومن أشهرها usernet فهي الشريان الذي يربط بين تلك الجماعات، وذلك من خلال المشاركة في المجموعات الإخبارية والبريد الإلكتروني ولوحات الرسائل وحجرات الدردشة ومؤتمرات الفيديو، حيث يتم الحوار بين آلاف البشر عن طريق شبكة الإنترنت، وهنا يثار تساؤل حول تلك المجموعات، وهل تعد مجتمعات محلية على فضاء الإنترنت؟ وهذا السؤال يولِّد سؤالا آخر عن تعريف المجتمع المحلي، وخاصة المجتمع المحلي المتشابك الخاص.
ثم ينتقل عتيبة إلى محور آخر عن العناصر المساعدة في ثقافة الإنترنت، ومنها: حرية المناقشة والتعبير، والترحيب الدائم بالأعضاء الجدد، والشعور بالانتماء القوي لثقافة مجتمع الإنترنت. وأيضا في ثقافة الإنترنت تُعرف شخصيتك من الذي تقوله، ولا يهم من تكون في الواقع، فضلا عن طرح ما يسمى بثقافة الهاكرز وتأثيراتهم على مجتمع الإنترنت الذي يعد مجتمعا تخيليا أو خائليا، بعد ازدياد شعبية الشبكة .
المصادر و المراجع :
- د. عبد الغني عماد،((سوسيولوجيا الثقافة- المفاهيم والإشكاليات من الحداثة إلى العولمة))، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية.
- مجموعة مؤلفين،((التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية))، بيروت، مؤسسة الفكر العربي، 2008م.
جون هارتلي وآخرون،((الصناعات الإبداعية))، ترجمة: بدر السيد سليمان الرفاعي، الكويت، عالم المعرفة، 2007م، ج.1
- زاهر راضي، “استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي”، مجلة التربية، ع15 ، جامعة عمان الأهلية، عمان، 2003م.
- د. عباس مصطفى صادق، “الاعلام الجديد: دراسة في مداخله النظرية وخصائصه العامة”، البوابة العربية لعلوم الإعلام والاتصال، 2011م.
- عباس مصطفى صادق، “الإعلام الجديد: المفاهيم والوسائل والتطبيقات”، عمان، دار الشروق، 2008م.
- أولجا جوديس بيلي، بيلي كاميرتس، نيكوكاربنتيير، “فهم الإعلام البديل”، ترجمة: علا أحمد إصلاح، القاهرة، مجموعة النيل العربية، 2009م.
- دنيس مكويل،((الإعلام وتأثيراته - دراسات في بناء النظرية الإعلامية))، ترجمة: عثمان العربي،1993م .
- د. مي العبد الله، (( الاتصال والديمقراطية))، بيروت، دار النهضة العربية،2005م .
- د. نصر الدين لعياضي، “الرهانات الابستمولوجية والفلسفية للمنهج الكيفي/ نحو أفاق جديدة لبحوث الإعلام والاتصال في المنطقة العربية”، أبحاث المؤتمر الدولي، “الإعلام الجديد: تكنولوجيا جديدة... لعالم جديد”، جامعة البحرين، من 7-9 ابريل 2009م، ص18.
- د. عزة مصطفى الكحكي، “استخدام الانترنت وعلاقته بالوحدة النفسية وبعض العوامل الشخصية لدى عينة من الجمهور بدولة قطر”، أبحاث المؤتمر الدولي، “الإعلام الجديد: تكنولوجيا جديدة... لعالم جديد”، جامعة البحرين، من 7-9 ابريل 2009م، من ص269 الى ص272.
- د. عبد الله زين الحيدري، “الإعلام الجديد: النظام والفوضى”، أبحاث المؤتمر الدولي، “الإعلام الجديد: تكنولوجيا جديدة... لعالم جديد”، جامعة البحرين، من 7-9 ابريل 2009م، ص128. 12- د. بهاء الدين محمد مزيد،
-إيمان جمعة: التعرض لوسائل الإعلام التقليدية والحديثة وعلاقته بمستوى المعرفة السياسية لدى الشباب الجامعي – المؤتمر العلمي السنوي السابع ، جامعة القاهرة ، كلية الإعلام ، مايو 2001.
- ،محمد بن صالح الخليفي : "تأثير الإنترنت في المجتمع: دراسة ميدانية"، عالم الكتب، المجلد22، العددان 5 ،6، 2002 ، ص 469–502.
– عبد الرحمن الشامي : استخدام الشباب الجامعي اليمني للانترنت:دراسة مسحية، المجلة العربية للعلوم الإنسانية ، جامعة الكويت، العدد 22، 2004 ، ص 155-208.
- تحسين منصور : استخدام الإنترنت ودوافعها لدى طلبة جامعة البحرين ، دراسة ميدانية ، جامعة الكويت ، المجلة العربية للعلوم الإنسانية ، العدد 86 ، 2004 .
- محمد يونس، استخدام طلبة جامعة الإمارات العربية للإنترنت كمصدر للثقافة الإسلامية " دراسة ميدانية "، مجلة العلوم الإنسانية و الاجتماعية، عدد 21 ابريل 2005، ص 461
- Bryant, J.A., Sandres-Jackson, A., & Malhwood, A.M.R Image Text Messaging and Adolescent Social Networks, Journal of Computer- Mediated Communication Article 2006
- علي ليلة ، دور الإعلام في تكنولوجيا المعلومات في تهتك النسيج الأسرى رصد لتحرك التفاعل من المركز