ثقافة الأمل ودور الشباب في بناء الأوطان
خطة البحث :
1- المقدمة.
2- أهمية البحث.
3- الشباب وثقافة الأمل.
4- الشريعة والخطاب الديني في تجديد ونشر وثقافة الأمل.
5- فن صناعة الأمل.
6- صناعة الأمل ضرورة لبناء ومستقبل الأوطان.
أولا المقدمة :
الحمد لله رب العالمين … جعل القوة في الشباب فقال تعالي (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ) الروم (54) . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي علي شيئ قدير .. مدح الشباب في القرآن الكريم فقال تعالي (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) الكهف (13). وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم أوصي بالشباب خيرا فقال صلي الله عليه وسلم ( أوصيكم بالشباب خيرا فإنهم أرق أفئدة ، لقد بعثني الله بالحنفية السمحة فحالفني الشباب وخالفني الشيوخ ) رواه البخاري . فاللهم صل وسلم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن والاه إلي يوم الدين .. أما بعـــــــــد :ــ الشباب هم مستقبل وأمل كل أمه ونهضتها ولا قيام لاوطن بدون سواعد الشباب وانتشار الأمل والطموح والعمل بينهم.
إن المجتمعات لا يمكن أن تنمو وتتطور وتتقدم دون أن تعتمد في بنائها على عاتق شبابها ، إذ لا تنمية بدون شباب فهذه الشريحة من المجتمع التى تشكل ما نسبته أكثر من نصف المجتمع المصري والى تجمع بين القوة الفكرية والبدنية والقدرة على التجديد وتحقيق الازدهار والتقدم عندما تتوفر لها الرعاية والاهتمام اللازمين منذ الطفولة المبكرة ،سوف ينتقل هذا المجتمع من مرحلة التخلف الى مرحلة التقدم والمجتمع يعول كثيراً على شبابه فبالشباب ينهض المجتمع وبالشباب يخطو خطوات متقدمة لتحقيق أهدافه.
ولتحقيق أهداف المجتمعات وبناء الأوطان يجب أن يتحلى الشباب بثقافة الأمل وصفاتها.
الأمل و التفاؤل من الصفات الحميدة التي يجب أن يتحلى بها كل إنسان، وأن يصبح الشعور بالتفاؤل سلوكاً حياتياً نعايشه في كل صباح ومساء؛ فالإنسان المتفائل أكثر سعادة واستقراراً من الإنسان المتشائم، والمتفائل دائماً تجده هادئاً ومبتسماً، وصاحب طرح واقعي وشفاف، يحاول الابتعاد عن النقد الجارح الذي يضر الآخرين أو يجرحهم، فالرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم الذي هو قدوتنا كان من صفاته النبيلة «التفاؤل»؛ وكان يحب التفاؤل في كل أموره الحياتية وخصوصاً عندما اشتد عليه الأمر في مكة، وبدأ يستعد للهجرة إلى يثرب، حتى أثناء غزواته عليه الصلاة والسلام كان التفاؤل يلازمه دوماً، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح»، وكذلك الأمل الذي ينبغي أن يلازم الإنسان طوال حياته في شبابه وهرمه؛ كثير منا تجده يأمل بطول البقاء، ويأمل بأشياء كثيرة، وقد روي عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إن الأمل رحمة من الله لأمتي، ولولا الأمل ما أرضعت أم ولداً، ولا غرس غارس شجراً» فما أجمل الأمل الذي تعززه الثقة بالله! فقد ذكر الله عز وجل مواضع عديدة في كتابه العزيز عن الأمل والرجاء به، من خلال القصص التي وقعت لأنبيائه ورسله فهذا نبي الله يعقوب عليه السلام عندما اشتد به الحزن على فراق ابنه «يوسف» وأخيه «بنيامين» لم ييأس من رحمة الله، إنما كان متفائلاً بالله بأنه سوف يجدهما فأرسل أبناءه مرة أخرى للبحث عنهما يقول الله تعالى على لسان يعقوب «يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ» يوسف آية 87، وأيوب عليه السلام عندما ابتلي في فقد ماله وولده وصحته فدعا الله سبحانه وتعالى: «وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» الأنبياء آية 83، فاستجاب الله له وأرجع له صحته وكثر ماله ورزقه ذرية مرة أخرى: «فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ» الأنبياء آية 84، ولهذا تجد أغلب المربين والمدربين والمستشارين الأسريين ينصحون دائماً بأن يتحلى الإنسان بالتفاؤل والأمل، وأن يبتعد عن اليأس والقنوط والإحباط في الحياة؛ فالابتعاد عن التشاؤم واليأس يبعث في النفس الشعور بالسعادة والفرح والأمل.
ثانيا : أهمية البحث.
أهمية موضوع البحث من دراسة ظاهرة اليأس والقنوط لدى شبابنا فاليأس يؤدي إلى الهاوية والسير مع الركب والقطيع فى طريق مظلم يؤدي للضياع وبالأمل تحيا الأوطان
ثقافة الأمل وصناعتها لدى شبابنا عامل هام وأساسي لبناء الأوطان ونهوض المجتمعات والتعايش سويا في مجتمع راق ومنظم يتطلع لمستقبل أفضل ونهضة حقيقية وفى الآونة الأخيرة نجد شبابنا والمصري ييأس ويحاول الهروب من واقعه في اقرب وقت لاستشراق مستقبله في الخارج وتحيط به مظاهر اليأس من كل جانب لذا يأتي هذا البحث للحديث عن ثقافة الأمل وصناعتها ودورها في بناء الأمم ونهضتها
إن دراسة ثقافة الأمل يمثل أهمية بالغة للمجتمع، حيث في حال تطبيق النتائج العلمية لمثل هذه الأبحاث ، يمكن أن يجنب المجتمع الانزلاق نحو التخلف والهدم واليأس وعدم الاستقرار ، وتمثل هذه الدراسة أهمية للباحث، الذي يهدف إلى أن يوضح أهمية الأمل وزراعته لدى شبابنا الذي بدوره وبآماله يستطيع بناء وطنه إذا تحلى بالأمل إلى جانب ذكر ماتذكره لنا شريعتنا السمحاء من أهمية التحلى بالأمل والعمل والتطلع للمستقبل؟
ثالثا : الشباب وثقافة الأمل
لعل من الأمور التي يجب الحرص عليها والانتباه لها – خاصة في زمن الشبكة العنكبوتية والسماوات المفتوحة – هو أن نسعى جاهدين إلى التركيز مع شبابنا، من أجل معالجة قضاياهم وإعانتهم على ما يواجههم من تجليات وظواهر نفسية ترتبط بهذه المرحلة العمرية؛ إذ للشباب همومهم ومتاعبهم التي ترتبط بالتغيرات الفسيولوجية (الطبيعية)، والسيكولوجية (النفسية)، التي تحدث لهم في هذه المرحلة السنية.
ولا شك أن هذه التغيرات تؤثر بشكل كبير على نظرتهم إلى ذواتهم ومجتمعاتهم ومستقبلهم وتطلعاتهم.. ولما كان الواقع بتداعياته قد فرض على شبابنا الإحساس بشيء من القلق والتوتر من المستقبل؛ فإن الأمر يقتضي منا، بل يوجب علينا الاضطلاع بمسؤوليتنا تجاه بث روح الأمل والتفاؤل في نفوسهم.. من هنا وجب الحديث عن «ثقافة الأمل».. تلك الثقافة التي من شأنها – في حال انتشارها - تخليصهم من نزعات التوتر، والقلق، والشك، واليأس، والقنوط، والضجر، تلك النزعات التي يحرص على بثها والتكريس لها في عقول أبنائنا أعداء الأمة وخصومها المتربصون بها وبذخيرتها الحية الواعدة المتمثلة في شبابها وأجيالها الناهضة.
ولعل من أطيب الحديث في هذا السياق الإشارة إلى أن الخطاب القرآني قد نبه العقل الإنساني إلى العديد من القيم النبيلة والسامية التي من شأنها المساهمة بشكل فاعل في دفع الحياة إلى النور، وجعلها مضيئة، مشرقة، مبهجة، يملأ البشر جنباتها ويتغلغل التفاؤل في أوصالها.. من هذه القيم، بل من أبرزها، قيمة «الأمل»؛ إذ اهتم القرآن الكريم كثيرا ببث ثقافة الأمل في نفوس المؤمنين به لأهمية دورها الفاعل في تنمية الحياة الإنسانية وتقدمها وإشاعة الخير في جنباتها.
ويجب أن ندرك أهمية انتشار وشيوع «ثقافة الأمل» بين شبابنا خاصة في هذه المرحلة من عمر التاريخ العربي والإسلامي.. حيث يسعى المسلمون بكل ما آتاهم الله تعالى من إمكانيات باتجاه تعويض ما فاتهم من عوامل التقدم وأسباب الازدهار، وحيث تسعى الأمة إلى بذل المزيد من الجهد في سبيل نشر الوسطية الإسلامية السمحة للتخلص من صيحات التشدد ونداءات التطرف التي يشيعها أولوا الأفق الضيق، ويلفظها وينتقدها أولوا العقول المستنيرة والألباب الراجحة.
رابعا : الشريعة والخطاب الديني في تجديد ونشر وثقافة الأمل
لقد درج الخطاب الديني منذ عصور التراجع الحضاري للأمة الإسلامية على التركيز علي الأمور والغيبية والانشغال بأمور الآخرة علي حساب الأمور الدنيوية، واهتم اهتماما مبالغا فيه بالحديث عن عذاب القبر وأهوال يوم القيامة، وانشغل الخطاب الديني بصفة أساسية بالترهيب بدلا من الترغيب، والتشدد في أمور الدين بدلا من التيسير، واهتم بالأمور الهامشية والشكليـة بدلا من الاهتمام بمقاصد الشريعة وجوهر الدين والقيم الاسلامية الدافعة لتقدم المجتمع وترقية الحيـاة.
وقد كان من نتيجة ذلك أن ساد التواكل بين الناس والخوف من المصير المجهول، وانتشر الفهم المغلوط للقضاء والقدر، وتلاشت المبادرات الذاتية اعتمادا علي معجزات غيبية، وعلي الرغم من التطورات المذهلة التي حدثت في عالمنا المعاصر
علي جميع المستويات والتي أحدثت نقلة نوعية في أفكار الناس وثقافتهم، فإنه لا تزال هناك آثار باقية مترسبة في الخطاب الديني حتي اليوم سواء من حيث الشكل أو المضمون. وقد آن الآوان لأن يتخلى الخطاب الديني المعاصر عن هذا التوجه الذي ورثناه من عصور التراجع الحضاري، فالأمة الإسلامية اليوم في أشد الحاجة الي صحوة حضارية، وعالمنا المعاصر عالم مختلف اختلافا جذريا عن العوالم السابقة بفضل ثورة المعلومات والاتصالات والثورة العلمية والتكنولوجية، وذلك فضلا عن تداعيات عصر العولمة في مختلف الاتجاهات، ولن يكون للعالم الاسلامي مكان في هذا العالم الا إذا نفض عن نفسه غبار التخلف، واتجه بكل ما يستطيع من جهد الي التزود من العلوم والتنافس فيها ليبني ويعمر، ويحقق إرادة الله في استخلاف الإنسان في الأرض لعمارتها وصنع الحضارة فيها.
وهذه الصحوة الحضارية تتطلب خطابا دينيا مختلفا يبعث الأمل في النفوس لينطلق المسلمون الي العمل والانتاج من أجل هذه الدنيا التي نعيش فيها، فمن لا خير له في دنياه لا خير له في آخرته، والإنسان المحبط اليائس لا ينتظر منه أن يفعل شيئا لتغيير أوضاعه، أما النفوس المملوءة بالأمل فهي المؤهلة للانفتاح علي الحياة وعلي العمل والإنتاج. والقرآن الكريم عندما طلب منا العمل من أجل الآخرة نبهنا في الوقت نفسه إلي ضرورة العمل من أجل الدنيا والتمتع بطيباتها، وفي ذلك يقول القرآن الكريم : ( وابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ ولا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ).
ومن الأمور الجوهرية في الإسلام – والتي تملأ القلوب بالأمل وتنعش النفوس بالتفاؤل – أن الله سبحانه وتعالي قد جعل من الرحمة الهدف الأسمى والغاية العظمى للرسالة الإسلامية، كما جاء في القرآن الكريم في قول الله تعالى لنبيه : (ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ).
روت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها إنها قالت للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من أحد؟ فقال لها صلى الله عليه وسلم: "لقد لقيت من قومي وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ليل بن عبد كلام فلم يجبني إلى ما أردت، فإنطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي وإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال وقال: بعثني الله إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت؟ إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، فقال صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً".
إنه أمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالله عز وجل بنصر هذا الدين الحنيف، وإن الأمل لخلق كريم، فبه تنشرح النفس ويتسع مجال العمل، ويقوم الإنسان بما عليه من واجبات الحياة، طبقاً للأحكام الشرعية، فلا يصيبه فيها ملل، ولا تعتريه منها كآبة، فما أصابه من خير شكر الله، وما مسه من سوء، قابله برباطة جاش وثبات جنان، وتضرع إلى مولاه الأعلى أن يخلف عليه فيما أصابه في عيشه، ويزيل عنه ما اعترضه في أمور حياته، ثم هو لا يكاد يستأنف عملاً عمله إلا واضعاً الأمل نصب عينيه، لعلمه أن العدة على أقتحام المصاعب بصدر رحب، والوسيلة على إرتكاب الأهوال في سبيل الوصول إلى الطلب، وغير هياب ولا وجل ما دام يعتقد إنه على طريق الحق يسير، وإلى غاية شريفة يأمل، واقفاً عند حد لذلك الأمل حتى لا يخرج به إلى درجة الطامع في الدنيا والمتكالب عليها.
وشتان ما بينه وبين أمرئ انقطع الأمل منه منه فتسرب اليأس إلى فؤاده، وتملك القنوط من قلبه، فقعد عن العمل، وكف عن السير في سبل الحياة، حتى ضاقت به الأرض على سعتها وأصبح يعيب الزمان وأهله، وما للزمان عيب سوى نفسه، ثم صار يطلب الفرار من الحياة، وربما أهلك نفسه تخلصاً منها، وهو ما نشاهده بين ظهرانينا من بعض الجهلاء الذين يأسوا من حياتهم، فيذهب الواحد منهم غير مأسوف عليه وبئس المصير.
قال الله تعالى: (وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)، وقال جل وعلا: (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ).
الأمل .. ما أراده الله عز وجل من عباده المؤمنين، فلا يأس ولا قنوط بل أمل وثقة برحمته جل وعلا، وفضله ومنه وكرمه، وأنه تعالى ميسر لكل أمر لا يغضبه ويعود على صاحبه وغيره بالخير والعطاء، فعلينا أن نتمسك بهذا الخلق الكريم، ونتخلق به، ونسير في ركب الآملين المتفائلين، لتغدوا حياتنا بعيدة عن الضلال والمضلين.
خامسا : فن صناعة الأمل
إن صناعة الأمل فن لا يتقنه إلا بعض الناس فقط، وهو عمل ليس بالسهل اليسير، كما أنه ليس بالصعب العسير، لكثير من الناس يستطيع أن يملأ قلبَك يأسًا وحياتَك قنوطًا، ونفسك تعاسةً، وينتقي لك من الأخبار ما يؤكد وجهة نظره في الشؤم واليأس، بينما القليل جدًا من الناس من يملأ قلبك أملًا ونفسك تفاؤلاً ويؤكد لك وجهة نظره ورؤيته بالكثير من الأحداث والوقائع والتحليل للأوضاع الراهنة، وآليات الانتقال من السيئ إلى الحسن ومن الحسن إلى الأحسن.
الناتج في الحالة الأولى (حالة اليأس) إنسان منهزم نفسيا، متشائم، قانط من أي إصلاح، مدبر عن الحياة، مقبل على هموم ونكد وتعاسة، بينما الناتج في الحالة الثانية (حالة الأمل) إنسان متفائل فرحٌ سعيدٌ مسرورٌ مقبلٌ على الحياة والعمل والإنتاج، لديه أمل لا يغيب في غدٍ أفضل، وحياة أجمل.
إن صناعة الأمل فنٌ لا يتقنه إلا بعض الناس فقط، وهو عملٌ ليس بالسهل اليسير، كما أنه ليس بالصعب العسير، بل يقوم على نظرة تفاؤلية إيجابية للحياة.
تتبنى المعارضة الهدّامة دائمًا عمليةَ اليأس من الإصلاح لتنفير الناس من النظام الحاكم، بينما المعارضة البنّاءة تنتقد النظام القائم لتطوّر منه للأحسن، لا لتهدمه تمامًا وتقوم هي على أنقاضه.
المُصلح الحقيقي مطلوب منه أن يبعث الأمل دائمًا في نفوس الجماهير وأن يبتعد كل البعد عن هواجس اليأس، وبواعث القنوط في أنفس البشر، وهو مُطالبٌ ليس فقط ببعث الأمل في نفوس المؤيدين لتثبيتهم على مواقفهم بل أيضًا في نفوس المعارضين لإثنائهم عن نظرة التشاؤم واليأس التي تطفئ في نفوسهم أي بريق للإصلاح.
وتقوم على عملية نشر اليأس بين الناس أنظمة عالمية تدفع بالمليارات من الأموال لقنواتٍ مأجورة لتبثَّ في الناس الانهزامية والقنوط والنفور عن أي عمل يساعد على الإنتاج والبناء والتقدم، ويساعدها في ذلك الكثير ممن كانوا منتفعين من النظام السابق وممن تقوم حياتهم على السرقات والنهب والرشاوى ولا يستطيعون العيش في مجتمع نظيف خالٍ من الأمراض الأخلاقية قائم على العدل والمساواة بين الناس.
غير أنه في المقابل وبفضل الله تصطدم هذه القنوات وأمثالها من وسائل نشر اليأس بجبال من الأمل مترسّخة في نفوس الجماهير من واقع تجربتها الممتدة مع المنظمة الفاسدة والتي لم يكن أحدٌ يتوقع أن تسقط رؤوسها بتلك السرعة، وكذلك من واقع إيمانها العميق المتأصل في نفوسها بحتمية وجود فترة انتقالية متأرجحة بين نظام كامل الفساد ونظام يسعى لإصلاح ما أفسده من قبله وبناء حضارة جديدة يهنأ بها البشر في الحاضر والمستقبل.
التفاؤل طريق الإصلاح، والأمل دافعٌ للعمل، والعمل طريق الإنتاج، والإنتاج المُتقَن هو أساس الحضارة والرقيّ والرفاهية.
دُعُونَا نتفاءل بغدٍ أفضل وواقعٍ أجمل وحياة هانئة وليكن هذا دافعًا لنا لمزيد من العمل والإنتاج.
حالة من اليأس والإحباط الغريب تنتاب الكثير من الشباب العربي هذه الأيام، وتدفعه للانسلاخ من مجتمعه، والانقياد الأعمى لكل ما هو غربي، والإعجاب بكل فعلٍ أو حدثٍ يصدر ممن سموا أنفسهم «دول العالم الأول»، ووسمونا نحن ظلماً وتجنياً بـ «دول العالم الثالث»، في مخططٍ خبيثٍ يرمي إلى تثبيط الهمم وتكسير العزائم ليكون صاحب البشرة البيضاء والعيون الزرقاء هو الآمر الناهي، والمتحضر الراقي والعقلية الفذة، التي لا يجاريها أحد من «دول العالم الثالث»، ولا يدانيها كائن من كان في مجتمعنا. -2013/04/11
رسالتي لشبابنا.. أن ارفع راسك، وأعتز بانتمائك العربي، فقد شرفك الله بأن جعل خاتم رسله عربي، وجعل قرآنه عربي، وأمتك العربية الإسلامية هي من وضعت أسس العلوم المختلفة، وأضاء نور علمها غياهب جهل أوروبا، وتعاليم ديننا السمح أهدت البشرية خير المجتمعات منذ آلاف السنين، وحفظت حقوق الإنسان قبل أن يعرفها مواطنو «دول العالم الأول»، فدخل الناس في دين الله أفواجاً، ومن قلب عالمنا العربي دان لنا حكم المشرق والمغرب، لا بحد السيف ولكن بحسن المعاملة والخلق.
أدرك تماماً حال عالمنا اليوم، وتخلفنا عن ركب التطور والتقدم، ولكن دعوتي للشباب أن تمسكوا بالأمل، فلكل جواد كبوة، والأيام دول، وأمتنا تمرض ولكن بإذن الله لن تموت. فلنبقي جذوة الأمل متقدة، ولنسير في طريق الأمل مهتدين بالضوء في آخر النفق، فمن سار وصل ومن جد حصد، ومن تفاءل بالخير وجده.
إن التفاؤل هو أول لبنة في صناعة الأمل، والوعي الإيجابي يزيد بناء الأمل تماسكاً ومنعة، والثقة في ولاة الأمور والالتفاف حولهم يشد عضد البناء، والنصح والنقد الهادف والتفاعل الإيجابي مع المجتمع يصحح المسيرة ويقومها ويعالج الأخطاء ويسد الثغرات، ووضوح الرؤية يقرب الهدف، ونشر الإيجابيات والإنجازات يشحذ الهمم ويدفعها للمزيد من الإنجاز، فنحن أمة اختصها الله بنشر خاتمة رسالاته، وحملها مسوؤلية قيادة البشرية نحو الخير والرخاء.
ارفع رأسك يا أخي، واملأ صدرك بهواء الأمل، فنحن نتقدم ونتطور ولو ببطء، ودولنا تحقق نتائج طيبة في مؤشرات التنمية البشرية «تعليم، صحة، مساواة بين الرجل والمرأة وغيرها»، ونحتل مراكز متقدمة على مستوى العالم من بين دول منظمة الأمم المتحدة الــ 193، ودولنا إحدى أفضل الأماكن التي يقصدها الناس للاستقرار والعمل فيها والأكل من خيراتها، ونسير بخطى ثابتة نحو نمو اقتصادي متزايد عامٍ بعد عام، ومشاريعنا الضخمة يشار لها بالبنان. هي ليست نظرة وردية لعالمنا، ولكنها نظرة منصفة وواقعية، لا تدعي الإبداع والتطور الكامل، ولكن تنصف المجهود الذي تم بذله، وتدعو للمزيد من الجهد والعمل لتحقيق رفعة الأمة واللحاق بركب النمو والازدهار، فأي قصور أو تأخر يمكن تجاوزه إذا ما عظمنا الثقة في دواخلنا، وزرعنا الأمل بين ظهرانينا.
نسأل الله أن يديم علينا نعمة الأمن والأمان ويحفظ أمتنا، وأن يلهمنا الأمل والتفاؤل، فالغد بإذن الله أجمل.
سادسا : صناعة الأمل ضرورة لبناء ومستقبل الأوطان
الأمل" هو من الصناعات الثقيلة" المطلوب توافرها لمشروع النهضة، وهو بمنزله "القاطرة" التي تجر خلفها هذا الجسد المثخن بالجراح، وتدفعه دفعا لليقظة واستئناف المسيرة.
لماذا الأمل؟
إن الإنسان بلا أمل هو ريشه في مهب الريح، لا إرادة له ولا اختيار، يتحول إلى "شيء" ليس له من سبيل إلا رده الفعل، ينتظر فعل الآخرين حتى يحدد لنفسه ما يمكن أن يتخذه من قرارات، وربما لا يقدر على اتخاذ أي قرار!!
هو- دون أمل- غير قادر على اخذ زمام المبادرة، واثبات الذات، وتلبيه طموحات النفس: فضلا عن تحقيق حاجاتها الضرورية.
وبالتالي فان أمه دون أمل راسخ عند أبنائها، هي "قطيع" من البشر. يساق إلى هلكته وحتفه ولا يملك دفعا ولا نصرا!! وهى حينئذ- كما جاء في الحديث الشريف- "غثاء كغثاء السيل" (رواه حمد).
ولن تتحول الأمة –أي أمة- إلى "غثاء" رغم كثرتها، إلا إذا فقدت فاعليتها، وأصبحت مجموعه أصفار مضافة إلى أصفار .. وهل ثمة شيء يستطيع أن يشل فاعليه الإنسان مثل أن يحيا بلا أمل؟!
إن استحضار الأمل "الغائب" كأنما هو "واقع" تراه العين وتلمسه اليد . واستئناس النفس بالفرج القريب، وبالفجر القادم خلف ظلمات الليل البهيم، هو طوق النجاة لها من تتابع الأزمات، وانسدادا الأبواب، وتعقد المشكلات.. وهو كفيل –حيث يبعث على استنفاد الأسباب- بأن يجعل الإنسان من داخله في طمأنينة ورضا وسكينه، وبأن تنفسح ذاته حتى تجد في تلك الطمأنينة والرضا والسكينة عوضا عن ضنك الحياة وبؤس الواقع.
وهذا الأمل الذي ينبغي على المسلم أن يستحضره، لا ينبني فقط على الإمكانات المادية التي يملكها بالفعل أو يتوقع حدوثها بالظن،بل يتأسس بالدرجة الأولى على الإيمان بالله سبحانه والثقة التامة في قضائه وقدره الذي هو دائما –أيا كانت صورته الظاهرة- خير للإنسان.
لذلك لم يكن عجيبا أن تقترن الصفة التي تضاد الأمل، وهى اليأس، بالضلال والكفر، والعياذ بالله ، كما جاء في قول الخليل إبراهيم عليه السلام: (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (الحجر:56) وفى قول نبي الله يعقوب عليه السلام وهو يخاطب أبناءه: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87).
وفى المقابل، جاء في السنة النبوية ما يؤكد الارتباط الوثيق بين التحلي بالأمل وإحسان الظن وبين الإيمان بالله والثقة في قدره، ففي الحديث القدسي: "أنا عند ظن حسن عبدي بي" (رواه البخاري ومسلم) وفى بعض الروايات: "فليظن بي ما شاء" (رواه احمد وغيره بإسناد صحيح)، وجاء أيضا: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل " (رواه مسلم). وقد ورد في الحكمة: تفاءلوا بالخير تجدوه.