الشطحات
الصوفية
فسر
أبو نصر السراج الطوسي الشطح الصوفي بأنه (عبارة مستغرقة في وصف وجد فاض بقوته،
وهاج بشدة غليانه وغلبته) (اللمع ص453)، وقد لجأ المتصوفة إلى هذا التعريف لتبرير
الكفر والزندقة الذي فاضت به كتب القوم وتواتر عنهم معتذرين أن ما قالوه قد قالوه في
حالة سكر بما تجلى لهم من حقائق وبما عاينوا من علوم وزعموا أنها أسكرتهم وأطارت
صوابهم، وجعلتهم يتكلمون بمثل هذه العبارات وهذا التبرير السمج الذي لجأ إليه
الصوفية لا يغير من الحقائق شيئا وهو أن ما قالوه كفر واضح ظاهر وافتراء على
الشريعة.
وقبل
أن نبدأ في تفنيد مزاعمهم نستعرض طائفة يسيرة من عباراتهم التي اعتذروا عنها بأنها
من الشطح وأن قائليها معذورون فيما قالوه لأنهم بزعمهم كانوا سكارى غائبين عن
وعيهم عند ذكرهم لهذه العبارات. فقد تواتر ونقل الناس عن أبي يزيد البسطامي أنه
قال: "رفعني مرة فأقامني بين يديه وقال لي: يا أبا يزيد إن خلقي يحبون أن
يروك!! فقلت: زيني بوحدانيتك وألبسني أنانيتك وارفعني إلى أحديتك حتى إذا رآني
خلقك قالوا: رأيناك، فتكون أنت ذاك، ولا أكون أنا هنا" (اللمع ص461) أ.هـ.
وذكر
عنه كذلك أنه قال: "أول ما صرت إلى وحدانيته فصرت طيراً جسمه من الأحدية،
وجناحاه من الديمومة فلم أزل أطير إلى أن صرت في ميدان الأزلية، فرأيت فيها شجرة
الأحدية" (اللمع الطوسي ص461)، ونقل عنه أيضاً أنه قال: "سبحاني
سبحاني" وقال أيضاً "ضربت خيمتي بإزاء العرش" (اللمع ص464)، ومر
يوماً بمقبرة للمسلمين فقال "مغرورون" و.. لليهود فقال
"معذورون"!! (اللمع ص463).
وأما
الشبلي فهو أحد مقدميهم وقادتهم واسمه دلف بن جحدر فقد قيل له يوماً: يا أبا بكر
أخبرنا عن التوحيد فقال للسائل: "ويحك! من أجاب عن التوحيد بالعبارة فهو
ملحد، ومن أشار إليه فهو ثنوي، ومن سكت عنه فهو جاهل، ومن هم أنه واصل فليس له
حاصل، ومن أومأ إليه فهو عابد وثن، ومن نطق فيه فهو غافل ومن ظن أنه قريب فهو بعيد
ومن تواجد فهو فاقد، وكلما ميزتموه بأوهامكم وأدركتموه بعقولكم في أتم معانيكم فهو
مصروف مردود إليكم محدث مصنوع مثلكم" أ.هـ.
وعندما
سئل الشبلي عن أبي يزيد البسطامي وعرض عليه بعض ما قاله البسطامي مما نقلناه آنفاً
قال الشبلي:
"لو
كان أبو يزيد ها هنا لأسلم على يد بعض صبياننا وقال: لو أن أحداً يفهم ما أقول
لشددت الزنانير" (اللمع ص50).
وكان
هذا الشبلي أيضاً يقول: "لو خطر ببالي أن الجحيم نيرانها وسعيرها تحرق مني
شعرة كنت مشركاً" (اللمع ص479 ومعنى شددت الزنانير جمع زنار وهو ما كان يضعه
أهل الذمة على وسطهم تميزاً لهم عن المسلمين).
وذكر
عنه أيضاً أنه سمع قارئاً يقرأ هذه الآية
اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108] فقال الشبلي ليتني كنت
واحداً منهم (اللمع) (ص490).
وذكر
عنه كذلك أنه قال: "إن لله عباداً لو بزقوا على جهنم لأطفأوها" (اللمع)
(ص490) وثبت عن أبي الحسين النوري أنه قال (أنا أعشق الله وهو يعشقني"!!
(اللمع) ( ص491).
وشهدوا
عليه أيضاً أنه سمع المؤذن فقال: طعنه وشم الموت!! وسمع نباح كلب فقال: "لبيك
وسعديك"!! (اللمع ص492)، وكذلك كان أبو حمزة الصوفي إذا سمع صوت هبوب الريح
وخرير الماء، وصياح الطيور يصيح ويقول: لبيك!!.
ودخل
دار الحارث المحاسبي فسمع شاه مرغياً: فقال: "لبيك يا سيدي"!!.
هذه
عبارات قليلة جداً مما نقل عن هؤلاء وتواتر عنهم، ومهما حاول المرء أن يعتذر عن
أصحابها بأي وجه من الوجوه فإنه لا يجد مفراً من الحكم بكفر معتقديها وقائليها..
فأما قولهم إن هذا شطح، وغلبة حال وغلبة سكر، ونحو هذا من الأقوال فالرد عليها ما
يأتي:
1-
لا نسلم أن قائلي هذه العبارات قد قالوها كما زعموا وهم في حالة هذيان وغيبة عقل،
وذلك أن هذه العبارات لها لمعان محدودة، وهي نسيج مؤلف مركب قصد بها صاحبها أن يدل
على عقيدة عنده، ولم يقلها كلاماً غير منضبط ككلام السكران والغائب عن الوعي.
2-
إن هذه العبارات قد تلقاها تلاميذ التصوف بالقبول واعتقدوا ما فيها بل وشرحوا
العقيدة التي تشير هذه العبارات إليها في كتب كاملة.. والعقيدة هذه هي أن الأديان
جميعاً دين واحد، وأن الخلق جميعاً هم عين الخالق وأنه لا موجود إلا الله!! وأن
هذا الخنزير الذي كان يمر به أحدهم فيقول له عم صباحاً!! هم مظهر من مظاهر الخالق
-تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- ونستغفر الله من كتابة أقوالهم وإعادتها
وكذلك هذه الشاة التي ترغي فيقول لها أحدهم لبيك يا سيدي، ما قال ذلك في غلبة
السكر، وفي رؤيته للنار أو النعيم، ولا لتذكره لآية من كتاب الله وإنما قال ذلك
لأنه سمع ثغاء شاة، أو نباح كلب، ومثل هذه الأصوات لا تخلق في المسلم (حالة) ولا
تجعل عنده وجداً يحمله على الغياب عن الوعي حتى يقول مجيباً له "لبيك يا
سيدي"!!
وكذلك
نقول أيضاً ما الذي يبعثه نداء المؤذن في قلب الصوفي حتى يرد عليه قائلاً.. ضربه
وشم الموت!!، هل سماع المؤذن يؤدي إلى حالة وجد وغياب عن الوعي حتى يقول سامع
المؤذن: ضربك أيها المؤذن وشم الموت!! وأنا أقول نعم هي حالة حقيقية للزنديق عند
سماع المؤذن لأنه لا يريد لصوت الداعي إلى الله أن يعلو.. لأنه يكفر بالإسلام
والصلاة ويريد لأصوات الكلاب والخنازير أن يقبلها المسلم بقولهم (لبيك يا
سيدي"!!.. إقرأ في كتاب (اللمع) للطوسي قوله "وأخذوا عليه (يعني أبا
الحسن النووي) أنه سمع أذان المؤذن فقال: طعنه وشم الموت، وسمع نباح الكلب فقال:
لبيك وسعديك". ومثله تماماً ما نقلناه آنفاً عن أبي يزيد أنه اجتاز بمقبرة
لليهود: فقال: معذورون. وبمقبرة للمسلمين فقال: مغرورون!! فأي غلبة حال وسكر،
وهذيان غلبت على هؤلاء حتى قالوا ما قالوا.. وأليست هذه عقيدة زنديقية واحدة.. ثم
ما هذا (المربي) -زعموا- الذي رأى مريده يقتل قملة فقال له: قاتلك الله شفيت غيظك
بقتل قملة!! وهذا الشيخ نفسه يمر على الخنزير فيقول له: عم صباحاً!!
وكان
يبدأ الكلاب والخنازير بالسلام.. المهم أن هذه العبارات التي يسمونها شطحاً لم تكن
شطحاً كما زعموا وقد قالها قائلوها في حالة صحو وليس في حالة سكر، وإنها تنبئ عن
عقيدة وليست كلاماً فارغاً من المعنى وهذياناً كما زعموا.
3-
ثم إننا نسأل إذا كان مثل هذه العبارات يسميها الصوفية شطحاً وهذياناً، فلماذا
يعمدون إلى تأويلها وتفسيرها، وإخراج درر معانيها، بل وجعلها من مناقب قائليها
ووصولهم إلى الحقيقة؟! فقد فسروا كلام من أجاب الشاة بقوله: لبيك يا سيدي بأنه علم
أن كل شيء يسبح بحمد الله، وأن ثغاء الشاة تسبيح ولذلك أجابها.. فإذا كان كلامهم
هذا شطحاً فلماذا فسروه وأخرجوا معانيه الغالية!! ودرره الثمينة.. وتقول لهم جعل
الشاة في موضوع السيادة ليس تعظيماً للخالق!! والسلام ليس موضوعاً ليلقي على
الخنازير والكلاب بل ولا على غير المسلم أيضاً لأن السلام تحية خاصة بالمسلمين فقط
فإلقاؤها على الكلاب والخنازير مروق من الدين، وخروج عن حقيقة الشريعة المطهرة
وظاهرها. وأما تفسيرهم لقول النوري الذي دعا على المؤذن بالموت عندما سمع نداءه،
بأنه خشي أن يكون هذا المؤذن مرائياً أو يأخذ أجراً على أذانه كما زعموا فليس هذا
طريق الإنكار على المؤذن وإنما النوري أنكر على الأذان وليس على المؤذن. وكان يجب
لو كان يؤمن بالإسلام حقاً، وبالأذان صدقاً أن يقول كما يقول وأن يصلي بعد ذلك على
الرسول ويطلب له الوسيلة والفضيلة ثم يسارع إلى المسجد ويشهد الصلاة مع المسلمين
ثم ينكر على المؤذن أخذه للأجرة لو شاء.. ولكن هؤلاء كما أسلفنا ينشرون عقيدة
معلومة لديهم تلقوها عن الزنادقة والملاحدة، وهذا الذي يسمونه شطحاً ما هو إلا
تأسيس لهذه العقيدة.
4-
والأمر الرابع نسألهم: هذا السكران بحب الله كما زعمتم.. وبرؤية الجلال الإلهي أو
الجمال -كما تزعمون- هل يجلس ليؤلف كتباً كاملة في هذا الهذيان والسكر وغلبة الحال
كما تقولون.. أو يكفيه عبارة أو عبارتان، جملة أو جملتان.. أعني لو كانوا صادقين
أن هذا الكلام الخارج عن موازين الشريعة هذيان وشطح حقاً لكان شيئا قليلاً ولكن
الحاصل والموجود أن هناك عشرات بل مئات بل آلاف الكتب قد شحنت بهذا الكفر والزندقة
فكتاب يزعم صاحبه أنه تلقاه من الغيب بالوحي الإلهي ولا يترك كفراً إلا ويضعه فيه
كالحكم ببراءة قوم نوح من الشرك، وجهل نوح لأنه دعاهم إلى التوحيد، والحكم بإيمان
فرعون، وجهل هارون لأنه نهى قومه عن عبادة
العجل، والعجل هذا في زعم مؤلف كتاب (الفصوص) هو مظهر من مظاهر الله، تعالى الله
عما يقولون علواً كبيراً، وكذلك تبرئة إبليس والحكم بنجاته، بل والحكم بأن أهل
النار منعمون فهم في عذوبة لا عذاب وأنه وأنه..
بعضهم
يسمي كل هذا شطحاً. وآخر وهو عبدالكريم الجيلي يكتب كتاباً يقع في أكثر من مائتي
صفحة من القطع المتوسط يسميه (الإنسان الكامل) لا يترك كفراً في الأرض إلا ويجعله
فيه؛ من ذلك أنه يصف رحلة مزعومة له من الأرض إلى السماء الدنيا، حيث يصف ما فيها
وأنه قابل فيها فلاناً وفلاناً من الأنبياء وناقشهم واستفاد منهم، ثم السماء
الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة والسادسة والسابعة وإلى الكرسي
والعرش والحجب السبعين!! ويصف ما رآه هناك ثم يعود ليهبط إلى الأرض الأولى
فالثانية فالثالثة، فالرابعة وحتى السابعة ويقابل فيها أولياء وروحانيين وفلاسفة
وحكماء و.. ويدعي أن من لم يصدق هذا فهو كافر!! ويأتي كاتب صوفي آخر ينسج على
منوال هؤلاء فيكتب كتاباً يسميه (مشارق شموس الأنوار ومقارب حسها في معنى عيون
العلوم والأسرار) والكاتب هذا هو إسماعيل بن عبدالله السوداني ألف كتابه سنة
1262هـ فيصف كذلك مشاهداته الحسية -في زعمه- للسماوات السبع العلى، وللأرضين السبع
ويجد القارئ فصولاً من هذيانه وتخليطه في باب (المعراج الصوفي) من هذا الكتاب..
وغير
هذا.. وهذا شيء يصعب إحصاؤه واستقصاؤه وإن جئت تناقش بعض المدافعين عن هذا الهذيان
يقولون لك تارة هذا شطح، وتارة هذه كرامة، وتارة هذا فتح، وهذا تناقض منهم وسنناقش
دعوى الفتح والكرامة في موطن آخر من الكتاب والمهم هنا أن نرد على دعواهم أن مثل
هذا من الشطح، فيقول كيف يكتب كاتب كتاباً يقسم أبوابه ويضع فصوله ويقول للناس هذا
من عند الله وتدعون أنتم أنه شطح وهذيان وأن قائله معذور لأنه قاله في غلبة حال
وضياع عقل!! أليس قولكم هذا تلبيساً على الناس، واستهزاء بعقولهم!! الشطح لا يكون
كتباً كاملة مؤلفة منسقة منفصلة!! وإنما هذه عقيدة ودين باطني يريد أربابه به صرف
المسلمين عن عقيدة الكتاب والسنة إلى الكفر والإلحاد والزندقة.
5-
ثم نقول لهؤلاء إثباتكم أن الصوفية يشطحون ويقولون ما لا يريدونه ولا يقصدونه في
أقل أحواله إثبات لأحوال غريبة وبدعة منكرة ما كان عليها أحد من سلف الأمة
الصادقين كالصحابة والأئمة فهل سمعتم أن أبا بكر وعمر والخلفاء والصحابة شطحوا!!
وهل وجد في التابعين لهم بإحسان من عرف عنه شيء من ذلك، وهل كان الأئمة الأربعة من
أهل الشطح أليس الشطح الصوفي دليلاً على الابتداع والخروج عن الدين القويم..؟
أليس
الإمام الشافعي قد قال وقد صدق والله فيما قال: "لا أرى شخصاً يتصوف في أول
النهار، إلا وأصبح أحمق في آخره!!" أليست هذه كلمات من نور الإمام الشافعي
الذي رأى بعينه بدايات التصوف وأخبر أن يوماً واحداً في التصوف يكفي لجعل الشخص
أحمق. فأنتم باعترافكم أن هذا شطح إنما تسجلون على أنفسكم الحماقة والبدعة والخروج
عن نهج السلف الصالح رضوان الله عليهم ورضي الله عن الشافعي الذي يقول أيضاً
"ما لزم أحد الصوفية أربعين يوماً فعاد عقله إليه أبداً" (تلبيس إبليس).
6-
ولكن بعض الصوفية وقد أحرجوا في حكاية الشطح هذه أرادوا أن يستخرجوا دليلاً من
الكتاب والسنة على شطحهم وأن أحوالهم هذه وهذيانهم مؤيد أيضاً بالكتاب والسنة
فقال: لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم
قليلاً ولبكيتم كثيراً)) (1) فدل هذا على
جواز الشطح وأن الرسول فعله أو مثله.. ونحن نقول: نسبة النبي إلى الشطح كفر
وزندقة.. فالنبي صلى الله عليه وسلم عاين ما عاين من أمر الله وكان في كل ذلك هو
الإنسان الكامل والرسول الصادق والعبد الكامل صلى الله عليه وسلم ولم يكن له حال
أو مقال يخالف عقيدته التي نشرها وبينها والتي جاء بها كتاب الله وسنة رسوله. ومن
قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالف بعض كلامه بعضاً لحال أو مشاهدة فقد كفر
وافترى وكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما استدلالكم بالحديث على أن من
رأى ما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقول: من هذا الذي رأى ما رآه الرسول في
الغيب: الحلاج والبسطامي، والشبلي، والنوري وأشكالهم سبحان الله أجاء هؤلاء
ليطلعوا على ما لم يطلع عليه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والمبشرون بالجنة. أكان
الحلاج يزعق بالشوارع، والشبلي يصرخ بالمجالس لأن الله أطلعه على الجنة والنار!!
ألا تستحون من إيراد مثل هذه السخافات!!.. ونتنزل معكم درجة: هبو صدقناكم أن هؤلاء
اطلعوا على الجنة والنار وشاهدوها رأي العين ألم يكن الواجب أن يحصل فيهم ما أخبر
به الرسول صلى الله عليه وسلم فيبكون كثيراً ويضحكون قليلاً وهذا ما قاله الرسول
صلى الله عليه وسلم.
((لو
تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً))
(2) . ما قال لشطحتم ونصحتم وافتريتم وكذبتم وقلتم "سبحاني" وما
في الجبة إلا الله، ويا خنزير عم صباحاً، ويا كلب عم مساءً.
وفي
ختام هذا الفصل نقول من سمع آيات الله وكان من أهل الإيمان والتقوى خشع قلبه وقد
تدمع عينه، ويقشعر جلده، ثم يلين لذكر الله كما قاله سبحانه وتعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا
مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ
رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ
هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ
هَادٍ[الزمر:23].
وقال
أيضاً سبحانه وتعالى في وصف حال الأنبياء
والرسل والمؤمنين عند سماع آيات الله بعد أن قص في سورة مريم أخبار طائفة من رسله
وأنبيائه وأوليائه وهم زكريا ويحيى وعيسى ومريم وإبراهيم وموسى وهارون، وإسحاق
ويعقوب، وإسماعيل وإدريس..:
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ
عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ
نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا
وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا
وَبُكِيًّا[مريم:58]
فليس
عندهم عند سماع الآيات إلا السجود والبكي، وليس الشطح فهل هؤلاء الصوفية حقاً
متأسون بالأنبياء والأولياء الصالحين أو أنهم صارخون مستصرخون من وخز الشياطين
ولترويج عقائد الملحدين؟!
7-
لقد شاهدت بنفسي كيف يصرع هؤلاء عند الذي يسمونه حالاً، والله لا أشك لحظة واحدة
أنه وخز شيطان أو تصنع منافق خبيث، فقد كان أحدهم يقوم ويقعد ويصرخ ويزبد ويأخذ
(بطاقيته) وقلنسوته وغترته أو عمامته فيلقيها على الأرض ويسارقنا النظر ونحن ننظر
إليه راثين لأحوال هؤلاء الحمقى الذين يستفزهم الشيطان ويحركهم ويتلاعب بهم، وقد
كان هؤلاء المطيرون الضاحكون يفعلون ذلك عندما كان يقال كلام كله كفر وشرك وغلو في
شخص الرسول صلى الله عليه وسلم يسمونه مدحاً وهو في الحقيقة ذم للرسول، وسب له.
فاعلم
أخي المسلم أن هذا الشطح الذي يأتي مما يسمونه بالحال ما هو إلا وخز شيطاني وتحريك
إبليسي، هذا عند الصادقين منهم، وأما الكاذبون فإنهم يفتعلون ما يفعلون لإيهام
العامة والسذج بأنهم من أهل الأحوال ومن المشاهدين لما يسمونه بحضرة الجلال أو
الجمال!! وذلك كله من الرياء والنفاق وسوء الأخلاق. ومخالفته هدي سلفنا الصالح
والخروج على مناهج الأنبياء. فنسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين السلامة والعافية
مما ابتلي به هؤلاء.
لقد
وصل الصوفية في شطحاتهم إلى حد لا يقدم عليه إلا من تزندق وألحد وخرج عن الدين،
ولقد فاضت كتبهم بذلك وتواتر النقل عنهم، وهو أمر لا يدع مجالاً للشك في إلحاد من
يعمل ذلك منهم، وفي إعراضه عن الخلق الفاضل والعقل السليم، فضلاً عن الدين.
ومما
يلحظه القارئ أنهم بعد أن أوردوا أنفسهم تلك الموارد الوخيمة أرادوا أن يجدوا
مخرجاً منها، فلم يجدوا لهم مخرجاً فادعوا أنهم إنما قالوا تلك الكلمات الكفرية في
حال سكرهم بالله تعالى وغيبوبة عقولهم عن الإحساس بأى شيء غير الله، وما أقبح هذا
العذر وأسمجه فهل هم أحب لله من الأنبياء ومن كثير من أتباعهم الذين لا يقاس بهم
غيرهم، ولم يعثر عن أحد منهم أن تلفظ بما تلفظ به هؤلاء الذين امتلأت نفوسهم زندقة
وحقداً على الإسلام والمسلمين.
ومما
يدركه طالب العلم أن الشطحات الصوفية كثيرة جداً، لا يمكن حصرها إلا بدراسة
وافية ، غير أننا سنعرض هنا بعض الامثلة
لتكون نموذجاً لبقية شطحهم وغلوهم ومقدار جرأتهم على اقتحام الأمور العظيمة في
الإلحاد.
ونبدأ
ببعض ما ذكر عن أبي يزيد البسطامي: طيفور بن عيسى.
1-
قال أبو يزيد عن الله تعالى: "رفعني مرة فأقامني بين يديه وقال لي: يا أبا
يزيد إن خلقي يحبون أن يروك فقلت: زيني بوحدانيتك وألبسني أنانيتك وارفعنى إلى
أحديتك حتى إذا رآني خلقك قالوا: رأيناك، فتكون أنت ذاك ولا أكون أنا هنا".
ومعناه
أنه يطلب أن يصوره الله على صورته عز وجل تماماً، فإذا شاهده الناس قالوا: شاهدنا
الله.
والرواية
عنه هي كما تقدم إلا أني أرى أن هذه العبارة: "إن خلقي يحبون أن يروك"
ليست هكذا – ولم أر أحد بين هذا – ولكن لعل الصواب فيها "إن خلقي يحبون أن
يروني"، ولهذا بين أبو يزيد كيفية الطريقة التي يمكن أن يرى الخلق فيها ربهم،
وذلك بأن يرقى البسطامي إلى حد النيابة التامة عن الله تعالى صفة وشكلاً – تعالى الله.
2-
وقال مرة: "سبحاني سبحاني".
وقال:
ضربت خيمتي بإزاء العرش أو عند العرش.
3-
واجتاز بمقبرة لليهود فقال:"معذورون" ومر بمقبرة للمسلمين فقال:
"مغرورون".
4-
وقال: يخاطب الله: كنت لي مرآة فصرت أنا المرآة.
5-
وقال: لأن تراني مرة خير لك من أن ترى ربك ألف مرة.
6-
وقال: إلهي أن كان في سابق علمك أنك تعذب أحداً من خلقك بالنار فعظم خلقي فيه – أي
النار – حتى لا يسع معي غيري.
7-
وقال: ما النار؟ لاستندن إليها غداً وأقول: اجعلنى لأهلها فداء أو لأبلعنها. ما
الجنة؟ لعبة صبيان.
8-
تلك بعض شطحات البسطامي، وهناك الكثير يوردها علماء الصوفية عنه بين مستحسن لها
وبين مراوغ في معانيها (4) .
أما
الشبلي فهو الآخر له من الشطحات ما نذكر بعضه فيما يلي:
1-
أخذ من يد إنسان كسرة خبز فأكلها فقال: "إن نفسي هذه تطلب مني كسرة خبز، ولو
التفت سري إلى العرش والكرسي لاحترق".
2-
وقال لو خطر ببالي أن الجحيم نيرانها وسعيرها تحرق مني شعرة لكنت مشتركاً.
3-
وقال: أيش أعمل بلظى وسقر؟ عندي أن لظى وسقر فيها تسكن يعني في القطيعة والإعراض –
لأنه من عذبه الله بالقطيعة فهو أشد عذاباً ممن عذبه بلظى وسقر.
4-
وسمع قارئاً يقرأ هذه الآية: قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [
المؤمنون:108]، فقال الشبلي: ليتني كنت واحداً منهم.
5-
وقال: إن لله عباداً لو بزقوا على جهنم لأطفؤها فصعب ذلك على جماعة ممن كان يسمع
ذلك.
6-
وقيل له: لم تقول: "الله"، ولا تقول "لا إله إلا الله"؟ فقال:
أستحى أن أواجه إثباتاً بعد نفي.. أخشى أن أؤخذ في كلمة الجحود ولا أصل إلى كلمة
الإقرار (5) .
وقال
أبو الحسن النوري وقد سمع المؤذن طعنه وشم الموت وسمع نباح كلب فقال: لبيك وسعديك.
وسمع
أبو حمزة الصوفي شاة مرغياً فقال:"لبيك يا سيدي".
وقيل
للتلمسانى وقد أشاروا له إلى كلب أجرب ميت: هو ذات الله أيضاً؟ فقال: "وهل ثم
شيء خارج عنها" .
وهذه
العبارات إنما هي أمثلة قليلة وهناك آلاف الشطحات في حال سكرهم بالله كما يزعمون،
والحقيقة أنها صادرة عن أناس يدعون الحلول والاتحاد وهم في كامل وعيهم وشيطنتهم،
وعندهم تمام الجرأة على الكذب على الله لجهلهم به عز وجل وهوانهم عليه.
وإذا
رجع القارئ إلى كتاب (الطبقات الكبرى) للشعراني فسيرى العجائب والغرائب مما ينقله
الشعراني عن أسياده الذين ترجم لهم مبتدئاً بقوله:"فقال سيدى.. رضي الله عنه
– ثم ملأ كتابه بأخبار هؤلاء في شطحاتهم وفي تصرفاتهم بما يستحي الإنسان أن يقرأه
أو ينظر فيه، شطحات تصل إلى عمق الكفر، وتصرفات من أولئك الأقطاب تصرخ بالعار
والفجور، وقد ترجم لعدد كثير، فارجع إليه إن أحببت أن ترى مهازل الصوفية وسقطاتهم
التي لا تقال".
وقد
ترجم الشعراني لعدد كثير منهم، وزعم أنهم كلهم أقطاب التصوف، ولكن ينبغي الانتباه
إلى أنه حشر خيرة الصحابة رضوان الله عليهم بل جعل الخليفة الأول للمسلمين أبا بكر
رضي الله عنه هو أول هؤلاء الأقطاب ثم عمر، إلى أن ذكر أيضاً كثيراً من خيار
التابعين وعلماء الأمة الذين لا صلة لهم بخرافات الصوفية وخزعبلاتها، بل إن حشره
لهؤلاء مع الحلاج والبسطامي والشاذلي والمرسي وغيرهم من عتاة التصوف يعتبر إهانة
لهم.
وقد
سار على نفس المنهج كثير من مؤلفي الصوفية، كما فعل نفس المسلك الذي سلكه
الشعراني، المنوفي في جمهرة الأولياء، وقبلهم القشيري، وكل من جاء بعد هؤلاء سلك
نفس ذلك المسلك الخاطئ.