الجمعة، 13 يوليو 2018

فوائد دراسة السنة النبوية مع الدليل


فوائد  دراسة السنة النبوية مع الدليل
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد فإن من فضل الله عز وجل علينا أن نتدارس هذا الموضوع المهم الذي تبرز أهميته في عدد من الأمور:
أولها: أن دراسة سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته فيها عِبَرٌ، وفيها مواعظُ، وفيها تقويةٌ للإيمان.
وثانيها: أن اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم والسير على طريقته سبب من أسباب محبة الله للعبد كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [سورة آل عمران: الآية 31] وفيها مغفرة للذنب لقوله: ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [سورة آل عمران: الآية 31].
وفيها أيضًا هداية للصراط المستقيم كما في قوله تعالى: ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [سورة الأعراف: الآية 158]
وفيها أمن من الضلال وأمن من العقوبة والفتنة كما في قوله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [سورة النور: الآية 63].
وفي دراسة مكانة السنة ومنزلتها من التشريع تَمْيِيزٌ لِمَا يعتبر دليلاً شرعيًّا عما ليس كذلك، وبها نرد على بعض أولئك الذين يتكلمون أو يكتبون كتابات فيها رد لشيء من الأحاديث النبوية مما يخشى من سوء العاقبة في الدنيا والآخرة.
معرفة السنة ومعرفة العمل بها:
كيف نعرف سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته من أجل أن نمتثلها وأن نسير عليها؟
نقول: سنة النبي صلى الله عليه وسلم مقيدة ومسجلة ومدونة بين أيدينا، ليس عندنا فيها لبس، وليس عندنا فيها أي اضطراب، ولذلك ينبغي لنا الرجوع إلى علماء الشرع ليبينوا لنا سنة هذا النبي الكريم، وأن نرجع إلى كتب أهل العلم المؤلفة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، ومن ذلك كتب الصحيحين البخاري ومسلم، ومن ذلك أيضا كتب السنن، فقد ورد فيها بيان طريقته صلى الله عليه وسلم بأسانيد صحيحة في غالب هذه السنن، ومن فضل الله عز وجل علينا أن جعل صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ينقلون كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء في صغائر الأعمال أو في الأعمال الكبيرة، حتى إنهم في هديه صلى الله عليه وسلم اعتنوا بطريقة أصابعه وأصابع قدميه وطريقته في الألفاظ والكلام.
انظر مثلا أخبروا أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من صلاة الليل قال: «سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ» ثلاث مرات، يمد صوته في الثالثة.
انظر كيف ميزوا طريقة صوته في القراءة، قراءة القرآن، وكيف يقرأ الآيات القرآنية، كل ذلك نقلوه إلينا نقلا واضحًا مستبينًا، كان يمد قراءة ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ [سورة الفاتحة: الآية 2] كما نقل ذلك صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ونقلوا أيضًا طريقة وضعه للأصابع في سجوده، حتى أصابع قدميه، فقد كان صلى الله عليه وسلم يلصق أصابع قدميه بالأرض، ويجعلهما تجاه القبلة، لقد حرصوا على نقل هدي النبي صلى الله عليه وسلم حتى في وضع أصابعه.
ولذلك فإن سنة النبي صلى الله عليه وسلم مضبوطة، ومن هنا ينبغي لنا أن نستفيد من هذا التراث النبوي الذي نقله لنا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذا تقرر هذا فإنه لا يجوز لنا أن نتعبد لله بعبادة لم يأت بها النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن هذا الدين كامل، ومن مقتضى كماله ألا يكون هناك عبادة إلا وقد وردت في هذه الشريعة.
ومن الأمور المتعلقة بهذا أن بعض هؤلاء الكتاب أو الإعلاميين يتكلمون على كتب مروية بأسانيد صحيحة ككتب السنة المشهورة ويريدون أن يشككوا الناس فيما ورد فيها، ومثل هذا غير مقبول منهم ؛ لأنهم أولاً ليسوا من أهل التخصص، ولا يمكن أن نَقبل قول قائل إلا في تخصصه، لو جاءنا إنسان غير طبيب وتكلم في مجال الطب رُدَّ عليه وقيل له: اسكت ليس هذا مجالاً تتحدث فيه، وليس هذا تخصصك الذي تتمكن من الحديث فيه. وهكذا أيضًا فيما يتعلق بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، لا يصح للناس أن يعتمدوا فيها على غير قول أهل الثقة.
إذا تقرر هذا فعلينا أن نعلم أن من فضل الله عز وجل علينا أَنْ جعل سنة النبي صلى الله عليه وسلم شاملةً ففيها كيفية تعامل الإنسان مع نفسه، وكيفية عبادته لربه، وكيفية بره لوالديه، وكيفية صلته لرحمه، وكيفية مأكله ومشربه، وكيفية معاملاته المالية، وفيها كل ما يخص جميع حياة الإنسان، ولذلك ينبغي على المرء أن يكثر من مطالعة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ليتمكن من تطبيقها على نفسه.
ولو عَمِل أهل الإسلام بسنة هذا النبي الكريم في جميع أمورهم لكان ذلك سببًا لرضا رب العالمين، وسببًا لعلو الدرجة في الجنة، وسببًا لمغفرة الذنوب، ولكان ذلك سببًا للسعادة في الدنيا، بوفرة الأرزاق وإدرار النعم فيها، ويَرِدُ على الناس من النقص بمقدار ما تركوا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وسنة النبي صلى الله عليه وسلم على أنواعٍ متعددة من سُنَّة قولية وفعلية وتقريرية وخُلُقِيَّة… إلخ ؛ وتتكون السنة وكتب الحديث من شيئين:
الأول: الإسناد.
والثاني: المتن.
فالإسناد المراد به: الرواة الذين نقلوا الحديث واحدًا عن واحد.
والمتن: وهو ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال والتقريرات.
فالنظر في الإسناد يكون لعلماء الشرع في الحديث الذين يميزون بين صحيح السنة وضعيفها، ويعرفون أحوال الرواة ويعرفون المقبول منهم من المردود.

والنظر في متن السنة يكون لعلماء الفقه الذين يعرفون القواعد الأصولية التي يُتَمَكَّن من الاستنباط منها، وهناك أشياء يتمكن من معرفتها أفراد الناس.
ونورد أمثلةً لسنن النبي صلى الله عليه وسلم:
هناك مثلاً سنته في الطعام: «يَا غُلاَمُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلّْ مِمَّا يَلِيكَ».
وفي هذا الحديث قاعدة أصولية: وهي أن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لواحد من أمته يعد خطابًا لجميع الأمة إلى قيام الساعة، فلا يأتِ إنسان ويقول: هذا خطاب لهذا الغلام فقط، وبالتالي لا يلزمنا أن نقول. وهذا لا يصح فالأصل في أحكام النبي صلى الله عليه وسلم الشمول والعموم لتعم جميع أفراد الأمة.
القاعدة الثانية المتعلقة بهذا: أن الأصل مشروعية الاقتداء بالأفعال النبوية الواردة عن النبي
موضوع “السُّنَّة ومكانتها في حياة المسلم” له شأن عظيم، وأهمية كبرى لمن تَعَقَّل وتدبر وأمعن النظر فيما قيل، ذلك أن الله جل وعلا جعل مصدر التشريع لنا كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ إِنِّى أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ»(26)، ويقول الله عز وجل: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ [سورة النجم: الآية 3 – 4].
وقال جل وعلا: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [سورة الأعراف: الآية 157].
إذن فالفلاح معلق باتباع النور الذي جاء به، والهدى الذي بُعِث به، أنزل عليه القرآن فبَلَّغه، بَلَّغ ألفاظ القرآن وبَيَّن معانيها، قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [سورة النحل: الآية 44].
لقد بين صلى الله عليه وسلم القرآن وبين معانيه، وما أُجْمِلَ منه، ولا يَكْمُل دين مسلم إلا بالإيمان بالوَحْيَيْنِ الكتاب والسنة، واعتقاد أنهما مَصْدَرَا التشريع، لا شك أن القرآن اختص بتلاوته، والتعبد بتلاوته في الصلاة وغير ذلك، لكن أيضًا السنة العلم بها ومعرفتها وتطبيقها أمرٌ ضروريٌّ لكل مسلم، وما ضل الخوارج إلا لأنهم أعملوا القرآن وعطلوا السنة شكًّا بأصحاب رسول الله وطعنًا في حملة السنة، وزعموا تمسكًا بالقرآن في ظنهم، فضلوا وأضلوا، وضلوا عن سواء السبيل، ناظرهم عمر بن عبد العزيز قائلاً لهم: الظهر أربع ركعات، ائتوني بنص نص بذلك. وهكذا في الزكاة وغير ذلك إلى أن دحضوا وعرفوا خطأهم وباطلهم، ولكن يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء.
والعمل بالسنة واجب، والإيمان بها وتطبيقها والدعوة إليها والذب عنها وحمايتها أمورٌ واجبة، الله يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [سورة الحجر: الآية 9] فحفظ الله القرآن من أن تمتد إليه أيدي العابثين زيادة أو نقصانًا، وحَفِظ السنة فهيأ لها الرجال الصادقين المخلصين الناصحين، فحملوها بقوة وحفظوها، وبينوا صحيحها من حسنها من ضعيفها، وأوضحوا المكذوب والموضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد كتبوها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو هريرة رضي الله عنه أحفظ الناس بالسنة، وكان يشتغل اللَّيْلَ بدراستها حتى أوصاه النبي أن يوتر قبل أن ينام، وكان عبد الله بن عمرو يكتب السنة وغيره، ثم تطورت الكتابة إلى أن أمر عُمَرُ بنُ عبد العزيز بكتابتها، ثم تبارى الناس في ذلك.
وبحوث السنة ضبطت ضبطًا جيدًا، ووضع العلماء القواعد لمن يقبل قوله من رجالها ومن يُرَدُّ قوله من بعد الصحابة، وجُعِلوا ميزان عدل وقسط يدينون لله به، فحفظوا هذه السنة، وضبطوها ونظموا شأنها، وقربوها للإنسان من خلال المسانيد، والسنن والترتيب والتنظيم، طهر الله أئمة الإسلام وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خيرًا.
إن أعداء السنة ليسوا وليدي اليوم، هم قدماء، فالخوارج طعنوا في السنة، وقدحوا فيها، وشككوا في حملتها إلى أن عطلوا كثيرًا منها، ما رأوا رجم الزاني، ولا رأوا كذا ولا رأوا كذا، كل ذلك زعمًا منهم تمسكًا بالقرآن، والنبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من أن ذلك، فبعض الناس يقول: ما في القرآن قَبِلناه وما ليس في القرآن لم نقبله، هؤلاء هم الضالون، وإن بعض المعاصرين سلكوا مسلك الخوارج، فقالوا: إن أخبار الآحاد لا تقبل، وشككوا وقالوا: يقدم العقل على السنة، فإن تعارض العقل والسنة، قُدِّم العقل عليها. وهذا والله من الضلال، فهذا مذهب المعتزلة الذين ضلوا عن سواء السبيل، والذين طعنوا في السنة وحكموا عقول الرجال عليها، وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قبولها ورضوا بها وطبقوها على أنفسهم ولم يسمحوا لأحد بمعارضتها بأي سبيل كان.
حدث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ».فقال ابنه بلال: “والله لَنَمْنَعُهُنَّ” يعني غيرةً لله، قال الراوي: فسبه عبد الله سبًّا ما سمعته سبه مثله قَطُّ، وقال: أقول لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول: “لنمنعهن”. فوالله لا أكلمك أبدًا.
فهو أراد منعهن غَيْرةً، فغضب منه أبوه ؛ لأنهم لا يريدون أن تُرَدَّ السنة بالآراء، بل يوجبون القبول والسمع والطاعة، والرضا والانقياد.
وعن عبد الله بن مغفل أنه رأى رجلا يخذف، فقال له: لا تخذف، فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن الخذف، أو كان يكره الخذف وقال: «إِنَّهُ لاَ يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ، وَلاَ يُنْكَأُ بِهِ عَدُوٌّ، وَلَكِنَّهَا قَدْ تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ».(28) ثم رآه بعد ذلك يخذف فقال له: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه نهى عن الخذف أو كره الخذف وأنت تخذف لا أكلمك كذا وكذا.
ولما حدث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّه». فَقَالَ بشيرُ بْنُ كَعْبٍ إِنَّا لَنَجِدُ فِى بَعْضِ الْكُتُبِ أَوِ الْحِكْمَةِ أَنَّ مِنْهُ سَكِينَةً وَوَقَارًا لِلَّهِ وَمِنْهُ ضَعْفٌ. قَالَ: فَغَضِبَ عِمْرَانُ حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ، وَقَالَ: أَلاَ أُرَانِى أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَتُعَارِضُ فِيهِ.
فالحاصل أنهم كانوا لا يسمحون لمعارضة السنة بالآراء بل يوجبون القبول، قال: عبد الله بن عمر، لما قال بالمتعة في الحج، واعتُرِض عليه بأن أبا بكر وعمر منعاها قال: “يُوشِكُ أن تقع عليكم حجارة من السماء”. ولَمَّا قيل لعبد الله بن عمر: تأمر بالمتعة وأبوك نهى عنها؟! قال: أرسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يتبع أم عمر؟!

ولَمَّا طاف معاذ بالبيت وجعل يستلم الأركان كلها، قال ابن عمر: لا، إنما هو اليماني، قالوا: ليس بالبيت شيءٌ مهجور، قال: إن الله يقول: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [سورة الأحزاب: الآية 21] وما رأيت النبي إلا استلم الركنين، قال معاذ: صدقت، وترك الاستلام.
هكذا كانوا يعلنون بالسنة ويظهرونها إذا خفيت على الناس.
ولَمَّا قَدَّم مروان بن الحكم الخطبة على الصلاة، قام وأنكر منكر، قال أبو سعيد: أما هذا فقد أدى ما عليه، سمعت رسول الله يقول: «مَن رَأَى مِنْكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإن لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِه، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ».
كل هذا حمايةً للسنة ومنعًا للآراء أن نستند إليها، ومنعًا للآثمين أن يقولوا أو يتفوهوا.
إن رَدَّ السنة لأجل هوى النفوس من الضلال، قال الله جل وعلا: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [سورة النساء: الآية 65]
اختصم يهودي ومنافق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحكم الرسول لليهودي عليه،، فلم يرضَ المنافق بحكم رسول الله، فجاءا إلى عمر فَقَصَّا القصة عليه، فأخذ سيفه وقتل ذلك المنافق، وأنزل الله:﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ﴾. [سورة النساء: الآية 60]
إن تعظيم السنة بتعظيمها في قلوب الناس ودعوتهم إليها وترغيبهم فيها وتبيينها لهم بالأقوال والأفعال أمر عظيم.
لقد صنف المسلمون كتب السنة لِتُبَيِّنَ الآداب المستحبة والواجبة والأخلاق، والطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم والحج، والمعاملات، وكيفية الأكل والشرب، إلى غير ذلك، ما تركوا شيئًا إلا أوضحوه، وذلك لأن سنة رسول الله هدى ونور لمن اتبعها، فمن حق النبي علينا أن نقبل سنته، وأن نرضى بها، وأن نُحَكِّمَها، وأن نتحاكم إليها، وأن ندافع عنها ونزود عنها، ولا ندع لمنافق وجاهل أن يقول بهواه، بل نرد باطله وندحض باطله بالحق قال تعالى: ﴿وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [سورة الإسراء: الآية 81].
إن المسلم يطبق السنة في صلاته، وفي أموره كلها قدر ما يستطيع، فمن تحرى السنة وعَمِلَ بها وُفِّق وأعين وهُدِيَ إلى سواء السبيل.
قال الإمام أحمد رحمه الله في قوله جل وعلا: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [سورة النور: الآية 63] أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك. فلعل أحدهم إذا رَدَّ قوله صلى الله عليه وسلم أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك.

فرَدُّ السنة عنادًا وتَجاهُلاً دَلِيلٌ على أن في القلب نفاقًا وأن القلب لا يخلو من دَخَن النِّفاق، ولا يمكن ذلك أن يحدث لمؤمن حَقًّا ؛ لأن المؤمن من يؤمن بالله ورسوله، ويصدق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، كان عبد الله بن مسعود يقول: حَدَّثَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق. هكذا كانوا يعبرون ويعظمون هذه السنة، ويهتمون بها.
دخل عبد الله بن مسعود على قوم مجتمعين حِلَقًا يقولون: كَبِّروا عَشْرًا، سَبِّحوا عَشْرًا، احْمَدُوا عَشْرًا، فقال: مَا هَذَا الَّذِى أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ. قَالَ: فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَىْءٌ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ! هَؤُلاَءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِى نَفْسِى فِي يَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ، أَوْ مُفْتَتِحِي بَابِ ضَلاَلَةٍ. قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلاَّ الْخَيْرَ. قَالَ: وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْماً يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِى لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ. ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلِمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ.
انظر إلى البدعة والإعراض عن السنة كيف آلت بأولئك إلى أن ضلوا عن سواء السبيل، وما أهلك الخوارج وما أسقط كرامتهم إلا اعتراض بعضهم على السنة وعدم قبولها، والطعن في حمتلها، نعوذ بالله من حال السوء، فالمسلم يقبل ويصدق ويوقن، حتى ولو لم يعمل، لا يعترض، إن ترك العمل عاصٍ، لكن إن اعترض وأدلى برأيه مقابل السنة، فهذا هو الضلال البعيد، ولهذا تبرأ أئمة الإسلام من مخالف الشرع.
قال أبو حجر الإمام: كل قول لي رأيتموه مُخَالِفًا للكتاب والسنة، فاضربوا به عرض الحائط.
وقال الإمام مالك: ما منا إلا راد ومردود عليه، إلا محمدًا صلى الله عليه وسلم.
وقال الشافعي: أجمع المسلمون على أن من استبان سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل له أن يدعها لقول أي قائل كائنًا مَن كان.
فالحقيقة أن هذا الموضوع القيم قد استوفى مسائل يصعب علينا أن نعيدها ثانية ؛ لأنها أمورٌ واضحة، فقد تناولت الدفاع عن السنة وعن أخبار الآحاد وبيان مكان السنة الفعلية والقولية وما تخلل ذلك من بيانٍ لموقف علماء المسلمين وحفظهم للسنة، فهو موضوع قيم في ذاته، وفي مقصوده، مُؤَدٍّ للغرض المقصود، وعن علم وبصيرة، وكلام طيب موزون رزين، يصحبه الدليل، ويحيط به الإخلاص، أسأل الله للجميع التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم على محمد.
من أهم فوائد دراسة السنة النبوية المطهرة ما يلي:
1.معرفة السنة والاقتداء بها وتطبيقها والعمل بها في نفسك والاستفادة في ذلك من سيرة السلف الصالح فقد كانوا يحرصون أن لا يمر بهم حديث إلا ويعملون به حتى لو كان نفلا حتى أن الإمام أحمد رحمه الله- ناصر السنة – روى حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجّام دينارا،ومن حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد أن لا يمر به حديث إلا عمل به فقد احتجم وأعطى الجحّام ديناراً ! والعلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل ،فإهمال العمل يؤدي إلى ضياع العلم.وهناك مقولة :"اعمل بالحديث ولو مرة تكن من أهله". والمراد بالعمل العمل بالحديث ولومرة هنا: الحديث الذي لم تُلزم به أو لم تُلزم بالعمل به دائماً.فأي حديث يمر على المسلم يحرص قدر الاستطاعة - إذا تأكد من ثبوته- أن يعمل به ولو مرة، تطبيق السنة في النفس والدعوة إليها بالقول والقدوة، فمثلا إذا علم المسلم كيف كان قيام النبي صلى الله عليه وسلم فالسنة في الوتر ثلاثاً:
أ‌. أن يسردها ثلاثا ثم يسلم في آخرها.
ب‌.أن يصليها ركعتين ثم يسلم ثم واحدة.
وهناك صفات أخرى للوتر تراجع في كتاب زاد المعادلابن القيم.
فلابد من العمل بالسنة وتطبيقها في النفس قدر الاستطاعة حتى لا تهجر السنن لا سيما من طلاب العلم وطالباته.
2.نشر السنة والدعوة إليها بالقول والقدوة والفعل.فمثلا إذا درست آداب الطعام وتعلمت كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس فإنك تقتدي به في جلوسه وفي طريقة أكله،و إذا علمت أن السنة الجلوس عند الشرب فجلست اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم هنا تصبح قدوة في الفعل،كذلك إذا علمت تأكيد السنة على السواك فإنه سيصبح ملازماً لك،فتأخذ أجر تطبيق السنة وستعمل على نشرها عندما يقتدي بك الآخرون.
أما الدعوة إلى السنة بالقول فهو: تعليمها للناس فمثلا الأطفال إذا عُلموا السنة فإنهم ينشأون على ذلك،مثلاً إذا علمناهم أن الأكل بالشمال حرام وأن السنة الأكل باليمين فسيتربون على ذلك وينشأون على تطبيقه. وهكذا بقية السنن.
ومن فعل ذلك وعمل على نشر سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقد دعا له صلى الله عليه وسلم بقوله :"نضّر الله امرءا سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه كما سمعه، فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"
قال ابن عيينة:(ما من أحد يطلب الحديث إلا وفي وجهه نضرة).كذلك في العمل على نشر سنة النبي صلى الله عليه وسلم الاستجابة لأمره صلى الله عليه وسلم في قوله :" بلّغوا عني ولو آية وحدثوا عني ولا تكذبوا عليّ"وقوله صلى الله عليه وسلم :"ليبلغ الشاهد منكم الغائب".يقول أبو حاتم الرازي: (نشر العلم حياته،والبلاغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة يعتصم به كل مؤمن ويكون حجة على كل ملحد). وقال الثوري:(الملائكة حرّاس السماء وأصحاب الحديث حرّاس الأرض).
وقال الشافعي :(إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث فكأني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حيا). قيل للإمام أحمد:إن قوما يكتبون الحديث ولا يُرى أثره عليهم وليس لهم وقار،فقال:(يؤولون في الحديث إلى خير). قال قتيبة بن سعيد:(إذا رأيت الرجل يحب أهل الحديث مثل يحيى بن سعيد القطان وعبدالرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ،وذكر قوما آخرين فإنه على السنة ومن خالف هذا فاعلم أنه مبتدع). وقال الثوري:(ما أعلم على وجه الأرض من الأعمال أفضل من طلب الحديث لمن أراد به وجه الله).
قال بشر بن الحارث:(لا أعلم على وجه الأرض عملا أفضل من طلب العلم والحديث لمن اتقى وحسنت نيته فيه وأما أنا فأستغفر الله من كل خطوة خطوت فيه).
3.كثرة الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم.فأكثر من يحظى بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أهل الحديث وقد بشرنا صلى الله عليه وسلم بشارة عظيمة لمن صلى عليه بقوله صلى الله عليه وسلم :"من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً".وهذه تساوى الدنيا وما فيها أن يصلي عليك الله !نحن نفرح للميت إذا صلى عليه عدد كبير من الناس فكيف من صلى الله عليه!لا شك أن صلاة الله أعظم ونحن أحوج ما نكون إليها.

والبعض في الكتابة يكتب (ص)اختصاراً وهذا لايجوز.ما المانع أن يكرر الإنسان الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم طالما أن لها هذا الأجر وهذا الفضل.إن هذا من أشد أنواع البخل حيث قال صلى الله عليه وسلم::"أتدرون من البخيل؟" قالوا: لا يارسول الله. فقال عليه الصلاة والسلام: "البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ".والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم ذكر لابد من تحريك اللسان به كبقية الأذكار،فإذا استحضر المسلم الأجر الحاصل من كثرة الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يكثر من ذلك خاصة ليلة الجمعة ويومها وفي أذكار الصباح والمساء.
4.ومن الفوائد كذلك،أن دراسة السنة تحقق محبتها وتعظيمها وبالتالي محبته صلى الله عليه وسلم،فلا يكون الإنسان مؤمنا حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما،فلابد لذلك من معرفة سيرته عليه الصلاة والسلام،فالبعض لا يعرف شيئا عن سيرته سوى القليل،والطريقةلمعرفة سيرته صلى الله عليه وسلم هي السنة،قال سفيان الثوري: (الملائكة حراس السماء وأصحاب الحديث حراس الأرض).فعندما كانت محنة الإمام أحمد في خلق القرآن وكيف صمد أمام أعدائه وتحمل مع كبر سنة مع أنه لو نطق بما أرادوا لإيلام لأنه مكره على القول ولكنه صمد حفاظا على سنته صلى الله عليه وسلم ولكن لو تراجع ولم يصمد لضلت الأمة
5.ومن الأمور المهمة في دراسة الحديث الوقوف على سيرة الصحابة رضوان الله عليهم، الرعيل الأول الذين أخذوا الحديث من الرسول صلى الله عليه وسلم وخير من درج على الأرض بعد الأنبياء،فلابد من معرفة سيرة هذا الرعيل للانتفاع بتلك السيرة،فمنهم من تميز ببر أمه ومنهم من تميز بقيام الليل ومنهم من تميز بقراءة القرآن،ننظر لأنفسنا ونراجعها ونقتدي ونتشبه بهم، البعض الآن إذا قلت لهم كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتفطر قدماه أويتعبد كذا وكذا،يقول:هذا رسول! وبعد الرسول من؟الصحابة رضوان الله عليه كيف كانوا؟ مع انهم انتقلوا من الجاهلية إلى الإسلام،كيف استطاعوا أن يهذبوا أنفسهم ويربوها، لماذا لا نكون مثلهم؟ فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح.