الخميس، 19 يوليو 2018

الشباب والفراغ الفكري


تمهيد
يمثل الشباب ثروة الأمة وكنزها الثمين فهو طليعة التغيير المنشود، كما أن هذه الثروة المهمة إما أن تستثمر بشكل سليم نحو التطوير والبناء، أو أن تهدر من خلال سوء استثمارها مما يؤدي بها إلى الضياع أو الفساد، من هنا أدركت الشعوب قديما وحديثا أهمية هذه الثروة، لكن بقية عاجزة تجاهها في طريقة توظيفها وترشيد استثمارها.
يواجه الشباب اليوم تحديات عديدة منها: الثقافية، والاجتماعية، والسياسية، والفكرية، والاقتصادية، والعلمية، أمام انتشار ثقافة الترف والاستهلاك وعشق المظاهر...، من خلال جسور وقنوات مفتوحة تدخل مباشرة في كل بيت وغرفة ومكتب و في كل زمان ومكان، إلى جانب قصور العملية التعليمية ومحدوديتها في مواجهة هذا التحدي بعد أن أصبحت تتجه نحو تهميش وإلغاء المحتوى الثقافي وإقصاء القيم الإنسانية العامة، وسيادة كل أشكال التمييع الثقافي في الفضاءات الخارجية وفي الكليات والمدارس، مما أعطى ضعف فهم، وضحالة وعي بمجريات الحياة الإنسانية بشكل عام وبالتغيرات الوطنية بشكل خاص.
فما هو مفهوم الثقافة وماهي اهتمامات الشباب الثقافية وماهي التحديات الثقافية التي تواجههم في ضوء المتغيرات العالمية المعاصرة، وكيف نجعل من الشباب شركاء في مواجهة كل التحدياتٍ.

تحديات الشباب والفراغ الفكر لديهم
الثقافة هي القوة الناعمة التي تستطيع أن تغير وتواجه, ويقع علي عاتقها مسئولية كبيرة تجاه هذا المجتمع, يجب أن تؤديها بما يحفظ له حقه في السلم الأهلي, والعيش في مناخ الحرية الحقيقية التي ننشدها, بعيدا عن التعصب والتطرف الذي أصبح منتشرا ويشكل ظاهرة خطيرة بين شبابنا.. والدولة تنفق ملايين الجنيهات علي بناء وترميم وتجديد مئات من قصور وبيوت الثقافة التي بلغت في عام2010 حسب التقرير السنوي للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء539 قصرا وبيتا في كل ربوع المحروسة ومحافظاتها
فأين دور هذه القصور وتلك البيوت في تطهير عقول شبابنا من أمراض التطرف في الفكر والسلوك؟ وما هي الحلول لمواجهة هذه الظواهر؟ توجهنا بهذه الأسئلة إلي المسئول الأول عن هذه القصور الشاعر سعد عبدالرحمن رئيس هيئة قصور الثقافة علنا نجد إجابة لديه حيث قال موضحا إن اسم قصور الثقافة ليس علي مسمي وهو اسم مضلل لأن معظمها مواقع مجازية بمعني أن اسم' قصر ثقافة' يمكن أن يطلق علي حجرة أو قاعة أو شقة في إحدي المساكن الشعبية, وبعضها الآخر يعاني تدهور في بنيتها الأساسية مباني وأساس وتجهيزات, وقليل منها لديه بعض الإمكانات للمساهمة في هذا الدور ولكن بشكل غير مباشر من خلال أنشطة فرق الفنون الشعبية, والموسيقية والمسرحية ونوادي الأدب, وهؤلاء الشباب الذين يمارسون هذه الأنشطة بعيدون كل البعد عن الانحراف والوقوع فريسة لمثل هذه الأفكار المتطرفة, لأنهم يقومون بإشباع هواياتهم واستثمار أوقاتهم في نشاط ثقافي يشعرهم بذواتهم, وهذه'القصور' في العاصمة ولكن هذا الدور لا يمتد بخدماته إلي المراكز والقري والنجوع في ظل الإمكانيات المتواضعة والمعوقات التي نواجهها, وتدهور البنية الأساسية, والميزانية الهزيلة للهيئة.
والقضية أكبر من إمكانات وحدود هيئة قصور الثقافة, ولابد من أن يسهم فيها المجتمع بكل مؤسساته الرسمية وغير الرسمية, وأنا لست متشاءم ولكننا نعمل في جزر منعزلة, ونعيش مجموعة من التناقضات التي تتسبب في ضياع الجهود.. ولا مفر من وجود تعاون وتنسيق بين هذه الجهات, هناك نوايا طيبة للتعاون فيما بينها ولكن حتي الآن لا توجد آلية لتحويل هذه الرغبات والنوايا إلي واقع عملي ملموس, ويجب وضع إستراتيجية موحدة للعمل وتقسيم الأدوار والمسئوليات لمواجهة هذا التطرف والإرهاب وتخليص شبابنا من براثن هذه الظواهر الغريبة علي مجتمعنا, والبداية تبدأ من الأسرة والمدرسة ليتعرف الطفل علي آداب الحوار والاختلاف واحترام الآخر, ثم يأتي دور المسجد والكنيسة ووزارات الشباب والإعلام والأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني.

مراكز الشباب .. خارج الخدمة
يمثل الشباب نسبة69% من المجتمع وبالتالي يمثلون الأغلبية الساحقة والفئة الأكثر تأثيرا في المجتمع المصري ودعامة التطوير والتحديث في مختلف المجالات التنموية الصناعية والزراعية والخدمية لذلك نتناول أسباب عزوفهم عن المشاركة في أنشطة مراكز الشباب و دور وزارة الشباب في مواجهة الأفكار المتطرفة و التكفيرية بعد أن باتت قضايا الشباب أهم التحديات في صناعة مستقبل لأكبر شريحة سنية ومجتمعية في مصر.
بداية يتساءل الشباب عن دور بيوت الشباب برغم ما خصصته الدولة لدعمها إلا أنهم لا يعرفون أي دور فعال لها ولا يستفيدون من خدماتها التي يخصص بعضها لأصحاب المصالح والمعارف والإنفاق علي المؤتمرات العربية والدولية لاستضافة وفود خارجية في الوقت الذي يبحث فيه الشباب عن أي موارد للاستفادة منها لمواجهة البطالة التي يعانونها..وأبدي بعض الشباب استغرابه من التعاون المصري الأورومتوسطي للشباب ــ إلا من خلال المؤتمرات ــمؤكدين أنهم لا يعرفون ما هو دوره وما هي الفائدة التي تعود عليهم منه أو من شعاراتتطوير مراكز الشباب التي مازال يعاني بعضها من الظلام وقلة الإمكانيات وعدم وجود أسوار لتأمين روادها, ويؤكدمحمد محمود أحد أعضاء مراكز الشباب النوعية بديرمواس بالمنياهذه المعاناة التي تواجه مراكزالشباب وافتقاد الشباب لمكان آمن يمارسون فيه هواياتهم مما يجعلهم عرضة للإدمان, واستقطاب التيارات من أصحاب الأفكار الهدامة لهم.
يقول الدكتور خالد عيسوي عضو اللجنة القومية للأنشطة الطلابية نائب رئيس الاتحاد العام للكشافة والمرشدات سابقا أن مراكز الشباب خرجت عن النسق الذي أنشئت من أجله وهو انتاج شباب مثقف ومتصلا بالعالم الخارجي ينتمي لوطنه فالأن لاتوجد أنشطة ثقافية و لا اجتماعية ولا فنية ولا عمليةفي هذه المراكز..فقد تحولت إلي بوتيكات ومكان لايجار ملاعب كرة القدم وعندما فشلت مراكز الشباب في استقطاب الشباب تلقفتهم التيارات المتطرفة فلابد من وجود أنشطة جاذبة حقيقية تتوافق مع ميولهم ومراحلهم السنية بإعادة الأنشطة التي تم الغاؤها سواء كانت فنية أو ثقافية إضافة للجوالة.. فلا شك أن وزارة الشباب ورثت تركة فاسدة نتيجة السياسات السابقة وهناك بارقة أمل لإصلاح ما تم افساده.
ويتفق الدكتور حسن سلامة أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الإجتماعية والجنائية مع الرأي السابق مضيفا أنه يلمس تغييرا إيجابيا فيما تقوم به وزارة الشباب في الوقت الحالي يختلف عن السابق في مواجهة إحتياجات الشباب في جميع المجالات ليتمكنوا من إحتوائهم وإستقطابهم لصالح المجتمع ككل, ويشير إلي أن إجتذاب الشباب داخل الجامعات يحتاج لبذل جهود مضنية لإستقطابهم وتصحيح الصورة في أذهانهم فهي ليست مهمة وزارة الشباب منفردة إنما هي تحتاج إلي إستراتيجية طويلة الأمد تشترك فيها معا وزارات أخري كالأوقاف والإعلام والتعليم العالي ومؤسسات التنشئة المختلفة كالمؤسسات غير الحكومية مثل الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني لتتضافر الجهود و تلتقي في نقطة واحدة.

المؤسسات الدينية.. في مواجهة التطرف لدى بعض الشباب
فرضت وزارة الأوقاف سيطرتها علي المساجد التي كانت حتي وقت قريب منبرا لنشر التطرف والفكر المتشدد. وأطلقت دار الإفتاء حملة لرصد الفتاوي التكفيرية والرد عليها وصل عدد إصداراتها منذ الأول من يناير الجاري إلي6 بيانات توضح حقيقة الفكر التكفيري وترد علي دعاة العنف وسفك الدماء.
وبادرت مشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف بإرسال قوافل دعوية تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب, شيخ الأزهر, لنشر الفكر الوسطي المستنير ومواجهة الفهم الخاطئ للآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة, الذي كان سببا في انحراف فكر الجماعات الإرهابية التي تكفر المجتمع وتستبيح الدماء, ومحاربة الفكر بالفكر وإنقاذ آلاف الشباب الذين وقعوا ضحايا لهذا الفكر التكفيري المنحرف.
وفي ظل المواجهات الأمنية التي لم تعد تكفي لمواجهة هذا الفكر, طالب علماء الدين الجميع بالتعاون والتنسيق, لمواجهة الإرهاب الأسود والفتاوي التكفيرية التي تسببت في فتنة أكبر وأشد من القتل.

وبالجملة يمكن القول بأن الظروف التي يعيشها كثير من الشباب؛ مثل عدم وجود مشاغل لأسباب الفشل في الدراسة وعدم إتمامها بسبب الظروف الاقتصادية، أو عدم وجود فرص عمل أمام الشباب، هذان عاملان تسببا في إحداث خَواء كبير في حياة الشباب، إن لم يحسن استخدامه ومَلْأه بالبرامج النافعة والمشاريع المفيدة -وهذا في الغالب ما لا يحدث- فإن هذا الخواء بدوره يقود لخواء فكري خطير جدًّا، له خطورته على حياة الشباب وانعكاساته على نمط تربيتهم. يواجه الشباب اليوم خواءً فكريًّا كبيرًا تسببت فيه وأوجدته عدة عوامل تفترق أو تجتمع في الحالة الواحدة، وتتنوع أسبابه ما بين عوامل خاصة وعامة. ويمكن تقسيم هذه الأسباب إلى الآتي:

1- أسباب عامة

ويمكن الإشارة إلى الأسباب العامة بأمرين:

أ- انتشار الجهل وانصراف الناس عن العلم. وفي هذه الحالة يسود المجتمع خليط من الأفكار الفاسدة، والخرافات والتصورات والعادات الجاهلية، ويصبح المجتمع مهيئًا لكل فكر ضال. كما أنه في بعض الأحيان يكون قابلاً لدعوات الإصلاح إذا لم تكن فيه بدع مستحكمة، ومفاهيم منحرفة مقدسة.

قال الدكتور عبد الحليم عويس: "ولئن كانت عوامل التجزؤ عديدة ورهيبة، فإن هذه العوامل لا تتسلل إلى الأمة إلا حيث تعاني من فراغ فكري، وفقر إلى مجموعة القيم التي تغنيها بدراية سليمة مطمئنة عن حقيقة كل من الكون والإنسان والحياة، إذ إن من شأن أي جماعة تعاني مثل هذا الفراغ، أن تغدو هدفًا لمطامع أُولي الدعوات الهدامة التي تصطنع المبادئ والقيم لبلوغ أمانيها وأغراضها".

بـ- الفوضى الفكرية، حيث تنتشر المعارف وتقوى حركة التعليم مع اختلاف مشارب الأفراد الفكرية، فيجهر المبطلون بالضلال ويتفننون في عرضه على الناس. وعندها يتوزع أبناء المجتمع الواحد إلى طوائف، كل طائفة تسير خلف فكرة ومبدأ، ويزخرف كل فريق مبدأه، إما بتقريبه إلى الإسلام بالاستدلال الفاسد، أو بتقديمه على أنه الجديد المفيد المتجاوب مع مستجدات العصر، مع دعوى أنه لا يتعارض مع أصول الإسلام.

2- أسباب نفسية أو ذاتية

وهي أسباب توجد في نفوس الشباب أصلاً، ويضعونها بين أيديهم بلا تدخل من أي مؤثر خارجي، وهي بدورها تتسبب في خوائهم الفكري، مثل عدم وجود ثوابت فكرية عند كثير من الشباب، ولا فهم واضح للحياة ومشاكلها وتفاعلاتها المختلفة، مما يجعلهم غير قادرين على تحديد احتياجاتهم الفكرية ومن ثم السعي لتلبيتها.

عدم وجود الرؤية الواضحة عند الشباب للمستقبل، وعدم وجود أهداف لتحقيقها، مما يجعله يدخل في دوامة حيرة فكرية، وتدور في رأسه مسائل وإشكالات عديدة مثل؛ ماذا أقرأ؟ ومَن أصاحب؟ ومَن أتابع؟.. ويضاف لهذا من المشكلات، التخصص الأكاديمي الضيق الذي يجعل الشباب لا ينظر إلا تحت قدميه، غاضًّا الطرف عن استشراف المستقبل والتطلع نحو بناء الذات وتطويرها. فكثير من الشباب حدّ علمهم ومنتهاه، قاعة الدراسة والمراجع الأكاديمية المتخصصة، مما يتسبب في ضعف الأفق العلمي وسطحية المنهج الفكري.

3- أسباب أُسرية

تتسبب كثير من الأُسر المعاصرة في صناعة خَواء فكري كبير لدى أولادها من البنين والبنات، خاصة إن لم تحسن التربية والرعاية لهم، وحفظهم وتثبيتهم على أسس علمية وإسلامية وصحية في الوقت الذي كثرت فيه الاختلافات الفكرية والاضطرابات المنهجية، فضعف التربية الأُسرية وعدم قيام الأُسرة بدورها في تحصين أولادها علميًّا، وسد نهمهم الفكري يحدث خواءً كبيرًا عندهم، مما يجعلهم يسعون فرديًّا لسد هذا النقص الفكري والعوز المعرفي، وهنا تكمن خطورة عدم القدرة على تميز غث الأفكار والمناهج من سمينها.

كما يتسبب انتشار الجهل والأمية داخل الأُسرة في هذا الخواء الفكري عند الأولاد، وفاقد الشيء لا يعطيه، وهذا إضافة إلى ما تحدثه الظروف المعيشية عالية الرفاهية إذا تضافرت مع ذلك الجهل وتلك الأمية.

4- أسباب اجتماعية

المعني بالأسباب الاجتماعية هو دور المؤسسات العلمية والأكاديمية التي تقوم على الرعاية والتوجيه في المجتمع. فعدم قيام هذه المؤسسات بدورها تجاه الشباب، يخلق عندهم خواءً فكريًّا يكون السعي لسده فرديًّا، وذلك عندما لا تحتوي مناهج هذه المؤسسات على مناهج تلبي احتياجات الشباب حسب أعمارهم وجنسهم.

كما يتسبب ضعف المنهج كثيرًا في تخريج "أنصاف متعلمين"، مما يجعل تأثرهم سهلاً بأي فكر وأي منهج.

هناك مظاهر ودلالات كثيرة تدل على الخواء الفكري الذي يعانيه قطاع لا يستهان به من شباب الأمة، قد تكون هذه المظاهر سلوكية تظهر في سلوكهم، أو فكرية تتضح في فكرهم، أو حتى عملية تظهر في ممارسة الحياة العملية.

ولنا أن نتساءل، ما هي دلائل أنّ هذا الشاب خاويًا فكريًّا؟ وكيف يمكن الحكم على منهجٍ ما بأنه خواءٌ فكري؟ في الواقع إن هنالك عدة مشيرات؛ فالشاب الخاوي فكريًّا يتَّسم بالسطحية في المناقشة وعرض الأفكار، كما يظهر خواء الفكر في عدم الموضوعية في تناول المواضيع الجادة ذات الشأن، كما أنه تغيب عنده الرؤية العلمية والمنهجية في الحياة. أيضًا من سمات أصحاب الخواء الفكري، أنهم يقرؤون ويطلعون ويتصفحون كل ما يقع في أيديهم من كتب ومؤلفات مختلفة الرؤى والأفكار، دون القدرة على تمييز النافع من الضار والغث من السمين.

من المظاهر الخطيرة جدًّا كذلك، كثرة الانتقال من مذهب فكري إلى آخر دون إعمال عقل أو تدوير فكر أو تمحيص رأي بسبب عدم تحديد احتياجات الشاب المقنعة. من مظاهره أيضًا، الشعور بالملل والاكتئاب المستمر. كذلك من المظاهر السالبة أيضًا، الإسهاب في عرض قضية ما، وذلك بالتركيز على الجزئيات الضيقة دون النظر إلى كليات القضايا والأمور.

فالخاوي فكريًّا، سريع التأثر بأي فكر يكون قويًّا في عرضه وجذابًا في مظهره ولو كان فكرًا ضالاًّ، والمواقع على الإنترنت تحمل آلاف الآراء والأفكار الضالة. كما قد يتسبب الخواء الفكري في التزام الشاب بمنهج يناقض سلوكه وأخلاقه ومثله العليا، بل تطلعاته الهادفة النبيلة، وهو لا يشعر بذلك حتى يتمكن منه الداء العضال، ويصعب عليه الانفكاك عن المنهج الذي تعوده.

كما ويصاب الخاوي فكريًّا بعدم وجود مرجعية علمية يمكن الرجوع إليها إذا ما واجهته مسألة علمية أو أزمة فكرية. فهو خاوي الفكر مما يفيد ومن معرفة من يفيد، لأنه لو تمت له مدارسة مع أصحاب العقول الراجحة والأفكار النيرة، لحصل له من العلم ما يملأ خواءه الفكري، ومن ثم يكون التخبط والاضطراب نتاجًا طبيعيًّا لهذه الحالة، ومن ثم قد يستعين بمن يظنّهم أهل العلم -وليسوا بأهله- وربما يكونون من أصحاب الأهواء الشخصية أو الضلالات المنهجية، فيزيدوا مشكلته تعقيدًا، وتزيد خطورة هذه الظاهرة في الوقت الذي أصبح فيه كل طالب علم مبتدئ قادرًا على إنشاء موقع فيستفتي ويجيب وهو جاهل بدين الله وأحكامه الشرعية، فضلاً أن يرقى إلى مستوى حل مشاكل الشباب وفك معضلاتهم العلمية. ومن العجيب أن بعض الشباب يجعل أدلته في مسائل خلافية مواقع يزورها على الإنترنت دون التثبت من صحتها.

مما ينبغي التنبيه عليه أيضًا هو أن الخواء الفكري، يسبب ملل وقلق دائمين بسبب توفر الوقت وخواء العقل، فصاحبه يحتاج لأمر يقضي فيه وقته ويضيعه. وأجهزة التقانة الحديثة فيها قدر كبير من اللهو والمرح المباح وغير المباح، كما تحتوي وسائطها على مغريات كثيرة، ومن ثم في حالة عدم وجود الوازع الديني والتربية والرقابة من الأُسرة، فإن ذلك يؤدي إلى اختلالات سلوكية خطيرة.

تكون الوقاية من الظواهر المجتمعية السالبة، في تعطيل الأسباب المنشئة والمغذية لها. ومن خلال تحليلنا لهذه الظاهرة، وجدناها تتفرع من أسباب ذاتية وأخرى أسرية، وعوامل اجتماعية كما سبق البيان، ومن ثم تكون الوقاية منها والمعالجات لها، من خلال ذات المحاور التي تلج منها هذه الظاهرة السالبة.

ففي الجانب الأُسري تكون المعالجة على يد الوالدين بحفز الأولاد ودفعهم للهمم العالية، كما ينبغي ربطهم في المستقبل، وأن يكون لهم أهداف سامية يسعون لتحقيقها والوصول إليها. كما ينبغي تحصين الشباب وتثبيتهم على قواعد ومنطلقات فكرية سليمة، وهذا ما يسمى بـ"قاعدة التحصين الذاتي"، والتي أشار حديث ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلّم -: "يا غلام إني أعلِّمك كلمات، اِحفظ اللهَ يحفظْك، اِحفظ اللهَ تَجدْه تُجاهك، إذا سألتَ فاسأل اللهَ، وإذا استعنتَ فاستعن بالله، واعلمْ أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرّوك بشيءٍ لم يضرّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعت الأقلامُ وجَفَّت الصحفُ" (رواه الترمذي). هذا دليل واضح على اهتمام الرسول - صلى الله عليه وسلّم - بالشباب وكيفية المحافظة على عقائدهم وأفكارهم، وذلك بالتوجيه المباشر لهم ليس تركهم لعواصف الفتن والأهواء أن تعصف بهم.

جانب آخر من وسائل العلاج والوقاية، هو المحور الأُسري ودوره المتعاظم في الوقاية من الظواهر السالبة. فكما هو معلوم فإن البيت هو عمدة المجتمع وركيزته الرئيسة التي يرتكز عليها، وها هنا يكون التلازم في علاج الظواهر السالبة في ابتداء معالجة التفلتات الأُسرية والانحرافات داخلها، مما يشكل في مجموعه أمن وسلامة المجتمع وبناء مجتمع سليم ومعافى.

ويأتي أخيرًا دور المحور المجتمعي، وهو دور مؤسسات الدولة التعليمية والإعلامية والمؤسسات الأكاديمية الأخرى، في تصحيح المنهج الفكري عند الشباب والمحافظة عليه، وإبعادهم عن كل آفات الفكر.

الخلاصة

ساهمت مؤسسة المجتمع في هذه الظاهرة؛ إذ قلّت المنتديات العلمية والفكرية النافعة، واكتفت المؤسسات الأكاديمية بتخريج "أنصاف المتعلمين" وأصحاب النظر الضيق والأفق المحدود، لا يرون المستقبل ولا يستشرفونه، مكتفين بالنظر تحت أقدمهم.

ولقد تنامى الدور المجتمعي أهميته في التربية السلوكية للأفراد في العصر الحديث بعد تراجع كبير لدور الأُسرة، وانشغال كثير من الآباء عن أولادهم، مما أحدث فجوة تربوية كبيرة. كما انشغلت المؤسسات الأكاديمية وانحصرت في البرامج الدراسية المتخصصة في وقت تنامت فيه وازدهرت وسائل الاتصال مع المجتمعات الخارجية بسهولة ويسر، ودخلت هذه الوسائط المرئية والمسموعة كمُربٍّ؛ له أثره في الشباب وتوجيه أفكارهم وصياغتها، وله أثره الظاهر في أخلاقهم. ومن ثم لابد من مواجهة ذلك المد التقني الجارف بدور مجتمعي قوي وفاعل في توجيه الشباب والرقابة عليهم. ويقول الباحث التربوي محمد نبيل موضحًا أهمية دور المجتمع: "على قدر تعدد الأوساط التربوية وكثرتها وترابطها يظهر تميز مؤسسة المجتمع في كبر مساحتها وسعة دائرتها وأهمية موقعها في حياة كل فرد ومستقبله".

كما يتضح ذلك أيضًا عندما "يغادر الفرد بيئته أو مدرسته أو مسجده، ويلتحق بالمجتمع وينخرط فيه، ويتفاعل مع جميع أطيافه، متدثرًا بعوامل مناعية وسلوكية اكتسبها من خلال أسرته وأصدقائه ومسجده ومدرسته. ومن خلال تلك الاكتسابات السلوكية واستشعاره بدوره لتأكيد ذاته وأهميتها، يشعر بأنه من خلال تكوينه التربوي، عضو في مجتمعه، فيحافظ ذلك العضو الجديد ويطور مكاسبه الأخلاقية والتربوية والمعرفية"؛ فيقعون صيدًا سهلاً لأصحاب المآرب الشخصية والعداوة للإسلام. كذلك كان لابد من وقفة وقاية من هذه الظاهرة ومثيلاتها، ولابد من سبيل ناجح للعلاج مما أصاب الشباب من تراوح بين الخواء الفكري والاستخدام السيئ للتقنيات. وأول خطوات الوقاية والعلاج هي الأُسرة، إذ إنها أول لبنة في المجتمع، فلابد أن تقوم بدورها المنوط بها نحو أبنائها والمنسوبين إليها، تحصينًا ومراقبة ومحاسبةً على الأخطاء المرتكبة داخل الأُسرة وخارجها.

كما ينبغي أن تقوم مؤسسات المجتمع بدورها الموكل إليها في سد ذرائع الفساد والفتنة الموجهة للشباب الذين هم رجال المستقبل وصُنَّاعه، حتى لا يصاب غدًا المجتمع بالشلل الحركي فتتعطل قوته وتقل فاعليتها، ويصبح المجتمع عالة على ما حوله من المجتمعات، مكتفيًا بالاستهلاك منها لبضائعه القيمية والفكرية، كما ينبغي أن تراجع مؤسسات التعليم مناهجها لتخريج شباب ذوي رسالة ينفعون بعلمهم وينتفعون به. وعلى الشباب ألا يضيعوا جهدهم وأوقاتهم فيما يعود عليهم بالوبال والحسرة، وأن يكونوا بعيدي النظر غير منجرفين وراء الشهوات والفتن التي تحد من تقدمهم ورقيهم الإنساني.