الطلاق وعلاقته بعلم الاجتماع الديني
أولا : مقدمة
الحمد لله خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمني، وله الحمد خلق فسوي وقدر فهدي، والصلاة والسلام علي رسوله وخليله المجتبي، وبعد:
فإن الزواج هو سنة من سنن الله في الخلق والتكوين، وهي عامة في الإنسان والنبات والحيوان، قال تعالى: "سبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ ومِنْ أَنفُسِهِمْ ومِمَّا لا يَعْلَمُونَ" وقال: "ومِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" وقال :"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" ، وقال :"هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إلَيْهَا".
وهذه الحياة الزوجية بين بني الإنسان يحرص شياطين الإنس والجن على هدمها، والإتيان علي بنيانها من القواعد، كما قال تعالى: "واتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ومَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ولَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ومَا أُنزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ ومَارُوتَ ومَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وزَوْجِهِ ومَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلاَّ بِإذْنِ اللَّهِ"( .
يقول ابن كثير في تفسيرها: أي فيتعلم الناس من هاروت وماروت من علم السحر ما يتصرفون به فيما يتصرفون فيه من الأفاعيل المذمومة، ما إنهم ليفرقون بين الزوجين مع ما بينهما من الخلطة والائتلاف، وهذا من صنيع الشياطين؛ لما رواه مسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما عن النبي (صلي الله عليه وسلم):"إن الشيطان ليضع عرشه علي الماء ثم يبعث سراياه في الناس فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة، يجئ أحدهم فيقول: ما زلت بفلان حتي تركته وهو يقول كذا وكذا، فيقول إبليس: لا والله ما صنعت شيئاً! ويجئ أحدهم فيقول: ما تركته حتي فرقت بينه وبين أهله، قال: فيقربه ويدنيه ويلتزمه، ويقول: نعم أنت" .
فإن التفريق بين الزوجين مهما طال اجتماعهما، ومهما كان الأنس والمودة بينهما، ومهما كان عدد وسن أولادهما، هو أعظم فتنة يحرص عليها الشيطان ليفتن بها بني الإنسان وخصوصا الإنسان المسلم، حيث إن الأسرة بالمعني الحقيقي لا وجود لها إلا في المجتمع المسلم، والذي يحرص الشيطان وأعوانه علي هدمه وتدميره من خلال تدمير الأسرة، وقد حقق الشيطان وحزبه شيئاً من ذلك حتي خرجت الإحصائيات في أهرام يوم الاثنين الموافق 18/2/2000م تقول: إن عدد حالات الخلع بلغ في سنتين أربعة آلاف وسبعمائة وسبع عشر حالة، ونشر أيضاً بالأهرام في 7/1/2005 أن كل ست دقائق تقع حالة طلاق، هذا هو المنشور، فكيف المستور!!
ثانيا : تعريف الطلاق
- لغة : هو حل القيد والإطلاق ومنه ناقه طالق : أي مرسله بلا قيد .
- شرعا : حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه او هو تصرف مملوك للزوج يحدثه بلا سبب فيقطع النكاح والاصل فيه الاجتماع وقوله تعالى (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف او تسريح بإحسان ) ومن السنه: ((ليس شيء من الحلال أبغض الى الله من الطلاق )) .
وذكر في مرجع اخر تعريف اخر للطلاق :
- لغة \وهو رفع القيد مطلقا سواء هذا القيد حسيا او معنويا فيقال اطلق الرجل الاسير اذا رفع القيد عنه كما يقال طلق الرجل زوجته
- اصطلاحا\عرفه اكثر الفقهاء بقولهم انه :رفع قيد الزواج الصحيح في الحال او في المال بلفظ يفيد ذلك صراحه او كناية او بما يقوم مقام اللفظ من الكتابة والإشارة .
وقد عرف الطلاق في احد الدراسات التشخيصية :
- لغة بانه رفع قيد النكاح
- واصطلاحا \رفع قيد النكاح في الحال والمآل والطلاق بناء على هذا التعريف ينقسم الى قسمين : قسم يرفع النكاح في الحال وهو طلاق البائن فبمجرد صدوره يرفع النكاح في الحال فلا تحل المطلقة لمطلقها الا بعد عقد ومهر جديدين سواء انتهت العدة ام لم تنتهي ، والقسم الثاني :يرفع النكاح في المآل وهو الطلاق الرجعي فالنكاح في الطلاق الرجعي لا يرتفع بمجرد صدور ما يدل عليه بل يرتفع بانتهاء عده المطلقة اما اثناء العدة فيظل قائما وله ان يرجعها رضيت ام لم ترضى ولكن تحتسب الطلقة من عدد الطلقات التي يملكها الزوج على الزوجة وهي ثلاث طلقات.( )
ثالثا : أسباب الطلاق
أصبح من المعلوم لكل ذي بصيرة أن هناك خطراً يهدد الأسرة المسلمة وهو الطلاق، وبالتأمل في أسبابه وطرق علاجه تبين لنا بتوفيق الله سبحانه وتعالي أن هناك أسباباً كلية رئيسية تنطوي تحتها أسباب أخري فرعية، وهذه الأسباب الرئيسة هي:
1- عدم معرفة كل من الزوجين طبيعة الآخر
وعلاجاً لهذه الأمية في الفهم من جانب الرجل والمرأة نستعرض القرآن والسنة، فيكشف لنا القرآن الكريم عن طبيعة كل منهما، يقول تعالى: "فَلَمَّا وضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إنِّي وضَعْتُهَا أُنثَى واللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وضَعَتْ ولَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وإنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وإنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" ، وقرأ ابن عامر وشعبة ويعقوب وضعت بضم التاء على أنها تاء المتكلم ويكون ذلك من تمام قول امرأة عمران وهي أنثى ويكون كلامها وليس الذكر كالأنثى، فهذه امرأة تقرر ما هو مغروس في الفطرة السليمة التي لم يصبها داء الحضارة الغربية أن الذكر ليس كالأنثى ولا الأنثى كالذكر، وقرأ الجمهور: "وضعت"بتسكين التاء على أنه قول رب العالمين فيكون التقرير الإلهي "وليس الذكر كالأنثى"، فلو تنازل الرجل عن قوامته صار كالأنثى، ولا تستقيم الحياة بين مثلين، وإذا انسلخت المرأة من أنوثتها صارت كالرجل، ولا تستقيم الحياة بين مثلين، فالقوامة صفة ملازمة للرجل؛ لقوله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ" ، وهي تعني كما قال ابن كثير أنه رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت؛ لأن الرجال أفضل من النساء والرجل خير من المرأة، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال، وكذلك الملك الأعظم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة".
والقوامة للرجل لقوله تعالي: "واللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ واهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ واضْرِبُوهُنَّ فَإنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًا كَبِيرًا".
يقول ابن كثير: أي والنساء اللاتي تخافون أن ينشزن علي أزواجهن والنشوز هو الارتفاع، فالمرأة الناشز هي المرتفعة علي زوجها التاركة لأمره المعرضة عنه، المبغضة له، فمتي ظهر منها أمارات النشوز فليعظها ويخوفها عقاب الله في عصيانه، فإن الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته، وحرم عليها معصيته لما له عليها من الفضل والإفضال، وقال رسول الله (صلي الله عليه وسلم)"لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها".
والهجر هو أن لا يجامعها ويضاجعها على فراشها، ويوليها ظهره، لقوله عليه السلام: "فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع، وإذا لم يرتدعن بالموعظة ولا بالهجران فلكم أن تضربوهن ضرباً غير مبرح". كما ثبت عن جابر عند مسلم:"واتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" .
ولا يجوز للمرأة إذا حدث خلاف أن تهجر زوجها في الفراش لتأديبه أو تضر به ليطيع أمرها لمخالفة صريح الآية السابقة، ولقوله عليه السلام فيما رواه أبو هريرة: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه لعنتها الملائكة حتى تصبح".
وليس معنى القوامة من الرجل هي التسلط والتكبر، ولكن مع التقويم والتعليم والتسديد والنصح تكون المساعدة والمعاونة، ويكون الزوج كما كان رسوله الكريم (صلي الله عليه وسلم)، فقد بوب البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب: كيف يكون الرجل في أهله؛ عن الأسود قال: سألت عائشة: ما كان النبي (صلي الله عليه وسلم) يصنع في أهله؟ قالت: كان في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة.
وقال ابن حجر في معرض شرحه للحديث: وقع في رواية هشام بن عروة عن أبيه: قلت لعائشة: ما كان رسول الله (صلي الله عليه وسلم) يصنع في بيته؟ قالت: يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم. وعنها بلفظ:"ما كان إلا بشراً من البشر، كان يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه".
وعلى المرأة أن تفهم نفسها وطبيعتها وتتواضع وتقرر ما قرره نبي الإسلام أن فيها عوجاً، وفيها نقصاً، وأن هذا الشيء مغروز في خلقتها وفطرتها وفي المادة التي خلقت منها، فإنها خلقت كما ذكر الرسول (صلي الله عليه وسلم) فيما أخرجه البخاري كتاب النكاح باب الوصاة بالنساء: "واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً" .
وقال ابن حجر عن ابن عباس: إن حواء خلقت من ضلع آدم الأقصر الأيسر. وقال: ويستفاد من هذا الحديث نكتة التشبيه وأنها عوجاء مثله لكون أصلها منه، وقوله: "وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه". فيه إشارة إلى أنها خلقت من أعوج أجزاء الضلع مبالغة في إثبات هذه الصفة لهن، ويحتمل أن ضرب ذلك مثلاً لأعلى المرأة؛ لأن أعلاها رأسها، وفيه لسانها وهو الذي يحصل منه الأذى.
وقوله: "فإن ذهبت تقيمه كسرته" والضمير للضلع، ويحتمل أن يكون للمرأة لما عند مسلم: "وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها".
وقوله: "واستوصوا بالنساء خيراً"يؤخذ منه ألا يتركها على الاعوجاج إذا تعدت ما طبعت عليه من النقص إلى تعاطي المعصية بمباشرتها أو ترك الواجب، وإنما يتركها على اعوجاجها في الأمور المباحة، وفي الحديث الندب إلى المداراة لاستمالة النفوس وتألف القلوب، وفيه سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على عوجهن.
2- الأسباب الخارجية:
وهي التي تعود إلى أشخاص آخرين غير الزوجين، ممن قد يكون لهم تأثير في حياتهما.
ومن هذه الأسباب الخارجية:
أولاً: إدارة بعض الناس الإفساد بين الزوجين، والسعي إلى تكدير صفو علاقتهما، وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من صانع ذلك؛ روى أبو داود (2175) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من خبب امرأة على زوجها، أو عبداً على سيده".
ومعنى "خبب": أفسد وخدع، كما قال السندي.
وهذا الإفساد والتخبيب بين الأزواج معدود من السحر المحرم شرعاً؛ كما قال تعالى: (ومَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ولَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ومَا أُنزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ ومَارُوتَ ومَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وزَوْجِهِ).
قال ابن كثير رحمه الله: "أي: فيتعلم الناس من هاروت وماروت من علم السحر ما يتصرفون به فيما يتصرفون فيه من الأفاعيل المذمومة، ما إنهم ليفرقون به بين الزوجين - مع ما بينهما من الخلطة والائتلاف-، وهذا من صنيع الشياطين",
ثم ساق رحمه الله الحديث الذي أخرجه مسلم في "صحيحه" (2813) عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجئ أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئاً، قال: ثم يجئ أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت"، قال الأعمش: أراه قال: "فيلتزمه" أي: يضمه إلى نفسه ويعانقه.
ثم قال ابن كثير: "وسبب التفرق بين الزوجين بالسحر: ما يخيل إلى الرجل، أو المرأة من الآخر، من سوء منظر، أو خلق، أو نحو ذلك، أو عقد، أو بغضة، أو نحو ذلك من الأسباب المقتضية للفرقة" .
ومن أمثلة هذا التخبيب والإفساد الذي نعيشه في واقعنا المر: أن يبتلى الرجل بامرأة، تتصل به عن طريق الهاتف- مثلا- فتلين له الكلام، وتخضع له بالقول، وتنميه وتغريه، وتزين له الباطل، إلى درجة أن يرى فيها المرأة المناسبة له اللائقة به، فيزهد في زوجته ويكرهها، ويعزم على تسريح أهله ليتزوجها.
وقد يقع مثل ذلك للمرأة- أيضاً- حيث ينصب لها بعض ذئاب البشرية فخا، فيوقعها في حبائل الشيطان وشراكه، فإذا خرجت إلى السوق- مثلا- قد يتعرف عليها بعد الفجار من التجار، فيعاملها بالإحسان، ولا يزال يكرمها حتى يمتلك قلبها، فترى فيه الرجل المناسب، خاصة إذا قارنت إحسانه بجفاء زوجها وقسوته، حينئذ يحاول هذا المخادع إقناعها بالتخلي عن زوجها والابتعاد عنه، ويعدها- الوعود الكاذبة- بأنه سيكون لها خير زوج وأفضل عشير.
ثانياً: سعي بعض النساء في الفوز بالزوج، والاستئثار به، والحلول محل زوجته؛ روى البخاري (5152) ومسلم (1408) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها؛ لتستفرغ صحفتها، فإنما لها ما قدرلها"، أي: تفرغ ما كان في إناء أختها في إنائها، وعند مسلم: "لتكتفئ صحفتها".
قال النووي رحمه الله: "ومعنى هذا الحديث: نهي المرأة الأجنبية أن تسأل الزوج طلاق زوجته، وأن ينكحها ويصير لها من نفقته ومعروفه ومعاشرته ونحوها ما كان للمطلقة، فعبر عن ذلك باكتفاء ما في الصحفة مجازاً" .
ثالثاً: تدخل بعض الناس في حياة الزوجين: وهذا من الأسباب الرئيسة التي شتتت شمل أسرنا، وعكرت صفو حياتنا؛ فأم الزوجة لا تكف عن إضرام نار العداوة بين ابنتها وزوجها باسم النصيحة وإرادة الخير لابنتها، وما هو بخير، وأما والدة الزوج فإنها تشكو دائماً من اختطاف هذه المرأة الأجنبية لابنها، لذا تسعى- بكل الطرق- لتخليصه منها، ومصير أسرة تعيش في مثل هذه الأحوار المزرية معلوم، ونهاية المطاف تسريح وطلاق.
وللحد من هذا التدخل (الأجنبي) فالحل ميسور وسهل على من يسره الله عليه، ويكمن في تكتم كل من الزوجين على ما يجري في بيتهما، فلا يطلعان عليه أحداً مهما كانت قرابته، بل يعالجان ما يحدث بينهما من نزاع بالحكمة والموعظة الحسنة، وبهذا يقطعان الطريق على كل عابث بسعادتهما، ومخبب يريد الإفساد والقطيعة، وإن تظاهر بالإصلاح والنصيحة.
وعلى أهل الزوجين أن يتقوا الله تعالى في ابنهم وابنتهم، وأن لا يكونوا آلة تدمير، ومهول تخريب للأسر، فمن للمطلقة خاصة هذه الأيام؟! حيث أصبح أكثر الناس ينظر إليها على أنها هي المخطئة دائما، وإن اختلعت من مدمن خمر أو قاطع طريق.
رابعاً: إرغام بعض الأولياء بناتهم على الزواج بمن لا يردن، وإجبارهن على ذلك، لاسيما إن كانوا من كبار السن، وأحياناً يأمر بعض الآباء بناتهم بالزواج من بعض أقاربهم، وإن كرهت البنت ورفضت، ويكون ذلك- عادة- تحت وطأة التهديد والترهيب، فيقول الوالد لابنته- مثلا-: هذا ابن عمك- أو ابن خالك- زوج لك، فإن لم تقبلي به فلست أباك، ولا تكلميني بعد اليوم، والأدهى من ذلك كله أن يزوج الرجل موليته لقريبه من غير علمها ودون استشارتها، وقد سمعنا من يقول عن البنت وقريبها- وهما في سن الطفولة-: هذه البنت لهذا الولد، ويكبران على هذا، حيث يتعين تنفيذ هذا الحكم، ولا يجوز رده ولا مخالفته، ولو كره الكارهون.
ولا يشك عاقل أن في هذه التصرفات ظلماً - والظلم ظلمات يوم القيامة- في حق هذه البنت التي لا حيلة لها سوى الرضوخ لما يملى عليها.
وإنما يقع الناس في مثل هذا بسبب جهلهم بتعاليم دينهم، وعدم وقوفهم على سنة نبيهم- عليه الصلاة والسلام- القائل: "الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها"، وفي رواية قال: "الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر يستأذنها أبوها في نفسها، وإذنها صماتها- وربما قال-: وصمتها إقرارها"
وأخرج البخاري (5138) عن خنساء بنت خذام الأنصارية: "أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه"، والحديث ترجم له البخاري بقوله: "باب إذا زوج ابنته وهي كارهة، فنكاحه مردود".
وأخرج أبو داود (2096) عن ابن عباس: "أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم".
قال ابن القيم رحمه الله: "وموجب هذا الحكم: أنه لا تجبر البكر البالغ على النكاح، ولا تزوج إلا برضاها، وهذا قول جمهور السلف، ومذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايات عنه، وهو القول الذي ندين الله به، ولا نعتقد سواه، وهو الموافق لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره ونهيه، وقواعد شريعته، ومصالح أمته" .
3- الأسباب التي تعود إلى الزوجة:
ونذكر منها:
أولاً: سؤال بعض النساء أزواجهن الطلاق من غير سبب معقول ولا مقتض شرعي، ومن غير شدة تلجئهن إلى سؤال المفارقة، وقد توعد الشارع من فعلت ذلك بحرمانها من دخول الجنة؛ روى أبو داود (2226) وابن ماجه (2055) عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما باس، فحرام عليها رائحة الجنة".
ولقد أصبحنا نسمع - في عصرنا هذا- الغرائب والعجائب من أسباب الطلاق التافهة؛ فهذه طلقت لأن زوجها لم يشتر لها فستاناً ترتديه في حفل زفاف صديقتها، وأخرى اختلعت من بعلها؛ لأنه رفض إدخال التلفاز إلى بيتها، وثالثة طلبت التسريح؛ لأنه لم يسمح لها بأن تحتفل بعيد ميلادها! والقائمة طويلة، لو تتبعناها لما وصلنا إلى النهاية.
ثانياً: ممارسة المرأة للعمل خارج البيت - خاصة إذا كان بغير رضا الزوج- وهذا مما يؤثر سلباً على تربية أولادها وخدمة زوجها؛ لصعوبة التوفيق بين واجبات البيت والعمل، وتشعر المرأة- وهي تعمل- بشيء من الاستقلال وعزة النفس، خاصة إذا كانت ذات منصب ومسؤولية، وهو الأمر الذي يضيق بسببه صدر الزوج، وليتغلب على شعوره بالضعف والهوان يستعمل سلاح الطلاق، ليتخلص من كل ما ينغص عليه حياته.
وأحياناً يقع الخلاف بينهما من أجل مالها وراتبها الشهري، إذ يلزمها زوجها بالمشاركة في الإنفاق على البيت، فترفض وبشدة، بحجة أن النفقة واجبة عليه هو وحده، في حين يعلم أنها لا تبخل بذلك على أهلها؛ لأنها تقتطع نصيباً هائلا من راتبها كل شهر تسلمه لهم.
وأحياناً أخرى يحتدم الخلاف بين الزوجين ويشتد حتى يبلغ أوجه بسبب بما تتعرض له المرأة - في مقر عملها- من تحرشات ومضايقات ومساومات، الشيء الذي لا يستطيع أن يصبر عليه من له أدنى غيرة على أهله.
وكل هذه الخلافات - التي يسببها عمل المرأة- غالباً ما تنتهي أطوارها بالطلاق والانفصال، الذي يدفع ثمنه الأولاد الأبرياء.
ثالثاً: إفراط بعض النساء في الغيرة على أزواجهن، مما يدفعهن إلى توهم أشياء غير واقعية، وفي المثل المشهور: "إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده"، وربما أدت تلك الغيرة المفرطة إلى رمي الزوج بأمور فظيعة، واتهامه دون بينة، وهو ما ينسف كيان الأسرة، ويهدمها من أساسها.
ولا يفوتنا- هنا- أن انبه على أن الزوج- في بعض الأحيان- قد يكون هو المتسبب في هذه الغيرة، وذلك لسوء نظره في العواقب، كأن يكثر من مدح بعض النساء بحضور أهله وعلى مسمعها، فيقول- مثلا-: فلانه متخلقة، فلانة مهذبة، فلانة متدينة، فلانة تحسن كذا، وقد تكون هذه (فلانة) أجنبية عنه، ويردد ذلك في مجالسه المختلفة.
فمثل هذا الصنيع- ولو كان بغرض حث أهله على الاقتداء والتأسي- يولد في نفس الزوجة غيرة شديدة، وكراهية للزوج؛ لأنها ترى في ذلك إهانة لها واحتقاراً.
4- الأسباب التي تعود إلى الزوج:
ونذكر منها:
أولا: اتخاذ بعض الأزواج لفظ الطلاق للمزاح والسخرية واللعب، علما أن الألفاظ الشرعية لابد أن تصان من كل هذا؛ روى أبو داود (2194) والترمذي (1184) وابن ماجه (2039) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة".
قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله: "اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان البالغ العاقل: فإنه مؤاخذ به، ولا ينفعه أن يقول: كنت لاعباً، أو هازلاً، أو لم أنوِ به طلاقاً، أو ما أشبه ذلك من الأمور، واحتج بعض العلماء في ذلك بقول الله تعالى: (ولا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا) [البقرة: 231]" .
ثانياً: عدم توفيق الزوج في اختيار الزوجة، فالملاحظ في كثير ممن يقدم على الزواج أنهم يصبون جم اهتمامهم على شيء واحد، فتراهم يركزون على المظهر فقط، ولا يختارون سوى الجميلة والحسنة الصورة من النساء، ويغضون طرفهم عن الصفات الأخرى، وسرعان ما يصطدمون بالواقع، إذ بعد مرور الأيام والشهور يكتشفون أخلاقاً لا ترضيهم، ويرون تصرفات لا تروقهم، فتنسيهم هذه النقائص جمال المظهر والصورة، وماذا يصنع الزوج بهذا الجمال إذا كانت زوجته متكبرة متعالية، غير مستقيمة ولا عفيفة، لا تعنى إلا بمظهرها، ولا يهمها زوجها ولا تربية أبنائها؟!
وإنما الاختيار الأمثل: هو التركيز على ما أوصى به نبينا صلى الله عليه وسلم وحث عليه، فيما رواه البخاري (5090) ومسلم (1466) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين، تربت يداك".
ثالثاً: عدم نظر الرجل إلى المخطوبة قبل الزواج، وربما نظر إليها ولكن نظرة خاطفة باستحياء، لا يحصل معها المطلوب، وكأنه لم ير شيئاً، ومن عادات بعض الأسر اكتفاء الرجل بوصف أهله للمخطوبة، وعليه يبني رأيه، وقد يندم حيث لا ينفع الندم، خاصة إذا وجدها على خلاف ما وصف له، ولو أن الناس عملوا بالسنة ووقفوا عندها لاستراحوا من كل هذا العناء.
وديننا السمح أمر بالنظرة الشرعية قبل العقد؛ فقد روى أبو داود (2082) عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل".
رابعاً: تسرع بعض الأزواج في التلفظ بالطلاق، وقد يكون ذلك- أحياناً- لأسباب تافهة؛ فربما طلق الرجل زوجته؛ لأنها ما أحسنت تحضير الطعام، أو لأنها نسيت أن تكوي قميصه، أو أحرقت ثوبه حين كيه، أو لأنها شجعت فريقاً غير الذي يشجعه زوجها؟! إلى غير ذلك من الأخبار المضحكة المبكية مما يروى في دنيا الناس في أسباب الطلاق.
5- الأسباب المشتركة بين الزوجين:
ونذكر منها:
أولاً: عدم تكافؤ الزوجين: والكفاءة هي المساواة والمماثلة، وبها يحصل التوافق، ولو تعمقنا في البحث عن أسباب الطلاق لأدركنا أن من أظهرها: انعدام الكفاءة بين الزوجين، ولكن لابد من التوسط في الأخذ بها- بين الإفراط والتفريط- فلا نغالي في القول بها، ولا نهملها بالكلية، "وخير الأمور أوسطها"، و"الحسنة بين سيئتين".
روى الترمذي (1084) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض".
قال ابن القيم: "فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الدين في الكفاءة أصلاً وكمالاً، فلا تزوج مسلمة بكافر، ولا عفيفة بفاجر، ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمراً وراء ذلك، فإنه حرم على المسلمة نكاح الزاني الخبيث، ولم يعتبر نسباً ولا صناعة ولا غنى ولا حرية، فجوز للعبد القن نكاح الحرة النسيبة الغنية، إذا كان عفيفاً مسلماً، وجوز لغير القرشيين نكاح القرشيات، ولغير الهاشميين نكاح الهاشميات، وللفقراء نكاح الموسرات".
ثانياً: المعصية - سواء كانت من الزوج أم قرينته-: هي سبب في الطلاق، فكم من رجل مستقيم طلق زوجته لأنها لا تصلي؟! وكم من امرأة متدينة اختلعت من زوجها لأنه يشرب الخمر أو يتناول المخدرات؟!
وأحياناً تكون المعصية من الزوجين معاً: كاعتيادهما مشاهدة ما يحرم مشاهدته من الأفلام الساقطة، والمسلسلات الهابطة، أو النظر إلى الصور الممنوعة التي تكون فتنة لها.
ومن الأمور التي أسهمت - وبدرجة كبيرة- في التفكك الأسري، والانفصال بين الأزواج: الانتشار الرهيب عبر الشبكات العنكبوتية (الإنترنت) للعلاقات المشبوهة بين الرجال والنساء، حتى بين المتزوجين منهم، والتي تنتهي في غالب الأحيان إلى الخيانات الزوجية. ( )
وتعدد لنا الاسباب اخرى للطلاق :
1. تنافر الطباع بين الزوجين.
2. إهانة الزوج للزوجة .
3. تسلط الزوج وهيمنته داخل الاسرة.
4. عدم مراعاة الزوج لمشاعر الزوجة وعواطفها .
5. لجوء الزوج للضرب كوسيلة للتفاهم وحل الخلافات.
6. الغيرة المرضية بما يصل الى الشك والتأويلات المتعسفة.
7. سوء الاختيار.
8. تدخل الاقارب .
9. عدم الرضا عن الزواج .
10. عدم توفر الثقة بين الزوجين.
11. السفر المتكرر بصفة مستمرة.
12. مشاركة اقارب الطرفين
13. الاختلاف في الميول والمستوى التعليمي.
14. الادمان.
15. فارق في العمر بين الزوجين.
16. البغض الشديد بين الزوجين وقد تكون الكراهية بسبب الخيانة الزوجية او بسبب العنف او الانانية.
17. الوقوع في الحب.
18. عدم الالتزام بالقيم الدينية.
19. الكراهية المتبادلة بيت اهل الزوج او الزوجة وعدم التكافؤ بينهم.
20. وجود مشاكل سابقة في اسرتي الزوجيين.
خامسا : الطلاق في مجتمع الديانات السماوية :
الطلاق في الديانات السماوية الثلاث : اليهودية ، المسيحية ، والإسلام البحث فيه يطول والحديث عنه لاينقطع ، وتجنباً للإطالة فإنني أقدم فكرة مختصرة عن رؤية هذه الدينات للطلاق وكيفية معالجتها له .ففي الديانة اليهودية الطلاق مباح ، ومن حق الرجل وحده وبالإرادة المنفردة ، ولهو الحق في تطليق زوجته بدون عذر وإن كان بعذر أفضل ، والأعذار المرخص بها للطلاق عندهم تشمل : الطلاق للعيوب الخلقية كما هو الحال في العقم أو المرض ، والطلاق للعيوب الخُلقية كما هو الحال في الزنا والضرب ، أما إجراءات الطلاق عندهم فتبدأ بكتابة الزوج ورقة يثبت فيها الطلاق ثم يسلمها إلى مطلقته باليد ، وأخيراً يطلب منها مغادرة البيت ، ومن الملاحظات العامة على الطلاق في الديانة اليهودية : أن المرأة إذا تزوجت بزوج أخر لاتستطيع العودة إلى زوجها الأول مرة ثانية : وليس للمرأة فترة انتظار أي (العدة) لبراءة الرحم ( شبلي : 1990 : 51-52 ) بالرغم من وجود اختلاف بين طائفتي : الربانيين ، والقرائيين فيما يتعلق بأحقية الرجل وحده في الطلاق وكذلك فيما يتعلق بمبرراته : إلاّ أنهما تتفقان في الحالات التي يتم فيها الحكم للزوجة بالتطليق منها : هجر الزوج لزوجته ، الخيانة الزوجية ، مرض الزوج وبخاصة البرص والصرع ، عقم الزوج ، العنة ، فقر الزوج ، تكدر المعيشة والتشدد في الإنفاق ، عيوب الزوج ،والطلاق في الديانة المسيحية غير مباح من حيث المبدأ ، بالاستناد إلى ماجاء في انجيل مرقص على لسان المسيح : ".. ويكون الاثنان جسداً واحداً ، وإذن ليس بعد اثنين ، بل جسداً واحداً فالذي جمعه الله لايفرقه إنسان ". ومع ذلك أباحت الانفصال بين الزوجين مع بقاء الصفة الشرعية للزواج ، ويجوز للزوج والزوجة الاتفاق على الانفصال شريطة تثبيت ذلك في المحكمة ( شبلي : 1990 : 53 ) ولقد اختلفت المذاهب المسيحية الثلاث في مسألة إباحة الطلاق ، فالمذهب الكاثوليكي يحرم الطلاق مطلقاً وحتى الخيانة ليست سبباً كافياً للطلاق ، ولكنه أباح الانفصال لأسباب محددة منها : زنا أحد الزوجين ، انتماء أحد الزوجين لمذهب غير كاثوليكي ، الهجر ، والمرض والعقم جنون أحد الزوجين والخروج عن الديانة المسيحية . أما الطلاق في الدين الإسلامي فإنه مباح وهو أبغض الحلال عند الله ، ولقد عرف العرب في الجاهيلية الطلاق ، إذ كان من حق الزوج أن يطلق زوجته مايشاء ، وكان للمرأة عدة بعد الطلاق ، وكان لديهم طلاق الظهار ، وطلاق الإيلاء ، وإذا كان الطلاق في الديانة المسيحية عقوبة ، فهو في الديانة الإسلامية علاج ، والدين الإسلامي بالرغم من أنه جعل من الطلاق حق للرجل وحده إلا أنه لم يهمل حق المرأة في طلب الطلاق من القاضي إذا وقع عليها ضيم أو ضرر لاتستقيم معه الحياة ، والطلاق في الإسلام إما رجعي أو بائن . الرجعي وفيه يرجع الزوج زوجه إلى عش الزوجية من غير عقد جديد ما دامت في العدة . ( )
سادسا : المجتمع الاسلامي ومشكلة الطلاق
حرص الإسلام أشد الحرص على استقرار الحياة بين الزوجين، وهذا ليتمكنا من جعل البيت مهدا هنيئا ومأوى مريحاً، ينعمان في أركانه، ويستقران في ظلاله، ويربيان أولادهما تربية صالحة، لذا كان العقد الذي يربط بين الزوجين من أوثق العقود، وأقدس العرى، حتى سماه الله تعالى ميثاقا غليظا، فقال سبحانه: (وقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إلَى بَعْضٍ وأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)( ) وقد روي عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير أن المراد بالميثاق الغليظ: هو العقد( ) .
الطلاق حلٌّ شرعي يلجأُ إليه الزوجان عند استحالة العيش سويًّا، ولكنَّ الذي يجبُ العلم به والتنبه إليه أنَّ الطلاق ليس أوَّل خطوةٍ في علاج المشاكل الزوجيَّة.
• فالله تعالى يقولُ: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ ، فهاتان الآيتان تُشِيران إلى قوامة الرجل وأنَّه حاكم البيت وقائده؛ إذ لا بُدَّ لكلِّ تجمُّعٍ من قائدٍ يسوسُه ويحوطُه وينطقُ باسمه، وقد استحقَّ الرجال هذه الصفة لما ميَّزهم الله تعالى من القُدرة البدنيَّة والنفسيَّة والماليَّة، ودور المرأة حفظ نفسها ومراعاة منزلها وصون حرماته، قال القرطبي في تفسير الآية: "وقوَّام فعَّال للمبالغة من القيام على الشيء فيه وحفظه بالاجتهاد، فقِيام الرجال على النساء هو على هذا الحد، وهو أنْ يقومَ بتدبيرها وتأديبها وإمساكها في بيتِها ومنعها من البروز، وأنَّ عليها طاعتَه وقبولَ أمرِه ما لم تكن معصية".
سابعاً : المشكلات الناتجة عن الطلاق
المشكلات الناتجة عن الطلاق كثيرة، سوف اسرد بعض المشكلات التي تعاني منها المرأة المطلقة تحديدًا .
توصلت إحدى الدراسات من خلال تحليل مضمون مشكلات المطلقات التي وردت إلى احد المواقع المسؤولية عن الفتاوى الإسلامية إلى الآتي:-
1- الحرمان العاطفي" الذي نعني به "إحساس المرأة المطلقة بالوحدة، وافتقادها إلى شريك يشعرها بأهميتها، مع شعورها بالحاجة إلى إشباع الدافع الجنسي لديها" هو أكثر مشكلة تعاني منها المطلقة بنسبة 45% من إجمالي المشكلات التي تواجهها بعد طلاقها.
2- وفي المرتبة الثانية جاءت مشكلة "رفض الشباب الذين لم يسبق لهم الزواج بالزواج منهن بنسبة 20%.
3- وجاءت مشكلة "نظرة المجتمع المتدنية للمطلقة"، والتي نعني بها نظرة المجتمع لها باعتبارها "إنسانة فاشلة" لم تستطع الحفاظ علي بيتها، أو نظرة السيدات لها باعتبارها "خطرا علي بيوتهن لاحتمالية خطفها لأزواجهن" كثالث المشكلات التي تواجه المطلقة بنسبة 15%.
4- وجاءت مشكلة "الحيرة بين الزواج مرة أخرى وتربية الأبناء" بنسبة 15% من جملة المشكلات التي تواجه المطلقة.
5- وجاءت مشكلة "سوء العلاقة بين المطلقة والبيئة المحيطة بها من الأهل والجيران وزملاء العمل" في المرتبة الأخيرة بنسبة 5%.
ثامناً : معالجة مشكلة الطلاق في الاسلام والحلول المقترحة
الطلاق يعني انفصال زوجين عن بعضهما، وانفصال أطفال عن نعمة العيش في كنف أبويهما، وكذلك انفصال عائلتين عن بعضهما.
لقد منّ الله تبارك وتعالى على الإنسان المسلم بنعمة السّلم حتى في ذروة الخلافات الحادة، فالقطيعة والعداوة والبغضاء أمور غير مقبولة بأي حال من الأحوال، ونحن نعلم كيف يحض الإسلام على صلة الرحم، وعلى محبة الناس أجمعين، والتواصل فيما بين أهل الأرض.
أُحِل الطلاق في الإسلام، لكنه قيد بشروط، فلا يجوز الإقدام عليه دون تحقيقها وكفرصة للعودة عن الطلاق فقد منَّ الله على الزوجين برحمة الرجوع عنه والعودة إلى الحياة الزوجية وكأن شيئا لم يكن، لأن الأصل في الإسلام بقاء الحياة الزوجية، والعيش بسلام ومودة حتى يتمكن الزوجان من ممارسة حياتهما الاجتماعية والأسرية والتربوية.
الطلاق فعل مذموم سواء في الشرع الإلهي، أو في القانون المدني، أو في العرف الاجتماعي، ولذلك فقد رخص الله تبارك وتعالى الرجوع في كلمة الطلاق إذا لفظها رجل في وضع نفسي انفعالي أو ما شابه ذلك، وهو الطلاق الرجعي. ( )
وبقدر ما نراه ما أهل الفتاة يعبرون عن مشاعر الفرح والارتياح عندما تخرج فتاتهم من بيتها يوم الزفاف، فإن يُصابون بالفجيعة الكبرى إذا عادت إليهم ابنتهم مطلقة ولو بعد خمسين سنة ومهما كانت الدوافع والأسباب، وعلى الأخص في مجتمعاتنا التقليدية المحافظة.
إن من الممكن أن يؤثر هذا الطلاق سلبا حتى على أخوات هذه المرأة المطلقة، بل وعلى خالاتها وعماتها، وسائر الفتيات اللواتي تربطهن بها صلة قربى، فعندما يتقدم خاطب إلى فتاة سيقال له أول ما يقال: لها أخت مطلقة!
وهذا ليس كلاما، على قدر ما هو إشارة إلى البنت يمكن أن تنحو منحى أختها، فينظر الخاطب في أمره بشيء من التريث حتى يتخذ قرارا مصيريا كهذا، بل حتى عندما يتزوجها يمكن له أن يوبخها ويوصمها بأختها لأقل الخلافات، بل إنه يهددها بأن يجعلها مطلقة لتحذو حذو صنوتها لأن هذه العائلة على ما يبدو اعتادت على طلاق فتياتها، والطلاق لديها كشربة ماء.
الحياة الزوجية شبيهة بالحديقة الممتلئة بالزهور والأشواك... ولا تكون كذلك إلا بهذين العنصرين
وقد يحدث لدى بعض الأزواج أن يكون حذرا في تعامل زوجته بأختها المطلقة حتى إنه يضع معوقات حتى لا تلتقيها، بل حتى زياراتها إلى بيته تكون زيارات غير محمودة لأنها قد تفسد أختها بفكرة الطلاق، وتحرضها على عصيان زوجها.
إنها امرأة مدينة أينما ولت وجهها، بل حتى في البيت، يمكن لأخيها أن يوصمها قائلاً: لو كان فيك الخير لما أخرجك الرجل من بيته، إنك امرأة صعبة المعاشرة، في إشارة واضحة إلى أنها غير مرغوب فيها، وكان عليها أن تحتمل الحلو والمر في بيتها الزوجي.
و الطلاق من غير حاجة مكروه لما يترتب عليه من الأضرار الكثيرة. ولا ينبغي للمسلم أن يتساهل بشأنه لقوله صلى الله عليه وسلم: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" (رواه أبوداود في سننه). وحتى لو كَرِهَ الزوج من زوجته بعض الأخلاق التي لا تخل بعفتها فإنه يستحبُّ له الصبر عليها وإمساكها. قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}.
وفي دراسة قام بها البروفيسور ديفيد أولسون بجامعة مينيسوتا الأمريكية درس 15 ألف أسرة استنتج أن 25٪ من حالات الزواج الناجحة أما البقية فهي تحتاج إلى الإرشاد والتدريب الزواجي وهذا التدريب يشمل على إكساب الأزواج مهارات الاتصال الجيد ، مهارات فض النزاع .
المشاكل الأكثر شيوعاً :
- توقع الزوجين للكثر من الزواج ، مما يؤدي إلى خيبة الأمل
- اختلاف توقعات الزوجين بالنسبة للأدوار المنوطة بكل منهما
- لا يخلو زواج من مشاكل مالية ، حيث أنه إذا توفر المال يظهر النزاع في كيفية إنفاق المال .
- ضعف الاتصال والتواصل بين الزوجين أكثر المشاكل انتشارا بين الأزواج (68٪ من الأزواج)
- المشاكل مع الأقارب .
-المشاكل المتعلقة بإنجاب الأطفال وتربيتهم .
- انعدام أو قلة الرغبات والاهتمامات المشتركة بين الزوجين .
تاسعاً : منهج الإسلام في التعامل مع المشكلات الزوجية
إذا ترك الزوجان المشكلات التي تواجههما دون اتفاق على منهج محدد للتغلب عليها ، فقد تعصف أمواج هذه المشكلات بحياتهما ، ويمكن للزوجين أن يتخذا بعضًا من الأسس والمبادئ كدستور حتى يسهل عليهما التعامل مع الخلافات الزوجية ، ومنها:
1. اللجوء إلى جوهر الإسلام فيما يتعلق بالمشكلة والأخذ بما جاء في القرآن والسنة ، ثم عرض المشاكل على هذا المنهج والخضوع لرأي الدين فيها
2. السرية ، فليس لأحدهما أن يخبر أحدًا آخر بما دار بينهما من خلاف
3. خير الزوجين من يبدأ بالسلام ، ويقبل على الطرف الآخر ولا يهجره ، ويصالحه ويصفح عنه.
4. التناصح والتواصي بالحق ، والموعظة الحسنة من قبل الزوجين.
5. الاقتناع والتفاهم والتحاور الهادئ والاعتراف بالأخطاء هو السبيل لحل الخلافات.
6. الاختلاف لا يعني -أبدًا- التشاجر أو التخاصم.
7. التحلي بالصبر والأناة ، وترك الغضب والثورة.
8. على الزوجة أن تتسم باللين والطاعة.
9. الاعتذار ؛ فعلى من يشعر بالخطأ أن يبادر بالاعتذار للطرف الآخر.
10. لا يجوز الاختلاف على أمر ديني ثابت.
11. لا يجوز الاختلاف على حق يجب لأحدهما على الآخر ، كأن يترك الزوج الإنفاق على زوجته ، أو تأبى الزوجة طاعة زوجها.
12. تفادي الحرام في الخلافات ، فلا يجوز السب أو الحلف بالطلاق ، أو ما شابه ذلك.
13. تذكر إيجابيات الطرف الآخر ، والمواقف الطيبة بين الزوجين خلال فترة الخلاف ، وعند مناقشتها.
14. الانتباه ، لأن الرابح الوحيد من الخلافات الزوجية هو عدو الله وعدوهما: الشيطان.
15. لا هجر إلا في البيت ، فلا يجوز للزوج ترك البيت والذهاب إلى أحد الأصدقاء أو غيره ، إلا أن يظن أن الخير في ذلك فيجوز ، فإن تيقن منه ، وجب عليه الخروج.
16. لا تترك الزوجة بيت زوجها ، وتذهب إلى بيت أهلها مهما كانت المشكلة.
17. إبعاد الأبناء عن المشكلات ، فلا يختلف الزوجان أمامهم.
18. السرعة في الحل ، فلا يجوز ترك المشكلة وقتًا طويلا قبل المبادرة لحلها.
19. تقليل المدى الزمني للخلافات ، فعلى الزوجين أن يتفقا على مدة زمنية ، ينتهي الخلاف عندها مهما كان.
20. لا يجوز للزوج أن يضرب زوجته ضربًا مُبَرِّحًا ، أو أن يسيء إليها في بدنها ، كما لا يجوز أن يضرب الوجه أو يقبح.
21. إذا لم يتفق الزوجان ، فعليهما أن يخبرا طرفًا ثالثًا ، يُعرف بالصلاح والأمانة ؛ ليسعى بالإصلاح بينهما ، ويستحب أن يكون من الأقارب.
22. إذا تفاقمت الخلافات بين الزوجين فعليهما أن يبعثا برجل من قبل كل منهما ؛ للتشاور والسعي لحل المشكلة.
حينما تظهر إمارات الخلاف وبوادر النشوز أو الشقاق فليس الطلاق أو التهديد به هو العلاج.
إن أهم ما يطلب في المعالجة: الصبر والتحمل ومعرفة الاختلاف في المدارك والعقول ، والتفاوت في الطباع ، مع ضرورة التسامح والتغاضي عن كثير من الأمور ، ولا تكون المصلحة والخير دائما فيما يحب ويشتهى ، بل قد يكون الخير فيما لا يحب ولا يشتهى:
{ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [سورة النساء ، الآية: 19]
وقال تعالى:
{وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} [سورة النساء ، الآية: 34]
من وسائل علاج الاختلاف بين الزوجين :
أخي المسلم.. أختي المسلمة:
ولكن حينما يبدو الخلل ويظهر في الأواصر تَحَلُّل ، ويبدو من المرأة نشوز وتعالٍ على طبيعتها ، وتوجه إلى الخروج عن وظيفتها ؛ حيث تظهر مبادئ النفرة ، ويتكشف التقصير في حقوق الزوج والتنكر لفضائل البعل ، فعلاج هذا في الإسلام صريح ليس فيه ذكر للطلاق لا بالتصريح ولا بالتلميح ، يقول الله- سبحانه- في محكم التنزيل:
{وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} [سورة النساء ، الآية: 34]
يكون العلاج بالوعظ والتوجيه وبيان الخطأ ، والتذكير بالحقوق ، والتخويف من غضب الله ومقته ، مع سلوك مسلك الكياسة والأناة ترغيبا وترهيبا.
وقد يكون الهجر في المضجع والصدود مقابلاً للتعالي والنشوز ، ولاحظوا أنه هجر في المضجع وليس هجرا عن المضجع. إنه هجر في المضجع وليس هجرا في البيت ، ليس أمام الأسرة أو الأبناء أو أمام الغرباء.
الغرض هو المعالجة ، وليس التشهير أو الإذلال ، أو كشف الأسرار والأستار ، ولكنه مقابلة للنشوز والتعالي بهجر وصدود يقود إلى التضامن والتساوي.
ومن المعلوم أن الضرب يكون معنويا ، كضرب خفيف بالسواك مثلا لإظهار الغضب ، وليس للتشفي ولا للانتقام
وإذا خافت الزوجة الجفوة والإعراض من زوجها فإن القرآن الكريم يرشد إلى العلاج بقوله:
{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } [سورة النساء ، الآية: 128]
العلاج بالصلح والمصالحة ، وليس بالطلاق ولا بالفسخ ، وقد يكون بالتنازل عن بعض الحقوق المالية أو الشخصية محافظة على عقدة النكاح.
{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ..}.
الصلح خير من الشقاق والجفوة والنشوز والطلاق.
الوسيلة الأخيرة في معالجة الاختلاف :
عندما تفشل جميع الوسائل في علاج الاختلاف ، ويصبح الإبقاء على رباط الزوجية شاقا وعسيرا ، بحيث لا تحقق معه الأهداف والحكم الجليلة التي أرادها الله - تعالى - ؛ فمن سماحة التشريع وتمام أحكامه أن جعل مخرجا من هذه الضائقة ، غير أن كثيراً من المسلمين يجهلون طلاق السنة الذي أباحته الشريعة ، وصاروا يتلفظون بالطلاق من غير مراعاة لحدود الله وشرعه.
إن طلاق السنة الذي أباحته الشريعة لا يقصد منه قطع حبال الزوجية ، بل قد يقال إنه إيقاف لهذه العلاقة ومرحلة تريث وتدبر ومعالجة:
{ يَـٰأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِـنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِـهِـنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّآ أَن يَأْتِينَ بِفَـٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ, ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا (1) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ, مَخْرَجًا (2) : الطلاق }
هذا هو التشريع. بل إن الأمر ليس مقتصرا على هذا ، إن طلاق السنة هو الوسيلة الأخيرة في المعالجة ، وتسبق ذلك وسائل كثيرة.
إن الطلاق في الحيض محرم ، وطلاق الثلاث محرم ، والطلاق في الطهر الذي حصل فيه وطء محرم ، فكل هذه الأنواع طلاق بدعي محرم يأثم صاحبه ، ولكنه يقع طلاقاً في أصح أقوال أهل العلم.
أما طلاق السنة الذي يجب أن يفقهه المسلمون فهو: الطلاق طلقة واحدة في طهر لم يحصل فيه وطء أو الطلاق أثناء الحمل.
إن الطلاق على هذه الصفة علاج ؛ حيث تحصل فترات يكون فيها التريث والمراجعة.
المطلق على هذه الصفة يحتاج إلى فترة ينتظر فيها مجيء الطهر ، ومن يدري فقد تتغير النفوس وتستيقظ القلوب ويحدث الله من أمره ما شاء.
وفترة العدة - سواء كانت عدة بالحيض أو الأشهر أو وضع الحمل - فرصة للمعاودة والمحاسبة قد يوصل معها ما انقطع من حبل المودة ورباط الزوجية.
ومما يجهله المسلمون: أن المرأة إذا طلقت رجعيا فعليها أن تبقى في بيت الزوج لا تَخرج ولا تُخرج ، بل إن الله جعله بيتا لها:
{لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ}
وذلك تأكيدا لحقهن في الإقامة ، فإقامتها في بيت زوجها سبيل لمراجعتها ، وفتح أمل في استثارة عواطف المودة وتذكير بالحياة المشتركة ، فالزوجة في هذه الحالة تبدو بعيدة في حكم الطلاق ، لكنها قريبة من مرأى العين.
وهل يراد بهذا إلا تهدئة العاصفة وتحريك الضمائر ، ومراجعة المواقف والتأني في دراسة أحوال البيت والأطفال وشؤون الأسرة؟!
{ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } [سورة الطلاق ، الآية: 1]
فاتقوا الله أيها المسلمون ، وحافظوا على بيوتكم ، وتعرفوا على أحكام دينكم ، وأقيموا حدود الله ولا تتجاوزوها ، وأصلحوا ذات بينكم.
الخاتمة :
الحمد لله الذي وفقنا على إتمام هذا البحث والذي تطرقنا فيه على الطلاق ومشكلات الطلاق في مجتمعنا ، والأسباب المؤدية للطلاق ، وما بعد الطلاق والمشكلات الأسرية في لسبب الطلاق ونتيجته نسأل الله أن يرشدنا إلى الصلاح ويسدد خطانا وأن ينفعنا وجميع المسلمين وفي الختام نسأل الله التوفيق وآخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وصلى الله وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمين.