القياس : تعريفه , أركانه , حجيته , شروط صحته
القياس : تعريفه , أركانه , حجيته , شروط صحته |
1- عرف القياس واركانه ممثلا ذلك؟
تعريف القياس:
يعني القياس إلحاق واقعة لم يرد لها حكم في الكتاب أو السنة أو الاجماع بواقعة أخرى ورد لها حكم في أحد هذه الأدلة في حكمها لاشتراك الواقعة في علة ذلك الحكم وهذا التعريف نأخذ به.
2- أركان القياس:
1-الأصل: وهو ما ثبت الحكم فيه بالنص أو الاجماع ويسمى المقيس عليه.
2-الفرع: وهو ما لم يرد بحكمه نص أو اجماع يسمى المقيس.
3-الحكم: وهو حكم الأصل الشرعي الثابت له ويراد إثباته لفرع بطريق القياس.
4-العلة: وهي المعنى الذي لأجله شرع حكم الأصل.
أما الحكم الذي ثبت للفرع بالقياس فهو ثمرة إجراء القياس فلا يكون ركنًا من أركان القياس ولا شرطًا من شروطه وبالأمثلة يتضح المراد.
المثال الأول: ورد النص بحرمان قاتل المورث إرثه في قوله -صلى الله عليه وسلم-:«لا يرث القاتل شيئًا» فقاتل موروثه أصل محكوم عليه بالحرمان من إرث المقتول لعلة هي ارتكاب جريمة قتل حرام للحصول على منفعة قبل أوانها الشرعي وقاتل الموصي له فرع فإذا وجدنا عليه حكم الأصل متحققة فيه لزم قياسًا أن يكون مثله في الحكم ويحرم ما أوصى له به.
المثال الثاني: ورد النص بحرمة ابتياع المؤمن على بيع أخيه في قوله -صلى الله عليه وسلم- «المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر»أي يترك فهذا نص نبوي شريف يحرم على الشخص أن يشتري شيئًا قد رغب في شرائه أو يخطب امرأة قد سبقه غيره إلى خطبتها وعلة هذا التحريم أن في هذا العمل اعتداء على حق الغير وإيذاء له ما يؤدي إلى القطيعة والعداوة والضغينة في النفوس.
مرتبة القياس وفائدته:
*يرى جمهور فقهاء المسلمين أن القياس دليل من أدلة الاحكام الشرعية ومرتبته في الأدلة الرابعة إذ يجعلونه بعد الكتاب والسنة والاجماع، ومن جهة أخرى فهو أول طريق يلجأ إليه المجتهد للتعرف على حكم الشرع في واقعة لم يرد فيها نص. فالقياس بمثابة اجتهاد في تطبيق النص لذا كان القياس أول الأدلة العقلية وهو أوضح طرق الاستنباط وأقواها فإذا اختلف المجتهدون في حكم لاختلاف الأدلة وألحقوا المثيل يكون ذلك بالغوص في الكتاب والسنة وتلمس الأشياء والنظائر والقياس عليها.
*وفائدة القياس هو إظهار أن حكم الله في الفرع هو حكمه في الأصل
3- تكلم عن حجية القياس من الكتاب والسنة وإجماع المعقول ثم بين أدله المنكرين لحجية القياس؟
أولاً: أدلة الجمهور على حجية القياس
(أ)من الكتاب: قال تعالى في شأن اليهود {الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}ووجه الاستدلال من النص أن الله سبحانه بعد أن بين أنه عاقب بني النضير من اليهود بإخراجهم من ديارهم وقذف الرعب والفزع في قلوبهم وتخريب بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين بين حال من يسير على ما سار عليه اليهود من بني النضير والمراد تأملوا يا أصحاب العقول السليمة فيما أصاب هؤلاء القوم من العقاب وفي السبب الذي من أجله استحقوا ذلك العقاب واحذروا أن تفعلوا مثل فعلهم حتى لا يصبكم ما أصابهم لأنكم بشر مثلهم وما جرى على الشيء يجري على نظيره.
ونلاحظ
*أن الأحكام الواردة في النص إقترنت بالعلل وأوصاف في الأفعال المحكوم عليها مناسبة لتلك الأحكام لا يستقيم معناها في العقول السليمة إلا إذا أريد بها الدلالة على تعلق الأحكام بتلك العلل والأوصاف بحيث توجد الأحكام كلما وجدت تلك العلل والأوصاف ولا تختلف عنها إلا بمانع يقتضي تخلفها وذلك هو القياس.
(ب)من السنة: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن بين الحكم وكثير من المسائل بطريقة ترشد إلى صلاحية القياس في استنباط الأحكام الشرعية وذلك أنه إذا كان إذا سئل عن حكم مسألة لا يجيب السائل بيان حكمها بل يسأله عن الحكم في مسألة أخرى تكون شبيهة بالمسألة التي يريد السائل معرفة حكمها فإذا بين السائل له حكم تلك المسألة قال له الرسول صلى الله عليه وسلم:
إن مسألتك التي تسأل عنها شبيهة بتلك المسألة وعلى هذا يكون الحكم في المسألتين واحدًا .
ومن السنة ما روي عن أعرابيًا أتى رسول الله الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: «أم إمرأتي ولدت غلامًا أسود وأنا أنكرته، فقالالرسول صلى الله عليه وسلم: (هل لك من إبل)، قال: نعم، قال: حمر، قال: (هل فيها من أورق)؟ بياض إلى سواد رمادي، قال: نعم، قال: (فأنى ترى ذلك جاءها) قال: عرق نزعه، قال: (ولعل هذا عرق نزعه)».
(ج)أما دليل القياس من الاجماع: فهو ما ثبت بالتواتر المعنوي عن جمع كثير من شيوخ الصحابة وفقهائهم أنهم عملوا بالقياس ونقل ذلك الثقات من علماء الأصول عن الصحابة والتابعين الذين يهتدي بهديهم ويستن بسنتهم لأنهم أعلم الناس بمقاصد التشريع وأعرفهم بلغة التنزيل وعلله ومراميه، وتكرر منهم رضي الله عنهم بالقياس في كثير من الوقائع المشهورة ولم ينكر أحد منهم ذلك فكان إجماعًا من الصحابة على العمل بالقياس.
ولذلك أمثلة عديدة نختار منها ما يلي:
1-قاس الصحابة -رضي الله عنهم- إمامة أبي بكر العامة على إمامته الخاصة في الصلاة.
عبدالله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما- كان يرى أن الجد يحجب الأخوة جميعًا من الميراث وكان زيد بن ثابت يخالفه في ذلك ولكنه كان يتفق معه في أن الابن يحجب الخوة من الميراث، فاحتج ابن عباس بقياس الجد على ابن الابن في حجب الأخوة وقال: (ألا يتقي الله زيد بن ثابت، يجعل أب الأب أبًا)، يريد بقوله أن درجة قرابة الجد من الميت مثل درجة قرابة ابن الابن منه، فكما أن ابن الابن يحجب أخوة المتوفي عن الميراث فكذلك الجد يحجبهم قياسًا لذات العلة وهي القرابة المتساوية من الميت.
(د) من المعقول: من الاستدلال بالمعقول على حجة القياس: أن النصوص المتناهية والوقائع متجددة غير متناهية ولا يعقل أن يحكم المتناهي غير المتناهي فيلزم أن يكون هناك مصدرًا تشريعيًا آخر يكشف أحكام ما يجد من وقائع لا تحصرها النصوص والقياس، هو ذلك الدليل حتى تعطي كل نازلة حكمًا شرعيًا لأن الله تعالى لم يترك الناس سدى وقد نص على أن القرآن تبيان لكل شيء وأنه لم يفرط فيه من شيء وأنه سبحانه أكمل الدين وأتم النعمة.
وهذا كله لا يصدق إلا إذا قلنا بوجوب العمل بالقياس واعتماده مصدرًا تشريعيًا للأحكام لأن الشاهد أن النصوص لم تأت بحكم كل واقعة عينًا، لزم القول بالقياس تصديقًا لخبر المولى سبحانه وتعالى أنه نزل الكتاب تبيانًا لكل شيء وأنه ما فرط فيه من شيء.
أدلة المنكرين لحجية القياس:
1-أن القياس يفيد الظن وفق ما جاء في القرآن الكريم مثل قوله تعالى:{إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئًا} ووجه الدلالة أن الظن منهي عن اتباع والاعتماد عليه بنص القرآن أيضًا كقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثير من الظن إن بعض الظن إثم …}.
2-العمل بالقياس يؤدي إلى الخلاف والتنازع منهي عنه بقوله تعالى:{ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا …} فيكون القياس منهيًا عنه كذلك.
3-أما ثالث الشبه لنفاة القياس فهي أن القول بنفي القياس يتعارض مع المتفق عليه وهو متى بلغ المرء رتبة الاجتهاد كان من الواجب عليه أن يجتهد لنفسه فيما يعرض له من مسائل، فإذا وصل إلى الحكم المطلوب بغالب ظنه امتنع عليه تقليد غيره، وإذا اجتهد فلم يصل أو ضاق وقته عن الاجتهاد كان في حكم العاجز وصح أن يقلد من يثق به من المجتهدين الأحياء والأموات الذين نقلت إليه آراؤهم نقلاً صحيحًا هذا عن الاجتهاد الفردي.
4-أخر شبهة تمسك بها نفاة القياس هي:
أن أكابر الصحابة -رضي الله عنهم- قد ذموا الرأي وأنكروا العمل به والقياس رأي فيكون مذمومًا عند الصحابة رضوان الله عليهم وفي ذلك آثار مروية عنهم، ما روى عمر بن الخطاب أنه قال: (وإياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء الدين أعيتهم السنة أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا) و؟؟؟؟والقياس ومنها أيضًا قول على بن أبي طالب كرم الله وجهه: (لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره، ولكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على ظاهر الخف وليس باطنه).
4- تكلم عن شروط صحة القياس ؟
شروط صحة القياس:
شروط حكم الأصل:
الأصل والوقعة المنصوص على حكمها وتسمى مقيسًا عليه وحكمها يكون ثابت نصًا أو إجماعًا وقد اشترط الأصوليون في هذا الأصل شروط :-
الشرط الأول: أن يكون حكم الأصل حكمًا شرعيًا ثابتًا بدليل من الكتاب أو السنة أو الاجماع وللعلماء في صحة القياس على الأصل الذي ثبت حكمه بالإجماع تفصيل هو :
1- أنه لا يصح القياس على الأصل الذي ثبت حكمه بالإجماع؛ لأن القياس يتوقف على معرفة العلة التي شرع حكم الأصل من أجلها ومعرفة علة الحكم بالإجماع غير ممكنة لأن معرفتها لا تكون إلا من سند الاجماع، والسند لا يذكر مع الحكم المجمع عليه، وإذا لم يذكر السند فلا يمكن معرفة على الحكم الثابت بالإجماع ومن هنا لا يصح القياس على الأصل الذي ثبت الاجماع، وبهذا قال الحنابلة وبعض الشافعية.
2-يصح القياس على الأصل الذي ثبت حكمه بالإجماع وسند ذلك أن الاجماع دليل شرعي مثل الكتاب والسنة، يصح القياس على الأصل الثابت حكمه به كما يصح القياس على الأصل الذي ثبت حكمه بالكتاب والسنة متى عرفت العلة.
القياس على الحكم الثابت في الفرع بالقياس:
إذا كان الحكم الثابت في الفرع ثابتًا بالقياس فلا يجوز اعتباره أصلاً يقاس عليه اتفاقًا بين العلماء؛ لأن الصحيح أن يكون القياس على الأصل ذلك أن القياسين إن اتحدا في علة الحكم لم يكن لذكر الفرع (الأصل الثاني) فائدة، بل القياس يكون على الأصل الأول مباشرة والذي هو أصل القياس الثاني وإن اختلفا في العلة كان القياس الثاني باطلاً؛ لأن العلة في القياس الأول غير موجودة في القياس الثاني.
ومن الأمثلة على ذلك :
تحريم شرب الكونياك الثابت بالقياس على تحريم شرب الخمر المنصوص عليه فلا يصح أن يثبت لشيء آخر بطريق القياس على الكونياك لأن ذلك الشيء إن كان توجد فيه العلة التي لأجلها حرم الشرع شرب الخمر وهي الاسكار وفساد العقل كالبيرة والحشيش والبودرة مثلاً كان التحريم هنا بالقياس على الخمر المنصوص عليه.
الشرط الثاني:
أن يكون حكم الأصل معللاً بعلة معينة يستطيع العقل إدراكها معرفة العلة أساس القياس لنتأكد من وجودها في الفرع من عدمه فإذا تعذر على العقل إدراك العلة التي شرع حكم الأصل من أجلها تعذرالقياس وامتنع.
فمثلاً الأحكام التعبدية وهي أحكام استأثر الله سبحانه بعلم عللها التي شرعت لأجلها كأعداد ركعات الصلوات وتحديد مقادير الزكوات في الأموال التي تجب فيها وكونها ربع العشر في الذهب والفضة والعشرة أو نصفه في زكاة الزروع.
فهذه الأحكام وأمثالها كجلد الزاني مائة جلدة والقذف للغرض ثمانين يمكن للعقل إدراكها ومن ثم فلا يكون للقياس مجال فيها.
الشرط الثالث:
أن يكون حكم الأصل متقدمًا في التشريع على حكم الفرع إذا لم يكن لحكم الفرع دليل سوى القياس، وعلى ذلك أن حكم الأصل لو كان متأخرًا عن حكم الفرع في التشريع ولم يكن لحكم الفرع دليل سوى القياس لزم أن يكون هذا الحكم ثابتًا في الفرع بغير دليل وهذا غاية البطلان والفساد التشريعي وأما إذا كان لحكم الفرع دليل غير القياس فإنه لا يمتنع القياس على أصل تأخر حكمه عن حكم الفرع في التشريع لأن القياس في هذه الحالة يكون لتقوية الدليل الذي أثبت حكم الفرع وبيان أنه يتفق مع قواعد الشرع وعلله.
ومن الأمثلة على ذلك قياس الإمام الشافعي الوضوء على التيمم في وجوب الوضوء لأن التيمم شرع بعد الهجرة والوضوء قبلها، ومع ذلك فالقياس صحيح لأن لوجوب النية في الوضوء دليلاً آخر غير القياس وهي قوله عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى …»
الشرط الرابع:
ألا يكون حكم الأصل مختصًا به لأن الاختصاص لا يثبت إلا بدليل شرعي يدل عليه فإذا قام الدليل على الاختصاص كان إثبات الحكم لغير المنصوص عليه بالقياس مخالف لذلك الدليل والقياس المخالف للدليل باطل.
وعلى الرغم من وجود العلة التي تقتضي التسوية في الحكم بين الأصل والفرع لكن حكم الأصل لما خصه الشارع به أو جعله ميزة له فقد بطل عمل العلة وخرج الأمر عن منهاج القياس الذي كان يقتضي الإلحاق لولا وجود الخصوصية في حكم الأصل.
ما يتفرغ على هذا الشرط:
يتفرغ على هذا الشرط أن الأحكام المعدول بها عن منهج القياس لاختصاص حكم الأصل بها وجدت في الشريعة على نوعين هما:
النوع الأول: نوع لا يعقل معنى الخصوصية فيه وهو ينقسم إلى قسمين هما:
أ-قسم خرج عن قاعدة مقررة.
ب-قسم لم يخرج عن قاعدة مقررة.
النوع الثاني: نوع يعقل معناه وهو أيضًا إلى قسمين هما:
أ-قسم له وصف ظاهر منضبط ولكنه قاصر على الحكم.
ب-قسم ليس له وصف ظاهر،فتحصل عندي أربعة أقسام يلزم الحديث عنها مع ذكر الأمثلة ليسفر وجه التشريع مشرقًا وذلك فيما يلي:
أولاً: ما خرج عن القاعدة المقررة ولا يعقل معنى الخصوصية فيه:ومن أمثلة هذا القسم ما يلي:
1-الأحكام الثابتة لسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دون غيره من الأمة كزواجه -صلى الله عليه وسلم- بأكثر من أربع إذ أن المقرر في الشريعة ألا يزيد الجمع عن أربع نسوة لقوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} فلا يجوز قياس أحد من الأمة على النبي في الزيادة عن الأربع زوجات.
2-إباحة الزواج للنبي -صلى الله عليه وسلم- على سبيل الهبة دون مهر يدفع فإن ذلك مختص به عليه الصلاة والسلام لا يشاركه في ذلك أحد من الأمة، قال تعالى: {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي أتيت أجورهن وما ملكت يمينك …} حتى قوله سبحانه وتعالى: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين} فالنص الصريح في صحة زواجه -صلى الله عليه وسلم- من غير مهر فلا يصح لغيره من الأمة الزواج بدون مهر بالقياس عليه.
3-تحريم الزواج من إحدى نسائه -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته لثبوت تلك الخصوصية في قوله تعالى: {… وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا إن ذلكم كان عند الله عظيمًا} فإن هذا الحكم من خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم- تمييزًا لشرفه وتنبيهًا على عظم منزلته فلا يجوز أن يقاس عليه غير في ذلك مهما كانت منزلته في المجتمع.
ثانيًا: ما لم يخرجعن القاعدة المقررة ولا يعقل معنى الخصوصية فيه أيضًا إذ شرعه الشارع ابتداء محددًا كأعداد الصلوات وركعاتها وخصوصية سائر الكفارات وسائر الأمور التعبدية ومن ثم لا يقاس عليها لأن غايتها إجلال الرب والامتثال لشرعه دون البحث عن المعاني في هذه التكليفات.
النوع الثاني وهو ما لا يعقل معناه:
قلنا سابقًا إن هذا النوع ينقسم إلى قسمين هما:
أولاً: ما له وصف ظاهر منضبط ولكنه قاصر على الحكم كترخيص الشرع للمسافر بقصر الصلاة والفطر في نهار رمضان لعلة في ذلك وهي السفر وهو وصف ظاهر مناسب للرخصة لما في السفر من المشقة لكن هذا الوصف لا يوجد شرعًا في غير السفر وإن وجدت المشقة في غيره كأصحاب الأعمال الشاقة فلا يجوز قياسهم في الفطر والقصر على المسافر.
ثانيًا: قسم ليس له وصف كضرب الدية على العاقلة.
الشرط الخامس:
أن يكون حكم الأصل ثابتًا غير منسوخ حتى يمكن بناء الفرع عليه لأن حكم الأصل إذا نسخ كان ذلك إبطالاً للحكم من الشارع فيفقد الوصف الجامع بزوال حكمه فلا يتعدى إلى غيره إذ كيف يمكن إعطاؤه لفرع قد أبطل الشارع حكم أصله بالنسخ وحكم الأصل ركن من أركان القياس وببطلان الركن يبطل القياس لأن الركن جزء من حقيقة القياس.
شروط الفروع:
الشرط الأول: أن يكون الفرع مساويًا للأصل في علة الحكم:
وذلك لأن الفرع إذا كان لا يساوي الأصل في علة الحكم لم يكن نظيرًا للأصل ولا شبيهًا له أوله وإثبات الحكم بالقياس إنما يكون لنظير الأصل وشبيه كقياس النبيذ على الخمر فإنهما متساويان في العلة وهي الاسكار، ويقال للقياس الذي لا يتحقق فيه هذا الشرط قياس مع الفارق بين المقيس والمقيس عليه.
مثال:
يذهب الحنفية إلى القول بصحة أن تتولى المرأة البالغة العاقلة الراشدة بنفسها عقد زواجها قياسًا على صحة تصرفها في بيع أي شيء من مالها الذي تملكه لأن كلاً من العقدين تصرف في حق خالص للمرأة وهو المال في عقد البيع ونفسها في عقد الزواج.
الشرط الثانى: أن يكون الفرع غير منصوص على حكمه:
هذا هو الشرط الثاني من شروط الفرع في القياس وهو ألا يكون في الفرع نص على حكمه فإن كان في الفرع نص على الحكم فلا يجوز القياس لأن ذلك يعني قياس نص على نص وهذا غير سائغ فقهًا إذ القياس طبيعته إلحاق غير منصوص عليه بمنصوص عليه، فيكون من غير المعقول أن يثبت القياس مع وجود النص.
وعلة ذلك أن النصين ليس أحدهما أولى بالقياس عليه من الآخر ولأن اهمال النص الموجود في الفرع –على فرض وجوده- وجعله ؟ لأصل آخر فيه نص وقياسه عليه يعتبر إهدار للنص الموجود ويكون القياس مع وجود النص قياسًا فاسدًا.
مثال تطبيقي:
الصلاة لا يجب على الحائض قضائها عن مدة الحيض فلو قال قائل إن الصوم لا يجب قضاؤه على الحائض قياسًا على عدم قضاء الصلاة في زمن الحيض بجامع أن كلاً منهما عبادة فذلك باطل لأن قضاء الصيام على الحائض ثابت بالنص، وعدم قضاء الصلاة عليها ثابت بالنص أيضًا، فلا يقاس أحدهما على الأخر لاشتراكهما في مطلق العبادة.
الشرط الثالث :ألا يكون بالفرع مانع يمنع ثبوت حكم الاصل فيه:
بمعنى انه اذا وجدت علة الاصل في الفروع ووجد مع ذلك في هذا الفرع ما يمنع ثبوت حكم الاصل فيها فان قياس لان يجوز لوجود التعارض بين الموجب لثبوت الحكم في الفروع وهو العلة والموجب لعدم ثبوته فيه وهو الفرع ولاصل عدم ثبوت حكم الاصل لغيره .
مثال تطبيقي:-
يرى الحنيفه انه يجب القصاص على المسلم بقتل الذمى قياسا على غير المسلم اذا قتل الذمى والعلة الجامعة بين الاصل والفروع هي القتل العمد والعدوان وهو موجود في الفرع اي في قتل المسلم للذمى كما هو موجود في الاصل اي قتل الذمى للذمى
لكن الشافعي يرضى الله عنه يقول :
ان في الفرع مانعا يمنع من ثبوت حكم الاصل في وهو كون القاتل مثلاما اخذا من قوله عليه الصلاه والسلام(الا لا يقتلن مسلم بكافر)في حين رد الاحناف هذا الحديث فلم يثبت الفرق الذي ادعاه الشافعية