المقدمة
الإدارة نشاط إنساني يشمل كافة مجالات الحياة،بغية الوصول إلى تحقيق نتائج أفضل من خلال تفاعل الموارد المادية والبشرية،وقد اهتم الإنسان بالتفكير والتنظير للعمل الإداري،ووضع قواعد لهذا العلم،فتكون بذلك تراث إداري ضخم،يمكن إنسان اليوم من استثمار هذا التراث لصالح تنمية وتطوير العمل الإداري في كافة مناشط الحياة ليعود عليه بالنتائج الأفضل ويقلل من الخسائر والهدر العام للطاقات البشرية والمادية. ومع أن النشاط الإداري قديم قدم الإنسان،إذ كان يحتاجه في عمله السياسي والاقتصادي والعسكري بشكل خاص،إلا أن التنظير الإداري المنظم على ما يبدو من الدراسات الإدارية لم يتبلور إلا في بدايات القرن الماضي،مثله مثل علوم أخرى،كعلم النفس والاجتماع الذين كانا ينضويان في الدراسة والتقعيد تحت الفلسفة،وحين تجمعت عناصر كل علم وتراكمت الحقائق العلمية فيه شكل مجالا مستقلا،ثم تفرع عن كل علم مجموعة من الفروع. لذلك يذهب المفكرون الإداريون إلى أن المدخل الذي كانا معتمدا في الإدارة قبل عام 1900م،كان يعتمد على التجربة والخطأ،وهو مدخل يعتمد بالدرجة الأولى على الخبرة الشخصية في المجال الإداري وما يتميز به الشخص من سمات ومؤهلات تجعل أداءه الإداري صائبا أو خاطئا،ولاشك أن هذا المدخل يجعل من العمل الإداري غير منظم،وغير قابل للمراقبة والتقييم والتقويم.فالخبرة الشخصية جيدة لكنها غير كافية لجعل العمل الإداري محركا للتطوير والتنمية الشاملة.
قد قامت نظرية المدخل الإنساني المشار إليه في المقدمة، على أن الإنسان مخلوق اجتماعي، يسعى إلى علاقات أفضل مع الآخرين،وان أفضل سمة إنسانية جماعية هي التعاون وليس التنافس،وبناء عليه انعكس ذلك على كيفية تفسير السلوك الإنساني والتنبؤ به والتحكم فيه.
وبناء على هذا الأساس تم تصور مجموعة من المبادئ النظرية التي يتأثر بها العمل الإداري،وعليه أن يأخذها في الحسبان،منها أن الناس في سلوكهم داخل العمل يتأثرون باحتياجاتهم الاجتماعية،و يشعرون بأهميتهم من خلال العلاقة بالآخرين،والعمل قد يكون غير مرض لهم إذا اعتمد التخصص والتقسيم والاتجاه إلى الآلية والروتينية،وهم يتأثرون بعلاقتهم الاجتماعية وزملائهم في العمل أكثر من تأثرهم بنظم الرقابة الإدارية والحوافز المادية. ونتيجة للعيوب التي ظهرت على هذه النظرية، حاول بعض العلماء تطويرها بالشكل الذي يسمح باستخدام كل الجوانب السلوكية للناس لإعطاء تفسيرات أكثر دقة للأداء الناجح في الأعمال. لقد سلطت نظرية المدخل السلوكي الضوء على الجوانب الإيجابية والسلبية لكل من سلوك الأفراد وسلوك الإدارة،حتى يمكنها استخدام كل الطاقات السلوكية للناس في أعمالهم،ومن رواد هذه الفكرة كريس إرجيرس،ودوجلاس ماكجريور،ورنسيس ليكرت،وإبراهام ماسلو،وفردريك هرزبرج،والعديد من علماء السلوك وعلماء الإدارة المعاصرين.وهنا تلخيص لأهم الآراء والمبادئ النظرية للمدخل السلوكي:
1/يختلف الناس في حاجاتهم،فالبعض منهم تسيطر عليه الحاجات المادية،والبعض
الأخر تسيطر عليه الحاجة للتقدير أو تحقيق الذات،وقيام المنظمة بمساعدة الأفراد في إشباع حاجاتهم يساعد في إبراز طاقاتهم وإمكانياتهم إلى ابعد حد.
2/يسعى الأفراد لأن يكونوا منضبطين في العمل،ولكن الرقابة المباشرة،التي قد تفرضها الإدارة تؤذي هذا الشعور.وعليه فان إثارة حس المسئولية والرقابة غير المباشرة،تأتي بنتائج أفضل في مجال الانضباط من المراقبة المباشرة.
3/يسعى الأفراد لأن يكونوا ناضجين وناجحين في العمل، طالما كان العمل مصمما على هذا الأساس.
4/لدى الناس قدر من الحماس والدافعية الداخلية للعمل والأداء المتميز،ويمكن للمنظمات الاستفادة من هذه الدافعية،عبر توفير الشروط الإدارية المحفزة.
5/هناك عناصر أخرى تؤثر في سلوك الفرد في عمله،ومن أهمها طريقة الفهم،وأسلوب اكتساب السلوك،والاتجاهات النفسية،والقدرات وغيرها،وعلى الإدارة أن تأخذ هذه العناصر بعين الاعتبار.
6/يسعى الفرد لتحقيق تقابل وتماثل بين أهدافه وبين أهداف المنظمة التي يعمل بها.
7/يختلف سلوك الأفراد حسب الموقف الذي يتعرضون له، وكذلك يختلف نمط تصرف الإدارة مع الأفراد حسب الظروف.
8/يختلف السلوك الفردي والإداري من دولة أو من حضارة إلى أخرى، ولابد من اخذ ذلك بعين الاعتبار لمن يدير أعمالا في بيئات حضارية متباينة.
عناصر المدخل السلوكي
كما سبق القول أن المدخل السلوكي في الإدارة،يهتم بدراسة ثلاثة علوم،وهي علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الإنثروبولوجيا،وذلك بهدف فهم السلوك الفري في حالته المستقلة والسلوك الفردي في حالة تفاعله مع الآخرين،وهذا يتطلب الدراسة المستقلة لكل موضوع له تأثير على السلوك،وتقسم بعض الدراسات السلوك الذي يدرسه المدخل السلوكي في الإدارة،إلى عناصر السلوك الفردي،وعناصر السلوك الجماعي،إذ أن عناصر السلوك الفردي،هي تلك المتغيرات أو العناصر التي تؤثر بالدرجة الأولى على السلوك الفردي للناس،والتي يجب دراستها لفهم السلوك،والتنبؤ به،وتوجيهه،وهي كما يلي:
1/الإدراك:وهو يتناول كيف يرى الفرد الناس من حوله وكيف يفسر ويفهم المواقف والأحداث من حوله،وكيف يؤثر هذا الإدراك على حكمه على الآخرين وعلى تصرفاته واتخاذه للقرارات. وقد عرف الإدراك بالعملية التي يتمكن بها الإنسان من أن يتفهم مشاعره عن العالم المحيط به،وهو يتأثر بخبرات الإنسان وقدراته الوراثية ودوافعه ورغباته.
2/التعلم:وهو موضوع يفيد العملية الإدارية في فهم كيف يكتسب العاملون سلوكهم، وكيف يمكن تقوية أو إضعاف أنماطا معينة من السلوك، وقد عرف التعلم بأنه التغير في السلوك الناتج عن الخبرة السابقة وهو يتأثر بالمكافأة أو تجنب العقاب.
3/الدوافع:إن دراسة الدوافع تقدم خدمة كبيرة للعملية الإدارية،إذ تفيد في فهم العناصر التي تؤثر في رفع حماس ودافعية العاملين،وفي التسلح ببعض الأدوات والمهارات التي يمكن من خلالها حث العاملين ورفع حماسهم في أعمالهم،وقد عرفت الدافعية،بالمنشط والموجه للسلوك وهي تشكل النشاط الإنساني في صورة نشاط هادف،كما أنها قسمت إلى
ثلاثة أنواع،أساسية،ونفسية ،واجتماعية.
4/الشخصية:وهي مجموعة الخصائص والسمات الشخصية التي تحدد الفروق المختلفة من السلوك بين الأفراد وهي تتأثر بالوراثة، والعضوية في الجماعة، والبيئة المحيطة. ودراسة الشخصية تساعد المدير على فهم مكونات وخصائص الشخصية،وتأثيرها على سلوك الأفراد داخل أعمالهم،وهو فهم ضروري لتمكين المدير من توجيه المرؤوسين للأداء السليم.
5/تكوين الاتجاهات:وهي عبارة عن دراسة استجابة الإنسان تجاه شيء معين فالعامل يتكون لديه اتجاه نحو رئيسه أو أجره أو مرؤوسيه وزملائه،وهذه الاتجاهات تتأثر بطريقة تفكير الشخص وخبراته. ودراسة الاتجاهات يفيد في العملية الإدارية في معرفة آراء ومشاعر وميول الناس للتصرف في مواقف معينة، وكيف يمكن التأثير عليها لصالح العمل.
كما يدرس المدخل السلوكي في الإدارة، عناصر السلوك الجماعي، وهي تلك المتغيرات أو العناصر المؤثرة في والمكونة للسلوك الجماعي، أو الجماعات، وهي لازمة لفهم هذا السلوك والتنبؤ به وتوجيهه.
السلوك هو المرحلة الأخيرة في عملية الإدراك بناء على المدلولات والتفسيرات التي أعطاها الإنسان للإثارة الموجه إليه.
وهنالك عوامل تؤثر على عملية الإدراك، منها خصائص المثير محل الإدراك، والبيئة المحيطة المادية والاجتماعية، وكذلك خصائص الفرد القائم بالإدراك. وقد رأى بعض ألباحثين أن هنالك نوعين من الإدراك، هما:
1/الإدراك الحسي:وهو ما يدركه الإنسان عن طريق حواسه المختلفة.
2/الإدراك العقلي:وهو الإدراك المتطور نسبيا والذي يأتي نتيجة تفاعل الخبرات الحسية مع المخزون المعرفي لدى الإنسان والذي يتمخض عن المعاني والأفكار. أن الإدراك عملية انتقائية، بمعنى أن الإنسان يدرك أجزاء معينة من الظواهر ينتقيها حسب ما يتوفر له من خبرات سابقة وأطر مرجعية.